الرئيسية | | المرجعية الرشيدة
المرجعية الرشيدة

شارك الاستفتاء

المقدمة

 

في نظرة عامة وشاملة لخطابات الشيخ اليعقوبي من خلال احاديثه ومؤلفاته وبياناته نلمس انه يمثل مرجعية دينية تتعاظم فاعليتها وتأثيراتها من خلال الاندماج العميق مع قضايا الشعب العراقي في اهم تفاصيل حياته ولاسيما في هذه المرحلة التي تمثل منعطفاً تاريخياً مهماً وهي مرحلة ما بعد سقوط النظام المباد والتي تمثل التكوينات والمخاضات السياسية العسيرة الشاخصة في كل جوانب الحياة السياسية منها والاقتصادية أو الدينية والاجتماعية ما استدعى هذا التكوين الصعب ضرورة التصدي للمرحلة من قبل ذات عراقية أصيلة نابعة من صميم الواقع العراقي وحرارة الإحساس به بعيداً عن كل المغريات التي يفرزها المشهد الجديد وتحدياً لكل تداعياته وشواخصه القاسية.

من هنا كان لابد لهذه الذات العراقية المنقذة من آفاق عقلية وأعماق روحية تستوعب الواقع وتلم أطرافه المتناثرة والمتنامية على أرضية حرية الاختيار والتنوع السياسي والفكري الذي جاءت به المرحلة الجديدة كثمرة من ثمار الديمقراطية والحرية المرتجاة، فكان العمق الروحي اكثر ما يتجلى في القاعدة الاسلامية العريضة والمتينة الراسخة منذ تاريخ طويل من الاستتباب والاشراق الديني في آفاق النفس المسلمة التي عمرت هذه الارض بنور هداها وينابيع ايمانها حيث منّ الله سبحانه وتعالى عليها بالرحمة الالهية الكبرى المتمثلة بالدين الاسلامي وحامل رسالته السماوية نبي الهدى والرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).. فكانت هذه المرجعية الدينية في العراق خير من يمثل هذه الارضية الايمانية الصلبة التي يستطيع ان يقف عليها الشعب في التغييرات الكبرى لانها العاصم الثر الاكثر اماناً واحتواءً لها.

ولكن هذا العمق الروحي لابد ان يؤازره الافق العقلي لكي يظلل طريقه وينير مساحاته الواسعة بالحقائق العلمية والمنطق العقلي والحجج البالغة..

من هنا كان باب الاجتهاد واختلاف علماء الدين والفقهاء او المرجعيات في فيوضاتها العقلية وطروحاتها الفكرية وبالتالي في مدى تاثيرها في المشهد الديني والسياسي وتفاعلها الصميم مع الواقع العراقي ولا سيما الراهن منه ومن هنا كانت هذه الثنائية الروح والعقل، او الايمان الراسخ والوعي العميق , هي البلسم الامين لجراح المرحلة او لنقل هي سفينة النجاة وسط تلاطم الامواج وتجاذب الصراعات المعلنة والخفية التي تضمر وراءها مصالح مشروعة او غير مشروعة.

وقد اثبتت هذه الثنائية.. الروح والعقل المتمثلة بالمرجعيات حضوراً فاعلاً وشادّاً سواءً على مستوى القرار او التوجيه والمدد الايماني للامة لاسيما حين تكون هذه المرجعية فاعلة وناطقة ونازلة الى ميدان العمل الشعبي والتفاعل مع المحاور المهمة والشرائح المؤثرة في المجتمع العراقي ووضعها امام مسؤوليتها الدينية والانسانية والوطنية وبالتالي امام الفعل الذي يجب ان تقوم به في كل منعطف وازاء كل حدث وممارسة سياسية او اقتصادية او اجتماعية فتكون هذه الثنائية بمثابة المجسات الواعية التي تتلمس الطريق قبل وضع الخطى عليه والنور الذي ينهمر من الاعماق لكي يضيء المدى للجماهير المؤمنة به.

ولكن هذا الايمان إيمان الجماهير بهذه الثنائية او هذه المرجعية يتأتى او يتجدد ويقوى بالدور الذي تؤديه هذه المرجعية او الذي ادته خلال هذه المدة من الزمن حيث كانت هذه الجماهير ترقب بعين الخلاص لدور هذه المرجعية او تلك مما يعمق او يقلل انتماء هذه الجماهير واعتصامها بمرجعيتها.

فكانت مرجعية الشيخ اليعقوبي من المرجعيات الفاعلة والشادّة للجماهير في الساحة العراقية من خلال التواصل الحميم والمضني مع القضايا التي تهم حاضر هذه الامة ومستقبلها, فمع كل حدث او انعطاف في الساحة العراقية هناك وقفة وتحليل وتوصية لسماحته، وبالتالي دور مؤثر وفاعل في الحياة العراقية ما استقطب انظار الامة الى هذه الفعالية في المشهد العراقي المتسارع والمتعدد الصور والاتجاهات.. فكان هذا التاثير الروحي والفعل العقلي يكمن في المؤلفات والبيانات والمحاضرات والاحاديث وغيرها ....

كما تتسم الطروحات الدينية والسياسية للشيخ اليعقوبي بالجرأة والموضوعية والرؤية البعيدة لمآلات المشهد العراقي وانعطافاته وتداعياته على كل الصعد والمستويات.. بل ان رؤيته التحليلية والعلمية للمشهد فضلاً عن جذره الايماني العميق.. هي التي تجعله يتحلى بهذه الرؤى والتصريحات الجريئة التي قد تتصادم مع الكثير من الجهات او المسؤولين او المصالح ولكن واجبه الديني والسياسي والعراقي الوطني يملي عليه هذه الطروحات فلا تأخذه في الحق لومة لائم متحملاً المسؤولية وتبعاتها من مواقفه الصريحة المسؤولة كمرجعية دينية وسياسية ناطقة بكلمة الحق المخلصة الصادمة.. فلم يقف الشيخ من الاحداث والاخبار العراقية المتسارعة موقفاً محايداً بل كان له رأي فيها وموقف واضح ليس عليه غبار الريبة او الخشية وهذا ما نطالعه في بياناته واحاديثه أو أجوبته على الاسئلة الموجهة اليه في المقابلات المختلفة.

فعن احداث سامراء الثانية التي اتت على ما تبقى من الحضرة العسكرية الشريفة انتقد الشيخ المسؤولين في الدولة ووصفهم بالعجزة المشلولين الذين اكتفوا باستنكار الحدث اولئك (القابعون في سجونهم الاختيارية التي حاصروا بها انفسهم وانعزلوا عن الشعب المظلوم...) وهو لا يستبعد منهم هذا الموقف المشين - كما يقول الشيخ - بعد ان انتهكوا اقدس المقدسات وهو الانسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى وجعله خليفته على ارضه.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) كما ينتقد الشيخ الحكومة العراقية بوضوح في موضوع فضائح سرقة اموال الشعب حتى تصدّر العراق بلد الحضارة والائمة والعلماء قائمة الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية بل يتساءل ويشكك ويحمل الدولة المسؤولية.

ولكننا سنتناول هنا كتاب (خطاب المرحلة) وهو عبارة عن ملامح من تاريخ وخطاب القيادة الدينية في العراق الجديد... وهو من بيانات وخطابات سماحة الشيخ محمد اليعقوبي مع تعليقات وهوامش اضافية. وسنقسم هذه القراءة الى محاور عدة توجز هذه الخطابات وتؤشر - كما نرى- بعضاً مهماً من افاق واعماق هذا الخطاب في هذه المرحلة التاريخية المهمة.

وستكون قراءتنا بمجملها اشبه بكتاب ظلٍّ يسير تحت ظلال خطاب المرحلة بخطى التحليل والاضاءة والنقاش والوقوف على المحاور التي نراها مهمة ولامّة لمجمل خطاب المرحلة في جزئيه الصادرين لحد الآن... علما ان الظل قد يرسم صورة متكاملة احيانا بل ان التصرف بالظل من اجل الصورة هو فن خاص بحد ذاته.

 

شارك الاستفتاء

محور تفعيل النص القرآني 

 بسم الله الرحمن الرحيم

روي عن ابن مسعود انه قال: من اراد علم الاولين والآخرين فليثوّر القرآن.

وهذا التثوير هو تفعيل النص القرآني لا على وتيرة استرجاعية مديحية، بل تحسس الخطاب القرآني واستجلاء مكنوناته النصية بما يضيء النص الوضعي ويعزز فكرته ويعمق من حجته التوصيلية لدى المتلقي فضلاً عن المدد التشريعي الذي يضيفه الخطاب القرآني للخطاب الانساني حين ينهض على وتيرة استدعائية من شأنها اخراج هذا المعطى الالهي من كونه نصاً مقدساً غير مفعل بقوة مع المعطى الحياتي الى نص متفاعل ومؤثر بقوة مع مستجدات الحياة كمرجعية نصية شرعية ساندة.. وهذا يتطلب وعياً رؤيوياً عالياً بالنص القرآني والسنة النبوية الشريفة وقدرة موهوبة من الاجتهاد والمزج بين ما هو منقول من النص وما هو معقول من الاجتهاد..

كذلك الحفظ الواعي للنص القرآني واستدعاؤه في اللحظة المناسبة كحكم تعزيز فيصبح النص القرآني حينئذ اشبه بالثريا فوق النص الوضعي وفوق الاحكام الوضعية الانسانية يضيء للحياة من الفيض الالهي المكتنز في القرآن الكريم على انه (تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) او (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)..

وهنا ياتي دور المرجعية الرشيدة بقدرتها على استنباط الحكم ازاء هذا الـ(كل شيء) وتبيانه وربطه بواقع الحياة المتجدد وتطعيم النص الانساني بالنص القرآني لاضاءته شرعياً ونصياً..

فقد لاحظنا في كتاب (خطاب المرحلة) لسماحة الشيخ اليعقوبي هذه الاضاءة القرآنية الدالة والمؤثرة والداعمة لخطاب المرحلة بما تعزز من ايمان المؤمنين وتوسع الفسحة الايمانية لكل المسلمين متلقيي هذا الخطاب والسائرين في ركاب الدين الاسلامي الحنيف.. وحتى حين يخاطب سماحته الاخرين من اصحاب الكتاب يذكرهم بما جاء في القرآن الكريم فيما يتعلق بالقضية التي يحاورهم بها.. ففي خطاب التهنئة لبابا الفاتيكان بمناسبة اعياد الميلاد يذكره بان السيد المسيح من اولي العزم واصحاب الرسالات الذين امر تعالى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يسير على هداهم ويلتزم بطريقتهم المثلى، كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).

 ثم يذكر له (انا نحن المسلمين نعرف عظمة السيد المسيح بما عرّفه لنا القرآن الكريم ونحترم اتباعه لانهم اقرب الناس الينا) ويذكره بالنص القرآني (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).

ان هذا الخطاب والحوار مع المرجعية المسيحية العليا في العالم المدعوم بالنص القرآني المؤثر الفاعل يضع الجانب الآخر امام حقيقة الاسلام المشرقة وقدرته على التحاور السلمي مع الاديان الاخرى، ولا سيما الدين المسيحي.

وقد استثمر سماحة الشيخ مقدمته لكتاب (علي بن ابي طالب : صوت العدالة الانسانية) لمؤلفه المسيحي جورج جرداق ليوضح هذا التقارب والتفاهم الانساني المشترك بين الدينين المسيحي والاسلامي كونهما يشكلان النسبة الاعلى من السكان في العالم بل هما يمثلان الشرق والغرب من العالم, ويركز سماحته على ان هذا التقارب فيه تهديد للصهيونية ولوجودها , ما دعا الصهيونية ان تروج وتنفخ لاثارة الحقد والتباعد بين المسيحيين والمسلمين فالشيخ يؤكد على انه (لا توجد عداوة ولا منافرة ذاتية بين المسيحيين والمسلمين, أي بما هم مسيحيون ومسلمون) معززاً طرحه بالآية السابقة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً..) ثم يدعم هذا الطرح القرآني بما هو على ارض الواقع حيث كشفت نتائج استطلاع اوربي مؤخراً بان اكثرية الآراء اشارت بأن الكيان الصهيوني هو مصدر القلق والارهاب الاول في العالم كذلك تصويت اكثر من ولاية في بلجيكا لمصلحة قطع العلاقات مع هذا الكيان.. ثم يربط مصطلح العولمة ومفهومه الداعي الى وضع العالم في القالب السياسي والفكري والنفسي الذي خططوا له لكي يسير العالم وفق رؤاهم ومخططاتهم وبالتالي وفق مصالحهم مستغلين هذا المفهوم المراد منه ان يكون ثقافياً وفرصة لاطلاع العالم على بعضه البعض من خلال كونه قرية واحدة من المعلومات المتصلة والمتاحة ولكن المستكبرين سحبوا هذه العالماتية المشتركة الى مصالحهم واستكبارهم لكي تبقى دول العالم تسير في ركبهم مهما سدروا في الغي والطغيان ومصادرة حقوق الانسان او الشعوب في كل مكان في العالم.. وهنا يحيل سماحة الشيخ هذا المفهوم الى الآي القرآني الكريم مستشهداً بمنطق المستكبرين في التاريخ امثال فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى) او في آية اخرى (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ).

ومن منطلق ان الدين الاسلامي لا يجبر احداً على الدخول فيه(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فان انفتاح الدين الاسلامي على الاخر الكتابي من اصحاب الاديان والكتب هو دليل على رصانة الدين الاسلامي والثقة والارضية الالهية الصلبة التي يقف عليها وينتشر ويتفرع منها.

هذا ما يُذكّر به الشيخ في تفعيله للنص القرآني على التطبيقات الحياتية ودعمها بالمدد الشرعي والاوامر الالهية.. وبهذا التفعيل للنص القرآني يؤكد حضوره كنص سرمدي ونص معجز جعل من الذهنية الاسلامية امة تحمله الى الانسانية قاطبة.. فالاسلام يدعو بثقة الى التحاور مع الاديان الاخرى كما يستشهد سماحة الشيخ بالآية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) أو (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

 ليكمل سماحته (أي ان الدين الاسلامي حافل بالمثل العليا بل يجعلها الهدف الرئيس من بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة الاسلام وهي تكميل اخلاق البشر قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق).

وفي موضوعة استلهام صفات القائد من النص القرآني يستشهد سماحته بالآية القرآنية مع تفصيلها وتحليل صفات القائد من خلالها مشيراً الى تشخيص الآية لبعض صفات القيادة في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ) يحمل رسالة شريفة ربانية وقد استوعبها علماً وعملاً، ثم يكمل سماحته الآية مع شرحه لها (من انفسكم) عاش محنتكم وعرف مشاكلكم وهو خبير بكم وانتم تعرفونه في صدقه وامانته واخلاصه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) يتألم لما يصيبكم من عناء وشقاء نتيجة الابتعاد عن المنهج الالهي في الحياة فله همة عظيمة في انقاذكم من هذه الحياة النكدة ولا يعيش هم نفسه فقط ومصلحته وانانيته معزولا عن الناس (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) يبذل كل ما في وسعه لاسعادكم ولا يدخر جهداً في اصلاحكم (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) يضحي من اجلهم ويؤثر على نفسه.. وهكذا سار الشيخ مع هذه الآية مفسراً وداعماً لحديثه وخطابه ومشخصاً صفات القائد التي يجب ان يتحلى بها كل مسؤول يتصدى للقيادة والسياسة وهذا هو التفعيل المؤثر للنص القرآني لدى المتلقي.

وفي موضوع مسؤولية الكلمة يتحدث سماحة الشيخ لمناسبة مرور عام على افتتاح اذاعة البلاد في احتفالية اقيمت في وزارة الثقافة ويضيء المعنى العام الشامل للكلمة سواء كانت هذه الكلمة نصاً او خبراً او عهداً وغيره فانها تقع ضمن الكلمة وفضائها الشرعي والاخلاقي.

فان الكلام زرع كما يصفه القرآن الكريم وهذا الزرع اما يثمر ثمراً طيباً او ثمراً خبيثاً.. لذا فان من مسؤولية الاعلام كما يوجه سماحة الشيخ ويحذر بان يكون رمزاً للكلمة الطيبة او الشجرة الطيبة (لذا خصص المشرع الاقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب الكلمة وتوجيهها لتكون نافعة بناءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) وحذر سماحته من الكلمة الخبيثة مذكراً بالنص القرآني (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) اذن فالكلمة الخبيثة غير مستقرة لعدم ثقتها بنفسها وقائلها عكس الكلمة الطيبة ذات الاصل الثابت.. وهذه الاحالة ازاء العمل الاعلامي على النص القرآني فيه من تفعيل النص القرآني بما يضع صاحب الكلمة امام الحكم الالهي وشرعية العمل الاعلامي من عدمه.

وهذا الاستشهاد المؤثر بالآي القرآني ضمن خطاب المرحلة يثبت ان القرآن له من القدرة والمرونة على ان يكون دليلاً في كل الامور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وان العقلية الكبيرة والمرجعية الرشيدة هي التي تستطيع ان تستفيد وتستنبط من قدرة القرآن في تنظيم كل شيء واثبات ان عقيدة القرآن كل متكامل.

واحياناً يكون النص القرآني ليس قريب المعنى او ليس في المتناول اليسير للاستشهاد به وليس من الآيات المشهورة في دعم رأي او فكرة ولكن سماحة الشيخ يذهب الى هذا البعد النصي القرآني ويسبر غوره ويستجليه بما يدعم فكرته من ناحية ويفعل النص القرآني من ناحية اخرى ففي حديثه بتاريخ 10/4/2006 الى احدى المجاميع الشعبية وقد ارتدت الاكفان استعداداً للتضحية يشير سمـاحته:

(.. فنحن كما اننا محتاجون لمشاريع الاستشهاد وحينما يدعو الواجب اليها كذلك نحن بحاجة الى مشاريع اعمار لكل انشطة الحياة الفكرية والاخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهدف الذي خلقنا من اجله..) ثم يدعم هذا الراي والفكرة او الخطاب بقوله تعالى (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ). فاستعمار الارض او اعمارها من مسؤولية الانسان على الارض وهذا ما استخلصه سماحة الشيخ في هذه المناسبة من النص القرآني..

وفي رسالته الى المؤتمر الوطني العراقي في 15/8/2004 يحث سماحته المؤتمرين على روح التسامح مع الشعب والنظرة اليه بروح الابوة والصدر الواسع بعيداً عن مشاعر المحاسبة والانتقام ونبذ الخلافات الشخصية وعدم النظر الى معالجة الامور من زاوية المصالح الخاصة، ويذكر بقوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ..).

فيضع المسؤولين المؤتمرين امام حكم الله وامام مسؤوليتهم ازاء الشعب مفعلاً النص القرآني المناسب لهذه الفكرة..

فالشيخ عنده بوصلة معرفية شرعية تفتح له كل الدروب والآفاق الايمانية هي القرآن الكريم والسنة النبوية ونهج آل البيت (عليهم السلام) حيث يضع هذه الدلائل نصب عينه سواء في الحكم الشرعي او الخطاب.. فلا تاخذه في الله لومة لائم ولا تغريه او تخدعه الشعارات السياسية او المشاريع التي تتخذ من الديمقراطية والحرية غطاءً لها ومبرراً لتطبيقها.. فحتى في موضوع الديمقراطية يضع الشيخ حدوداً وشرائط شرعية لا يمكن تجاوزها تحت أي ذريعة وهذا ما يوضحه في لقائه مع احدى المؤسسات الثقافية داعماً رأيه بالنص القرآني الكريم فيرد على سؤال بهذا الشان بقوله (..فلا يحق لاي شخص ان يسن تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث - التشريعية والقضائية والتنفيذية - ان تفهم صلاحياتها وحدودها..) وان الديمقراطية لها حدودها حين تتقاطع مع تعاليم السماء والشرع الالهي ولكنها مقبولة ومطلوبة كنظام تنظم به الامة شؤونها الادارية والسياسية (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وحتى في الرد على من يدعي ان لا ديمقراطية في الاسلام متخذا من الآية الكريمة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). متخذاً منها حجة ضد ديمقراطية الاسلام فان سماحته يرد على هذا الادعاء بانه (نظرة مبتورة للنظام الاسلامي) ويذكر قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).

فانه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم ضمن الاطار العام الذي تنظمه الشريعة..).

اذن فالشيخ ينهل من النص القرآني ما يرد على هذا الادعاء وغيره وانه على الذي يحاجج بالقرآن ان لا ينظر نظراً مبتوراً اليه او يبتر جزءً من احكام الله.

بيد ان سماحة الشيخ لا يكتفي بالنص القرآني احياناً لايضاح فكرة ما والاضاءة لها على الرغم من قوة المحاججة بالنص القرآني ولكن يجعل من نص الاحاديث الشريفة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعض اقوال الائمة المعصومين (عليهم السلام) دعامات نصية لان هذه الاحاديث والاقوال الشريفة خاضت في اهم امور المسلمين وقضاياهم الملحة فيمكن ان ترد هذه الامور الى حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) او حكم الائمة (عليهم السلام) فيها.

كذلك يرد على من يحبذ العلمانية في المجتمع الإسلامي بقول حاسم وواضح دون مواربة أو مجاملة داعمه من النص القرآني فيقول سماحته (ان العلمانية تعني معاداة الدين الإسلامي والسعي للقضاء عليه وليست حالة وسطى بين الدين والكفر..) ويدعمه بقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

وعن الدعم النصي والشرعي بأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) فعن صلاة الجمعة وأهميتها في الدين الإسلامي مثلاً يُذكّر سماحته بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإعرابي جاء يشكو إليه عدم استطاعته الحج(عليك بالجمعة فانها حج المساكين).

وفي توجيهاته للعمل بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلف المؤمن من نتائج.. فان سماحته يذكر في حديثه لمناسبة العطلة الصيفية للشباب (.. وقد كانت تكلفني مثل هذه المحاضرات التي كنت القيها تحت اسماع وابصار جلاوزة صدام اخطر النتائج ولكني كنت مطمئناً الى قول امير المؤمنين (عليه السلام) (ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا اجلاً ولن يقطعا رزقاً) فضلاً عن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ).

أي ان سماحته يستخدم النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الأئمة (عليهم السلام) دليلا ومنارا للعمل لان رضا الله هو غاية المؤمن مهما تكن الوسيلة.

