الامة في تكامل فمتى يلحق بها المسؤولون / خطاب المرحلة (114)

| |عدد القراءات : 2175
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

خطاب المرحلة (114)

 

الأمة في تكامل فمتى يلحق بها المسؤولون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رسل ربنا بالحق .

 

الابتلاء والفتنة والاختبار سنة إلهية جارية في العباد منذ أن وجدوا على هذه الأرض لتحقيق أهداف عديدة لسنا الآن بصدد بيانها ولكل معسكر من معسكري الخير والشر أدوات وآليات في هذه المواجهة وهي متنوعة ومتفاوتة من حيث قوة التأثير واستعداد الإنسان للتأثر بها لذا علينا أن ننوع في آليات الإصلاح والدعوة إلى الخير بحسب تنوع آليات الدعوة إلى الشر والفساد و قوة تأثيرها وهذا واضح لدى المصلحين والعاملين الرساليين .

 

وقد يستدل المؤمن الصالح على علو همته وحصانته وتمسكه بالنهج الإلهي القويم من خلال قوة ما يستعمله عدوه من اجل إبعاده عن هذا النهج ، كما أن الجيوش المتحاربة تستعمل آلة حربية مناسبة لعدة وعدد الخصم.

 

فنحن في العراق حينما نرى أن شياطين الإنس جاؤوا بأنفسهم إلى هذه الأرض بعد أن كانوا مكتفين بعملائهم لتنفيذ مخططاتهم فان هذا يعني أن الحركة الإسلامية المباركة في ارض الأئمة الأطهار قد بلغت من القوة والتجذر بحيث احتاجت أن (يبرز الشرك كله إلى الإيمان كله ) لأنهم ماذا بقي عندهم أزيد من هذه التعبئة كما حصل يوم معركة الخندق حينما عبأ المشركون وأحلافهم كل قوتهم لمواجهة النبي (ص) والمسلمين وقال (ص) حينئذ كلمته المشهورة عندما خرج علي بن أبي طالب u لمبارزة فارس الأحزاب عمرو بن عبد ود العامري (اليوم برز الإيمان كله إلى الشرك كله ) وبانتصاره u كسرت شوكة المشركين ولم تقم لهم قائمة بل توالت انتصارات المسلمين حتى فتح مكة .

 

ونحن نرى اليوم أن قوى الشر استجمعت كل قدراتها العسكرية و الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والإعلامية لتجعل من ارض العراق المباركة ساحة لمواجهة المد المتنامي لمدرسة الحق .

 

وهذا التقدم في تكامل التربية الإيمانية لدى الأجيال المتعاقبة دليل على صحة المسيرة والعمل الفعلي على التمهيد لليوم الموعود المبارك وتوجد شواهد كثيرة على هذا التقدم ولنأخذ فتنة النساء كمثال ففي عهد صدر الإسلام حيث لا سفور ولا خلاعة ولا تبرج في المجتمع المسلم تنقل الروايات أن شابا من الأنصار رمق امرأة فظل يتابعها بذهول حتى شج عينه عظم ناتئ من حائط وان امرأة كانت تمتطي دابة في يوم مطير فسقطت فرمقها المسلمون في حين أشاح رسول الله (ص) بوجهه عنها فظهرت إنها متسرولة وأطلق (ص) كلمته الشريفة (رحم الله المتسرولات) وان أصحاب أمير المؤمنين مرت بهم امرأة فرمقوها فقال u : أن عيون هؤلاء الفحول طوامح. فهؤلاء المسلمون رغم إنهم في حضرة سيد الخلق ومصدر التشريع ومهبط الوحي ومع ذلك (فُتنوا ) بوجه امرأة بدا لهم بينما تجد شبابنا اليوم تعرض النساء أمامهم مفاتنها وتحيط بهم صور الفاسقات أينما ولّوا وجوههم ومع ذلك هم متمسكون بدينهم وأخلاقهم وذاكرون لربهم غير غافلين عنه رغم فقد نبينا وغيبة إمامنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا .

 

وكمثال اخر نأخذه للمقارنة هو ان دعوة الإمام الحسين (ع) طالبا النصرة لم يستجب لها آنذاك الا سبعون بينما لو علت اليوم دعوة مثلها فان سبعين ألفاً او اكثر سيلبوّنها ويقفون مثل ذلك الموقف المشرف .

 

فيحق للمؤمنين ان يفرحوا بنصر الله تبارك وتعالى اذ جعلهم بهذه المرتبة وهذا المقام الكريم، وبنفس الوقت علينا ان نحذر هنا وننبه الى ان هذه النتيجة الطيبة لا يجوز لنا ان نتكل عليها ويأخذنا العجب بأنفسنا فان هذا ما كان ليتحقق لولا لطف الله تبارك وتعالى وتسديده فاذا غفل الإنسان واتكل على نفسه فانه سيندثر كما ورد في الدعاء (وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان) وعلى الإنسان ان يبقى لائذا بربه مستجيرا برحمته متخوفا من الزلل والحرمان .

 

وعلينا ان نتذكر أيضا ان منافذ الفتنة كثيرة وأبوابها إلى النفس الأمارة بالسوء والميالة إلى اللعب واللهو كثيرة وقد ينجح الإنسان في اختبار باتجاهٍ ما لكنه يفشل في الاتجاه الآخر بشكل فضيع ، وهذا مضمون ما ورد في الحديث عن الإمام السجاد انه إذا رأيت الرجل لا ينخدع بالدينار والدرهم فرويدك رويدك ولا تحكم عليه بالصلاح فلعله يفشل في الامتحان أمام النساء فإذا نجح فلا تغتر به فلعله يسقط في فتنة حب الجاه وهكذا .

 

أتذكر إننا في أيام الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 كان الصحن الحيدري الشريف مليئا بالناس المتحمسين الذين يلوحون بالسلاح فرحين بالنصر ومتهيّئين لأية مواجهة والحناجر تصدح بالشعارات ولكن حينما يرتفع صوت المؤذن بالصلاة لم يكن يحضر صلاة الجماعة خلف سيدنا الشهيد الصدر (قدس سره ) في داخل الروضة المطهرة إلا عدد الأصابع فهل يمكن أن نعتبر هذا نجاحاً حقيقيا ؟! وأنا لا أريد أن أوبخ أولئك الثائرين بقدر ما أريد إلفات النظر إلى عناصر التربية المتكاملة بينما يقيم الإمام الحسين u صلاة الظهر جماعة يوم عاشوراء وسط صليل السيوف واصطكاك الاسّنة واشلاء الشهداء وفي معركة صفين وفي ليلة الهرير بالذات التي شهدت اعنف المعارك يفتقد جيش الحق امامهم أمير المؤمنين u وبعد البحث وجدوه يصلّي والحرب مشتعلة فقال له مالك الاشتر : افي مثل هذا الحال تنشغل بالصلاة يا أمير المؤنين ؟ قال u وهل قاتلناهم الا من اجل الصلاة ؟

 

وهذا التسلسل في الاختبار نجده اليوم فبعضهم يسقط في اختبار الدينار و (الدولارات) حيث يدلُّ قوات الاحتلال أو الإرهابيين على المؤمنين ليقتلوهم أو يختطفوهم من اجل ثمن بخس يدفع لهم وكذا ما سمعت عن بعض رؤساء العشائر في أيام الانتخابات أنهم قبضوا بعض الأموال ليعطوا أصواتهم إلى ناس غير صالحين . وبعض آخر يسقط في اختبار النساء حيث يفقد كل مقاومته ومناعته أمام إغراء يعرض عليه .

 

والابتلاء الأكبر هو في المواقع الدنيوية – على تفاهتها – التي جعلت الإخوة يتقاطعون ويسقط احدهم الآخر ويكيد له ويفتري عليه ويدخلوا الأمة في فتنة عمياء يهرم عليها الكبير ويشيب فيها الصغير وتدفع الأبرياء ثمنها فلا أمن ولا خدمات ولا ابسط حقوق الإنسان .

