الشخصية المعنوية وحکم الأموال العامة
ما المقصود من الشخصية المعنوية أو الحقوقية للمؤسسات التابعة للدولة؟ وهل الدولة مالكة لما يقع بيدها أو لا؟ ويمكن تحليل هذين السؤالين إلى الأسئلة التالية، كما فعل السيد الصدر الأول (قده) في مجلس بحثه الشريف وهي؟
س1: هل الشخصية المعنوية تملك؟
س2: هل الشخصية المعنوية لها ذمة؟
س3: هل الشخصية المعنوية لها الحق بالتصرف أو لا يحق لها إلا بأذن الولي العام أو من نصبه؟
بسمه تعالى
نوضح الأجوبة في نقاط فنقول والله المستعان:
1- المراد من الشخصية المعنوية ما يقابل الشخصية العينية المتجسدة على أرض الواقع بالشخص المعلوم، أما المعنوية فهي جهة أو كيان أو تنظيم أو مؤسسة فوجودها معنوي أو اعتباري بوجود عنوانها، أي ليس لها واقع في الخارج وإنما وجودها في اعتبار ونظر العقلاء، ويتقوّم بعنوانها لا بأشخاصها الذين يمكن أن يتبدلوا ويبقى العنوان بخلاف الشخص فإنه إذا مات انعدم وجوده وتملكه ونحو ذلك.
2- يجب التفريق بين الحكومة والدولة، فالحكومة هم الأشخاص الذين يديرون شؤون الدولة من رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الهيئات ونحو ذلك، ويعيّنون بحسب النظام السياسي المتَبّع في الدولة، وهؤلاء يُغيَّرون ويتبدلون بانتخابات أو انقلاب أو عزل ونحو ذلك، أما الدولة فهي مجموعة المؤسسات التي تحفظ مصالح البلد والشعب، كالوزارات والهيئات والدواوين والأجهزة، وهذه المؤسسات باقية لا تندثر بتغيّر الحكومات، وتتعرض للتعديلات والتوسعة والتحسين بحسب تطوّر الحاجة.
3- الشخصية المعنوية والجهة تملك كالكعبة الشريفة فإنها تملك ما يهدى إليها، وكذا المؤسسة فإنها تملك ما يعود إليها من ممتلكات خاصة، أما الأموال العامة والثروات الطبيعية فهي ملك الشعب عامة على حد سواء على أساس المواطنة فقط من دون دخل للجنس أو القومية أو الدين أو الطائفة أو العرق ونحو ذلك.
فالدولة لا تملك هذه الأموال العامة وإنما الشعب الموجود منه الآن ومن سيوجد لاحقاً، لكن للدولة الممثلة بالحكومة حق التصرف فيما تحت يدها وفق الصلاحيات التي خولها الشعب لها، ووفق قوانين يسنّها ممثلو الشعب على أن تكون هذه القوانين في مصلحة الشعب والدولة، لذا اشترطنا أن تكون هذه القوانين والتصرفات ممضاة من قبل المرجعية الدينية الجامعة لشروط ولاية أمر الأمة والنظر في شؤونها باعتبارها نائبة بالنيابة العامة عن الإمام المعصوم 7 الذي هو ولي كل الأمور العامة.
والإطار العام للتصرفات المأذون بها شرعاً في الأموال العامة ومؤسسات الدولة هو ما يندرج في حفظ النظام الاجتماعي العام ورعاية مصالح البلاد والعباد وازدهارها وكرامتها وبذلك تحصل الحكومة على المسوِّغ القانوني والشرعي للتصرف في شؤون الدولة.
ولذا فأن الفساد المالي وهدر المال العام والعبث به والتصرف فيه خارج القوانين والأنظمة التي تحفظ المصالح العامة للبلد والشعب من المحرمات الشرعية مضافا إلى كونه من المخالفات القانونية، بل إن أي قانون خارج هذا الإطار العام يكون باطلاً حتى لو سنّه البرلمان –انطلاقاً من مصالحه الشخصية والفئوية من دون مراعاة لمصالح الشعب والبلاد- لأنه غير ممضى شرعاً ومخالف للدستور الراعي لحقوق الناس وحفظ مصالحهم.
4- للشخصية المعنوية ذمة يجب على القائمين عليها الالتزام بها، فالحكومات قد تتغير لكن كل حكومة ملزَمة بالتزامات الدولة التي اشتعلت ذمتها بها عبر الحكومات المتعاقبة، وكذلك المرجعية لو تحولّت إلى مؤسسة وكذا البنوك وغيرها .
5- مادامت الشخصية المعنوية لا وجود لها في الخارج فإنها لا تملك مقومات التصرف لأنها عنوان اعتباري مجعول وإنما حق التصرفات لممثل تلك الجهة أو رئيسها أو مؤسسها أو صاحبها أو القائمين على إدارة شؤونها وهكذا، وهؤلاء يُحددّون وفق النظام الداخلي الذي أُسّس بموجبه الكيان.
هذا في غير المؤسسات العامة التي سُخّرت لخدمة البلاد والعباد التي أمرها موكول الى الشعب مشروطاً بإمضاء المرجع الديني الجامع لشروط النيابة عن المعصوم 7 كما سبق، وهو يعطي الإذن لكل ما يحقق الأهداف المذكورة أعلاه، وهذا الحق اكتسبه الفقيه الجامع للشرائط، لأنه أولى الناس بالناس لعلمه الغزير بالقوانين الإلهية حتى بلغ درجة الاجتهاد، ولنزاهته وسمُوّ مؤهلاته الذاتية وخبرته في شؤون الناس ورعايتهم وبذل الوسع في مداراتهم وحفظ مصالحهم.