وفي الكلمة التي القاها سماحته على المئات من الطلبة الجامعيين في7/ 5/ 2005 يُصدّر كلامه بالقول ان الوضع الامني السيء مصداق لقول الله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) مفسراً انطباق هذه الآية على الواقع العراقي بانه لابد من ثمن لمثل هذا التغيير التاريخي العظيم كما ان ما حصل من عنف بحق العراقيين أمام أنظار العالم جعل العالم يعيد قراءة التاريخ ويلتفت الى (الوجه القبيح لهؤلاء واخذ يصدق ان اسلاف هؤلاء قتلوا الرضيع واحرقوا بيوت عقائل النبوة ودفنوا الصلحاء وهم احياء.. وليست هذه الأخبار حكايات مصطنعة..) لان ما يحصل الآن على ارض الواقع هو فروع وميراث لذلك العنف التاريخي بحق اهل البيت او بحق العراقيين الملتزمين ببيت النبوة.. كما ان مسؤولية الشعب العراقي ازاء هذا العنف والاعتداء على دمائهم البريئة هو( التواجد المكثف والفاعل في الساحة وملء مفاصل الحياة والدولة كما وقفت بشجاعة ووعي يثيران الفخر والاعتزاز يوم الانتخابات والمسيرات المليونية..) أي ان ردة الفعل الشعبية تجاه هذا العنف هي ما يخدم شعبنا ومسيرته ويجعله اكثرالتصاقاً بمبادئه ووحدة صفه بل ان الشعب العراقي فضح هؤلاء المجرمين الارهابيين وفضح الذين يقفون من ورائهم ولاسيما علماء السوء الذين يفتون لهم بقتل العراقيين الابرياء ثم يُذكّر سماحته بالآية الكريمة التي تصف الحال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

فالذي حصل للشعب العراقي من توحد وانبعاث والتفاف حول المرجعية وكشف المؤامرات من حوله ومعرفة الكثير من الاسرار الدولية والاقليمية وما يضر وما ينفعه من سياسات وغيرها من مكتسبات معنوية ينطبق عليه قول الله تعالى (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).. كما ان سماحته يختم الكثير من خطاباته بقوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)..

ان تفعيل النص القرآني والأحاديث الشريفة وأقوال الأئمة واحدة من المهيمنات النصية في خطاب سماحة الشيخ اليعقوبي من هنا كان خطابه مؤثراً وفاعلاً في الساحة العراقية ومكتنزاً بالمعاني الإيمانية المدعومة بالحجج الدامغة ما احدث علاقة جدلية بين خطابه المرحلي الآني او الستراتيجي وبين النص القرآني بحيث أن احدهم يُفعّل الآخر حين ينصهران في خطاب توجيهي وإيماني واحد لتتحد بهما أو من خلالهما قيم الأرض مع قيم السماء فيكون النص المرجعي دليلاً للمسلم في كل الظروف سواء المستقرة منها أو الظروف الصعبة كما تشهده الساحة العراقية في المرحلة الراهنة..

 

 

 

شارك الاستفتاء

محور الوحدة الوطنية و الإسلامية

  بسم الله  الرحمن الرحيم

تعد الوحدة الوطنية الارضية الخصبة للمشروع الوطني العراقي وبناء العراق الجديد لان اغلب الصراعات والمعرقلات امام النهوض بالواقع العراقي على جميع الاصعدة هي طائفية أو هكذا تبدو بل ان المعادين لنهضة العراق وعودته الى سكة الامان والتقدم يستخدمون هذه الورقة بقوة ويعدونها الاكثر تاثيراً وادامة للصراع وانفلات الامن كما انه على ارضية الصراع الطائفي ستبنى الصراعات الاخرى وتتشعب وبالتالي تستمر وتتكرس حالة اللاعودة كما يراها المسبّبون لها... من هنا كانت فكرة تامين ارضية صلبة للوحدة الوطنية والاسلامية هي في صميم المشروع الوطني العراقي وتفتيت الصراعات والاختلافات والسير على جادة النهج الاسلامي الصحيح المستمد وهجه من الشريعة الاسلامية الام ومن هدى نبي الاسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أي العودة الى جذور الدين الاسلامي المتينة والتمسك بها ازاء الرياح او العواصف التي غالبا ما تهب على شجرة الاسلام فتضرب فروعها واغصانها المتسامقة اما الجذور فهي الخزين الالهي الذي يمثل خط الرجعة والملاذ الآمن الاخير لكل مسلم تَشكل عليه الاختلافات والشبهات وغيرها.. لان الجذور الاسلامية واحدة ذات منابع صافية لا تقبل الجدل والخلاف.

اما فكرة العودة الى الجذور والتمسك بها هي محور موضوعة الوحدة الاسلامية واقدر من يستطيع ان يحقق هذه الفكرة هي المرجعيات الدينية التي تمثل قمة الوعي الديني بالاسلام وجذوره وتفرعاته, هذا من ناحية المعرفة والفقه والعلوم الدينية اما من ناحية التاثير بالامة او المجتمع الاسلامي فهم الاكثر قدرة لانهم اصحاب القرار الديني في هذه الشان عن طريق الفتاوى والقرارات التي تنتظرها الجماهير المسلمة منهم وبالتالي ستكون هذه الفتاوى والقرارات سياسية تبعاً لنوعية الصراع والهاجس الطائفي الذي زرعه المحتل في الارض العراقية وغيره من الذين يستفيدون من الصراع الطائفي في العراق.

وقد جاءت طروحات الشيخ اليعقوبي وتثقيفه باتجاه الوحدة الوطنية والاسلامية معززة وبانية لهذه الارضية الخصبة المطلوبة اليوم اكثر من أي وقت مضى.. لذلك يؤكد سماحته (علينا العمل ازيد من ذي قبل على توحيد الامة ونبذ الخلافات والالتفات الى القضايا المصيرية التي تهمنا وقد ابدى الشارع العراقي سنة وشيعة وعرباً واكراداً وتركماناً ومسلمين ومسيحيين للحاجة الى هذه الوحدة..).

كما ينبه الشيخ اليعقوبي الى قضية مهمة باتجاه الوحدة الاسلامية وهي ان اعداء الاسلام يناصبون العداء للمسلمين على انهم مسلمون وليس لانهم طائفة او مذهب معين أي ان الذي يشكل خطراً على مصالحهم ومؤامراتهم هو الدين الاسلامي بشكل عام فحري بالمسلم ان يقف ازاء هذا العداء على انه مسلم يمثل الدين الاسلامي ويضع خلافاته الداخلية جانباً لان الخطر يهدد الاسلام ديناً ووجوداً وحضارة وثقافة وتاريخاً.. ففي خطابه لحشد من الشباب المسلم يقول سماحة الشيخ:

(انهم يحاربونكم جميعاً على حد سواء لا لانكم شيعة او سنة بل لانكم مسلمون فاجتمعوا في مواجهتكم لهم على هذا المحور وهو الاسلام ولا تنشغلوا بالخلافات الجزئية وتنازلوا عن الكثير من حقوقكم من اجل عزة الاسلام ووحدة المسلمين..).

وبهذا الطرح يخرج سماحته الخطاب من توجهاته الطائفية ويرتفع به الى منابعه الاولى ويتعمق به الى جذوره المتينة مؤكداً المسؤولية الدينية الاسلامية ازاء الدين الاسلامي المتعرض للمواجهات والمؤامرات المستمرة, بل ان الشيخ يذهب بعيداً في هذا الاتجاه الوحدوي حين يوعز للشباب المسلم وللمسلمين بشكل عام بالتنازل بالكثير من الحقوق والتضحية بها من اجل هذه الوحدة متأسياً بقول امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام): (لأسلمن ما سلمت امور المسلمين وكان الظلم علي خاصة) فاذا كان الامام علي (عليه السلام) بمكانته واحقيته في الدين يتنازل من اجل ان تسلم امور المسلمين فكيف بنا نحن حين نوضع امام هذه الامور - الوحدة الاسلامية والوطنية - وامام التنازل عن بعض او كثير من حقوقنا من اجلها.. فهذه الوحدة لها ثمنها وتضحياتها التي تتطلب موقفاً دينياً حاسماً وتآزراً وايثاراً من المسلم لاخيه المسلم او العراقي الذي يضعه هذا الايثار- هو الآخر - على محك هذه الوحدة مما يقربه الى نقطة اللقاء الروحي مع اخيه المسلم ومنطقة اللطف الالهي المشترك الذي مَنَّ الله سبحانه وتعالى على المسلمين بالهداية الى الدين الاسلامي الحنيف حيث القواسم المشتركة العظمى.

بل ان قضايا المسلمين في كل مكان من العالم هي ضمن اهتمام الشيخ اليعقوبي و لاسيما قضية فلسطين الاكثر اثارة وعمقاً في الاهتمام الاسلامي فعلى الرغم من كل الهموم العراقية وما يتعرض له العراق في المرحلة الراهنة فما تزال قضية فلسطين في صميم اهتمام المرجعية الرشيدة وبالتالي في صميم اهتمام المسلم العراقي فيؤكد سماحة الشيخ على (اننا نحن المسلمين في العراق رغم ما بنا من الجراح والألم والفقر والاضطهاد والحرمان والمآسي الكثيرة لا نغفل عن قضية اخواننا المسلمين في فلسطين لانها قضيتنا جميعاً..) ثم يخرج القضية من حيزها القومي الى مجالها الاسلامي الواسع كقضية اسلامية مركزية بعيداً عن الادعاءات القومية التي طالما استخدمها بعض الحكام العرب كهدف (وهمي) لتمرير سياساتهم وتخدير الشعوب بها.

فيقدم سماحته ما هو طرح عراقي جديد بشان القضية الفلسطينية( لقد ولّى الزمان الذي كانت تعتبر فيه قضية فلسطين قضية قومية تخص العرب..) فقط وانما هي قضية اسلامية وبدفعها الى هذا المجال الاوسع تأخذ القضية الفلسطينية بعدها الاسلامي الاكبر تاثيراً في الساحة الدينية والسياسية لان الطرف الآخر - العدو- في القضية الفلسطينية لم يقف على اساس انه قومي بل وقف واعتدى على اساس انه ديني- يهودي- لذلك فحري بالمسلمين ان يقفوا من القضية كقضية اسلامية على المستوى الاوسع والاهم.. بل ان شهداء فلسطين هم شهداء الامة الاسلامية كما تراهم المرجعية الرشيدة ففي كلمته في رثاء الشيخ احمد ياسين يؤكد سماحته على ان:

(من بركات هذه الدماء انها تزيد من وعي الامة وبصيرتها وتريها ان عدوها لا يفرق بين شيعي وسني و لا بين العراق وفلسطين فقتلت بالامس الشهداء الصدر الاول والصدر الثاني ومحمد باقر الحكيم واليوم تقتل الشيخ احمد ياسين فالحرب ليست ضد حركة حماس او فلسطين او العراق او أي بلد آخر بل المعركة ضد الاسلام الواعي المتحرك الذي يريد الحرية الحقيقية من استعباد الطواغيت وسلطان النفس الامارة بالسوء..).

كما انه يُذكّر الى ان استشهاد الشيخ احمد ياسين والسيد محمد باقر الحكيم في نفس الاسبوع ليس من باب المصادفة بل من باب ضرب الرموز الاسلامية في وقت واحد ضمن خطة واحدة في كل مكان من ارض المسلمين.

كما يمتد اهتمام الشيخ اليعقوبي الى كل مكان في العالم حين تكون هناك قضية تخص المسلمين او الدين الاسلامي كما توضح رسالته الى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قبل توقيعه على قرار منع الحجاب في المدارس الرسمية فيدافع الشيخ عن حقوق المرأة المسلمة ضمن حقوق الانسان التي تتباهى بها الدول الغربية المتقدمة و لاسيما فرنسا ويذكره بان الحجاب ليس مثل القبعة اليهودية او الصليب المسيحي في المنع بل ان الحجاب جزء من شخصية المراة المسلمة وكيانها ويضعها امام الخيار الصعب في ان تترك دراستها او تتخلى عن الواجب الديني الشرعي بارتداء الحجاب.

وعلى مستوى التاريخ الاسلامي فغالباً ما يذكر سماحة الشيخ الوقائع التاريخية التي تعزز الوحدة الاسلامية وتُذكّر بها.. فبدءً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي شبه كيان الامة الاسلامية بركاب السفينة لا يستطيع احد ان يقلع خشبته ويقول هذا ملكي وانا حر بالتصرف به فان مآل ذلك غرق الجميع وهو منهم.. او تحميل المسؤولية المتبادلة للمسلمين ازاء بعضهم البعض كما في الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فقد ركز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على موضوعة وحدة المسلمين والاعتصام بحبل الله لانه راى مستقبل الاسلام واستقرأ طريقه فعرف ان وحدة المسلمين واجتماعهم تحت خيمة واحدة هي خيمة الايمان بالله و السير على سنة رسوله هي الحصن الذي يحمي عقيدتهم ويعزز قوتهم امام اعدائهم فكرس (صلى الله عليه وآله وسلم) روح الاخوة بين المسلمين بدءً بين التآخي بين المهاجرين والانصار وتقاسمهم ما يملكون كمنطلق للتآخي منذ فجر الاسلام ويذكرهم بقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا).

أي ان هذا التآخي هو نعمة من نعم الله وآلائه على المسلمين بل هو انقاذ لهم في آخر اللحظات - شفا حفرة - فعلى المسلمين ان يعوا سر هذه النعمة وعمقها وان يعملوا على ادامتها حتى لو ضحوا من اجلها بالكثير من حقوقهم كما قرن الامام علي (عليه السلام) سلامته بسلامة الدين وامور المسلمين..

وقد اورث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرصه على وحدة المسلمين لآل البيت(عليهم السلام) وللصحابة فيذكّر سماحة الشيخ اليعقوبي بمقولة للامام الصادق (عليه السلام) حين قال (ولدني ابو بكر مرتين) فامه ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر وامها اسماء بنت عبد الرحمن بن ابي بكر, وهو انما يذكر هذا المثال او المقولة فانما يحث على تاليف عامة المسلمين على تجاوز الخلافات والاندماج الاسلامي تحت خيمة الاسلام الواحد ذي القرآن الواحد والنبي الواحد وان لا نضيع نعمة الله -الوحدة الاسلامية- التي من الله بها على المسلمين فجعلهم اخواناً بعد ان كانوا اعداء.

وان الشيخ اليعقوبي يعمـل علـى ترسيـخ هذه الوحـدة        - النعمة - باتجاهين سواء ضمن المذهب الواحد او ضمن الدين الواحد.. فهو لا يصادر مكانة المراجع العظام الآخرين ولا يغمط حقوقهم في العمل السياسي والجهادي من اجل نصرة الاسلام والمسلمين فيقول في موضوع مرجعيته (ببراءة الذمة بمراجعتي والاخذ مني كما من الضروري التعاون وتوحيد المواقف مع القوى الاسلامية الاخرى في الساحة وعدم التشنج باتجاهها فان لها رصيدها في العمل السياسي والجهادي..) فهو واحد من مجموع او فريق عمل جهادي هم المرجعيات الدينية التي تمثل الحصن الحصين للامة في الالتجاء اليها عند اصعب الظروف او في الحياة الطبيعية وشروطها.. وحتى في موضوع الحاكم فسماحته يريده (مسلماً عادلاً و لا يهم بعد ذلك ان يكون حوزوياً او لا..).

اما ثورة الحسين( عليه السلام) التي تبدو للبعض انها قضية شيعية واهتمام مختص بهذه الطائفة دون سواها فان هذه النظرة قاصرة و لا ترى البعد الديني والتاريخي لهذه الثورة كما يؤكد ذلك سماحة الشيخ (الحسين (عليه السلام) الذي ليس مُلكاً للشيعة فقط بل يشعر جميع المسلمين بل كل الانسانية انه رمزهم وقدوتهم بما جسد من مبادئ وقيم حيث قام بتلك التضحيات الجسيمة من اجل الاهداف النبيلة) فكل عمل انساني على مستوى الثورة يقوم على اساس انساني نبيل من اجل رفعة الانسان واصلاح امور الحياة بما يرضي الله تعالى فانه عمل يهم الناس جميعاً مهما كان انتماؤهم الديني والقومي.

وكما يدعو سماحة الشيخ دائماً الى ان الاسلام محتاج الى جميع ابنائه فان هوية الامة الاسلامية متأصلة في وحدتها وانسجام مرجعيتها واعمدتها الوحدوية الدينية والعلمية وبالتالي انسجام قاعدتها ومتانتها وان المسؤولية الاعظم تقع على عاتق مرجعياتها وقادتها لانهم المناهل التي تنهل منها القواعد الاسلامية ففي كل الاحداث الجسيمة والظروف الصعبة تتطلب حضور القادة والمرجعيات مثلما حدث اللقاء الاسلامي في مؤتمر مكة الذي اسفر عن وثيقة تحرم دم المسلم على المسلم , وغيرها من البنود والذي حضره قادة المسلمين في العراق والمراجع او من يمثلهم لان المسؤولية الاولى والاساسية في هذه الامور يتحملها المراجع الدينية التي يمكنها ان توحد كلمة المسلمين وان يعي كل منها ويتحمل هذه المسؤولية كما يؤكدها سماحة الشيخ (فاذا كنا حقاً علماء وقادة للامة فلنكن صادقين في الدعوة الى الوحدة والتآخي بخلق ثقافة المحبة والاخوة واحترام الراي الآخر..).

وهذا النهج الوحدوي يتطلب الكثير من الانفتاح الفكري والنفسي والاخـلاقي والتضحوي او الايثاري لان هذا - الآخر - الذي لابد ان نستمع الى رأيه - اذا كنا حقاً علماء - له آراء وتوجهات واجتهادات قد تتقاطع مع آرائنا وتوجهاتنا واجتهاداتنا لكن تحت خيمة الوحدة الاسلامية لابد ان تكون هناك نقطة استقرار وقاسم مشترك تتوحد فيه الرؤى او تقترب من بعضها الى درجة تذويب الخلافات والاتفاق على راي واحد ازاء ما تتعرض له الامة في شتى امورها...

وحتى في الموقف من المحتل فان سماحة الشيخ يحرص على تاكيد الهوية الاسلامية امام هجمة هذا المحتل الجالب لنا مع آلته العسكرية آليات ومنظومات فكرية واخلاقية تختلف او تتناقض مع منظومتنا الدينية والاخلاقية والتاريخية أي انه احتلال اخلاقي وتاريخي واجتماعي وديني مثلما هو احتلال عسكري فعلى الامة ان تتوحد ازاء هذه المنظومة القادمة بقوة الاحتلال وهيمنته فـ (انه بعد ان وطأت اقدام المحتل هذه الارض المباركة كان هذا الغزو العسكري وسيلة لغزو فكري واخلاقي وعقائدي واجتماعي يريدون مسخ الهوية الاسلامية لهذا الشعب وتغيير ثقافته وتقاليده وانماط سلوكه والحاقه بالركب الغربي..).

اذن هذا هو الجانب الاخطر من الاحتلال والستراتيجي من الاحتلال فهو احتلال العقل او احتلال الكيان النفسي وتركيبة الانسان المسلم الدينية والتاريخية وضربها في الصميم.

ان هذا الاحساس المترسخ بالوحدة الاسلامية والمعزز من قبل المرجعيات الاسلامية الرشيدة هو الذي منع حدوث الحرب الطائفية على الرغم من مظاهر الفتنة التي حدثت وتجلت في تدمير المساجد والحسينيات , بل ان يصل الامر الى حد تدمير مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء.. والتي كانت تكفي لحدوث حرب طائفية لا تبقي ولا تذر لولا لطف الله سبحانه وتعالى وحكمة المراجع العظام.. ويذكر الحديث الشريف بان (دم المؤمن اشد حرمة عند الله من الكعبة ).

وغالباً ما تتجسد وحدة المسلمين في المواجهات والاعتداءات على حرمة الاسلام وشخصية نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلما توحدوا ازاء الاساءة التي بدرت من الغرب فخرج المسلمون في شتى انحاء العالم متظاهرين غاضبين ضد هذا الفعل المشين لان الذي حصل هو اعتداء على الجذور الاسلامية الطاهرة والمنابع الصافية التي تمثلها شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فوحدت هذه الجذور الاسلامية المسلمين.. وفي العراق خرج العراقيون غاضبين مستنكرين نابذين خلافاتهم وراء ظهورهم.

اما لماذا كانت هذه الاساءة فيجيب سماحة الشيخ اليعقوبي على انه (قلقهم من انتشار الاسلام الذي بدأ يغزوهم في عقر دارهم) اما من ناحيتنا أي التقصير من ناحية المجتمع المسلم فهو (ضعف الحكومات الاسلامية واستسلامها امام مشاريع الغرب.. وكذلك سعي الصهيونية لدق اسفين بين الشرق المسلم والغرب المسيحي لاضعافهما واشغالهما بهذه المواجهات..).

ويرى الشيخ ان علاج هذه الامور انما يكمن في الوحدة.

 

شارك الاستفتاء

محور وضع المسؤول امام مسؤوليته

 بسم الله الرحمن الرحيم

تتفرع موضوعة المسؤولية الى نواح عدة يمكن ايجازها اولاً بشخص المسؤول المكلف بعمل ما او المنتدب له , وثانياً المسؤول عنه او الناس التي تقع ضمن مسؤوليته وفي مجال عمله، وثالثاً العمل المسؤول عنه او التكليف المكلف به, ورابعاً الرقيب على الاداء وما يتبعه من تقييم وتقويم وثواب وعقاب.. فضمن هذه النواحي يتسع فضاء المسؤولية وتترسخ اهميته ولا سيما حين يكون هذا الفضاء متسعاً بحجم المسؤولية ونوعها وعدد الناس المسؤول عنهم صاحب التكليف.. واخطر هذه المسؤوليات واعظمها حين تتعلق بمصير شعب وبكل تفاصيل حياته وحاضره ومستقبله بل وبماضيه وتاريخه وذلك عبر العمل السياسي المتعلق بهذه المسؤولية ولا سيما حين تكون في بلد يمر بمرحلة تاريخية صعبة وبمنعطفات سياسية ومخاضات وتجاذبات ترسم صورة حاضره ومستقبله عبر إرادات وتخطيطات وقرارات تتخذ جسامتها من جسامة مسؤوليتها.

