أبناء المرجعية الرشيدة ليسوا كالذين لا يفرّقون بين الناقة والجمل ويفضّلونهما على المبادئ

| |عدد القراءات : 2638
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبناء المرجعية الرشيدة ليسوا كالذين لا يفرّقون بين الناقة والجمل ويفضّلونهما على المبادئ[1]

 

ورد في أهازيجكم و حديثكم إنكم لا تبتغون الناقة والبعير وإنما تريدون رضا الله تبارك وتعالى من خلال طاعة المرجعية الرشيدة. وهذه الفقرة تذكّرني بحادثتين تاريخيتين نذكرهما لنأخذ منها الدروس والعبر، فان التاريخ إنما يكتسب قيمته بمقدار ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا وإلا فانه يعود مجرد قصص وحكايات كقصص عنترة بن شداد.

 

(الأولى) ان النبي (ص) لما هزم ثقيف في معركة حنين بعد فتح مكة وانهزموا ووقعت غنائم وفيرة بيد المسلمين وزّعها رسول الله (ص) على قريش وخصّ المؤلفة قلوبهم الذين هم حديثو عهد بالاسلام بعطايا جزيلة فكانت حصة بعضهم مئة من الابل ولم يعطِ للأنصار شيئاً فأثيرت تساؤلات بأن هذا التصرف هل كان عن موجدة لرسول الله(ص) على الانصار وهل إنه (ص) حنَّ لمكّة ولبني عمومته، فجمع رسول الله(ص) الانصار وخطبهم لتطييب قلوبهم و إزالة هذه الظنون عنهم إلى أن قال (أما ترضون أن يرجع الناس بالناقة والبعير وتعودون برسول الله (ص)) فصاحوا باجمعهم رضينا بالله وبرسوله (ص).

 

(الثانية) ان معركة صفين التي استمرت حوالي سنة ونصف كانت تشهد فترات هدنة وإيقاف للقتال يزور فيها الشامي العراق والعراقي الشام، وذات مرة ذهب عراقي إلى الشام، فتعلق به شامي وقال له إن هذه الناقة التي تركبها هي لي، قال العراقي إنه جمل وليس ناقة فدعواك باطلة فرفع أمره الى معاوية الذي حكم بالجمل لصالح الشامي من دون نظر ثم همس في اذن العراقي وقال له انقل هذه الرسالة الى علي بن أبي طالب وقل له: إن معاوية يقاتلك بناس لا يميزون بين الناقة والجمل.

 

بمثل هذه النماذج الساذجة والمتخلفة والحريصة على فُتات الدنيا الزائلة ابتلي قادة المشروع الإلهي العظيم رسول الله (ص) والأئمة الطاهرين من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وكان اعداء أهل البيت (سلام الله عليهم) يراهنون في صراعهم العسكري والسياسي والعقائدي على جهل الناس وسذاجتهم فيسوقونهم الى غاياتهم الشيطانية بالتزوير بالخداع والأباطيل والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة لا نحتاج الى بيانها بحيث استطاع مثل معاوية في موبقاته وتاريخه الأسود أن يقود الناس لقتال علي بن أبي طالب المثل الكامل للإنسانية بعد رسول الله (ص) والذي استحق خلافة المسلمين –رغم زهده فيها- بجميع المقاييس، إذ لو كانت الخلافة بالنص فقد نصّ عليه رسول الله (ص) في يوم الغدير وغيره، ولو كانت بالاستحقاق فهو أعلم الصحابة و أقضاهم و أشجعهم  وأفضلهم و اسبقهم الى الإيمان والجهاد بشهادة رسول الله (ص) والصحابة أنفسهم، وإن كانت بالانتخاب فقد اجمعت الأمة عليه وانهالت عليه في بيعة جماهيرية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وإن كانت بالقرابة من رسول الله (ص) كما احتجت قريش على الأنصار بأنهم شجرة رسول الله (ص) فهو ثمرة تلك الشجرة وهو أخو رسول الله (ص) وزوج ابنته الطاهرة الزهراء وربّاه رسول الله وتولى رعايته، أفبعد كل هذا يستطيع مثل معاوية وغيره ان يعبئوا الجيوش لقتاله وتشويه صورته والافتراء عليه.

 

 لكننا اليوم نلمس فيكم وعياً وطاعة لمرجعيتكم الرشيدة وإخلاصاً للأهداف الالهية العظيمة وهذا أمر طبيعي بلطف الله تبارك وتعالى وبجهود ودماء قادة الاسلام العظام ابتداءاً من الأئمة الطاهرين وحتى المراجع المتأخرين كالشهيدين الصدرين (قدس الله سريهما) وعلى مدى الف واربعمائة عام اثمرت هذا الوعي والقدرة على التمييز بين القيادة الحقّة التي تدعوهم لما يحييهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)الأنفال24 وبين القيادات الحريصة على الدنيا والتي تترك رسول الله (ص) وأمير المؤمنين والمبادئ الحقّة خلف ظهورها لتتصارع مع من وصفهم أمير المؤمنين بالكلاب المتصارعة على جيفة وهي الدنيا

 

فتمسكوا أيها الأحبّة بالحق و بالذين يوصلونكم الى الله تبارك وتعالى فهذا هو النصر الحقيقي والعاقبة الحسنة وهذا هو المغنم الذي يستحق الفرح بتحقيقه (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

 

إن رسول الله (ص) حينما اعطى أبا سفيان مئة من الابل واعطى فلاناً غيرها فلأنه (ص) كان يعرف قيمة إسلام هؤلاء وأهدافهم التي جاؤوا من أجلها ولذا فإنهم ما إن مات رسول الله (ص) حتى ظهرت حقائقهم وانقلبوا على الاعقاب كما أخبر رسول الله (ص)، وقد روي أنه لما وصلت الخلافة الى الثالث وهو ابن عم أبي سفيان، قال هذا الأخير ((تلاقفوها يا بني أمية، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولانار)) ولم ندر بم يحلف أبو سفيان؟ ولماذا لم يحلف بالله تبارك وتعالى؟ وقد روي أنه حلف باللات والعزّى.

 

 واليوم نرى الكثيرين ممن تقمّصوا الاسلام ورفعوا لافتاته مدة طويلة ولما وُضعوا على المحك ونزلوا الى ميدان التجربة والاختبار ظهر زيف دعاواهم وحرصهم على الدنيا وانسياقهم وراء انانياتهم واطماعهم وتركوا الشعب جائعاً والبلد مخرباً حتى اصبحت صورة العراق مخزية امام العالم الذي يتملكه العجب من عدم وجود رجال في العراق يستطيعون اخراج البلد من محنته و تخليص الشعب من معاناته بحيث يتهكم الرئيس الأمريكي بوش حينما يحلّل سبب تأخر إيجاد حل للمشكلة العراقية بأنه لا يوجد في العراق مثل كرزاي رئيس أفغانستان.

 

 فهل هذا هو واقع العراق المنجب للعلماء والمفكرين والادباء والمبدعين؟ وهل من المعقول ان تتوفر لأحد يحبّ الله ورسوله كل هذه الامكانيات للوصول الى رضا الله سبحانه فيؤثر عليه دنيا الجمل والناقة؟

 

فعليكم أيها المخلصون الواعون القادرون على نفع الناس وإعمار الحياة أن تعملوا ما بوسعكم لتقودوا البلد انتم بدل الانانيين الفاشلين ويتحقق ذلك بوحدتكم وعملكم الدؤوب بفضل الله تبارك و تعالى. (إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامَكُمْ).

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مواكب عشائر البدور في الناصرية الذين زاروا سماحته يوم السبت 15/شوال/1428