تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ...مراجعة وتقييم

| |عدد القراءات : 3914
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ...مراجعة وتقييم (1)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على سيد خلقه القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

جرت العادة في مثل هذه المناسبات أي الذكرى السنوية لتأسيس حزب أو ميلاد شخص أو توليه منصباً رفيعاً أو قيام دولة ونحوها على تبادل التهاني وهو تصرف سليم ان يُهَّنأ الإنسان على نعمة انعم الله تبارك وتعالى بها عليه.

 

ولا شك ان وجود الفرد ضمن مشروع رسالي نبيل يهدف إلى إنصاف المظلومين وإصلاح المجتمع واستنقاذ حقوق المستضعفين وأعمار الحياة وازدهارها لتحيا البشرية سعادة الدارين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليس فقط جزءاً من المشروع وإنما يتأهل ليكون قائداً فيه كما ذكرنا في خطاب سابق هو نعمة تستحق التهنئة مادام سعيه مخلصاً نحو تحقيق هذه الأهداف.

 

ان الأحزاب والتنظيمات هي بمثابة القلب الذي ينبض بالحياة في جسد الأمة ويحركها وينظم هذه الحركة وإذا توقفت عن العمل خمدت حركة الأمة وماتت، أما المرجعية الرسالية الرشيدة والعلماء المرتبطون بها فهم بمثابة العقل الذي يوجّه حركة الأمة ويرّشد مسيرتها.

 

والأحزاب قد لا تستطيع تنظيم ما يزيد عن واحد بالألف من الشعب وهذا أمر طبيعي لان عموم الناس منشغلون بأعمالهم وشؤونهم الحياتية الأخرى ولا نتوقع ان القدرة على العمل الحزبي متوفرة في هذه النسبة من الناس وإنما تقاس فاعلية الأحزاب وسعة قاعدتها بقدرتها على تعبئة الأمة وتحشيدها إزاء قضية معينة، وهذه القدرة مرتبطة بتوفر عناصر النجاح في عمل الحزب ومدى مصداقيته في تحقيق الأهداف المعلنة للجماهير والتي تزيد من قناعتها به.

 

ومن المظاهر المهمة في مثل هذه الذكريات إجراء المراجعة والتقييم ومحاسبة الذات فان الحديث الشريف (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل ليلة) لا ينحصر تطبيقه بمحاسبة الشخص لنفسه ومراجعة أعماله وإنما يتعدى إلى محاسبة الكيان كالحزب والجماعة والتنظيم لنفسه وإجراء تقييم موضوعي ومراجعة منصفة لمسيرته وليكن ذلك في كل عام مرة على الأقل إذا تعذر بأقل من ذلك.

 

وإذا عجزت الأحزاب عن ضبط مسيرتها وفق الأهداف السليمة فإنها عن ضبط مسيرة الأمة اعجز لذا تبتلى الأمة حينئذ بما وصفه أمير المؤمنين (بخبط وشماس وتلّون واعتراض) يؤدي إلى تشتتها وتمزقها وانهيارها وهاهم المسلمون اليوم يبلغ عددهم أكثر من مليار ومئتي مليون شخص وهم في اضعف حال وبؤس وشقاء يتحكم فيهم أراذل الناس رغم اكتنازها لكل مقومات القوة والغلبة والتقدم وهذا ما سيثيره الإمام المهدي (أرواحنا له الفداء) فانه بالثلّة الصالحة المخلصة المنظمة القادرة على توحيد الأمة وضبط حركتها وتفجير طاقاتها سيقود حركة عالمية تبدأ بعدد لا يتجاوز الثلاثمائة بقليل وسيعبئ هذه الأعداد الضخمة كلها في حركته المباركة.

 

إننا حين نستعيد أعمال الحزب خلال عام لا يعني إننا نركز على الانجازات والايجابيات مهما كانت مهمة لان هذا هو العمل المطلوب من أعضائه فإذا أداها فأحسن ما يقال فيه انه لم يقصر بواجبه وانه حفظ الأمانة التي تحملها وهو مقتضى الأدب المستفاد من الحديث الشريف (اذكر اثنين وانس اثنين، اذكر إساءتك إلى الآخرين وإحسان الآخرين لك، وانس اثنين: إحسانك إلى الآخرين وإساءة الآخرين لك)

 

فلابد ان تتذكر وتركز على ما صدر منك من أخطاء وتقصيرات لتعمل على إصلاحها وتلافيها وتذكر إحسان الآخرين إليك كإعطاء أصواتهم في الانتخابات ليجلسوك في هذه المواقع الكبيرة فان هذا يدفعك إلى بذل المزيد من العطاء والجهد لرد الجميل إليهم، قال تعالى {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60

 

ومهما قدمت لهم فانك عاجز عن مجازاتهم لأنهم المبتدئون بالفضل .