كما يمر بها العراق في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه حيث يقف فيه العراق على مفترقات طرق سياسية وتاريخية على المسؤول ان يضعها نصب عينه وعقله و ضميره لان أي خطأ او تصرف غير مسؤول قد لا يكون له خط رجعة للتعويض وردم الهوة التي قد تحصل في أي مساحة من العمل السياسي.

من هنا كانت موضوعة الرقيب على الاداء ذات ضرورة ملحة وان كانت هذه الرقابة تتجاذبها اطراف عدة ازاء المسؤول فهناك اولاً رقابة الله سبحانه وتعالى التي تقترب منها او تمثلها رقابة المرجعية الرشيدة , وهناك رقابة الشعب والقانون , وهناك رقابة اخرى تمد يدها بالعلن وبالخفاء احياناً هي رقابة المحتل الذي يريد ان يمرر اجندته على الاداء العراقي باعتباره - كما يرى نفسه - مخلِّصاً ومحرراً وان القرارت لا بد ان تمر بفلتره الذي تحدده مصالحه وبرنامجه المعد مسبقاً.

لكن المسؤولية العراقية بمسبباتها ونتائجها تخص بالدرجة الرئيسة الشعب العراقي الذي تقع عليه تبعية هذه المسؤولية بالقرارات وبالبرنامج السياسي او العملية السياسية التي تخطط وتنفذ على ارضه وزمنه فهو اذن صاحب الركن الاهم والاكبر من اركان الرقابة على عمل المسؤول وتشخيصه وبالتالي قبوله او رفضه او تقييمه وتقويمه.. واهم شريحة من هذا الشعب التي بامكانها ان تشخص وتُقيم وتُقوّم وتضع المسؤول امام مسؤوليته هي المرجعية الرشيدة لانها الممثلة للشريعة الاسلامية التي تقف في مقدمة كل القناعات بل هي التي تمثلها كلها من زاوية الرضا الشرعي الذي يمثل محصلة كل الرؤى الشعبية الاخرى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) والمؤمنون هنا هم الذين يمثلون المرجعية الرشيدة.

فالمرجعية هي الرقيب الاهم والاشد تاثيراً في عملية التقييم والتقويم لانها ممثلة الشرعية الدينية والحكم الالهي من ناحية، وومثلة الشعب المؤمن بهذا الحكم الالهي من ناحية ثانية، اذن فلا بد ان تكون المرجعية بمستوى منزلتها الدينية والشعبية ازاء رقابة المسؤول وتبصيره وتحذيره ووضعه وجهاً لوجه امام جسامة مسؤوليته.

وفي كتاب (خطاب المرحلة) نجد سماحة الشيخ اليعقوبي كمرجعية رشيدة تجعل هذه القضية الرقابية والتبصيرية في سُلّم أولوياتها فتضع كل مسؤول على محك المسؤولية وخلاصاتها واول هؤلاء المسؤولين هو الشعب امام مسؤولياته وواجباته ومن ثم استحقاقاته، ثم الحكومة باجهزتها المتفرعة، ثم جهات اخرى لها تاثير فاعل في العملية السياسية العراقية منها سلطة الاحتلال والامم المتحدة وغيرها ممن له باع في شبكة المسؤولية التي تخص حاضر الشعب العراقي ومستقبله.

ففي احدى خطاباته يحدد سماحته النقاط العامة والهامة التي تمثل المسؤولية الملقاة على عاتق الشعب العراقي في هذه المرحلة وأولها العودة الى الله سبحانه وتعالى والتمسك بشريعته وتنظيم حياتنا كلها في العبادات والمعاملات.. وهذه هي أمُ المسؤوليات التي على الشعب ان يجعلها الارضية التي يبني عليها مسؤولياته الاخرى فرضا الله هو مفتتح الحياة بمسؤولياتها واستحقاقاتها وهو خاتمة الحياة او استمراريتها.

وتنبع من هذه المسؤولية مسؤوليات ملحقة او متفرعة منها كالحضور المكثف في المساجد لاقامة صلوات الجماعة وصلاة الجمعة، والمحافظة على الوحدة ونبذ الخلاف، والطاعة الكاملة للحوزة الشريفة والاحتفاظ بهويتنا الاسلامية، واستمرار التظاهرات السلمية للمطالبة بالحقوق والتجرد عن الانانيات، وعدم التقاطع مع كل مخلص ووطني شريف، وعدم التاثر بالاشاعات... وكل هذه التوجيهات لها الاولوية في سُلّم المسؤوليات الملقاة على عاتق الشعب العراقي كونه صاحب الكلمة الاولى والقدح المعلى ولا سيما في زمن حكم الشعب او الديمقراطية التي انفتح عليها شعبنا بعد تخلصه من الحكم الدكتاتوري البغيض.

ثم يُشخّص سماحته مسؤولية الحوزة الشريفة حيث يجب ان تتوفر في المراجع العظام صفات عدة اهمها (النزاهة والموضوعية ونكران الذات وضبط شهوات النفس والالتزام الكامل فكراً وسلوكاً بالشريعة المقدسة وهو مانسميه العدالة، وثانيهما الاجتهاد او القدرة على فهم واستخراج الحكم الشرعي من مصادره الاصيلة القرآن والسنة الشريفة وثالثهما دقة النظر..).

فالحوزة اذن كرقيب اعلى ومرجعي يمثل خلاصة الرقابة الشعبية كما يمثل خلاصة الرقابة الشرعية عليها ان تسع فضاءها الشرعي والشعبي من ناحية صفاتها الذاتية والموضوعية وان تتوحد بموقف واضح وحاسم ازاء القضايا المصيرية للشعب وازاء موقفها من المسؤول فالحاكم ليس شرطاً في نظر المرجعية ان يكون من الحوزة وانما عدالته واسلاميته هما الشرط الاساس..كما يذكر سماحة الشيخ (ان المطلب في الحاكم ان يكون مسلماً عادلاً ولا يهم بعد ذلك ان يكون حوزوياً او غيره..).

كما حدد سماحته الدور الفاعل للحوزة بعد سقوط النظام المباد فاناط بها مسؤوليتين مرتبطتين بالاحداث الراهنة لكي لا تبقى الحوزة في الظل من الحدث ولا في الجانب الحيادي السلبي فكان دورها المراد منها كمرحلة آنية مرحلية هو ملء الفراغ السياسي الذي حصل في البلد والثانية ستراتيجية على مستوى المستقبل السياسي للعراق وهو المشاركة في العملية السياسية بثقلها الشرعي والفكري والاجتماعي كمكونات لثقلها او لحضورها السياسي المرجو منه من قبل الشعب في هذه المرحلة.

ومن اجل ملء الفراغ الذي حصل بعد سقوط النظام طالب سماحـة الشيخ بتحديـد الاولويـات ففي تاريــخ  25/4/2003 طالب بالاسراع بتشكيل حكومة مؤقتة، وإعمار البلد واعادة الحياة الطبيعية له بتوفير الامن والاستقرار ووضع الدستور المستند الى عناصر كل كيان اجتماعي (الحرية، العدالة، الاستقرار، التآلف، حقوق الانسان، وأن تُشكَّل من احدى مواده لجنة فقهية تضم علماء السنة والشيعة لمراقبة الدستور والمنع من حصول أي مخالفة للشريعة.. والدعوة الى انتخابات حرة نزيهة لاختيار الحكومة والبرلمان).

ان هذه المواكبة مع الحدث منذ بدآياته الاولى وبهذا الثقل تمثل حرص المرجعية الرشيدة على مصلحة الشعب العراقي في كل مفصل من مفاصل حياته الجديدة وهو يضع خطواته الاولى على اعتاب مرحلة سياسية لم تتضح معالمها ومكامنها بعد ولكن المقياس المرجعي واضح بشرائطه الشرعية التي يضعها سماحة الشيخ امام كل مسؤول وازاء كل حدث وتحول او قرار او قانون يخص مصلحة الشعب العراقي فتفحصه المرجعية وتشخص فيه ما ينفع او يضر الصالح العام كما نبه سماحة الشيخ وحذر من قانونين صدرا عن مجلس الحكم في اسبوع واحد ضد مصلحة الشعب العراقي فذكر (ان مجلس الحكم انتقالي فلا يحق له اتخاذ قرارات ستراتيجية كهذه حول مسودة قانـون الجنسيـة العراقيـة، كمـا نشر في جريـدة الصباح 13/9/2003 حيث انها تفتح الباب على مصراعيه امام من هب ودب من عدو وصديق حتى لو كان صهيونياً ان يحمل الجنسية العراقية.. والثاني ان يحق لاي احد ان يستثمر في العراق..) فوضع هذين القرارين على طاولة المرجعية التي وضعته امام مجلس الحكم من ناحية وامام انظار الشعب لتبرئ ذمتها وتطالب بتصحيح هذين القرارين المجحفين بحق الشعب كما يبادر سماحته في تلك الفترة الحرجة الى استعداده لتشكيل الجيش العراقي من العناصر الوطنية الملتزمة التي عرضت عليه استعدادها للمساهمة في اعادة تشكيل الوزارة (اقدم هذا العرض بين يدي المرجعيات الدينية والسياسية ليكون حجة عليهم امام الله تبارك وتعالى..) وهي خطوة استباقية فيها استقرار للوضع الامني في تلك المرحلة، فقد كان السبب الرئيس للانفلات الامني هو التاخير والتردد في تشكيل الجيش العراقي الجديد بعد ان حل الجيش الاساس بقرار مجحف من قبل الحاكم الامريكي بول بريمر علماً ان الجيش العراقي هو جيش كل العراقيين وسوره المنيع وحصنه الامين الذي تاسس منذ عام 1921 وليس جيش النظام السابق.. كما ان سماحته يضع مجلس الحكم امام مسؤولياته في كل النواحي والقضايا الاخرى ولا سيما التي تخص كرامة العراقيين وحقوقهم (واقل ما تسجلونه اذا أصر المستكبر على الاستخفاف بهذا الشعب وتجاهل مطالبه ان تنسحبوا من هذا المجلس..) ليجعلهم امام مسؤوليتهم الدينية والتاريخية من العراق.

بيد ان المسؤولية العامة عن مصلحة الشعب العراقي في يد من يحكمه او يمثله من العراقيين ولكن هناك الجانب الآخر من المعادلة السياسية ضمن المسؤولية وهو المحتل ولا سيما في تلك المرحلة حيث كان الحاكم المدني الامريكي بول بريمر حين بدأت المواجهات الشعبية مع المحتل الذي اخذ يكشر عن انيابه وبدأت تتساقط بعض اقنعته حين امهل وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد المدن المقدسة الى انتهاء زيارة الاربعين لاقتحامها في الشهر الرابع من عام 2004 فلم تقف المرجعية الرشيدة مكتوفة الايدي أمام هذا التمادي الاحتلالي والاستخفاف بحرمة المدن المقدسة فكانت الظهير الاول للشعب العراقي ومن يمثلون المواجهة المباشرة مع المحتل مثلما كانت المرجعية الملاذ للمدن المقدسة من جيش المحتل الذي تأكد له ان الجماهير المسلمة ملتفة حول مراجعها وان القرار السياسي للجماهير ياتي من رحم القرار الديني الشرعي وان - للبيت رباً يحميه- فوجّه سماحة الشيخ اليعقوبي رسالة الى الامريكان من خلال الحاكم المدني بول بريمر يبصره ويضعه امام الحلول الناجعة والمطالب الشعبية امام سلطة الاحتلال (لذا فلا بد من الالتزام بمنطق العقل والحكمة في حل القضايا ويلتزم الطرفان اولا بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات الاجنبية الى خارج المدن والمسلحين من شوارعها وعودة الاجهزة الوطنية مدنية وعسكرية لاداء دورها الطبيعي في حفظ الامن ومن ثم مناقشة القضايا العالقة لمجمل العملية السياسية على اساس الانصاف والشفافية وتشارك فيه جميع الاطراف المعنية بالقضية العراقية لانها مستقبلهم جميعاً..) ففي هذا النص القصير مطالب جمة وشاملة واستحقاقات عراقية امام المحتل عليه ان يراعيها وان يراعي حرمة المدن العراقية وان لا يستبعد احداً عراقياً من العملية السياسية وبهذا توقف المرجعية الرشيدة المحتل ازاء مسؤوليته من الاتفاقيات الدولية عن الاحتلال وكذلك امام خصوصية الشعب العراقي وخصوصية المدن المقدسة.. وكان المحتل يعي ويفهم الخطورة التي ينطوي عليها هذا الخطاب الذي قد يسقط مشروعه منذ بداياته..!

وفي الوقت نفسه يضع سماحة الشيخ ملاحظاته بين يدي الحكومة الانتقالية فيذكرها بغياب الصورة الاسلامية عن التشكيل، وانها حكومة غير شرعية لانها لم تستند الى إرادة الشعب ويضع معاناة الشعب العراقي نصب اعينهم، وان لا تدفع هذا الشعب الى حافة اليأس.

كما يستلهم سماحته شخصية القائد المسؤول من الآية الكريمة كما تجلت في شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ) فيفسر سماحته اجزاء الآية موضحاً ملامح شخصية القائد بقوله (لقد جاء رسول يحمل رسالة شريعة ربانية (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) عاش محنتكم وعرف مشاكلكم وهو خبير بكم وانتم ايضا تعرفونه في صدقه واخلاصه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) يتألم لما يصيبكم من عناء (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) يبذل كل ما في وسعه لاسعادكم (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) يضحي من اجلهم ويؤثر على نفسه) وبهذا التفسير للاية الكريمة يوضح سماحته ويضعها امام المسؤول العراقي الذي يتصدى للمسؤولية وان يكون له في رسول الله اسوة حسنة في القيادة.. وحتى الحكومة المنتخبة عليها ان لا تتكئ على انتخابها من قبل الشعب وانما ان تكون عند حسن ظن الشعب بها فمثلما يمنحها هذا الانتخاب قوة وترسيخاً في مواقعها فهو - الانتخاب - يحملها مسؤولية ارادة الشعب في تمثيلها، أي ان مسؤولية هذه الحكومة مضاعفة لان المسؤول فيها يتصرف ويقود بارادته وإرادة شعبه الذي انتخبه..

فيُذكّر سماحته هذه الحكومة المنتخبة بهذه المسؤولية وبمشاعر ابناء الشعب تجاهها برسالة بتاريخ 3 / 7 / 2005 بقوله (يشعر الكثير من ابناء الشعب بالامتعاض من اداء جملة من السياسيين سواء على صعيد الحكومة المركزية او الحكومات المحلية ويعبرون عن خيبة املهم لهؤلاء الذين انتخبوهم وتحملوا المخاطر في سبيل ايصالهم الى هذه المواقع..) وذلك بعد ان بدأ السوء ينخر في جسد الحكومة المنتخبة وبدأت المصالح الشخصية والحزبية بالتقدم على المصلحة العامة للشعب فكان دور المرجعية المصارحة الجريئة لهذه الحكومة وتبصيرها وتحذيرها من عواقب الامور ولا سيما في الاحداث المهمة والخطيرة مثلما حدث في تفجير الروضة العسكرية يوم 22/6/2006 فهو بالتاكيد خلل امني وعدم اكتراث من قبل الحكومة على اهم الاماكن المقدسة في العراق وعدم تحصينها بما يكفي لحمايتها من الارهابيين ومثيري الفتن كذلك تقصير الحكومة في ردة فعلها ازاء التفجير التي لم تكن بمستوى الحدث والمطلوب منها بصدد معالجة الامور (فرئيس الحكومة يترك البلد يحترق بالنار ويذهب الى تركيا في حين ان قادة الدول يقطعون اهم زيارة او مؤتمر لهم اذا وقع حادث في بلدهم..) ثم يُحمّل سماحته رئيس الجمهورية نفس المسؤولية (وقد اعترض رئيس الجمهورية على زيارة رئيس الحكومة لا لمطالبته بالمكث مع شعبه وبالتفكير بالحل.. وانما اعترض عليه لانه لم يخبره بالزيارة وتصرف وحده..) ثم ينتقل سماحته الى زعماء الكتل السياسية (اما زعماء الكتل السياسية فقد اجتمعوا ولم يكن الا لذر الرماد في العيون..) وهكذا يوضع الجميع امام جسامة الحدث والمسؤولية الواجب عليهم مراعاتها او التي قصروا بها ولم يكونوا بمستوى تحملها...

ويستمر الشيخ اليعقوبي في خطاباته بحث الاطراف المعنية بالقضية العراقية على تحمل مسؤوليتها كلاً من موقعه ففي لقائه مع السيد اشرف قاضي رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق بتاريخ 19/4/2006 يعلِّمه برأي المرجعية في اهمية الامم المتحدة ودورها المرجو منها في العراق كونها تمثل الشرعية الدولية ولثقة العراقيين بها دون ان تثير حساسية التعامل معها كما هو الحال في التعامل مع المحتل مهما حاول ان يجمل صورته ويحسن سمعته، فان دور الامم المتحدة كما يخبر سماحته ممثلها في العراق حيوي وضروري (ونحن طالبنا من اول يوم بعد سقوط النظام... بأن يكون لها دور حاسم) بل انه يرى ان دور الامم المتحدة ليس فقط في تقديم المساعدات الانسانية بل هي معنية بالجانب الفكري والثقافي وبالتالي بحماية الارث الحضاري للبلد الذي تشترك به مع الانسانية جمعاء وهنا تكمن مسؤولية الامم المتحدة بالقاسم الانساني والحضاري المشترك بين الشعوب والامم وهذا ما يستطرد له سماحة الشيخ (لذا اعتقد ان دوركم ليس في تقديم المساعدات الانسانية ونحوها من الاعمال الميدانية لان لكم دوراً أهم من هذا إنه عمل فكري وثقافي باقناع الفرقاء بثقافة الحوار والتسامح..) وهكذا يمد سماحته دور الامم المتحدة من المساعدات الانسانية الى المسؤولية الحضارية وبالتالي الى الدور السياسي الذي يجب ان تلعبه الامم المتحدة في العملية السياسية العراقية وتقريب وجهات النظر لما لها من مكانة لدى كل القوى السياسية والمرجعيات الدينية مهما اختلفت الرؤى لان القاسم المشترك التي تمثله الامم المتحدة يعني جميع المشتركين في العملية السياسية باعتباره الانساني والدولي والشرعي والحضاري والثقافي حيث ان منظمة اليونسكو العالمية هي احدى مؤسسات الامم المتحدة لذا يطالب بأن (تعقد مؤتمراً دولياً عن الروضة العسكرية المطهرة لوضع الخطط الكفيلة باعمارها..) باعتبار الروضة العسكرية ارثاً انسانياً حضارياً في الصميم من اهتمامات منظمة اليونسكو العالمية..

اما مع مكونات الشعب العراقي سواء السياسية منها او الاجتماعية او ذات المسؤولية المباشرة في خدمة المواطنين وحمايتهم.. ففي جانب المكون السياسي يحذر سماحة الشيخ الائتلاف العراقي الموحد من الانحراف عن اهدافه وذلك في لقاء مع وفد من منظمة بدر بتاريخ 13/5/2006 فيذكرهم بان تشكيل الائتلاف ضرورة ستراتيجية وليس حاجة آنية او مرحلية.. ولكن المؤسف ان طريقة تعامل بعض مكونات الائتلاف اثناء مشاورات تشكيل الحكومة كانت على خلاف ذلك وتميزت بقصور في النظر وانغلاق على الذات وعدم وجود شعور بالمسؤولية..) فهو يصارح هذا المكون السياسي العراقي المهم والاوسع في القاعدة الشعبية ليجعل من المرجعية مرآة صادقة وربما صادمة لهم ليروا مواضع الخلل في مساعيهم السياسية من اجل تلافيها لصالح الائتلاف ومكانته في العملية السياسية العراقية.. وهذا التشخيص المرجعي الرقابي للعمل السياسي ينطبق على كثير من المكونات السياسية الاخرى التي تستمع الى خطاب سماحة الشيخ.

ومن المكونات العراقية الاخرى هي مفوضية النزاهة العليا حين زاره وفد المفوضية العليا للنزاهة بتاريخ 29 ايلول 2005 فوضح دورهم الرقابي على منصة الرقابة الاعلى التي هي الرقابة الشرعية لان لهم (دوراً مهماً في ضبط واداء السلطات ومحاسبة المسيئين والالتزام بالدستور.. ولا بد ان تفهم ان النزاهة لا تعني محاربة الفساد الاداري والمالي فقط بل ان مفوضية النزاهة مسؤولة عن التوزيع العادل للثروة على ابناء الشعب) لكي تصبح اسماً على مسمى وبعيداً عن اهواء النفس الامارة بالسوء باعتبار مفوضية النزاهة هي الجهة المنتخبة او المنتدبة من اغلب مكونات الكتل السياسية والمنزهة لهذا الدور المهم في مرحلة النهوض وبناء دولة المؤسسات.

وضمن اهتمام سماحته الى مكونات الدولة التي تهم حماية وخدمة المواطنين بشكل مباشر وفاعل يقدم توجيهاته الى قادة الشرطة العراقية بتاريخ 5/5/2005 وذلك بـ :

(1- الاستقلال في ادارة الملف الامني وعدم الاذن للقوات الاجنبية بالدخول الى داخل المدن.)

وبهذا التوجيه يضع جهاز الشرطة نداً لند مع قوات الاحتلال التي عليها ان تدرك ان قوات الامن العراقية قادرة على حفظ النظام وان وجودهم - المحتلين - بوجود القوات العراقية نشاز ويسيء الى الكرامة والاستقلال العراقي..

(2- اختيار العناصر النظيفة من ابناء نفس المدن والعشائر.)

على اساس ان اهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل العربي، وبنفس الوقت تفعيل الموقع الجغرافي العراقي امنياً وان المسؤولين ضمن الموقع ادرى بنزاهة العناصر التي تنتدبها للدفاع عن مناطقهم وحمايتها وتامين الامان لها.

(3- الحرص على حسن العلاقة مع شرائح المجتمع.)

وبهذا يؤكد سماحته على اهمية اعادة العلاقة الطيبة ذات الاحساس العالي بالمسؤولية بين افراد الدولة والامن وبين افراد المجتمع من اجل التعاون على استتباب الامن.

