المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية / خطاب المرحلة (110)

| |عدد القراءات : 2368
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

خطاب المرحلة (110)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية (1)

 

إذا التفتنا الى امرين علمنا أهمية سير المؤمنين مشياً على الاقدام الى كربلاء وسائر المشاهد المقدسة خصوصاً في زيارة الاربعين:

 

الاول: ان السير على الاقدام من أجل تحقيق مطلب معيّن أو إلفات الى قضية معينة وسيلة حضارية اتخذتها الامم وفرضت بها ارادتها.

 

وهناك شواهد عديدة من التاريخ القديم والجديد ففي السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله (ص) بألف وبضع مئات من أصحابه يريد مكة لأداء العمرة بمسيرة سلمية فلما علم مشركو قريش بذلك أسقط ما في ايديهم ولم يستطيعوا قتالهم وأوقعوهم في حرج شديد لئلا تقول العرب انهم قتلوا ناساً عزّلاً من السلاح جاؤوا قاصدين البيت الحرام واضطروا للصلح مع النبي (ص) في لحديبية وعدّه الله تبارك وتعالى فتحاً مبيناً في سورة الفتح.

 

ومن التاريخ الحديث ثورة الملح والمسيرة التي قادها غاندي وأنهى على أثرها الاحتلال البريطاني للهند.

 

والمسيرات المليونية التي اسقطت شاه ايران ولم يكن المتظاهرون يقابلون النار التي يطلقها جلاوزة الشاه إلا بالورود حتى خجل الجيش من نفسه وانسحب من المواجهة تاركاً الشاه وجلاوزته فانتصرت الثورة الاسلامية في ايران وبعد سنين من المقاومة اللبنانية التي قادها حزب الله لإنهاء الاحتلال الصهيوني قرر الصهاينة الانسحاب وحددوا لذلك موعداً لكنهم اضطروا للانسحاب بذلّة وبإرباك وفوضى قبل الموعد حينما قرر أهالي القرى والمدن المحتلة بالزحف نحو مدنهم رجالاً ونساءاً وأطفالاً فلم يكن امام المحتلين إلا النكوص ورجوع القهقرى أمام زحفهم الهادر والقوي بقوة حقهم وعدالة قضيتهم وبدأ الأهالي العزّل يطهرون مدنهم الواحدة تلو الاخرى حتى اكتمل النصر.

 

الثاني: إن هذه الحالة – أعني السير على الاقدام - أسسها المعصومون (ع) وأعطوها زخماً كبيراً من الثواب فقد ورد في بعض الروايات عن الامام الصادق (ع) (من أتى قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له الف درجة)(2).

 

فإذا كانت الشعوب تخرج بهذه المسيرات لإنهاء احتلال فنحن مبتلون باحتلال متغطرس لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، وإذا كانت تخرج للمطالبة بتحسين الخدمات واحترام حقوق الانسان فبلدنا يعيش في الحضيض من هذه الناحية، وإذا كانت الامم تخرج للدفاع عن حقوقها وعزتها وكرامتها ولرفع الظلم والاضطهاد عنها فنحن نطالب بذلك.

 

إذن فإن هذه المسيرات يجب إدامتها واستثمارها وتوظيفها. فإذا ضممنا إليها أهدافاً أخرى والتفتنا الى هذه الثمرات المتحققة منها زاد حماسنا واندفاعنا ومنها:

 

ان الذهاب سيرا على الاقدام فيه اظهار لعظمة المقصودة فقد حج الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) ماشيا على قدميه لا من عدم وجدانٍ للراحلة فان الرواية تقول (وان النجائب لتقاد بين يديه) تعظيما للبيت الحرام ومن اولى من الامام الحسين (عليه السلام) بالتعظيم والاجلال بل دلت بعض الروايات على افضلية تربة الحسين (عليه السلام)على الكعبة.

 

انه يتضمن اظهاراً للولاء لاهل بيت النبي (صلوات الله عليهم اجمعين) ومحبتهم التي جعلها الله تبارك وتعالى اجر الرسالة (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )الأنعام90 بحيث يحرك هذا الحب ملايين الموالين ليقطعوا مئات الكيلومترات من دون أن يصطحبوا زاداً أو فرشاً أو أي حاجات شخصية وتتعبأ الأمة كلها لخدمتهم.

 

إن فيها مواساة لآل النبي (ص) وعيالات الحسين (ع) الذين اقتيدوا أسارى في الصحراء بلا غطاء ولا وطاء من كربلاء الى الكوفة ثم الى دمشق ثم أعيدوا الى كربلاء ثم إلى مدينة جدهم (ص) وهن عشرات النسوة وأزيد منهم من الأطفال بلا محامٍِ ولا كفيل وإنما يحوطونهم قتلة الطيبين من آل رسول الله (ص).

 

ان هذه الحركة الجماعية تنمي روح العمل الجماعي الذي إن تعودت عليه الأمة حصلت لها بركات كثيرة

 

إن وحدة الهدف والغاية لهذه الملايين الزاحفة يوحد الأمة ويذوب خلافاتها وما أحوجنا اليوم لهذه الوحدة.

 

ان كثيراً من الناس يتحركون بفعل ما يسمى ب(العقل الجماعي) فقد لا يكون الشخص مندفعاً نحو التدين وتعظيم شعائر أهل البيت (ع) لكنه لا يملك نفسه دون أن ينخرط في هذه الحركة المليونية المباركة ويتأثر بها فتكون خير وسيلة للهداية والإصلاح كالذي تفعله صلاة الجمعة ونحوها.