 

وبالمقابل عليك ان تنسى إحسانك إلى الآخرين لأنك لم تفعله ليشاد بك وإنما قربة إلى الله تعالى وابتغاء رضوانه ولأنك إذا ركزت على انجازاتك فسيؤدي بك إلى الغرور والعجب والرضا عن النفس وهذا يؤدي إلى الوهن والعطب والكسل ولما ذكرناه قبل قليل من أن هذه الانجازات ليس فيها شيء زائد لأنها مما تقتضيه طبيعة عملك.

 

ولابد ان تنسى إساءة الآخرين إليك لأنك مأمور بالصفح والعفو والتسامح ليقابلك الله تعالى على أخطائك بنفس الكرم وأكثر منه { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور22.

 

إنني حينما أتحدث إليكم فهذا لا يعني إنني لكم فقط وان خطابي منغلق عليكم لان المرجعية الرسالية هي رحمة وخير حتى لأعدائها وخصومها ولكن تحجيم دورها إنما يكون بلحاظ المتلقي الذي يصمُّ إذنه عن سماع ما ينفعه كما ان رسول الله (صلى الله عليه واله) هو رحمة للعالمين جميعاً وليس فقط للبشر ومع ذلك لم يتبعه إلا القليل وهذا لا يعني تضييقاً في رسالته أو انغلاقاً على فئته لكننا لا ننكر رعايته الخاصة للفئة المؤمنة به مع سعة رحمته ورعايته للآخرين كما ان أئمتنا (عليهم السلام)كانت أعمالهم المباركة تشمل الجميع لكن لهم مزيد عناية بشيعتهم باعتبارهم الشريحة المؤمنة بمشروعهم الرسالي والمطيعة لهم هذا مع خصوصيات أخرى في حزب الفضيلة الإسلامي كونه ولد من رحم معاناة الذين تحملّوا بطش صدام وقسوته ولم يغادروا بلدهم العراق وبقوا مرابطين فيه ليحافظوا على جذوة الإيمان وولاية أهل البيت (عليهم السلام) وإدامتها ولذا فهم مستقلون عن أي تدخل من الشرق ولا من الغرب بينما ولد الآخرون في أحضان جهة ما كدولة أو فئة معينة تدعمهم وتخطط لهم لذا كان على المرجعية ان تحتضنهم وتوفر لهم أسباب الحياة والنمو والازدهار بلطف الله تبارك وتعالى وهذه الخصوصية جعلت مسيرتهم معتدلة متوازنة لم يخوضوا في الفتنة ولا كانوا جسراً يعبر عليه الآخرون ليحققوا مآربهم ويدفع العراقيون الثمن فكان العراق والعراقيون ضحية هذه السياسات الخاطئة.

 

وها هي تجربة إدارة محافظة البصرة تثبت نجاحاً عجز عن تحقيقه الآخرون في محافظات لا تقاس بالبصرة من حيث تعقيد الحالة وكثرة التدخلات والتنوع الطائفي والديني والعرقي وكثرة المنافذ والثغور وشدة الأطماع من الداخل والخارج، وقد حاول الآخرون ان يشوهوا هذه التجربة ويفتروا عليها وسخّروا الإعلام لقلب الحقائق لكنهم باؤوا بالفشل وعاد الجميع ليعترف بنجاح التجربة في البصرة وقدرتها على ان تكون نموذجاً صالحاً للتعايش السلمي والتصالح الوطني والرقي والازدهار والانفتاح على العالم كله وهو ما توقعناه حينما أطلقنا مبادرة المصالحة الوطنية من البصرة لتعلم العاجزين الفاشلين في مراكز القرار كيف يتصرفون ليخرجوا العراق من أزمته الخانقة اذا كانت لهم إرادة حقيقية في الصلاح والإصلاح.

 

لكنني أحذركم من ان تشغلكم بعض النجاحات التي تحققوها عن التفكير في تلافي التقصيرات وإصلاح الأخطاء ورفع المظالم عن الناس وتوفير كل أسباب الحياة الحرة الكريمة فان التقصير في ذلك مما لا يغفره الله تبارك وتعالى ولا رسوله ولا المؤمنون ولا تسكت عنه المرجعية الرشيدة حتى لو سكت الناس عن حقوقهم لطيبتهم وكرم أخلاقهم لكن الله أخذ على العلماء عهداً (ان لا يقاروا على كِظّةِ ظالم ولا سغب مظلوم ) كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)

 

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تقرير بتصرف للكلمة التي تحدث بها سماحة الشيخ اليعقوبي بمناسبة احتفال أمانة حزب الفضيلة الإسلامي في البصرة بالذكرى السنوية الثالثة لتأسيسها يوم  15/محرم/1428