اما المكون الاخير وليس الآخر الذي سنقف عنده فهو المكون الاجتماعي وأوضح من يمثله هو العشيرة ولا سيما في الظروف الصعبة حين يضعف القانون او يغيب فيلجأ الانسان الى عشيرته لحمايته فضلاً عن كون العرف العشائري ذا أهمية خاصة في المجتمع العراقي لحل كثير من التأزمات والمشاكل التي تحصل بين المواطنين.

ففي لقائه مع رئيس عشيرة الكرامشة بتاريخ 6/5/2004 يثني سماحته على دور العشائر وعلى الخصال الحميدة لها واهميتها في دعم العملية السياسية، وقد كان اللقاء بعد توجيه سماحته رسالة الى شيخ العشيرة الذي لبى الدعوة أو الرسالة وسارع الى زيارة الشيخ في مقره ليستمع إلى توجيهاته ونصائحه وقد وضح الشيخ سبب توجيه الرسالة (لعلمي بان لك مكانة اجتماعية مرموقة وتمتلك تاثيراً كبيراً على أبناء تلك المنطقة وهذا الجاه يحمل مسؤولية مضاعفة للقضاء على هذه الحالة.. واذا كان لهؤلاء الناس مطالب فيمكن ان تستحصل بالحوار وسوف لا اقصر في تحقيق مطالبكم المشروعة..).

 

شارك الاستفتاء

محور المرأة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

موضوع المرأة محبب واثير وهام عند سماحة الشيخ اليعقوبي لان المراة المسلمة في مجتمعنا لم تعط حقها ومكانتها من ناحية، ولم تؤد ما عليها من استحقاقات وواجبات من ناحية ثانية, وبالتالي لم تأخذ دورها الحقيقي في المجتمع مما أوجد ثغرة كبيرة في مجتمعنا يمكن ملؤها او سدها بالتثقيف الحقيقي باتجاه تفعيل دورها بعيداً عن الزيف الذي يحاول الاعداء ان يبثوه في المجتمع تحت عناوين براقة مثل حرية المرأة والمساواة بالرجل وابعادها عن واجباتها وحقوقها الاسلامية التي تجعل منها نواة حقيقية لتكوين مجتمع سليم.

فالمراة من ناحية هي (درع عن النار) للرجل اذا ما اخذت دورها الاسلامي الصحيح فستكون خير عون له في القضاء على نوازع النفس الامارة بالسوء، ومن ناحية اخرى هي (حبائل الشيطان) اذا ما أُسيء التعامل معها بعيداً عن الشروط الشرعية والدور الذي حدده لها الدين الاسلامي الذي منحها رفعة ومنعة، وعلى المراة نفسها ان تعي هذا الدور وعلى الرجل ان يعينها في اخذ مكانتها الحقيقية في المجتمع المسلم.. فان فساد المجتمع أو صلاحه متعلق بالدرجة الاساس بالمرأة.

من هذه الفكرة وهذا المنطلق يركز سماحة الشيخ على قضية المراة المسلمة، وان كثيراً من المفاسد التي نخرت في حياتنا انما مرده الى :

1- تعطيل هذه الشريحة المهمة عن اداء دورها الرسالي العظيم للمراة.

وهو بهذا يخرج المرأة من دورها الثانوي في المجتمع ومن النظرة الضيقة لها من قبل الرجل او المجتمع ويجعل لها دوراً أولياً رسالياً عظيماً عليها ان تصل اليه من خلال الالتزام بالتعاليم السماوية الشرعية ومن خلال المعرفة والعلم الذي يؤهلها للقيام بدورها هذا.. ومن خلال مساعدة الرجل لها على أخذ هذا الدور.

وان النظرة القاصرة السلبية في مجتمعاتنا الاسلامية للمرأة جعلتها ثغرة للغرب المعادي للاسلام الذي يبحث عن هكذا ثغرات لتمرير مؤامراته ومناهجه الهدامة لمجتمعنا فيذكر سماحة الشيخ هذه النقطة الهامة بقوله:

2- تمرير الغرب لمؤامراته في تدمير عقيدة المجتمع من خلال تشويه صورة المراة في الاسلام من خلال التلويح بمصطلحات براقة خادعة كحرية المراة ومساواتها مع الرجل.

وهو بهذا الطرح ينبه الى خطورة هذا الموضوع وان تصبح المرأة مدخلاً للسياسات الاستعمارية الى مجتمعنا الاسلامي لان الاحتلال الاخلاقي والفكري اخطر من الاحتلال العسكري الواضح المعالم.. وان علينا كمجتمع مسلم ان نعزز ونقوي جبهتنا النسوية فبدلاً من ان تصبح مدخلاً للمحتل ومخططاته يمكن ان تصبح مصداً فاضحاً لسياساته حين نُفعل هذه الشريحة التي تكاد تكون معطلة بسب نظرتنا القاصرة لها.

ثم يشير سماحته الى سوء الفهم الحاصل من قبل المرأة نفسها الى احكام الشريعة الاسلامية تجاهها او سوء توصيل المعلومة الشرعية للمراة في هذا المجال أي بسبب التثقيف الاسلامي القاصر تجاهها او سوء تطبيق التعاليم والثقافة الاسلامية وهذا يؤدي كما يذكر سماحة الشيخ الى:

3- نفور عدد من النساء من الشريعة بسبب سوء فهم وجهة نظر الشريعة او سوء التطبيق لجملة من احكامها كقيمومة الرجل على المرأة أو تنصيف حصتها من الميراث أو الشهادة ونحوها.

واعتقد ان هذه هي الثغرة النفسية المهمة التي على المجتمع ان يسدها لكي تتحرر المراة المسلمة من عقدة النقص عن الرجل وتوعيتها بان الله سبحانه وتعالى اعلم بحقوقها وواجباتها واحرص حين حددها في القرآن الكريم وذلك للتركيبة البايولوجية والنفسية للمراة ولكن هذا لا يُضعّف او يقلل من دورها المهم في المجتمع وانها قاعدة البناء الاجتماعية التي تبنى عليها كل الاساسات الاجتماعية الاخرى وتتكامل بها.

فأرى ان هناك خطوتين مهمتين وفاعلتين باتجاه تحرير المراة وتثقيفها وايصالها الى دورها المرجو منها هما:

الاولى: صحة النظرية وتوصيلها.

الثانية: صحة التطبيق او النية والهمة المحققة له.

فبين النظرية والتطبيق غالباً ما تخفق المشاريع الانسانية والتثقيفية البانية للمجتمع.. من هنا أكد سماحة الشيخ على تفعيل التطبيق بأن اوعز منذ بدء هذه المرحلة بتشكيل الروابط والمؤسسات النسوية لهذا الغرض، بل هو اول من طالب بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون المراة بالتزامن مع تاسيس مجلس الحكم وأعد بياناً لتسيير مظاهرات نسوية لتأييد هذا المطلب ولكن الخشية كانت من ان الامريكان المهيمنين على العملية السياسية ولا سيما في وقتها من ان يعطوا الوزارة الى امراة منحلة فتكون النتائج عكسية وسلبية لان المحتل يخشى ان يكون للمراة العراقية دور اسلامي طليعي ومهم في المجتمع فيكون ضد اجندتهم وبرنامجهم الذي يتضمن الاحتلال الاخلاقي للمجتمع.

كما ان الظلم والجهل والتخلف الذي لحق بالمراة العراقية لا تنهض به الا وزارة مستقلة كما يرى سماحة الشيخ ويدعو له.

وقد حقق سماحة الشيخ الربط الفاعل بين صحة النظرية وصحة التطبيق وذلك من خلال تاسيس المؤسسات التي ترعى شؤون المراة فنهض مشروعه للعمل النسوي بذراعين رئيسين هما:

1- جامعة الزهراء للعلوم الاسلامية :

وأرى ان هذا هو الجانب النظري او صحة النظرية من خلال توصيل المعلومة الشرعية والعلمية للمراة من قنواتها الصحيحة.

كما ان هذا يؤكد ثقة سماحة الشيخ بعقلية المراة العراقية المسلمة كما ذكرها في حديثه مع وفد اعضاء رابطة فدك النسوية وهو يُقيّم العمل الاسلامي خلال السنين الماضية فيذكرهن بان الامة تجاوزت الكثير من المصاعب والمغريات ووسائل هدم الاخلاق ومسخ الهوية الاسلامية..بقوله (استطيع القول ان حماس النساء وهمتهن في العمل كانت اكثر من الرجال..) وهذا مع كونه احقاق الحق للمراة ومكافأتها على دورها في العمل الاسلامي فهو تعزيز لثقة المراة بنفسها وتقييم منصف لجهودها وامكانياتها العقلية العالية التي تبحث عن قنوات سليمة لتفعيل دورها في المجتمع فيذكر سماحة الشيخ لهن مثالاً حياً وواقعياً على القدرات العقلية العالية للمراة العراقية من خلال بعض الاحصائيات التي نقلت بان عدد المهندسات في العراق يساوي عدد المهندسات في الولايات المتحدة مع ان سكان الولايات المتحدة عشرة اضعاف سكان العراق.

وهذا احد الشواهد التي يؤخذ بها لمعرفة رقي الشعوب..وهو مثال واحد في جانب واحد من جوانب العلم وميدان مهم من ميادين المعرفة ونستطيع ان نقيس عليه في المجالات والميادين الاخرى.

2- رابطة بنات المصطفى :

بفروعها المتعددة واسمائها المختلفة كرابطة فدك ورابطة الامام الجواد.

واعتقد ان هذا هو الجانب التطبيقي الصحيح للنظرية التي تخص العمل النسوي وقد حققها سماحة الشيخ من خلال التآزر والتكامل بين النظرية والتطبيق.. فلهذه الرابطة بيان ورقة عمل تنظم عمل المراة في النشاطات المختلفة حيث يحدد لها مسارها الصحيح في هذه النشاطات منها النشاط الديني المتمثل باقامة الشعائر الدينية وحث المؤمنات من حملة الشهادات على الانتماء الى جامعة الزهراء للعلوم الدينية التي تمثل نظاماً حوزوياً متكاملاً.. والتشجيع على صلاة الجماعة وصلاة الجمعة وتهذيب النفس وإصلاح المجتمع وغيرها.

اما في الجانب الثقافي فالتشجيع على الانفتاح على الساحة الثقافية والفكرية ودعمها والتعامل معها من خلال تنظيم ملفات دروس في المعارف الاسلامية واستضافة شخصيات علمية وفكرية وتشجيع الطاقات القادرة على الكتابة , والقاء المحاضرات في المدارس والمحافل العلمية والاجتماعية لان سماحة الشيخ يشجع على الانفتاح على كل شرائح المجتمع من اجل التعامل معها والاستماع الى آرائها ومتطلباتها ونشر قيم الفضيلة فيها.

كذلك في مجال النشاط الاجتماعي يحث سماحته على المساهمة في حل المشكلات العائلية من خلال تخصيص باحثة اجتماعية والسعي للتوفيق بين الشباب واقامة الحفلات الجماعية للزواج وغيرها من النشاطات.

اما الجانب الانساني والخدمي فيوعز سماحته الى تفقد العوائل المتعففة والارامل والمحرومين وتقديم خدمات ضرورية للمجتمع مثل فتح دروس خصوصية للطلبة،وتعليم الكومبيوتر، ومحو الامية وفتح مراكز صحية.. وفي النشاط الاقتصادي انشاء صناعات مناسبة في مقر الرابطة او في البيوت لتوفير فرص عمل، والدخول في مشاريع استثمارية والتوسط للحكومة لايجاد فرص عمل وفتح محال تجارية واسواق متخصصة بالنساء تديرها النساء.

وفي الجانب السياسي يحث سماحته على المشاركة الفاعلة للمراة في المؤتمرات واللقاءات واعداد ملاكات قادرة على العمل السياسي والترشيح للانتخابات.

وأرى ان هذا البرنامج والنظام الشامل في كل مجالات الحياة التي على المراة ان تساهم في اثرائها هو عمل مؤسساتي ضخم على الدولة العراقية ان تستثمر هذا التخطيط والتوزيع للمهام والنية الصادقة في إفادة كل ابناء المجتمع من خلال المراة الصالحة التي يعدها الاسلام للعمل المثمر في المجتمع.

وان هذا التكامل لا تتيحه الا منظومة فكرية مستندة الى مدد شرعي ولطف الهي وكذلك الى قاعدة شعبية مخلصة مستلهمة ومنفذة لهذه البرامج الاصلاحية الشاملة.

ومنذ بدء التغيير السياسي الكبير في العراق بعد سقوط النظام المباد كان هاجس سماحة الشيخ بهذا الاتجاه فيما يخص شؤون المرأة وتفعيل دورها في الحياة العراقية بشكل عام ففي تاريخ 12/8/2003 يطرح الشيخ موضوعة الاربعين حديثاً في قضايا المرأة مستثمراً حديث الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) للامام علي (عليه السلام): (يا علي، من حفظ من امتي اربعين حديثاً يطلب وجه الله عز وجل والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقاً) فيجعل الشيخ هذا الحديث مبعثاً ومحفزاً لنشاط ثقافي ومعرفي كبير وشامل في شؤون المراة ويعرض عدداً من قضايا المراة يمكن ان تكون محاور لفعاليات اسبوع ثقافي من ندوات ومحاضرات بحيث تصل الى الاربعين محوراً لنكون ممن عمل بالحديث النبوي الشريف ولتكون خطوة لسد هذا الفراغ.. ويذكر الشيخ بان هذا الحديث كان حافزاً لكثير من العلماء لان يؤلفوا الكثير من الكتب تحت عنوان (الاربعين حديثاً) في شتى العلوم والفنون..ولكن سماحته اراد ان يخصص هذه المرة الاربعين حديثاً في شؤون المرأة مستثمراً ذكرى مناسبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بحيث يكون مولدها الشريف يوماً للمرأة المسلمة.

وهذه فكرة ذكية لتخليد هذا اليوم والتبارك به لان الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين وخير قدوة للمراة المسلمة في كل نواحي حياتها ولكي تصبح هذه المناسبة تقليداً سنوياً تجدد الامة فيه النظر في قضايا المراة وما ينبغي ان تفعله لتأخذ المرأة موقعها الكريم الذي حباه الله تعالى لها.

ويقترح سماحته عناوين ومحاور للبحث فيها واثارة النقاش حولها والعلم بها وحولها : منها الاحكام المختصة بالنساء، فلسفة تشريعات المراة, قيمومة الرجل على المراة,حرية المراة وغيرها ولكي يكمل المؤمنون هذه المحاور بحيث تصل الى الاربعين عاملين بحديث النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم ).

وهذا التفعيل التشريعي والمعرفي في قضايا المراة يحرك من النشاط الثقافي والعملي في موضوع المراة ويوسع من دائرة الاهتمام الاسلامي بها في سبيل الاصلاح والرشاد والمطلوب في هذه المرحلة التاريخية.

ودفاعاً عن حقوق المراة المسلمة في كل مكان من العالم يوجه سماحة الشيخ رسالة الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك في 11/10/2003 يطالبه فيها بالسماح للمراة المسلمة بارتداء الحجاب في المدارس والجامعات الفرنسية لانه زي المراة المسلمة الشرعي ولا تستطيع التنازل عنه, لان الحجاب يعني انتهاج السلوك النظيف والعفيف، ويُذكّره بان مريم العذراء كانت عفيفة ومحجبة وان هذا القرار لا يرضيها كما يُذكّره بان علاج الايدز يكون بالعفاف الجسدي اولاً.

كما يهتم سماحته بموضوعة المرأة المسلمة في الغرب وطريقة حياتها بحيث لا تؤثر على اخلاقها ومبادئها الاسلامية.. ففي حوار مع مجلة فيض الكوثر يجيب سماحته على اسئلة حول المراة في الغرب بين الاندماج والذوبان.. وتكمن اهمية هذا الموضوع في كون المراة المسلمة في الغرب مرآة للدين الاسلامي تنعكس عليه قضايا عدة منها قدرة هذه المراة على التعايش في الغرب بشخصيتها الاسلامية المؤمنة وكذلك قدرة الانسان المسلم الذي تمثله المراة هناك على التحاور والتعايش مع الاديان والثقافات الاخرى وكذلك تعكس هذه المراة قدرة المراة المسلمة على تقديم الانموذج النسوي الحضاري بشخصية مستقلة ومؤثرة ايجابياً في المراة الغربية من خلال الاندماج الفاعل والعاكس لكل القيم والمثل الاسلامية العليا.

فلنستمع الى آراء سماحة الشيخ بهذا الشان وهو يفرق بين الاندماج والذوبان في المجتمعات الغربية (وتتسع قائمة مستحقات الذوبان حتى لا تبقى من عناصر شخصية المسلم الا القشور التي تركن في زاوية مظلمة، اما الاندماج فهو معنى مطاط ويمكن ان يعني حالة من التعايش الايجابي المشترك من دون الغاء خصوصيات الهوية الاسلامية..) لكنه يستدرك (وهم لا يتركوننا ان تركناهم) مستشهداً بالآية الكريمة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) البقرة.

وكان سماحته قد انتقد برنامجاً بعنوان (للنساء فقط) بثته قناة الجزيرة يتطرق الى هذا الموضوع، موضوع المرأة المسلمة في الغرب قائلاً (من الخيانة ان يلقي هذه الشبهات في اذان المجتمع دون جواب ودون ان يستضيف علماء دين ومفكرين واختصاصيين مخلصين وواعين..) وهو انتقاد لاذع للاعلام الذي يناقش بعض القضايا المهمة من وجهة نظر واحدة دون تفعيل الراي بالمختص شرعياً او علمياً بها.

ان سماحة الشيخ يركز على موضوعة المراة ويعدها من اولويات اهتمام المرجعية للاسباب التي ذكرناها سابقاً ويعد لها برامج عمل نظرية وعملية تحصن المراة شرعياً من الانزلاق في شراك النفس الامارة بالسوء , ويهيء لها خط سير واضح المعالم والتفاصيل من خلال منظومة معرفية وعملاتية منسقة بتخطيط مؤسساتي يصلح دليلاً اسلامياً ومرشداً واعياً ومعتمداً للمراة المسلمة من ناحية, ودليل عمل وتنظيم لشؤون الحياة انطلاقاً من تنظيم لشؤون المرأة - ام الحياة - من ناحية ثانية, يكون هذا الدليل صالحاً للدولة لكي تأخذ به وتستثمر التوسع فيه والتنظيم الشرعي والعلمي له لصلاحيته الفعالة للعمل به في كل مجتمع اسلامي او لنقل في أي مجتمع انساني لانه يضمن حقوق المراة ويدافع عنها ويحصنها , وكذلك يوضح واجبات المراة والامكانية الواقعية التي تجعل من المرأة عنصراً فاعلاً وايجابياً يضيء المكان الذي يوضع فيه.

ولا سيما دورها في العراق الجديد بعد ان انفتحت آفاق جديدة للمراة عبر المشاركة في كل الفعاليات الأنسانية.

ولان المراة هي عنصر التربية المهم في المجتمع , كذلك ان نسبة تعداد النساء في المجتمع العراقي اكثر من نسبة الرجال كما هو معلوم...

 

شارك الاستفتاء

محور الشباب

بسم الله الرحمن الرحيم 

يتخذ موضوع الشباب أهميته من كونهم شريحة المجتمع التي تتجلى عليها وشيجة الحاضر بالمستقبل او لنقل انهم الحاضر المستقبل المهيأ لاستلهام الفكرة وتطبيقها او تثويرها بالقدرة على التنفيذ والتواصل وصنع اللحظة التاريخية ومسكها من طرفيها المهمين الحاضر والمستقبل بعد سحبها من رحم الماضي.

من هنا كان الرهان على الشباب يعني الرهان على الزمن والقدرة على الحركة فيه بأكبر مساحة ممكنة من الجيلية المتجددة ضمن حركة الاجيال وتولدها المستمر في مضمار الزمان والمكان.. فليس ثمة مشروع فكري او سياسي او اجتماعي ليس للشباب المساحة الاكثر خصوبة وتاثيراً فيه على صعيدي الحاضر والمستقبل.

فالحاضر يتجلى بالقدرة على التحمل والمواجهة والتنفيذ ونشر الفكرة كنظرية على ارض الواقع من باب الاقناع والتطبيق، أي بالعبور بالفكرة من العقل الى الارض بفعل ميداني قادر على النفوذ والتواصل المتجدد.

والمستقبل يتجلى بالقدرة على التمدد في مساحة الزمن وخلق الفضاء التاريخي للفكرة او توسعته بما يسمح له عمر الشباب من مواصلة وجرأة لم تثقلها او تضعفها تكدسات متطلبات الحياة ومسؤولياتها.. وهذا ما اقصد به بمسك اللحظة التاريخية من طرفيها او بالحاضر المستمر..

ثم هناك موضوعة الخلاصة او الابتداء من حيث ينتهي الآخرون فيقبس الشباب جمرة هذه الخلاصة او شعلة الفكر الوهاجة ليكملوا بها طريق العقل المبدع والنفس الطموحة.

ومن هنـا ايضاً تكمـن خطورة التعامل مع هـذه المنطقـة     - منطقة الشباب - لانها المنطقة الاكثر تثويراً وتاجيجاً للفكرة سواء كانت هذه الفكرة ايجابية او سلبية لانها المدخل التنفيذي لهذه الفكرة لما يتمتع به الشباب - كما وضحنا -  من قدرة على التنفيذ والتاجيج..

من هنا صار على كل ذي مشروع فكري أو سياسي التفكير بهذه المرحلة المهمة من تسويق فكرته وايصالها الى أي مجتمع، مرحلة التثوير العملي للفكرة بواسطة قدرة الشباب على هذا الفعل.

ومن هنا صار على كل ذي مسؤولية عن أي مجتمع ان يسيطر على صمام الامان الاجتماعي الذي يمثله الشباب حيث يمكن ان يدخل منه الخير او الشر الى المجتمع فكما ان الشباب له القدرة والحيوية على التفعيل والتثوير أو التاجيج وبالتالي نشر الفكرة عملياً في المجتمع فان الشباب اكثر عرضة لمغريات النفس الامارة بالسوء من ناحية ومغريات الآخر المتربص للشباب بهذه المغريات واتاحته لها بشكل يجذب الشباب اليها.

