(وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ)
موضوع القبس:التنازع يؤدي الى الفشل
درس في الالفة والاخوّة من البعثة النبوية المباركة:
الآية تنهى المؤمنين عن التنازع والتخاصم فيما بينهم وتحذرهم، بأن عاقبة هذا التنازع هو الفشل والضعف والانهزام لأنهم سينشغلون بهذا الصراع الداخلي عن الاستعداد لمواجهة الأعداء وسينهك قواهم وسيفقدهم الثقة بأنفسهم ويحطّم شخصياتهم ويذهب بحرمتهم وكرامتهم لأن كلاً من الطرفين المتنازعين يريد أن يتغلب على الآخر بأي ثمن فيبذل طاقته في تسقيط الآخر والبحث عن عيوبه ونقائصه وإظهارها للأخرين لكي يثبت أحقيته وغلبته، فيسقط الجميع بهذا الانتقاص المتبادل ويفشلون.
في معنى ذهاب ريحهم:
ويؤدي الفشـل الـى ذهـاب ريحهـم أي عزّتهـم وقوتهـم وغلبتهـم وتسيـر الامور على غير ما يريدون، وفي التعبير عن القوة بالريح رمزية وكناية دقيقة عن هذا المعنى لأن الريح هي التي ترفع الأشرعة وتعطي القدرة لاندفاع السفن في البحار فإذا توقفت الريح فإن السفن تعجز عن الحركة ولم يتحقق الوصول الى الهدف المطلوب، كذلك فإن الريح تجعل الأعلام والألوية ترفرف مرتفعة في ساحة الحرب فتشعر بالقوة فإذا ذهبت الريح انتكست الأعلام وخارت القوى.
حقائق قرآنية تؤسس للنظام الحضاري:
هذه واحدة من الحقائق القرآنية التي تؤسس لنظرية سياسية واجتماعية لأنها تشخص سبب أنهيار الدول وتفكك المجتمعات والشواهد التاريخية كثيرة في كل العصور ولعل أوضحها هزيمة المسلمين في الاندلس وانحسار دولة الإسلام عن تلك الأرض الاوربية بعد سلطة دامت حوالي ثمانمائة عام حينما انقسم المسلمون تبعاً للامراء وملوك الطوائف وتنازعوا وأصبح بعضهم يتآمر على بعض ويستقوي بالأعداء على اخوته.
ولا يختص الفشل وذهاب الريح والقوة بالجانب المادي وما يتعلق بالدنيا، بل تذهب القوة المعنوية أي روح الايمان وطمأنة القلب أيضاً, فتخسر الامة ريحها ورُوحها ورَوْحها لان التنازع يوقع صاحبه في الكبائر من اجل تحقيق الغلبة فيتورط في الغيبة والكذب والبهتان والافتراء والتجسس على خصمه ليضعفه وهذه كلها من الكبائر الموبقة، ويبرّر لنفسه المداهنة والسكوت عن الباطل عند من يريد الاستقواء به على خصمه وينشغل تفكيره بالمجادلات والمنازعات عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وهو من فعل الشيطان بهم وهكذا يذهب في منزلق خطير نحو الهاوية.
وهذه الامور مجرّبة ومعروفة في كل المنازعات مهما صغرت دائرتها او اتسعت كالخلاف بين الزوجين أو بين العائلة الواحدة على الميراث مثلا او النزاع بين عشيرتين أو حزبين سياسيين أو بين جماعتين أو بين مقلدي المرجعيات الدينية المتعددة، او بين طائفتين وغير ذلك، وهكذا يستهلك المجتمع الواحد قوته وامكانياته في هذه النزاعات ويفسح المجال واسعا لخصمه ليستحوذ على حقوقه التي فرّط فيها .
روى الامام الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (من لاحى – اي خاصم ونازع – الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته، ثم قال (صلى الله عليه واله وسلم) لم يزل جبرائيل ينهاني عن ملاحات الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الاوثان )([1])، وروي عنه (صلى الله عليه واله وسلم) قوله:( لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقا)([2]) و عنه (صلى الله ...