 

تساهم هذه الفعالية بما تتضمنه من مصاعب ومشاق في تدريب الامة على التضحية وتَحمُل الصعاب من أجل تحقيق أهدافها السامية وهي خطوة مهمة على طريق إعداد المؤمنين لحركة الإمام المهدي(عليه السلام) العالمية المباركة ومثل هذه الفعالية تعتبر أرقى الحالات التعبوية للجيوش في العالم وان الجيوش التي تنجح في القيام بمثل هذا الانتشار الواسع على مساحات ألاف الكيلو مترات المربعة وباعدا كثيفة تصل الى الملايين وبتنظيم عالٍ لم يشهد أي خسائر او تقصير ومن دون ان يصطحب الجندي أي لوازم أو احتياجات تعتبر امثولة تستحق الدراسة في الأكاديميات العسكرية العالمية.

 

انها تقوي الارادة ةتحقق النصر على النفس الامارة بالسوء التي تميل الى الدعة والراحة وتكره العنت والمشقة وهي بذلك تحقق قفزة كبيرة على صعيد تهذيب النفس والسلوك الى اله تيارك وتعالى

 

ان هذه الحركة تعزز الانتماء الى الحسين ونهضته المباركة وما احلاه من انتماء وما اشرفه وما أعظمه وهذه الهوية تحتوي على الكثير من الخصائص والعامات المميزة له عن غيره التي ينبغي للسائر إلى الإمام الحسين(عليه السلام) أن يعيها ويلتفت اليها ويجسدها في حياته.

 

والفوائد الصحية التي ربما هي أخر ما يفكر بها السائر إلى الحسين(عليه السلام) لأنه يرنو ببصره إلى المعنويات والآثار الروحية لكن هذه الآثار الطيبة على الصحة ليست قليلة ونحن نعلم كل أحكام الشريعة إنما جعلت لمصالح يجنيها الفرد أو مفاسد يراد دفعها عنه وقد ذكروا ان المشي يقلل من خطر ارتفاع ضغط الدم ويحسن أداء القلب ويساهم في خفض نسبة الدهون في الدم (الكوليسترول) المسبب لتصلب الشرايين ويقوم بتقوية العظام ويحافظ على صحة المفاصل والعضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي وغيرها كثير.

 

واغتنم وجودكم لتوجيهين يضاف أجرهما إلى ما ذكرناه والله تبارك وتعالى يخاطبنا (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَات) البقرة148 ويقول سبحانه (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )المطففين26

 

فالمفروض اننا نستثمر الحالة باعلى صورها فأنها (تجارة لن تبور) والامران هما :

 

الاول : أن تسير هذه الجموع المؤمنة في مواكب وتجمعات منتظمة لأن النظام قوة ويحقق ثماراً كثيرة ويدخل الرعب على الاعداء ويرسل لهم رسالة قوية اما المشي أفراداً مشتتين مهما كثر عددهم فانه لا يؤثر كذلك لأن العدد سينظر اليه وكأنه تقليد اجتماعي دأب عليه الناس فلا يقيم له وزناً معتداً به كما كان جلاوزة صدام يفعلون فانهم كانوا حينما يستعصي عليهم المنع التام من المشاركة في هذه المناسبة فانه يسمح بالاعداد الغفيرة تسير الى كربلاء ولا يقلقه ذلك كثيرٌ لكن عشرة اشخاص إذا أجتمعوا ونظموا أنفسهم وكانت لهم حركة واحدة فانه يشعر بخطرهم ويلاحقهم

 

وإني لا أدعي أنني قادر على تنظيم هذا العدد الضخم ولكنني أضعه كمشروع امام القائمين على هذه الحركة المباركة وقد نظمنا كنموذج طلبة الجامعات والمعاهد العراقية في مواكب الوعي الحسيني وكان مثلاً مثيرا للفخر والاعتزاز ويستحق التأسي به فلتفعل الجهات الفاعلة في مختلف المحافظات لأبناء كل محافظة مثل هذا التنظيم المبارك.

 

الثاني: انكم خلال مسيرتكم الطويلة تمرون على عشائر وأرياف وقرى ومناطق لم يصلها قبلكم مرشد ديني أو واعظ او موجّه لذا تجدهم يجهلون أبسط واجباتهم الدينية، وهم يستضيفونكم وتنزلون عندهم فاغتنموا هذه الفرصة للإرشاد والتوجيه والتبليغ وايصال صوت الهداية والصلاح ليؤتيكم الله وإياهم كفلين من رحمته وكثير منكم شباب رساليون واعون مثقفون قادرون على أداء هذه الوظيفة أحسن قيام فلا تقصروا في اغتنام هذه الفرصة.

 

وفي ضوء كل هذه الافكار يجد عدد غير قليل من المؤمنين الواعين رغبة عندهم في إحياء عدد من المناسبات والزيارات على هذا الشكل أي التوجه الى الامام المزور سيراً على الاقدام.

 

فطوبى لكم ويهنيكم ما اعد الله تعالى لكم من الكرامة وارجو شفاعتكم يوم القيامة والحمد لله رب العالمين وصلى اله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) من حديث سماحة الشيخ مع حشد من أبناء المحافظات الجنوبية الذين زاروه في طريقهم الى كربلاء يوم الجمعة 16/صفر/1427.

 

(2) مفاتيح الجنان/آداب زيارة الامام الحسين (ع).