وقد انتبهت المرجعية الرشيدة الى صمام الامان هذا والى هذه المساحة الاجتماعية التي تنطوي على الخطورة والخلق في آن واحد.

فيؤكد سماحة الشيخ محمد اليعقوبي على هذه المساحة او الشريحة باعتباره ذا مسؤولية مرجعية دينية واجتماعية مباشرة امام الله سبحانه وتعالى والتاريخ والمجتمع تجاه الشباب، وباعتباره ذا مشروع فكري ونهج علمي عليه إيصاله بدأب وحرص وامانة الى هذه الشريحة فهو كما يحب الشباب ويهتم بهم فانه يخشى عليهم.

وهو يوضح هذا الحب وهذا الاهتمام وهذه الخشية في لقائه مع جموع الشباب من البصرة الذين وفدوا لمبايعته بتاريخ 23/6/2003 (احبكم ايها الشباب حباً خالصاً لانكم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (اوصيكم بالشباب خيراً، فانهم ارق افئدة) وانقى نفوساً لانكم مازلتم اقرب الى الفطرة لم تلوثكم الذنوب كثيراً..) وهذا هو البعد الرسالي التاريخي للحب زائداً البعد النفسي للمواصفات التي ذكرها سماحته.

اما البعد الآخر المتمثل بفضاء الحاضر وارهاصاته الممتدة الى المستقبل فيوضحه بقوله (كما انكم نشأتم في ظل الصحوة الاسلامية المباركة التي اتسعت في العقدين الاخيرين ووسع مداها سيدنا الشهيد الصدر الثاني بحركته الاصلاحية العظيمة وكان ثمنها غالياً بدمائه ودماء الشهداء الابرار..) وهذا البعد يمثل المشروع الفكري الذي تلمس طريقه الى ارض الواقع الصعب الذي لم يكن يسمح لانتشار هذا الفكر الاسلامي النير بين صفوف الشباب او المجتمع بشكل عام، وهذا هو البعد الجهادي التضحوي في ايصال الفكرة للشباب الذين كانوا هم الغاية من هذه الفكرة وهم الوسيلة في تثويرها كذلك.. وهذا هو محور اهتمام سماحته بالشباب حيث يكمن في انهم (المحرك الرئيس لحياة الامة.. وانتم معيار صلاح الامة وفسادها.. لان فيكم الطاقة والاندفاع والتفاعل، لذا نجد الاستجابة الفعالة للدعوات الاصلاحية كرسالة الاسلام..)  وبما ان سماحة الشيخ يمثل هذه الدعوة الاصلاحية او الاستمرار الموضوعي والتاريخي للدعوة الاصلاحية التي اسسها وقادها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فان - هذه الدعوة - الفكرة المستمرة تبحث عن جنودها المستمرين او كما قلنا حاضرها المستمر المتمثل بالشباب المسلم الواعي لهذه الدعوة والمستعد للعمل الجهادي من اجلها وفي سبيلها..

وبما ان (الاسلام محتاج لجميع ابنائه) كما يؤكد دائماً سماحة الشيخ لذا فهو لا يستثني احداً من الشباب المسلم من شرف تحمل مسؤولية هذه الدعوة الاصلاحية المستمرة.

اما الخشية على الشباب فلأنهم صمام الامام في كيان الامة وانهم الجزء الطري الفاعل و الاكثر تعرضاً (لسهام الباطل وحملات الفساد والتضليل) وكما هم مصدر قوة للمشروع النهضوي على اصعدته الانسانية كافة فانهم مصدر ضعف حين يستطيع الآخر المعادي من اختراقه واستغلاله وادخال سموم مشروعه الى جسد المجتمع المسلم من خلاله.

لهذه الاسباب يضع سماحة الشيخ الشباب وجهاً لوجه امام تحديات مختلفة عليهم ان يعوا دورهم منها، وهذ التحديات اخلاقية واجتماعية وعقائدية وسياسية واقتصادية وسكانية أي ديمغرافية متعلقة بالمحاولات العدائية لتغيير التركيبة السكانية للمجتمع العراقي.

وكل هذه التحديات مصيرية تتعلق بحاضرهم ومستقبلهم وخاصة في هذه المرحلة التي تمثل منعطفاً تاريخياً في حياة الشعب العراقي من ناحيتين الاولى التغيير الذي حصل بعد سقوط النظام المباد وانفتاح الحياة على افاقها وحرياتها، والثانية وجود المحتل القادم الينا بكل مخططاته ومغرياته وسلب الارادة وعدم الاستقرار, وما يمثله من هجمة ثقافية وفكرية واخلاقية يقف الشباب العراقي في مقدمة الشعب من ناحية صدها وتفتيتها، او التلبس بها بما يسبب تشويه فكره وسلبه قناعاته وزعزعة إيمانه وثوابته المبدئية , لذا يحدد سماحة الشيخ الواجبات والتدابير اللازمة امام هذه التحديات بما يحافظ على كيان الشباب الذي هو في الصميم من كيان المجتمع.. بخطوات اساسية في مقدمتها (تعميق صلة الامة بالله تعالى) لان هذه الصلة تمثل العروة الوثقى التي تحافظ على الكيان الاسلامي حين التمسك والالتزام بها (وانفتاح الحوزة على جميع شرائح المجتمع خصوصاً طلبة الجامعات) لتأخذ الحوزة دورها الديني والوطني كظهير مرجعي يعصم الشباب من الزلل والانحراف (ونبذ اسباب الفرقة والخلاف) لان المحتل والمستعمر بشكل عام يستخدم اسلوبه القديم الجديد بسياسة فرق تسد لكي يضعف الامة ويخلق مبررات وجوده على الساحة العراقية.

كذلك يحدد سماحة الشيخ نقاطاً اخرى مثل (السعي لتشكيل ادارة محلية نزيهة، والاهتمام بقضية الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وان تأخذ المرأة دورها في عملية التثقيف والتوعية، والالتزام بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون والتكامل الاجتماعي..).

أي ان سماحته يركز على تفعيل مبادئ الدين الاسلامي في كل ميادين الحياة لانها العاصم الاول للشباب من الانكسار امام الهجمة، كما ان هذه المبادئ الاسلامية هي الرادع القوي والسلاح الايماني الذي يستخدمه الشباب في مشروع النهوض والاصلاح في مرحلة بناء العراق الجديد، وهي السبيل كذلك للحفاظ على الهوية الاسلامية المحضة.

كذلك يوجه سماحته الى اساتذة الجامعة وطلبتها بالمشاركة بمواكب الوعي الحسيني وتنظيم الزيارات والمشاركة الفعالة فيها لان اعتناق الشباب لمبادئ ثورة الحسين (عليه السلام) يضعهم على الطريق الصحيح لجعل الاسلام سداً منيعاً للشعب بوجه التحديات المختلفة..كما يذكر بذلك سماحة الشيخ بخطبة الجمعة في ساحة الفردوس بتاريخ 19/3/2004 على الانجازات التي ترتبت على تفعيل دور المثقفين وطلبة الجامعات بقوله:

(مثل هذه القضية - اعني غياب او تغييب المثقف- تحتاج الى ملتقى موسع وندوات وحوارات لمعرفة الاسباب وآليات تفعيل دور المثقف في قضايا الامة ولكن بركات الامام الحسين (عليه السلام) اختصرت كل تلك الجهود فخلال ايام انقلبت المعادلة وعادت الجامعات باساتذتها وطلبتها الى واجهة الاحداث..) فيوضح الشيخ مغزى الزيارة ودورها السياسي في استنهاض روح التحدي بين الشباب - حين يلتفون حول رمزهم الانساني العظيم الامام الحسين (عليه السلام) سيد شباب اهل الجنة وسيد شباب اهل الارض - العراقيين وسر نهضتهم وتجمعهم الحاشد للمطالبة بحقوقهم , ودليلهم المنير في دعوتهم الاصلاحية.. كما يذكر سماحة الشيخ ان اصحاب القرار يخشون تحرك هذه الشريحة لذلك فقد تحققت مطالب الحشود في كربلاء اثناء اداء الزيارة الحسينية المباركة وكان مما تحقق :

1- اعلنت الدولة عن البدء بتشكيل وزارة الدفاع.

2- بدأ مجلس الحكم بمناقشة آلية الانتخابات وتفاصيل العملية الانتخابية.

3- ترحيب من زار سماحة الشيخ من اعضاء مجلس الحكم باقتراحه باستضافة ممثل المرجعية في مشاورات المجلس.

4- وعدوا باضافة قيود على قانون منح الجنسية العراقية..

وقد دأب سماحة الشيخ على تشخيص الخلل والمشاكل والمعوقات والمعاناة في كل قضية يناقشها ومن ثم وضع الحلول الناجعة لها.

ففي كلمته المعدة لمؤتمر موسع عن الشباب اقامته وزارة الشباب والرياضة في ميلاد الامام الحسين (عليه السلام) يُذكّر سماحته بالتركة الثقيلة التي ورثها الشعب عن واقع الشباب وعن الخسائر الفادحة التي فاقت المليون شاب في حروب وصراعات وفتن.

وبطريقته بالتشخيص يوضح المشاكل ويوجزها للمؤتمر بانها : مشاكل اخلاقية وعلمية ثقافية , واجتماعية.. تتعلق اهمها بضياع الهوية الاسلامية، واقتصادية تتعلق بعدم توفير فرص عمل كافية لعمل الشباب وركود عملية الاقتصاد العراقي.

ثم يضع امامهم الحلول المناسبة بـ :

انشاء صناديق تسليف الشباب الراغبين في فتح مشاريع, وتاسيس شركات مساهمة او بنوك، وانشاء لجنة توزيع مركزي للتوظيف، وتشجيع الصناعات الوطنية، ومعالجة المشاكل العلمية والثقافية بالقيام بحملات التوعية والاعتناء بالمدارس واصلاح الجامعات.

وضمن تركيز سماحة الشيخ واهتمامه بطلبة الجامعات كونهم الشباب المثقف الواعي، يحدد ثلاثة عناصر كمقياس لمكانة الامة في سلـّم الحضارة والتمدن وهذه العناصر هي (العلم – الاخلاق – الفكر) وان هذه الحلقات الثلاث ضمن هذه السلسلة الحضارية تفعل باشتراكها معاً في تربية الشباب فان أي فصل بين العلم والدين والاخلاق يؤدي الى خلل حضاري.. كما ان سماحته يشير الى الجانب السياسي في الجامعات ويحذر من سريان الطائفية او الفدرالية وعدم المركزية.. لان هذا الصراع السياسي والافكار التي يستخدمها السياسيون في صراعهم وتجاذباتهم السياسية اذا دخلت الى الحرم الجامعي فان الجامعة ستتحول الى ميدان سياسي وصراعات حزبية او طائفية او عرقية مما يؤثر سلباً على رسالتها العلمية والمعرفية.

كما ينبه سماحته الى ضرورة الاهتمام بالرياضة ودعمها من قبل مؤسسات الدولة لانها من صميم اهتمام الشباب ولان    (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) وكذلك ان (العقل السليم في الجسم السليم) كما ان الرياضة اثبتت انها قادرة على ان توحد فئات الشعب حين تمثل العراق في المحافل الدولية فيصبح الرياضيون الشباب ممثلين للعراقيين بكل مذاهبهم ومشاربهم مما يساعد على تذويب الحواجز النفسية والطائفية تحت مظلة العراق الواحد كما ان الرياضة قد اصبحت اليوم كما يقول سماحة الشيخ:

(سفيراً للشعوب يوصل همومها وقضاياها وموقفها الى كل دول العالم باقصر طريق لذا تجد الدول الكبرى تجند تفوقها الرياضي لتحقيق هيمنتها على الآخرين..).

كما اثبت الشباب العراقي في السنين الاخيرة في تحقيق الانجازات الرياضية بان الانسان العراقي قادر على تجاوز الصعاب والالتحاق بركب العالم الحضاري في كل المجالات كما اثبت الانسان العراقي قدرته على كسر الحواجز التي حاول الاعداء ان يضعوها بين مختلف شرائح الشعب فكانت رسالة الشباب الرياضية في البطولات الدولية خير دليل على وحدة هذا الشعب وتفوقه.

ان سماحة الشيخ اليعقوبي باهتمامه المتواصل والدؤوب مع الشباب العراقي يؤكد ان الشباب العراقي قوة شعبية هائلة يمكن وضعها على الطريق الاسلامي الصحيح من اجل خدمة العراق وبنائه والنهوض به , وان علامة النهوض الكبرى ستكون في توجيه الشباب توجيها دينياً ووطنياً صحيحاً...

 

شارك الاستفتاء

محور زيارة الأئمة (عليهم السلام)

 بسم الله الرحمن الرحيم 

تعد اقامة الطقوس والشعائر الدينية من القيم والتقاليد لدى الشعوب التي تعتز باحيائها واحترام مواعيدها وتفاصيل اقامتها لانها ارثهم الحضاري والمعرفي وعمقهم التاريخي والانساني فضلاً عن كونها سبيلهم الديني للتقرب الى الله سبحانه وتعالى.

وقد حبى الله سبحانه العراق والعراقيين بشرف ديني وتاريخي عظيم هو وجود أضرحة عدد من الائمة المعصومين (عليهم السلام) في مناطق متفرقة من العراق لتشير هذه الاضرحة المنورة الى الاحداث التاريخية وعظمتها واهميتها في تاريخ المسلمين ولتمد الاواصر الحميمية بين الشعب العراقي وبين آل البيت (عليهم السلام) ونهجهم الشريف ودورهم في احياء الرسالة المحمدية والحفاظ عليها وادامتها.. بيد ان هذا الشرف التاريخي حمّل العراقيين مسؤولية شرعية وتاريخية مضاعفة مثلما اتاح لهم فرصة مضاعفة للتقرب الى الله من خلال التقرب الى آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال الزيارات المنظمة بمواعيد ومناسك تجلي قلب المؤمن وتنشط روحه بالايمان وتنير كيانه بالتواصل المستمر مع النهج الالهي القويم.

ولاهمية هذه الزيارات الايمانية في الجانب الديني والاجتماعي فقد تعدت هذه الاهمية الى الجانب السياسي ولاسيما حين استخدمتها المرجعية الرشيدة سلاحاً ايمانياً تدافع به عن قيم الدين الاسلامي وكيان المجتمع المسلم في زمن النظام الدكتاتوري البغيض حين كانت المواجهة معه غير متكافئة وضرباً من الخطورة والتهلكة..

ولكن السياسة الحكيمة التي استخدمها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) جعلت من هذه المواجهة غير مباشرة ولكن تاثيرها وفاعليتها اكثر من المواجهة المباشرة وذلك حين فعّل من صلاة الجمعة كما فعّـل قضيـة الزيـارة للائمـة (عليهم السلام) بحيث جعل منها خطاباً سياسياً زلزل السلطة المستبدة واخذ بسحب البساط من تحت اقدامها حين التزم ملايين العراقيين بهذه الزيارة وبتنظيم عال وارادة قوية وايمان عميق بقضية آل البيت (عليهم السلام) والتركيز على الاهتمام بزيارة وقضية الامام الحسين (عليه السلام) التي تعني قضية الثورة على الباطل واصلاح الدين واقامة الحكم الالهي ولا سيما ان هذه الزيارات تتم بالحشود المليونية حيث أثارت هذه الحشود حفيظة السلطة لانها حشود شعبية فالتة من ارادة السلطة وسيطرتها، وتنظيمات خارج اطارها السياسي والاعلامي وهي التي تريد او تظن انها احتوت الشعب بأكمله، فقد وضعتها هذه الحشود امام وهمها مع الشعب وامام سياستها الخاطئة بالابتعاد عن الشعب وبالتالي امام عزلتها فكان الايحاء السياسي الصامت البليغ الذي اوصلته الزيارة الايمانية الى السلطة بان هذه السلطة في واد والشعب في واد ففعلت هذه المناسك الدينية فعلها السياسي الوطني ما لم يستطع أي حزب معارض ان يفعله بل ولا نبالغ اذا قلنا ان هذه الزيارات الايمانية بايحاءاتها المعلنة والخفية فعلت ما لم يستطع ان يفعله الاحتلال بالسلطة لانها قوضت اركان السلطة المستبدة ونخرتها من الداخل وعزلتها فجعلتها آيلة للسقوط في اية لحظة، ولكنها مواجهات بلا خسائر ولا اسلحة و لاجيوش بل هي مسيرات سلمية معبرة تقف وراءها شخصية ايمانية قيادية استوعبت المرحلة وضروراتها واستفادت من التجارب المواجهاتية التي لم تؤثر كثيرا بالسلطة كما ان هذه الشخصية فيها من المؤهلات الشرعية والعلمية والتاريخية التواصلية ما يجعلها جديرة بهذه المهمة التاريخية الكبيرة.. هو السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره).

كما يقف وراء هذه المسيرات الشعبية المليونية شخصية دينية وتاريخية وانسانية تحمل قضية تمثل صراع الخير ضد الشر والحق ضد الباطل وهي شخصية الامـام الحسـين (عليه السلام) فصارت إثارة هذه القضية في زمن السلطة المستبدة تعني ضمناً الايحاء بان هناك حاكماً ظالماً يشبه الحاكم الذي قامت ضده ثورة الحسين (عليه السلام) وان هناك انحرافاً كبيراً عن تعاليم السماء والقيم الالهية وان هناك سبباً للخروج على الظالم كما صرح الامام الحسين (عليه السلام) بذلك (اني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولآمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي، الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه فاني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برماً..).

اذن فالرسالة التي تحملها الحشود المليونية هي الثورة ضد الظالم.. هذا الظالم المعاصر الذي يضطهد الشعب المحب للامام الحسين والناهج سبيله وقضيته.. وبمعنى آخر هو الخروج ضد يزيد العصر، وبهذا المعنى وضعت الزيارة الايمانية الحاكم داخل اطار الصورة اليزيدية الملعونة دينياً وتاريخياً وبالتالي الساقطة سياسياً..

وقد صار هذا التفعيل السياسي للزيارة منهجاً حتى بعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) مثلما بقيت صلاة الجمعة التي احياها نهجاً ثابتاً.. فاذا مات المصلي بقيت الصلاة واذا مات الزائر بقيت الزيارة... فقد عمل على احياء هذه الزيارة بثقلها ووعيها وتاثيرها في الامة سماحة الشيخ اليعقوبي فكانت غالبية الجموع الزائرة تلتقي به اثناء الزيارة وتستمع الى نصائحه وارشاداته ووصاياه في كل الامور التي تخص المسلمين او تخص الشعب العراقي في هذه المرحلة فأكد سماحته على محور الزيارة وفعل منها ولا سيما في فترة ما بعد السقوط فكانت الزيارة الايمانية مناسبة سياسية للمطالبة بالحقوق وايصال رسالة الجموع الشعبية الى من يهمه الامر، مثلما هي مناسبة دينية فقد صارت مناسبة خصبة لالقاء المطالب المشروعة والاستحقاقات الشعبية امام المسؤولين وذلك برفع الشعارات والهتافات التي تعبر عن هذه المطالب وبذلك تتخذ صورة الحشود الزائرة صورة مظاهرة سلمية حاشدة تناشد المسؤول بحقوقها.

كما ان هناك متابعة شعبية من قبل الجماهير المؤمنة لمطالبها وذلك لان الزيارات المليونية ذات مناسبات عديدة في السنة الواحدة ومتقاربة احياناً فكانت المطالب التي ترفع في زيارة ما، تتابع في زيارة اخرى اذا لم تتحقق ولم ينظر فيها المسؤول.. كما ان هناك صلاة الجمعة التي تؤازر الزيارة في موضوع المطالبة في الحقوق، فمثلاً المطالب التي رفعتها الحشود المسلمة في ساحة الفردوس في بغداد بعد سقوط النظام بفترة وجيزة تمَّ تفعيلها وتذكير المسؤولين بها في الزيارة التي جاءت بعد تلك الصلاة.

وهكذا يوضع المسؤول - الذي لا يلبي مطالب الجماهير المؤمنة - بين الضغط الجماهيري للزيارة وصلاة الجمعة اللتين لا فكاك منهما لانهما يمثلان شعباً نازلاً الى الشارع بكل ثقله الجماهيري والايماني، وهذه الظاهرة اعطت زخماً وقوة للشعب ازاء السلطة او قوة للمحكوم ازاء الحاكم فصار المحكوم يملي استحقاقاته على الحاكم حتى يحكمه بها بقوة حضوره في الساحة العراقية..

وارى ان اقوى حضور للشعب العراقي كجماهير نازلة للشارع بتاثيرها السياسي هو حضور الشعب بمناسبات الزيارات المباركة التي تتجاوز الاعداد فيها الثلاثة ملايين مواطناً او اكثر وما من مظاهرة في العالم الآن تصل الى هذا العدد من الجماهير وذلك لتعذر التحشيد بهذا الحجم الجماهيري من جهة، ولصعوبة تنظيم هذه الحشود من جهة ثانية ولكن الخصوصية في موضوع حشودنا الجماهيرية انها حصلت بمباركة الائمة المعصومين (عليهم السلام) الذين اعطونا هذه القوة السياسية مثلما اعطونا القوة الايمانية والتاريخية وهذا هو فضل آل البيت (عليهم السلام) على الشعب وهذا ما يميز الشعب العراقي على باقي الشعوب لما حظي به العراق من هبة مباركة باحتوائه رفات عدد من الائمة الاطهار المعصومين في ارضه المعطاء..

كما ان الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عاش في العراق وغاب فيه وانه سيؤسس دولته الرحمانية في العراق لتنطلق الى كل ارجاء العالم.. وهذا ما يعيه الاعداء جيداً لذلك صار العراق - بثقل آل البيت فيه ولمستقبله في اعادة الرسالة المحمدية - هدفاً للقوى الكبرى ومطمعاً لهم.

كما ان الزيارات الايمانية المتعددة في السنة الواحدة وبهذه الاهمية وهذه الحشود الهائلة جذبت انظار العالم الى قضية الشعب العراقي وقضية الائمة المعصومين (عليهم السلام) فازداد حضور الثورة الحسينية اشعاعاً ونوراً مع الزمن ومع تجدد الاحداث وتداول الدول.