 

فهل ذهب احد هؤلاء المتهالكين على الدنيا إلى مخيمات العوائل المهجرة (1) ليرى حالة البؤس والشقاء التي يعيشون فيها ؟

 

أيعقل أن التبرعات التي قدمها المحسنون إلى عوائل شهداء جسر الأئمة (2)لم تصل إليهم إلى الآن رغم مرور أزيد من تسعة اشهر مع انها لا تحتاج الى موافقة وزارة المالية ولا البلديات ولا العمل وانما هي أموال وضعت في صناديق لتصل الى مستحقيها ؟!

 

هل من المعقول ان تتبجح الحكومة بفائض ميزانية قدره (14) مليار دولار (3)والشعب جائع فقير لا يملك مكانا يأوي اليه ويفتقر البلد الى ابسط الخدمات ويختلط ماء المجاري بماء الشرب فهل فكرت الحكومة ان هذه النقطة لها أم عليها ؟ اليس مثلهم كمثل الاب الذي يفتخر بان جيبه مليئ بالمال وهو يترك ابناءه جياعا بلا مأوى ؟

 

ان مشكلتنا ليست مع الاحتلال وحده ولا مع الإرهابيين وحدهم وإنما يضرب الظلم والفساد باطنابه في كل مكان وتدفع الامة المسكينة وحدها الثمن ومع ذلك فان بيد الأمة وحدها الحل حينما تستطيع ان تتعرف على أبنائها الصالحين الذين يخلصون في خدمتها ويضحون من اجلها ويكونون آمنين على ثرواتها ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويسعون لاسترداد حقوقها مهما كلف الثمن وطال الزمن وعلى من يلون أمر الأمة ان يتوحدوا وان يترفعوا عن الأنانيات والمصالح الضيقة وان يعتمدوا الشفافية (التي ذكرنا عناصرها في خطاب سابق ) في عملهم ومنها الحوار والنصيحة وحسن الظن.

 

أسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بيد الأمة نحو ما فيه صلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة . انه ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة .

 

 

محمد اليعقوبي

 

الجمعة 21/4/2427

 

19/5/2006

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) شهدت الفترة بعد تفجير الروضة العسكرية الشريفة في سامراء تصعيدا في الحرب الطائفية ومن نتائجه تهجير اكثر من عشرة الاف عائلة تحت ضغط التهديد بالقتل من المناطق (الساخنة) إلى محافظات الوسط و الجنوب .

 

(2) في ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم يوم 25 / رجب / 1426 المصادف 31/8/2005 مشهد جسر الأئمة الذي يربط الاعظمية بالكاظمية تدافعا شديدا من الزائرين الذين اعتادوا السير على الأقدام لزيارة الإمامين الكاظمين وبسبب سوء الادارة اكتظ الناس على الجسر وحبست الأنفاس وقيل أن إشاعة سرت بان إرهابيا موجود وسط الجموع فقفز الناس لا اراديا من على الجسر وسقطوا في النهر وقضى كثير آخرون تحت الأرجل فتجاوز عدد الشهداء الالف ولعل اكثرهم من مدينة الصدر المضطهدة وكانت فجيعة وطنية وانسانية وعلى اثرها فتح ستوديو قناة العراقية باب التبرع على ضحايا وانهالت عليه التبرعات المالية والعينية في موقف نبيل عزّ نظيره وجمعت في صناديق لتوزيعها على عوائل الشهداء والمصابين ولم يتحقق ذلك حتى شكى بعضهم إلى المرجعية الرشيدة فتحركت لايصال هذه الحقوق إلى اهلها ولم نسمع عن تحقق ذلك الا ما نقلته الاخبار يوم السبت 15/4/1427 المصادف 13/5/2006 من أن الدكتور الجعفري رئيس الحكومة المنتهية ولايتها استقبل (65) عائلة من أصل (865) لتسليم استحقاقاتهم وكانت حصة كل عائلة (28) مليونا و (727) الف ومئة دينار

 

(3) هذا ما اعلنته حكومة الدكتور الجعفري في نهاية عام 2005 وكررته عند تسليم الامور إلى حكومة الدكتور المالكي في مايس 2006.