كما ان الرسالة بمعناها الفكري والديني والسياسي للزيارة ما تزال مستمرة ولا سيما في زمن الاحتلال وزمن التكالب على السلطة.. كما ان الزيارة الايمانية للعتبات المقدسة تزامنت معها ظاهرة ملفتة لنظر الداني والقاصي وهي ظاهرة المشي على الاقدام لمسافات طويلة تصل الى مئات الكيلومترات قصداً الى أضرحة الائمة (عليهم السلام) وهذا المشي التحملي له رسالة ايضاً وعلى اصعدة مختلفة يوجزها سماحة الشيخ في نقاط عدة في مقدمتها (انها ظاهرة حضارية اتخذتها الامم وفرضت بها ارادتها... كما انها ظاهرة اسسها المعصومون (عليهم السلام) فعن الصادق (عليه السلام) من اتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتب الله له بكل خطوة الف حسنة..) ثم يلحقها باهداف اخرى مثل إظهار عظمة المقصود وتنمية روح العمل الجماعي ووحدة الهدف وتوحد الملايين وتقوية الارادة وفوائد صحية.

لقد اشتهر بين الزوار المؤمنين ان الاجر في الزيارة الى الائمة (عليهم السلام) على قدر المشقة كما كان بعض المسلمين الاوائل حين يقصدون بيت الله مشياً على الاقدام ومنهم الامام الحسين (عليه السلام) فكانت الرسالة التي وصلت الى الآخر سواء كان هذا الآخر النظام السابق او الاحتلال بان المؤمنين الذين يتحملون كل هذه المشاق في الوصول الى الائمة (عليهم السلام) وأداء مراسيم الزيارة في كل الظروف فانهم على استعداد ان يتحملوا كل المشاق ايضاً للدفاع عن مبادئ الائمة (عليهم السلام) وان يواجهوا ويتحدوا كل القوى التي تقف ضد منهج آل البيت كما اثبتت الوقائع التاريخية حين أراد اعداء آل البيت ان يمنعوا زوارهم والموالين لهم بشتى الوسائل والطرق القامعة كالقتل والسجن وتقطيع الاعضاء وتغريم الاموال ولكن هذا كله لم يزدهم الا ايماناً بآل البيت كما يضيف سماحة الشيخ (لانهم من فاضل طينته كما اخبرهم الائمة بذلك وما بقاء الدين عامراً في امتنا رغم المحن الكثيرة الا ببركات الحسين (عليه السلام) وقد تصوروا ان التفجيرات الاخيرة تثني زوار الحسين فزادوا..).

فقد اثبت تحمل المشاق في زيارة الائمة (عليهم السلام) انه تحمل للتضحية مهما كان ثمنها.. مثلما اثبت الاعداء انفسهم اهمية هذه الزيارة حين استهدفوا أضرحة الأئمة وزوارهم فركّزوا عليها في اعتداءاتهم المتكررة لانهم ضد الشعب العراقي وضد مقدساتهم وقيمهم العليا، كما اثبت الشعب العراقي بزياراته المليونية المنظمة بانه شعب ذو مبادئ وقيم وتاريخ وحضارة لان ظاهرة المسيرات الراجلة السلمية ظاهرة حضارية فعالة حققت مطالب اصحابها كما في مسيرة الملح المليونية الراجلة التي قادها غاندي فتحررت بعدها الهند، بل ان قدوتنا المثلى كما يذكر سماحة الشيخ هو رسول الهدى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمسيرته الراجلة للعمرة فكان صلح الحديبية وعد ذلك فتحاً مبيناً.. وغيرها من الشواهد التاريخية الحضارية.. كما اثبتت هذه الزيارة قوة إرادة العراقيين وعزمهم وتوحد كلمتهم وتصرفهم بالعقل الجمعي في امورهم المهمة.

واذا تكلمنا عن سبب ازدياد هذه الحشود المليونية مع الايام والزمن وذلك للايمان بقضية الامام الحسين (عليه السلام) والائمة المعصومين (عليهم السلام) بشكل عام فحري بنا ان نتكلم عن التنظيم العالي لهذه الزيارات لانها قامت على عنصرين هما التحشيد والتنظيم.

ان تنظيم الحشود على مستواه الواقعي والميداني هو قضية أمنية بالغة الخطورة والاهمية ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق بعد السقوط حيث لم يبق مكان آمناً في العراق وصار كل تجمع مهما كان صغيراً معرضاً للهجوم والتفجير من قبل القوى الارهابية حيث جعل الاحتلال ارض العراق ساحة للصراع بينه وبين الارهاب بعيداً عن بلدانهم كما صرح واعترف الرئيس الامريكي جورج بوش اكثر من مرة بذلك ولضعف الحكومة العراقية او غيابها في الفترة الاولى ما بعد السقوط فكيف تنتظم الملايين تحت هكذا ظرف امني منفلت تماماً..؟

انها حقاً معجزة فعلى مستوى الامن نضرب مثالاً بسيطاً وهو ان بلاغاً كاذباً عن وجود قنبلة في طائرة ما.. تلغى الرحلة حتى يتم التاكد تماماً من سلامة الطائرة وكذلك في مهرجان او احتفال او أي مظهر من مظاهر التجمعات الجماهيرية.. تلغى بسبب التصريحات الكاذبة فما بالك بارض ملغومة وليس ببلاغ كاذب وانما بلاغ اكيد وليس عدداً قليلاً مثل ركاب الطائرة او رواد حفل او تجمع جماهيري عادي بل هو شعب نازل الى شارع ملغوم وساحة قتال وصراع بين القوى الكبرى وقوى الارهاب..

من هنا صار لابد ان ننظر في هذه المعجزة المتكررة في كل الزيارات الايمانية، لانها زيارات تحصل داخل نار مشتعلة من التفجيرات والصراعات.. ولكن مثلما خرج ابراهيم (عليه السلام) من نار الكفار سالماً (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) يخرج زوار الامام الحسين سالمين او بتضحيات قليلة جداً قياساً الى عددهم الهائل وفعلهم العظيم....

اولاً ان سبب هذه المعجزة هو المدد الالهي واللطف الرحماني المحيط بمحبي آل البيت (عليهم السلام) ومباركة اهل البيت لزائريهم، ومكانتهم عند الله سبحانه لحفظ هؤلاء الزوار وثانياً القدرة العالية على التنظيم لهذه الزيارات التي تعجز عن هذه القدرة والحماية دول كبرى لها من العدة والعدد والتكنولوجيا ما لا يضاهيها احد..

ان هذا التنظيم جاء من وعي العراقيين المؤمنين ومن تخطيط ومباركة وتوجيهات المرجعية الرشيدة في كل زيارة إيمانية ففضلاً عن التنظيم الامني بما يحمي صفوف وجموع الزائرين هناك تنظيم ثقافي وحضاري ينظم هذه الحشود ويرتب صفوفها ودخولها وخروجها ويرتب تسلسلها ومجاميعها وشعاراتها ومواكبها واوقاتها من خلال لجان متخصصة بذلك والتركيز على الشباب ولا سيما طلبة واساتذة الجامعات القريبة من كربلاء والنجف.. وكذلك تدرس الامور الاقتصادية والمعيشية للزوار القادمين من محافظات اخرى مشياً على الاقدام بلا طعام ولا شراب ولا فراش وهم يقضون ليالي واياماً في الطريق.. كل هذه الامور تدخل ضمن مجال تنظيم الزيارات الايمانية من قبل المرجعية الرشيدة وليس جديداً على العراقيين هذه التظاهرات والتنظيمات الايمانية فقد دأب عليها العراقيون المؤمنون من وقت طويل ولا سيما ما عرف عنه في الستينات من القرن الماضي لذلك يدعو سماحة الشيخ الى اعادة ذلك البريق وتجديده بقوله (وتاكيداً لهذا الانتماء ادعوهم الى اعادة تلك الصورة الزاهية التي عاشتها جامعاتنا في منتصف الستينات حين انطلقت مواكب الجامعة في يوم عاشوراء لتعبر عن فهمها لحقيقة اهداف الثورة الحسينية فنالت اعجاب الامة وحظيت باهتمامها واثارت الامال الكبيرة في نهوضها من جديد على يد هذه الثلة المؤمنة.. واعتقد ان الوقت مناسب للاعداد لهذه المواكب فان المهم هو تاسيس هذه السيرة المباركة..)

وقد كان هذا الخطاب بعد سقوط النظام مباشرة وذلك استقراء من سماحة الشيخ للمرحلة السياسية القادمة بعد السقوط واهمية الزيارات الايمانية في العملية السياسية لانها تمثل نداء الجماهير المؤمنة وحضورهم السياسي في الشارع العراقي فضلاً عما تمثله من الجانب الديني والفكري او العقائدي...

وبعد مضي سنوات على السقوط وعلى دعوة سماحة الشيخ تبينت اهمية هذه الزيارات والمنجزات السياسية على مستوى القرار السياسي من قبل الشعب الذي وجد في هذه الزيارات الايمانية متنفساً له بطرح مطالبه المشروعة ومخاطبة المسؤول بلسان عربي بليغ.. هو الزيارة.

 

شارك الاستفتاء

محور الموقف من الاحتلال

  بسم الله الرحمن الرحيم

كل احتلال من قبل دولة أو اكثر لدولة اخرى هو احتلال بالمعنى العسكري والسوقي لهذه الكلمة وما يتبعه من معان اخرى سياسية وثقافية واقتصادية وغيرها.. وما يتبعه من سياسات واساليب احتلالية استعمارية معروفة مثل سياسة فرق تسد أو سياسة تفتيت الكل من اجل السيطرة على اجزاء هذا الكل المتفتت لان الكل الواحد يصعب السيطرة عليه ومقاومته... وهذه الحقيقة يعرفها المحتل مثلما يعرفها الشعب وعلى رأس الشعب المرجعية الرشيدة، ولكن الاحتلال دائماً ياتي من منافذ تبرر حضوره وتواجده في الارض التي يحتلها بحيث تسوغ هذه المبررات الاحتلال وتصوره تحريراً وليس فتحاً.. خلاصاً وليس عبودية، حلاً وليس مشكلة.. وهنا اتذكر قصيدة للشاعر اليوناني كفافي عنوانها (البرابرة) الذي يصور فيها انتظار هؤلاء البرابرة كحل من الحلول المهمة المنتظرة....

من هنا يركز المحتل دائماً على تكريس صورة المخلص والمحرر وصاحب الحل.. ولا سيما بوجود المنافذ التي اشرنا اليها وهي وجود الحاكم الظالم او المعتدي على الآخرين فهو اذن - المحتل- مخلص لشعب الحاكم من ناحية وللشعوب المجاورة من ناحية اخرى.. كذلك يعمل المحتل على سياسة خلق الفوضى والقضاء عليها، أي خلق المشكلة التي لاتحل الا بوجوده كما يصورها هو، أي لاتحل الا بأدواته وامكانياته وحشوده وقوته العسكرية..أي بمفاتيحه الخاصة.. اما مصالح هذا المحتل والعمل عليها فانها تجري من تحت هذا الغطاء الخلاصي والتحرري وحل المشاكل والقضاء على الفوضى.

كما ان المحتل قد عرف من خلال العصر الحديث على الاقل انه حتى حين يخرج فانه يزرع مشكلة ذات بعد ستراتيجي لا تحل الا بالعودة اليه - المحتل - وانه يجعل منها مسمار جحا يعود الى الدار بحجة هذا المسمار متى ما شاء.

ولكننا لم نصل بعد الى مرحلة المسمار فالمحتل مازال في الدار وان كان له مسامير قديمة من احتلال قديم هو الاحتلال البريطاني للعراق.

فمحتلنا الجديد يتظاهر بكل لباقة بحرصه على العراق والعراقيين ولكنه لا يتورع احياناً من التصريح بالضد من ذلك حين يحتاج ان يقنع شعبه بوجوده خارج دولته كتصريح الرئيس الامريكي جورج بوش اكثر من مرة بانه نجح في ابعاد الارهاب عن وطنه وانه ينازله في ساحات اخرى بعيدة عن شعبه ووطنه وتكملة هذا الكلام معروفة انه ينازله في العراق او في افغانستان على حساب الشعب العراقي او الشعب الافغانستاني مهما كان الثمن الذي تدفعه الشعوب الاخرى من تضحيات واذلال وسرقة اموالها وغيرها من الخسائر الجسيمة.. كما ان المحتل القديم جاء لنا هذه المرة بتسويق الديمقراطية وفرضها في الشرق الاوسط.. وهذا مسمار كبير ومهم سيجعلنا نحتاج الى المحتل دائماً – كما يتصور – ويجعله يعود متى ما شاء – كما يتصور ايضاً – الى هذه الدار بحجة هذا المسمار ان خرج منها.

اذن فهذا المحتل مدجج بالحجج سواء  امام شعبه او امام الشعوب التي يحتلها او الشعوب الاخرى.. كما هو مدجج بالسلاح والعتاد والرجال.. ولكن حبل الكذب قصير ولا سيما حين تكون الكذبة على شعب او على شعوب وان الذي يقطع هذا الحبل ويجعله قصيراً هو حقيقة الاحتلال الكامنة فيه وفي تصرفاته والمستجدات من الاحداث التي تضعه على المحك من هذه الحقيقة.

وكذلك وعي الشعوب وخبرتها وتجربتها المريرة مع الاحتلال ولا سيما شعبنا العراقي الذي عانى وما يزال يعاني من وطأة هذا المحتل وسياساته المخادعة.

فالشعب العراقي يدرك حقيقة مهمة ان الفضل الذي حصل في التغيير في العراق ليس للمحتل او لنقل ليس كله له وانما الجزء اليسير منه للمحتل لانه غيّر سلطة منخورة من الداخل من قبل الشعب الذي عزل هذه السلطة وتخلى عنها ولم يدافع عنها امام المحتل وجعلها لقمة سائغة للتغيير، بل ان هذا المحتل لم يقدم على خطوته باحتلال العراق لو لم يعرف يقيناً بانه سيقاتل سلطة آيلة للسقوط وقد نخر فيها البغض الشعبي حتى جعلها غصنا يابسا يسقط امام أية ريح قادمة.

ولكن بالمقابل هذه السلطة المنخورة اتعبت الشعب بالحروب والحصار والتجويع وجردته من كل وسائل المقاومة فلم يبق لديه سوى وسائل الايمان وسحب البساط الشعبي والجماهيري من تحت اقدامها لذلك فان هذا الشعب لم يستطع كسر هذا الغصن اليابس ولكنه تركه في مهب الريح معزولاً أجرداً فكان ما كان.. !

وهنا نستفيد من خطاب لسماحة الشيخ بعنوان (هل لامريكا الفضل في حصول التغيير ؟) حيث يركز على بعض النقاط المهمة بهذا الصدد في حديثه مع اهالي مدينة الكوت بتاريخ 2/7/2003 أي بعد السقوط بثلاثة ايام فقط (يشعر البعض انه مدين للولايات المتحدة في ذلك وبعضهم ممن يسمون بالاسلاميين لذا تجدهم موافقين على كل ما تمليه عليهم الولايات المتحدة وان كان فيه مصادرة لاستقلالهم ولارادتهم ولحقوق شعبهم لذا وجب تصحيح هذا الوهم..).

وهو بهذا يضع النقاط على الحروف امام أتباع امريكا وادواتها في العملية السياسية ومن يسير في ركبهم ليبصرهم بان المحتل يأخذ منهم اكثر مما يعطيهم حين يصادر حقوق شعبهم.. ثم يذكر سماحة الشيخ النقاط التي تدعم رأيه ليضعها امام هؤلاء الموهومين وامام المحتل نفسه.

(1 – ان الشعب بتضحياته و بجهاده المتواصل ضد النظام.. أوجد حالة من الرفض والانعزال، والانهيار بحيث لم تقع معركة حقيقية طيلة الحرب..) وهذا ما لمسه العالم وما احسه المحتل ويؤكده سقوط بغداد السريع بلا أية مقاومة تذكر وخاصة من قبل الشعب الذي يزيد تعداده في بغداد وحدها اكثر من سبعة ملايين انسان ولكن البغداديين والعراقيين بشكل عام كانوا ينتظرون (البرابرة) كما يقول كفافي في قصيدته.

(2- ان امريكا وان كانت افضل من النظام في بعض الجهات الا انها اضر علينا من جهات اخرى هي اهم..) وقد كان هذا الكلام من لدن سماحته بعد ثلاثة اشهر تقريباً من السقوط ايام كانت فكرة الفردوس المجلوب مع الاحتلال هي السائدة في الساحة العراقية ولم تبدأ صورة المحتل البشعة بالانكشاف بعد.. ما ادى الى انخداع الكثيرين بهذه الصورة حيث ان المحتل لم يكشر عن انيابه بعد كما ان تردي الاوضاع الامنية لم يتضح بعد سوى غبار الحرب المنتشر في الطرقات وفي النفوس الا ان شخصية دينية مفكرة ومرجعية رشيدة مثل الشيخ اليعقوبي لم تخدعه الاساليب البراقة للمحتل بل هو يشخص سوء هذا المحتل منذ فترة مبكرة من السقوط ويعد المواجهة مع المحتل مقارنة بالمواجهة مع النظام السابق بانها مواجهة:

(أخلاقية وعقائدية وفكرية واجتماعية مع انفتاح وانفلات ودغدغة للنفس الامارة بالسوء وتوسع مادي فهي اخبث..) أي ان هذا العدو خلصنا من عدو اقل منه قدرة ومرمى واهدافاً لانه عدو من ملة اخرى وعالم آخر هو العالم الغربي فهذا العدو - المنقذ - يريد ان يمسح الهوية العراقية والاسلامية وله اجندة اخطر على المستوى القريب والبعيد.. فاذا أبقينا عليه اذن سنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.!

(3- ان امريكا وبريطانيا وكل القوى المادية لا تفكر الا بمصالحها..) وهذا هو طبع المحتل مهما كانت شعاراته وسياساته فهو لم يفعل كل ما فعله وعبر البحار والمحيطات باساطيله ومعداته وحشوده لسواد عيون العراقيين وهذا ما أكده الواقع مع تجدد الاحداث فكثير من مصالح امريكا معقودة بهذا الاحتلال وأولها السيطرة على منطقة الشرق الاوسط الغنية بالثروات وتأمين الحماية لاسرائيل ومستقبلها وابعاد الحرب مع الارهاب عن الساحة الامريكية، وتعزيز وجودها في الخليج العربي والتلويح بهيمنتها على العالم كقطب احادي لا يمكن مجاراته.

(4- ان التغيير الذي حصل ظاهراً على يد الولايات المتحدة وبريطانيا وهو صحيح لان الظالم لا يقدر عليه الا من هو اظلم منه، الا ان المسبب الحقيقي هو الله تعالى..) وهل يفوت سماحة الشيخ ان يذكر بان القضية كلها تعود الى ارادة الله وتقديره الذي يمد الطاغي الى حين (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).

وقد كانت المرجعية الرشيدة تمثل صمام الامان للشعب العراقي امام تصرفات المحتل وسياساته في العراق والرقيب الشرعي الذي يحافظ ويدافع عن الهوية الاسلامية والعراقية بوجه ما هو مضمر او معلن من سياسة الاحتلال ضد هذه الهوية وقد تجلى هذا المبدأ بمواقف عديدة منها حين اعلن مسؤول الادارة لقوات الاحتلال بول بريمر بانه سيستعمل حق النقض ضد إقرار الاسلام كمصدر اساس للتشريع في الدستور العراقي المؤقت او الدائمي فما كان من سماحة الشيخ الا ان يوجه اليه رسالة مفتوحة بتاريخ 22/2/2004 ليضعه امام حقيقة الهوية العراقية الاسلامية وحقيقة نفسه كمحتل ذي وجود نشاز ومؤقت على ارض العراق وليس له سلطة في التدخل بشؤون العراقيين الدينية والحضارية والثقافية والفكرية وهل هناك حق نقض للمحتل في القوانين الدولية بالتدخل في الشؤون الدينية والدستورية.. ولكن هذه التصريحات (تكشف نواياهم الحقيقية من حربهم على العراق واحتلاله..) مشيراً سماحته من طرف خفي الى النية الحقيقية لدى الاحتلال من محاولة سحب السند الروحي والدعم الالهي للشعب العراقي المتمثل بدينه الاسلامي دين الاغلبية العظمى وان من اهم مرتكزات الاحتلال هو الحرب على الاسلام وفك عرى التلاحم بينه وبين الشعوب المسلمة.. ويذكّره سماحة الشيخ بان (الاسلام منبع ثقافة هذه الامة واساس حضارتها.. وان من حق كل شعب ان يثبت في دستوره معالم حضارته وثقافته..) ليؤكد له ايضاً بان الدستور يجب ان يكتب بايد عراقية خالصة بعيداً عن تدخلات المحتل ودسائسه في الدساتير.

ثم يشير الى نقطة مهمة في الاسلام هي التي تثير الخوف والقلق عند بريمر او من الغرب بشكل عام وهي (نظام الحكم المبتنى على ولاية الفقيه، وقانون العقوبات..) لان هذا النظام وهذا القانون يجعلان الحكم (بما انزل الله) وليس ما يريده الظالمون او الكافرون او الفاسقون او المحتلون لانه سيخرج السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية من سيطرتهم ويجعلها بيد الشريعة الاسلامية المحصنة بالحكم الالهي.. أي ان الشعب سيتحصن بالله من الشيطان في كل تفاصيل حياته وهذا ما لا يوافق سياسة المحتل واجندته للشعب العراقي.

وحتى اذا لم يتحقق نظام ولاية الفقيه في العراق فان المرجعية تبقي مراقبتها الشرعية السديدة على الدستور العراقي وعلى الحياة العراقية بشكل عام بما لايبتعد عن الشريعة الاسلامية ولا ينافي اخلاقيات الدين الاسلامي الحنيف.

ثم اخيراً في الرسالة يحذر سماحة الشيخ بريمر ويذكره بان (الشعب لا يسكت اذا مس عقيدته شيء وهو لم يرفض نظام صدام الا لانه حارب شعائر الاسلام..) ولمزيد من التحذير يذكره بان رسالته - بريمر- جاءت في زمن إقبال الامة على شهر محرم الحرام الذي تفور فيه شرايين الامة بدماء التضحية.

وقد جاءت هذه الرسالة من سماحة الشيخ في زمن كان اغلب السياسيين يجاملون بريمر ويخطبون وده من اجل مصالحهم الشخصية او السياسية على حساب القضية العراقية وحقوق الشعب العراقي.

ومثل هذا التحذير والتبصير يوجه سماحته لبول بريمر ايضاً في بيان رقم ( 3 ) من (خطاب المرحلة) حين عد بريمر الجماهير الغاضبة التي طالبت بحقوقها بطرق سلمية وحضارية انها خارجة على القانون ولكن هذه المرة يُحمّل سماحته مجلس الحكم مسؤوليته ليأخذ دوره الوطني ازاء هكذا تصرفات او تصريحات من قبل الحاكم المدني.

ولكن سماحة الشيخ يضع في حسبانه ان سياسة امريكا لا تمثل شعبها الامريكي لذلك فهو يدعو الى الحوار الحضاري بين الشعبين والى الاستفادة المتبادلة، ولكن السياسة الخاطئة للحكومة الامريكية تضيع من هذه الفرصة وتزيد من الكراهية.. بل هو يشعر بمشاعر العوائل الامريكية التي تتلقى جنائز ابنائها القادمة من العراق باسى معبراً عن ذلك (اننا كما تعتصر قلوبنا للمشاهد المفجعة في مدن العراق، نألم لحال الاسر الامريكية التي تستقبل جنائز ابنائها.. نطمح ان تنشأ بين شعبينا علاقة احترام متبادل بعد زوال الاحتلال..) أي ان الاحتلال هو العائق امام العلاقة الطيبة والحضارية بين الشعبين او البلدين لانه علاقة غير طبيعية مبنية على العداء والاعتداء، في حين ان العلاقة بين الغرب والشرق يجب ان تكون علاقة حوار حضارات واديان وتبادل ثقافات وخبرات في اجواء طبيعية من التعامل المتكافئ، وبما ان الولايات المتحدة كدولة وكشعب أو أمة امامها - يؤكد سماحة الشيخ - (تحد كبير في العراق اليوم فهي رمز حضارة الغرب وهذه الحضارة كلها امانة في اعناقهم فاما ان يثبتوا للبشرية مصداقيتهم واعطاء صورة مقنعة واما ان تتهاوى الحضارة وسوف لا تقوم لها قائمة..).

وفي كتابه المعنون (نحن والغرب) يتكلم سماحته عن هذه العلاقة استعداداً لهذه المرحلة وما تتضمنه من تحديات وما تقتضيه من تكليف لانها مرحلة الانفتاح على العالم من قبل العراقيين ولا سيما على الغرب بعد ان كان الشعب منغلقاً عليها بفعل عقود من الحروب والحصار.. كما ان زمن العولمة او النظام العالمي الجديد يحتم على الانسان المسلم ان يتحصن بقيمه وتعاليمه الايمانية وهو يدخل عالم اليوم الذي صار قرية صغيرة بفعل توسع وتطور وسائل الاتصال والمعلوماتية.. من هنا يبرز دور المرجعية في تحصين هذا الانسان ازاء هذا الانفتاح.

وفي لقاء مع وفد نقابة ذوي المهن الصحية في 1 ايلول 2005 يطرح سماحة الشيخ مقولة مهمة هي: (نحن ضد الاحتلال من دون ان نكون مع الارهاب وضد الارهاب من دون ان نكون مع الاحتلال) حيث يشير سماحته الى ان كثيراً من المتعاطين مع القضية العراقية (في حالة من عدم التوازن) فقد طرحت المرحلة الجديدة بعد السقوط حالة من التجاذبات السياسية التي تغذيها التجاذبات الطائفية والعرقية وينميها وينشطها وجود الاحتلال وسياساته في سحب الارهاب الى ارض العراق كما ان هناك حالة مهمة تتسيد مشهد العنف في العراق مردها الى قيام دولة مقابل سقوط دولة والصراع المتاتي من تبادلها المواقع.. أي ان هناك محورين للعنف الاول هو احتلال - ارهاب، والثاني دولة ساقطة - دولة قائمة ولكن لهذين المحورين او الصراعين قنوات ومنشطات ودواعم ليس من داخل الواقع العراقي الجديد فحسب وانما من دول الجوار او الاقليمية حيث ان مصالح هذه الدول وسياساتها وتقاطعاتها وتجاذباتها مع القضية العراقية جعلتها تتدخل بشكل سافر او خفي لفرض حضورها وثقلها ودعم مواليها في الميدان العراقي الذي هو بالتاكيد ميدان اقليمي عالمي.

كما ان هناك موضوعة المقاومة التي لم تفتِ بها المرجعية الرشيدة بعد، لانها ترى الطريق السياسي والحوار والتفاهم لخروج المحتل هو الطريق الاسلم والامثل وان الانسحاب التدريجي من المدن العراقية هو الخطوة الاولى للانسحاب الكلي..

وهذه نظرة واقعية وعقلية لقضية التعامل مع المحتل وقد تحقق جزء كبير من هذه الخطوة ولكن هذا لا يعني انه لا توجد مقاومة وطنية للاحتلال ولكن هذه المقاومة الشريفة وقعت في مطب الارهاب احياناً او الولوغ في دماء العراقيين الابرياء حين صار مقتل مائة عراقي او اكثر يقابله مقتل جندي امريكي واحد وهذه المقاومة لم تخلق نقطة توازن وطنية بين موقفها من المحتل ومن موقفها من شعبها.. هذا من ناحية اما من الناحية الاخرى فهو وقوف البعض مع المحتل ضد الارهاب حتى بالغ في وقوفه مع المحتل على حساب شعبه ايضاً فأدى هذا الموقف غير المتوازن الى تدمير قرى او منازل باكملها لوجود ارهابي او اكثر فيها وهذا الموقف ايضاً ادى الى الولوغ في دماء العراقيين الابرياء فخلق هذا التطرف في الجبهتين الاحتلال والارهاب حالة من الانصياع المذل والخيانة في الوقوف في أي من الجبهتين ولكلا الموقفين مغرياته المادية والمعنوية فالاحتلال يروج مع دعمه المادي فكرة القضاء على الارهاب وتخليص العراقيين منه، والارهاب يروج مع دعمه المادي ايضاً فكرة الخلاص من الاحتلال وصار العراقي المتطرف كماشة الجمر بين هذين النارين.

من هنا صار التوازن بين هذه الصراعات يتطلب روحية وطنية مخلصة وحريصة على دماء العراقيين فضلاً عن مرجعية دينية رشيدة تعمق هذا الاخلاص وتحيي هذه الروحية الوطنية وتحصنها بالقرار الديني الساند.. وهذا ما يوصي به ويثقف له سماحة الشيخ اليعقوبي مقتدياً بسيرة اهل البيت (عليهم السلام) حيث يذكر (ان الموقف الصحيح والمتوازن هو المستفاد من سيرة اهل البيت (عليهم السلام) ان نكون ضد الاحتلال من دون ان نكون مع الارهاب وضد الارهاب من دون ان نكون مع الاحتلال.. ).

كما انه كان قد طرح حلاً جذرياً للخلاص من الاحتلال بالطريق السلمي ووضع قوى الاحتلال امام الامر الواقع لخروجها من العراق وهو عدم حاجة العراقيين لها واشعارهم بان وجودهم نشاز ومشين لهم امام العراقيين وامام العالم وامام شعوبهم فقد ذكر سماحته في 5/8/2004 بعد ان بدأ الوضع الامني بالتدهور وبدأت صورة المحتل تزداد سوءاً وبشاعة (لقد نصحنا جميع الاطراف المعنية في وقت مبكر وقبل ان تتدهور الامور الى هذا الحد الى ان اصلاح العملية السياسية واجراءها بالشكل الذي يرضي جميع شرائح الشعب ويكفل مشاركتهم بصورة حرة ونزيهة في التعبير عن آرائهم هو الحل الجذري للمشكلة الامنية بحيث لايبقى مبرر لقوات الاحتلال بالبقاء..)

فالسياسة الصحيحة اذن كانت تكمن في سحب هذا المبرر من تحت اقدام المحتل ليخرج... !

 

شارك الاستفتاء

محور الموقف من الدستور

 بسم الله الرحمن الرحيم 

لا يخفى على احد ان الدستور العراقي بصيغته المطروحة الآن هو محصلة مخاض عملية سياسية كبيرة ومعقدة، فبعد التغيير التاريخي الذي حصل في العراق في 9/4/2003 وسقوط نظام شمولي استولى على الحكم لمدة عقود من الزمن بلا دستور دائم ولا نظام ديمقراطي ولا ارادة شعبية فان الخروج من هذا النفق التاريخي الى فضاء الحرية والديمقراطية لا بد من ان ينظم بدستور وبقوانين تسوغ هذا الخروج والتغيير حتى لا يكون التغيير في الشخصيات وانما في النظام السياسي والقوانين وطرح ما هو جديد في العملية السياسية يكون للشعب فيه اليد الطولى والارادة الاوسع والاكثر فاعلية لتتضح حاجة الشعب الى هذا التغيير واهميته على مستوى الانجاز التاريخي المتحقق.

من هنا اتجهت انظار الشعب وفي مقدمته المرجعية الرشيدة الى بلورة هذا الانجاز بوضع اسس دستورية ثابتة تكون ثمرة ملموسة للتغيير السياسي الكبير الذي حصل في العراق، ولكي توضع اللمسات والملامح العراقية في هذا التغيير بوضع دستور عراقي شامل للبلاد بأيد عراقية مؤمنة ومخلصة لقضية العراق لان الدستور كان يمثل الخطوة الاهم في موضوع نقل العراق من بداية التغيير ومخاضاته الاولى وربما من فوضاه السياسية الى نقطة التحول التاريخية ونقطة ما بعد التغيير الآني لتكون هذه الخطوة الدستورية هي المرجعية الشرعية والشعبية لفض أي نزاع سياسي واي اختلاف في الرأي حول المواضيع المهمة التي تخص حاضر العراق ومستقبله.

وحين نقول المرجعية الشرعية والشعبية يعني ان هناك قناتين ينهل منهما الدستور مشروعيته وقوته على الثبات والاكتمال كنص محصن بهاتين القوتين الشرعية والشعبية.. فعن القوة الشعبية له سارت كتابة الدستور باتجاهين الاول هو الاخذ بالحسبان كل ارادات الشعب بشرائحه المختلفة ومصلحة كل فرد او كل شريحة منه لان الذين كتبوا الدستور كانوا يمثلون كل هذه الشرائح ويقفون في المنطقة الوسطى من الرؤية بمسافة واحدة لكل فئات الشعب العراقي وقد كان هذا مخاضاً عسيراً بحد ذاته استغرق فترة طويلة لاحتواء هذه المصالح ولمحاولة الوقوف العادل بمسافة متساوية من كل فئات الشعب...

اما المسار الشعبي الآخر فقد تمثل بالاستفتاء على الدستور من قبل الشعب ليقول الشعب رأيه في قبول هذا الدستور بنصه المطروح ام لا... وان كان هذا المسار فيه بعض المؤاخذات المتمثلة بان الشعب لم تسنح له الفرصة الكافية للاطلاع على فقرات الدستور ومناقشتها على المستوى الآني والستراتيجي ومعرفة تاثيرات هذه الفقرات على حاضره ومستقبله.. وان كان الدستور قد طبع بمنشورات ونشر في بعض الصحف في وقت قريب جداً من الاستفتاء ولكن للحقيقة التاريخية ان الصراع في كتابة الدستور كان متركزاً مع الزمن لان كتابة الدستور والاستفتاء عليه من قبل الشعب كان سيضع العراق على عتبة مرحلة سياسية جديدة.. مرحلة قانونية دستورية يتضح فيها الخيط الابيض من الخيط الاسود من الممارسات السياسية والادارية والمالية وغيرها.. بل تتعداها الى مسائل اهم في الفدرالية والجنسية العراقية وشؤون ادارة البلد... وكذلك هناك الاحتلال الذي يجب ان يتقلص وجوده او يتلاشى بوجود دستور واضح للبلد تعرف كل الاطراف السياسية والافراد حقوقهم وواجباتهم من خلاله، أي ان الدستور بمعناه الحقيقي سينقل البلاد من الفوضى السياسية الى مرحلة النظام السياسي، من الضعف والخواء او الفراغ السياسي الذي حدث بعد السقوط الى مرحلة القوة والامتلاء مرحلة ثبات الخطى المتخبطة بعشوائية الفراغ الامني والسياسي والقانوني...

فكان أي تأخر في اصدار الدستور وتثبيته بالاستفتاء عليه هو تاخير لهذه المكتسبات من القوة والامتلاء والثبات والوقوف بثبات قانوني شعبي امام الاحتلال...

ولكن الدستور مثلما ينطوي على هذه الاهمية فانه لا يخلو من الخطورة والمغامرة حين يصادق الشعب باستفتائه على فقرات ستؤثر على مصلحته العامة او مستقبله او ستكون بمثابة الاسفين الذي يدق في الدستور او الالغام المزروعة فيه والتي يمكن ان تنفجر في أي لحظة قادمة وتكون سبب خلاف من جديد ولا سيما في الفقرات الستراتيجية بل ان الخطورة في الدستور توازي اهميته لهذه الاسباب... فضلاً عن الضغوط السياسية التي كانت تمارس على كتابة الدستور سواء من قبل بعض التكتلات المشاركة في العملية السياسية تلك الجهات التي لا يمكن استثناؤها او اغفال مصالحها لانها اساسية وانسحابها من العملية السياسية سيؤدي الى العودة الى نقطة الصفر والضياع، كذلك الضغط السياسي من قبل المحتل كقوة متسلطة على البلاد ومنقذة له كما يصور نفسه ويتصور كثير من المشاركين في العملية السياسية، لذلك كان لهذه الجهات اشتراطاتها وكلما طال الزمن على كتابة الدستور او اصداره ستزداد هذه الاشتراطات كما يزداد الوضع اللادستوري ترسخاً، وهذا هو مربط الفرس في الصراع مع الزمن في قضية الدستور، وكان نتيجة لتلك الضغوط والارضاءات السياسية التي حصلت في كتابة الدستور ان بعض الجهات الكبيرة والتي فرضت ارادتها واملاءاتها في الدستور تستند الان الى الدستور في الفقرات المهمة كقضية كركوك وقضية الفدرالية وغيرها بحيث انها لا تتنازل عن ما حققته من موضع قدم دستوري لها تستغله في كل المفاوضات حول هذه القضايا... لان الدستور قد تحصن بالارادة الشعبية وان الجهات التي حصلت على مكتسبات فيه تحصنت بهذه الارادة ايضاً، اما الجانب الآخر او القناة الاخرى التي نهل منها الدستور وتثبت بها فهي القناة الشرعية التي تمثل رضا المرجعيات الدينية الرشيدة على فقراته واجازتها باضفاء الشرعية عليه... تلك المرجعيات التي تعي جيداً الصراعات التي تتجاذب كتابة الدستور وتثبيته سواء الصراعات مع الزمن او مع الضغوط السياسية او مع الاحتلال، ولكنها - أي المرجعيات- اذا كانت قد قبلت على مضض بعض الفقرات التي ترى ان الشعب له الحرية على التصويت عليها فانها لم تتسامح مع ما يناقض الشرع او يبتعد عن التعاليم الالهية لانها تسير على قاعدة (ما من واقعة الا ولله فيها حكم) وان كان واضعو الدستور قد اخذوا بحسبانهم القيم الشرعية والتعاليم السماوية وان الدين الاساس في البلد هو الدين الاسلامي بل هو المنطلق لهم في كتابة الدستور وقوتهم المعنوية مثلما هي قوة الدستور المعنوية ولكن المشرع او المرجعية لا تفوتها التفاصيل التي يمكن ان تفوت واضعي الدستور.

من هنا كان للمرجعية تدخلاتها الاصلاحية والشرعية لتزيد الدستور شرعية وتحصيناً دينياً و لتبرئ ذمتها امام الله والشعب في موافقتها عليه...

كما ان المرجعية الرشيدة شخصت الصراع مع الزمن في كتابة الدستور او لنقل التسرع الذي تطلبته عملية كتابة الدستور والتصويت عليه ففي احدى الردود على اسئلة صحفية يرد سماحة الشيخ موضحاً (.. وبصراحة فانني الى الآن غير مقتنع بالجهود المبذولة في مجال توعية الامة باتجاه فقرات الدستور فكيف سنطالب الامة بالتصويت على مواده وهي لا تعرف عنها شيئاً ؟ البرلمان، الفدرالية، فوجود مجلس في نظام امريكا وبريطانٍيا لا يعني انها الاصلح لنا.. نريد ان لا نستنسخ تجارب الآخرين وانما نستفيد منهم لان الحضارة توجد عبر تكامل جهود انسانية) وهو هنا يشحص حالتين مهمتين في موضوعة كتابة الدستور والتصويت عليه أي في فحوى الدستور وتسويقه أو إقراره، النقطة الاساس هي اهمية التثقيف لمواد الدستور وهظمه من قبل افراد الشعب للتفاعل معه واستيعاب تفاصيله عبر التريث قبل اقراره بقوة التصويت والاستفتاء.. والنقطة الثانية هي خصوصية الشعب العراقي التاريخية والاجتماعية والثقافية فلا يمكن ان يصلح له أي دستور منقول ومفصل على مجتمع آخر له خصوصياته الحضارية ايضاً وهي نقطة مرتبطة بسابقتها أي بالاستعجال في كتابة الدستور الذي سيدفع واضعيه الى النقل والاستنساخ او الافادة الكاملة من دساتير اخرى لمجتمعات اخرى لان فرض خصوصية المجتمع العراقي في الدستور يتطلب وقتاً وتأملاً وتطابقاً مع حيثيات هذا المجتمع.. كما ان هذا الراي لا يعدم الافادة من تجارب الآخرين في المراحل التي قطعوها في مجال القوانين الدستورية لاننا لا يمكن ان ننعزل عن تجارب العالم في هذا المجال ونبدأ من الصفر بل ان الحضارة كما يؤكد سماحته كل متكامل من جهود الانسانية جمعاء وهي ذات قواسم مشتركة بين كل ابناء الارض.

ومثل هذا الطرح عن عدم التعجل في اقرار الدستور فان هناك طرحاً موازياً له من قبل سماحة الشيخ حول قدرة الانسان العراقي وسرعته في استيعاب التجارب الانسانية الجديدة وحبه وتطلعه للازدهار والنمو وذلك لانه شعب ذو عمق تاريخي حضاري وذو وعي جمعي ثاقب لذا يؤكد سماحته (قبل الانتخابات كان كثيرون يتحدثون عن انعدام الوعي الانتخابي لعدم وجود تجربة ديمقراطية فيحتاج الشعب الى تأهيل طويل إلا ان الاستجابة بواسطة الانضباط والنزاهة والوعي شيء فاق ما في الدول التي قضت قروناً في الممارسة..) أي ان الشعب العراقي حضاري سريع الاستجابة لاي تجربة تقع ضمن اطار الهاجس الحضاري ولا سيما تجربة الانتخابات او الدستور، وهذه الصفة الحضارية لدى الشعب هي التي جعلته مهيئاً لخوض أي عملية من هذا النوع والانتصار على عامل الزمن الذي غالباً ما يبطل او يعطل كثيراً من المشاريع الحضارية.. وضمن توصياته بخصوصية الشعب العراقي التي تتطلب الخصوصية في دستوره يقدم الشيخ مقترحات وبدائل لفقرات من الدستور بما يناسب الاحكام الشرعية والتركيبة الاجتماعية والاخلاقية العراقية، وقد عُرضت على سماحته مسودات وفصول من الدستور فكتب هوامش وتعليقات عدة نذكر بعضاً منها :

(1 – السيادة للشعب وهو مصدر السلطات...).

التعليق : ليس الشعب مصدراً لكل السلطات فالسلطة الشرعية بمعنى مرجعية القوانين ليست له وانما هي للاسلام..

(2- الاسلام دين الدولة الرسمي ومصدر اساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها، ولا مع مبادئ الديمقراطية... الخ..).

 التعليق : من جهتين:

ا - لا ينبغي ان يكون قيد (ثوابته المجمع عليها) للدخول الى مخالفة الشريعة باللعب على الاختلافات الاجتهادية.

ب- ادخال جملة (ولا مع مبادئ الديمقراطية) في هذه الفقرة تثير شكوكاً ومخاوف من ان تكون هذه المبادئ حاكمة على التشريعات الاسلامية..

كذلك في موضوع الحقوق والواجبات في ما يخص منح الجنسية العراقية حيث تضع المرجعية الرشيدة الاشتراطات التي تناسب حرمة الجنسية العراقية كذلك في موضوع الملكية الخاصة التي لا يجوز التصرف بها (الا لاغراض دفع الضرر العام) وليس (لاغراض المنفعة العامة) كما ورد في الدستور في المادة العاشرة.. وغيرها من الاقتراحات والتعليقات التي تضعها المرجعية امام واضعي الدستور من اجل وضع اللمسات التشريعية عليه.

اذن فالدستور كقانون ونظام كان عليه عبور هذين الامتحانين الشعبي والتشريعي وان كانت هاتان المنطقتان الشعبية والتشريعية متلازمتين يكمل بعضهما بعضاً فالارادة الشعبية لا تشتغل بمعزل عن الارادة التشريعية لان الشعب يعرف حدود الله ولكن هناك منطقة يسميها سماحة الشيخ (منطقة الفراغ) هي التي تشتغل فيها الارادة الشعبية منفردة بواسطة ممثلين عن الشعب يقررون فيها دستورياً ما يناسب خصوصية الشعب العراقي مستفيدين من خبراتهم وتجارب الدساتير في دول العالم الاخرى وقراءتهم للواقع السياسي و ديمغرافية الشعب العراقي وغيرها.

يقول سماحة الشيخ في هذا المجال (الاسلام مصدر التشريع في المساحة التي وضع الشارع المقدس لها احكاماً الزامية، اما منطقة الفراغ التي تركها الشارع المقدس للامة كي تقرر ما يناسب حالها وظروفها فهي منطقة فراغ بمعنى خلو الشريعة فيها من احكام إلزامية..) ولكن الشيخ سرعان ما يستدرك الى ان هذه المنطقة ليست منزوعة تماما من الحكم الشرعي ولكنها تشمل العناوين الثانوية وهي التي يمكن ان تعالج بالقوانين الوضعية اما هاجس المرجعية الاول فيبقى (ما من واقعة الا ولله فيها حكم) لذا يجيء استدراك الشيخ (ولا تعني ترك الشريعة لها من دون حكم غير الزامي لانه خلاف ما نعتقده.

ومثل هذه المناطق - منطقة الفراغ والعناوين الثانوية- هي التي يوضع الدستور والقوانين المنبثقة عنه لملئها..) أي ان الشرع مظلة لاحكام الدستور حتى وان خرجت هذه الاحكام من تحت ظلالها لكنها تبقى في منطقتها لان هذه الظلال يمكن ان تمتد الى أبعد من مساقطها الضوئية او ان الاحكام الدستورية يمكن ان تمتد خارج الظلال مستعينة بالمدد والاسناد الشرعي من هذه المظلة.

أي ان الحكم الشرعي هو الام او الاصل بالنسبة للحكم الوضعي الذي مهما اتخذ من قوة شعبية فانه لا يلغي او يتجاوز حدود الحكم الشرعي الذي لا يعرف حدوده الا المجتهد الجامع للشرائط وهنا يكمن سر التقليد الديني واتباع العالم المجتهد لانه الولي الديني او الشرعي (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) هذا الحكم الذي يقف بوجه أي شعبية لاي قرار او حكم شعبي لانه - الحكم الشرعي - مستند الى القانون الالهي الذي هو اعرف بمصلحة الانسان من نفسه من هنا يؤكد سماحة الشيخ على (ان نتائج أي استفتاء او انتخاب لا تكون ملزمة من الناحية الشرعية الا اذا امضاها المجتهد الجامع للشرائط لانه - أي الفقيه - يمثل القانون الشرعي والاعلم بتطبيقاته وليس فيها مصادرة لرأي الامة وانما هو تقنين وتكييف شرعي لاختيارها. مثل رأي القاضي الواحد ضد اغلبية الناس ).

ومع كثير من المؤاخذات من قبل المرجعية الرشيدة على فقرات الدستور منه (الشراكة الكاملة التي حصلت عليها اقلية لا تزيد نسبتها على 20 % من الاكثرية العربية التي تقرب من 80 % في كل شيء.. فالمفروض ان تتمدد كل فئة بحسب حجمها على الارض) ومنها (اغفال ذكر الاكراد الفيليين ضمن الاقليات العراقية من المادة 122 رغم ذكر من هم اقل عدداً) ومع هذه المؤاخذات وسابقتها فان المرجعية لم تقف بوجه الدستور وتطبيقه كمنجز تاريخي مهم، كذلك ان المكون السياسي الذي يمثل المرجعية في العملية السياسية (مارس دور الابوية والرعاية بفعل توجيهات المرجعية الرشيدة..) لان المرجعية ترى انها تمثل العراقيين جميعاً فالذي يتنازل عنه مكونها السياسي او المحسوب عليها بشكل مباشر فانه سيعود الى عراقيين آخرين من مكونات اخرى ترى المرجعية مسؤوليتها الدينية والوطنية عنهم باباً لقبول هذا التنازل.

من هنا صار القبول بالدستور كقانون ونظام وضعي املته التجاذبات السياسية والقوى الوطنية قبولاً اضطرارياً لدرء الفتنة وفرض النظام والقانون بوجه الفوضى والانفلات،اما التزكية الشرعية الكاملة فامر متروك للتعديلات والاصلاحات الدستورية على اعتبار انه ليس هناك صيغة كاملة متكاملة النص، وقابلية الدستور على التغيير على الاقل في بعض فقراته.

فاذا قال سماحة الشيخ ازاء هذه المداخلات والاخطار( لا استطيع ان اضفي الشرعية على هذه الصيغة فلا بد من اجراء تعديلات) فانه في الوقت نفسه يدرك ويقدر كل الجهود والتجاذبات والضغوط واهمية المنجز التي تنطوي عليها كتابة الدستور لذلك يصرح (على اية حال فان قول ( لا ) غير وارد في حساباتنا.. ).

بقيت نقطة اخيرة نريد ان نضيفها وهي ان الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب لم يكن سوى بقول كلمة (لا) او (نعم) أي بالرفض او القبول ولم تكن هناك تعريفات و خيارات برفض بعض الفقرات وقبول بعضها او فرصة لقول الشعب رأيه في بعض الفقرات وطرحه البديل المناسب لها.. ما جعل الشعب امام خيارين، اما خسارة الدستور كمنجز تاريخي في قوله (لا) او القبول به واعطاؤه الشرعية الشعبية حتى للفقرات التي لم تعها نسبة كبيرة من الشعب او لم تبد رضاها لانها تؤثر مستقبلاً على فئة معينة من الشعب.

في حين ان الحوزة العلمية الشريفة طرحت استطلاعاً للراي العام على فقرات الدستور وذلك بنشر بيانات تتضمن القضايا السياسية والدستورية مذيلة بتسعة عشر سؤالاً لشرائح واسعة من المجتمع العراقي من مختلف الاعمار والمستويات الثقافية والاقتصادية ولاقى هذا الاستطلاع نجاحاً باهراً لانه اعطى اهمية لرأي المجتمع وجعله يتفاعل مع الفقرات المستفتى عليها كما ان البيان قدم لكل سؤال شرحاً مبسطاً لكي يوضح للجمهور ما يلتبس ويشكل عليهم في بعض الفقرات، أي ان الاستطلاع كان توعوياً فضلاً عن كونه قراءة للرأي العام حول مواضيعه.

 

شارك الاستفتاء

محور الحوار مع الآخر

  بسم الله الرحمن الرحيم

الحوار رابطة انسانية بين طرفين اياً كانا.. فهو مبدأ للتواصل والتفاهم وازالة اللبس او الخلاف، كما انه بساط مشترك يطرح من خلاله الانسان آراءه وافكاره للآخر مثلما يتسلم من الآخر، فهو عملية اخذ وعطاء وتبادل فكري متفاعل بين طرفين او اكثر.. ما يعمق العلاقة بينهما ويؤسس لأرضية مشتركة يمكن من خلالها تنمية العلاقات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الحضارية بشكل عام.

وقد كان عبر التاريخ المؤمن بالحوار والانفتاح على الآخر هو الواثق بما لديه من ذخيرة فكرية وانسانية وقدرة على المواصلة والاقناع بالحجج والتبادل المعرفي كما ان له الثقة بالآخر واحترام ذاته ورأيه مثلما تشع نفسه بالمحبة والاعتراف بحق الاخر بالحياة ويتصف بروح التسامح والانطلاق الى ما هو اكثر نفعاً لكل الاطراف بعيداً عن حب الذات والمصالح الخاصة على حساب الآخر.

من هنا كان الدين الاسلامي الحنيف هو دين المحبة والتسامح والانفتاح على الآخر عبر كل الطرق الانسانية الممكنة فهو يحترم حرية المعتقد (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) كما يحترم خصوصيات الناس وذواتهم (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ).. بل حتى في موضوع الاختلاف في المعتقد حد الاشراك بالله فانه يفتح باب السلم والامان له حتى يستمع الى حقيقتك ورأيك واستمع منه (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) اما قضية الحوار مع الآخر او حوار الاديان والحضارات فان الآية الكريمة تشير اليه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) بهذا الانصاف انفتح الاسلام على الآخر.

كما ان الحوار او سياسة الاعتراف بالآخر ليس فقط بين المسلم وغير المسلم وانما هو انصاف الناس بشكل عام من ذاتك ومن مشروعك الانساني او السياسي او الثقافي فطالما وفر الحوار واعطاء الفرصة للآخر كثيراً من التضحيات والخسائر المادية والمعنوية كما وفر كثيراً من الوقت الذي يضيع في لغة الاحتراب والتنافر.

ولعل واقع المرحلة الجديدة التي يمر بها العراق كمنعطف تاريخي ومخاض سياسي كبير واقع اكثر ما يحتاج اليه هو الحوار والاعتراف بالآخر والاستماع الى رأيه ومشروعه وتقريب وجهات النظر حد الوصول الى نقطة توازن بين الآراء بحيث تزداد القواسم المشتركة بين المتحاورين حتى وان ادى ذلك الى التنازل عن بعض المصالح من اجل نقطة التوازن التي تخدم الصالح العراقي المشترك.. ففي واقع متداخل ومتغير ومنفتح على مراحل جديدة يجب ان يكون الحوار سيد الموقف وذلك لاختلاف وجهات النظر او التحول السياسي الكبير والتغيير الشامل لكثير من الثوابت التي ترسخت او عمل على ترسيخها نظام سياسي شمولي منذ عقود من الزمن ما يستدعي تغيير كثير من القناعات والرؤى او توجيهها بالاتجاه الوطني الجديد.

لذا فقد نزلت الى طاولة الحوار اغلب الكتل السياسية التي تثق بمشروعها وتعترف بمشروع الآخر ومشروعيته ولم يعترف بهذا المبدأ - مبدأ الحوار والانفتاح على الآخر-  الا الذي في قلبه مرض سياسي او الذي لديه اجندة تدمير وقتل للشعب العراقي فلم نسمع من ارهابي اراد الحوار او طرح مشروعه السياسي لانه لو كان يملك هذه الذخيرة الانسانية والسياسية التي تؤهله للحوار والاعتراف بالآخر لما اقدم على افعاله الوحشية ولاسيما حين يكون الآخر بالنسبة له شعباً باكمله بحضارته وتاريخه وانسانيته.

وقد كان لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اسوة حسنة في لغة الحوار والانفتاح والاعتراف بالآخر سواء في تعامله مع الاديان الاخرى او مع المشركين او مع الناس بشكل عام بمبدأ (التودد الى الناس نصف العقل) كما جاء في الحديث الشريف كذلك مبدأ الحوار والمحاججة الذي اتبعه الائمة المعصومون ومنها محاججة وحوار الامام علي (عليه السلام) مع الخوارج حيث اقتنع كثير منهم بالعدول عن رايهم والعودة الى جادة الصواب فقد كان مبدأ الامام المحاججة وان يجعل القتال آخر الحلول.. وهكذا فعل في صفين والجمل.

كما ان مبدأ الحوار يعتمد على الآخر نفسه، موقفه و ثقافته وغيرها من الصفات وكذلك صفته الرئيسة التي جعلت منه (آخر) أي طرفاً آخر من معادلة الحوار فهناك آخر من حضارة ودين آخر وبذلك سيكون الحوار حوار حضارات وحوار أديان وهذا ما دعا اليه القران الكريم في الآية الكريمة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) وهذا الحوار له اهميته و لاسيما في هذا العصر من زمن العولمة وبالذات في هذه المرحلة التي يمر بها العراق بعد انفتاحه على العالم بعد ان كان مغلقاً منعزلاً لسنين طويلة.. وهذا الحوار يتطلب وعياً وثقافة مؤثرة بالآخر وموصلة له الصورة المشرقة الحقيقية عن الدين الاسلامي او عن الحضارة الاسلامية وفي هذا الصدد يذكر سماحة الشيخ فيما يتوجب على المفكرين والمحاورين في هذا المجال الحضاري حيث يحدد ثلاث نقاط مهمة هي :

(1- انفتاح الحضارتين على بعضهما والتعرف على حقيقة كل منهما من حيث المقومات والاهداف والآليات..).

أي ان تتوفر النية الصادقة للانفتاح على الآخر ومد الجسور الانسانية معه لكي تنبني علاقة حوارية ممهدة لسماع الرأي والرأي الآخر، ثم اخذ الفكرة الكاملة او المهمة عن الحضارة المراد الانفتاح عليها والتحاور معها ومعرفة نقاط الالتقاء أو الاختلاف معها من اجل خلق منطقة توازن حضارية مشتركة بينها.

(2- عرض النماذج الكاملة من رموزنا ودراسة سيرهم وتحليلها وبيان نقاط العظمة فيها مثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام)..).

وهذه تغني مادة الحوار والتركيز على النقاط التاريخية المهمة وهي الشخصيات التاريخية الاسلامية لكي نوصل الى الآخر ليطلع على تفاصيل سيرها ودورها في الاسلام والتاريخ بشكل عام لان هذه الشخصيات هي رموز للشخصية المسلمة وقدوة حسنة لها وهي محصلة شخصانية للمجتمع الاسلامي لان الاقتداء يشير الى شخصية المقتدي من خلال شخصية المقتدى به وبهذا ننجح في توصيل ذواتنا العالية الى الآخر من خلال رموزنا الدينية والفكرية والادبية كمحصلة ثقافية وحضارية شاملة.

(3 – ان نجيد لغة الخطاب والحوار مع الآخر ونفهم المداخل المناسبة لعقله وقلبه..) فبعد ان تتوفر النية الصادقة للحوار والانفتاح، ثم المادة التي نريد ان نوصلها، يجب ان نجيد الطريقة التي نوصل بها هذه المعلومة والمثاقفة والمداخلة الحضارية، فالحوار فن بحد ذاته وثقافة وقدرة على التوصيل والاقناع وكسب الآخر او سحبه الى منطقة المحاور الاولى وجعله ينسجم معها ويتعايش مع تفاصيلها لكي ينفتح هو الآخر فتتداخل المنطقتان المتحاورتان وتزداد المساحة المشتركة والقواسم المشتركة الفاعلة التي تخلق نقاط الافادة المتبادلة بين الطرفين.. وفي هذا المجال يضرب الشيخ مثلاً (لا يناسب ان اشرح للاوربي الغارق بالماديات سبب ثورة الحسين على يزيد بانه كان يشرب الخمر وينكح المحارم.. لكن لو عرضت يزيد كقاتل للنفس المحترمة بغير حق ومصادر للحريات ويسرق الاموال العامة، ويثري بغير حق ويتسلط بالقهر على رقاب الامة من دون اجراء انتخابات حرة سيكون المبرر للثورة عليه واضحاً..) وبهذا نوصل الامام الحسين (عليه السلام) الى الاخر على انه ثائر ضد الظلم ومن اجل العدالة الانسانية ومن اجل تعاليم السماء.. وهكذا تصل قضايانا التاريخية او المعاصرة باسلوب يتناسب مع الآخر ومع ثقافته ولغة عصره ومرجعياته الحضارية لكي نقف معه على ارضية انسانية صلبة مشتركة وكذلك نستلم منه ما ينفعنا في المعلومة الحضارية والتبادل الحضاري الذي يخدم كلا المصلحتين ففي رسالة سماحته الى مسؤول الادارة المدنية للعراق بول بريمر في 11 / 4/ 2004 يشير الى اهمية هذا التبادل الحضاري بقوله (اننا نطمح ان تنشأ بين شعبينا علاقة احترام متبادل بعد زوال الاحتلال لاننا نعتقد ان الشعب الامريكي عنده الكثير مما نريد ان نستفيد منه كما ان عند شعبنا العريق في الحضارة الكثير ما يمكن انتفاع الشعب الامريكي منه في ظل حوار ودي بناء، لكن كثرة التصرفات الخاطئة تزيد من الكراهية والعداوة وان كثيراً ممن رحبوا بقدوم القوات الامريكية قبل عام تحولوا الى اعداء..) اذن حتى الامريكان المحتلين يمكن ان نفتح معهم حواراً حضارياً اذا ما عدّونا طرفاً مكافئاً حضاريا لهم بعيداً عن لغة القوة والاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق.

ويتجلى مبدأ الحوار والانفتاح على الآخر اكثر فاعلية برسالة سماحته الى منظمة المؤتمر العالمي للاديان من اجل السلام في مؤتمرها الثالث في عمان حيث يذكرهم باهمية (تفعيل دورها في تاسيس هذه المبادئ العظيمة ونشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام والتآلف واحترام الآخرين لا ثقافة التطرف والتعصب والاحتراب).

اما على صعيد الحوار والانفتاح على الآخر في الراي السياسي او المذهب او القومية وهو المشترك في العملية السياسية وفي واقع العراق الجديد المتشابك والمتداخل فالانفتاح على هذا المشترك بالهم العراقي ضرورة ملحة من اجل ايجاد نقاط توازن وطنية يمكن الرجوع اليها في كل اختلاف او يمكن الانطلاق منها لبناء العراق ونهوضه و لا سيما ان المرحلة الجديدة طرحت العديد من الرؤى التي تمثل الاتجاهات السياسية المختلفة كما ان التثقيف الذي جاء مع الاحتلال في التفرقة بين المذاهب والقوميات يتطلب كثيراً من الحوار والانفتاح للرد على هذه الهجمة الشرسة التي تريد ان تؤجج نار الفتنة والتفرقة بين العراقيين.. فسماحة الشيخ يقدم مشروعاً للمصالحة الوطنية بين العراقيين في رسالته الى العراقيين لمناسبة حلول شهر رمضان مستهدياً باخلاق امير المؤمنين (عليه السلام) في انصاف الآخر.. (فلا تفرقنا اتجاهات دينية او نوازع عرقية، فهذا امير المؤمنين (عليه السلام) يوصي مالك الاشتر عندما ولاه مصر ويعهد اليه بكتاب طويل ومما جاء فيه : واستشعر الرحمة في قلبك للرعية فانهم صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) وفي الحقيقة لقد كانت دعوة مرجعياتنا الدينية سباقة للمصالحة الوطنية وترك الامور للقضاء العراقي والابتعاد عن لغة الانتقام والعنف.

وفي المؤتمر العام الاول لرابطة بنات المصطفى يتكلم سماحته عن مبادئ الثقافة ومظاهرها، ويوضح معنى الشفافية المراد في القانون الاسلامي لانها (من اهم ميزات القانون الاسلامي وقادته العظماء) ويوجز هذا المعنى في عشر نقاط تصب كلها في مبدأ الحوار والانفتاح على الآخر وانصافه سنمر عليها بايجاز لاهميتها في حلقتنا هذه :

1- انصاف الآخرين من نفسك.. فاذا كان رأي الآخر صحيحاً فكن شجاعاً وقل له ذلك و تنازل عن رايك واعترف بخطئك.

2- المشاورة وعدم الاستبداد بالرأي.

3- اعتماد مبدأ الحوار وعدم فرض الرأي على الآخر مهما كنت مقتنعاً به.

4- التواضع.

5- سعة الصدر.. ولا بد ان تتناسب سعة الصدر بعظم المسؤولية (سعة الصدر آلة الرياسة).

6 – الحب للناس جميعاً فليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية.

7 – حسن الخلق مع الناس والتآلف معهم.

8 – المحافظة على حدود الصداقة التي حدها الائمة المعصومون.

9 – حمل الآخرين على الصحة، والتماس العذر لهم.

10 – المواساة بل الايثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).

وارى ان حصر الشفافية في هذه المعاني او فتحها على هذه المعاني يعطي لها هالة من الايمان وبعداً من الانسانية والوطنية بما يجعلها محوراً للتعامل مع الآخر وشروطاً للانفتاح عليه.. انها مبادئ تضع الآخر في دائرة الاعتراف بالحوار واهميته والانجذاب الى المحاور والبحث عن مساحات مشتركة تضمن المسار الصحيح للعملية السياسية وتضع من لا يدخل ضمن هذه الدائرة دائرة المبادئ والشفافية الانسانية والوطنية تضعه في دائرة الاستفهام والاتهام ومحاولته عرقلة المسيرة السياسية والاساءة الى مصلحة الشعب العراقي لانه يضع نفسه خارج دائرة التفاهم والحوار الوطني والقضية العراقية وهو بالتالي في الخندق المعادي للشعب العراقي.

وبهذا التحديد لموضوع الشفافية او التوسيع لها تبرئ المرجعية الرشيدة ذمتها من مشروع المصالحة الوطنية وتحكم الشرع والقضاء والقانون في القضية العراقية وتعطي لكل عراقي حقه من المواطنة وواجبه تجاه اخيه العراقي من أي شريحة كان.

كما يُذكّر سماحته المسؤول العراقي بسعة الصدر التي ذكرها الحديث الشريف فانه يناشد الجهات الاخرى غير العراقية المعنية بالقضية العراقية ان تساهم في إرساء قواعد التسامح والمصالحة الوطنية بين العراقيين ففي لقائه مع السيد اشرف قاضي رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق بتاريخ 19/4/ 2006 يذكره باهمية دور الامم المتحدة في مساعدة العراقيين على اعادة بنائهم السياسي والاجتماعي ولم شملهم من خلال التثقيف لهذه المبادئ بقوله (..والذي نامله ان لا تطول الفترة حتى يقتنع الفرقاء العراقيون بضرورة الحوار ونبذ العنف والاستعمال غير الشرعي للسلاح لان كل يوم اضافي في عمر الفتنة يعني المزيد من الضحايا والتخلف والحراب وتعطيل الحياة..) ثم يبصره بان تمتد المنظمة الدولية من واجباتها الروتينية في المساعدات الانسانية المعروفة الى التثقيف على ثقافة الحوار والتسامح لما لهذه المنظمة من مكانة في نفوس العراقيين يمكن استغلالها بلم شمل العراقيين بها من خلال المنظمة نفسها (فاني اعتقد ان دوركم ليس في تقديم المساعدات الانسانية ونحوها لان دوركم اهم من هذا.. انه عمل فكري وثقافي باقناع الفرقاء بثقافة الحوار والتسامح والمصالح المشتركة وتوزيع الاستحقاقات و لامعنى لحمل السلاح مع امكانية تحقيق المطالب بالحوار..)

ان الحوار شجاعة واقدام وقد يتحقق من خلاله ما لم يتحقق باسلوب العنف والقتال.. لكن هذه الشجاعة لها اشتراطاتها ونواياها واساليبها التي تجعل من الحوار والانفتاح على الآخر سلاحاً عقلياً وجسراً حضارياً وانسانياً او جسراً وطنياً تبنيه الرؤى المتعددة من اجل ايصال رسالة الى الآخر على عمق الانتماء الى الحضارة والدين والى الوطن والانسانية بشكل عام وكذلك ايصال رسالة الى العالم اجمع بان الانسان العراقي ذو لمسات ثقافية ومجسات حضارية يمكنه من خلالها تحسس الآخر والتوغل الى اعماقه وتحريك هواجسه باتجاه خلق رؤى مشتركة وارضية انسانية او وطنية صلبة للحوار والانفتاح.

 

مكتب المرجع الديني

الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) - ارسل استفتاءك

النجف الاشرف