{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} - الكسل والضجر: الأسباب والآثار والعلاج

| |عدد القراءات : 24
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (النساء: 142)

الكسل والضجر: الأسباب والآثار والعلاج[1]

   قال الله تبارك تعالى في شأن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (النساء: 142) وقال تعالى {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} (التوبة: 54) فهم لا يقيمون الصلاة كما أراد الله تعالى بل يقومون إليها في حركة جسدية خاوية   متكاسلين متثاقلين؛ لأنهم لا يؤمنون بها ولا يرجون ثواباً من الله تعالى ولا يخافون عقاباً فليست لديهم إرادة جدّية، وإنما يأتون بها طلباً للدنيا وتأميناً لمصالحهم قال تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45)، لذا نُهي عن القيام إلى الصلاة بتكاسل وتثاقل لأنها من صفات المنافقين، روى زرارة عن الإمام الباقر (×): (لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً، فإنّها من خِلال النفاق)([2])، وإنما ينشط إلى الصلاة المؤمن الصادق الراغب في ما عند الله تبارك وتعالى، وإذا كانوا يتكاسلون في أمر الصلاة التي هي عمود الدين قال أمير المؤمنين (×): (إنَّ عَمودَ الدّينِ الصَّلاةُ، وهيَ أوَّلُ ما يُنظَرُ فيهِ مِن عَمَلِ ابنِ آدَمَ، فَإِن صَحَّت نُظِرَ في عَمَلِهِ، وإن لَم تَصِحَّ لَم يُنظَر في بَقيَّةِ عَمَلِهِ)([3]) ، وروى أبو بصير عن الإمام الصادق (×): أنه قال: (أوَّل ما يُحاسَبُ بِهِ العَبدُ الصَّلاةُ، فَإِن قُبِلَت قُبِلَ ما سِواها وإذا رُدَّت عَلَيهِ رُدَّ عَلَيهِ سائِرُ عَمَلِهِ)([4]) فهم في سائر الطاعات وأعمال الخير أشد كسلاً وتوانياً، روى زرارة عن الإمام الصادق (×): (من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لأمر آخرته، ومن كسل عما يصلح به أمر معيشته فليس فيه خير لأمر دنياه)([5])  وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (×): (إني لأبغض الرجل - أو أبغض للرجل - أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل)([6]).

 

    فالآية الكريمة تذّمُ المنافقين على هذه الصفة التي تظهر على الجسد بالتثاقل والتبرّم وعدم الإقبال، لكنها تكشف عن خواء الباطن من الإيمان فإن الباطن هو المحرّك للظاهر، وهذه الصفة المذمومة يزيّنها الشيطان للإنسان حتى يقعده عن فعل الطاعات المقرّبة لله تبارك وتعالى قال أمير المؤمنين (×): (من دام كسله خاب أمله)([7]) وقال الإمام الصادق (×): (عدو العمل الكسل)([8]) فالكسل عدو الإيمان والعمل الصالح وهو من أقوى أدوات الشيطان لتثبيط الإنسان عن فعل الخير وتضييع عمره الذي هو رأس ماله لاكتساب الدرجات الرفيعة في الجنان.

  على عكس ما يريده الله تعالى ويحثّ الإنسان عليه رعاية لمصلحته في الدنيا والآخرة في قوله سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة: 148) {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133) وقوله تعالى {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (المؤمنون: 61). وهذه هي صفات المؤمنين التي يجب أن نتحلى بها، قال أمير المؤمنين (×): (المؤمن يرغب في ما يبقى، ويزهد فيما يفنى، بعيد كسله، دائم نشاطه)([9])، فعلينا أن نحاسب أنفسنا دائماً لنرى مِن أي الفئتين نحن.

   والكسل صفة مذمومة في النفس وهي من آثار ضعف الهمة والعزم الذي هو مقياس درجة الإنسان، تدعو إلى التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه مع القدرة على الفعل لذا استحق الكسول الذم، ولو كان الضعف لمرض نفسي أو جسدي أو لسبب خارج عن الاختيار فإنه لا يستحق الذم عليه.

  ولأنَّ الشيطان ينجز مهمته من خلال خطوات وعدة مقدمات تمويهاً وخداعاً {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (البقرة: 168) فهو لا يدعو إلى ترك العمل الصالح أو فعل القبيح مباشرة لأنه سيواجه الرفض، وإنما يكتفي في البداية بتأخير العمل وتسويفه قال أمير المؤمنين (×): (تأخير العمل عنوان الكسل)([10]) ثم المناقشة في جدواه وهكذا إلى أن يؤدي به تدريجياً إلى ترك العمل الصالح نهائياً، روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (×) حديثاً في ترتيب هذه الخطوات قال (عليه السلام): (قال لقمان لابنه... وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرِّط ويفرِّط حتى يضيّع ويضيّع حتى يأثم)([11]) .

 وهذا ما نلمسه في حياتنا العملية حيث نجد التقاعس والكسل قد وصل حتى إلى المؤمنين الذين يفترض أنهم يعملون لله تعالى ويرجون ما عند الله تعالى وهذا أقوى محفّز ودافع للعمل، لكنهم فقدوا الهمّة التي تعينهم على القيام بالواجبات الدينية والدنيوية، لاحظ كمثال الحضور في صلوات الجمعة أو صلاة الجماعة اليومية في المساجد أو مجالس الوعظ والإرشاد والتوعية أو نشر الكتب والصحف النافعة، فيبخل على ربه بدقائق لكنه يمضي الساعات في الأحاديث الفارغة والأعمال العبثية واللهو بالأجهزة الحديثة، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نتوقع من جماعة متقاعسة كسولة أن تؤدي دورها الرسالي في إصلاح الأمة والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد حكى القرآن الكريم قصصاً عديدة عن حالات الكسل والتقاعس والتثبيط التي أصيبت بها الأمم السالفة ففشلت وانحرفت وتاهت، حتى يتعلم المسلمون الدرس منها ولا يبتلون بها.

  وهكذا يمكن أن يكون الكسل فكرياً بانتفاء الرغبة في طلب العلم والاكتفاء بالمعلومات السريعة المتاحة على وسائل التواصل أو برامج الذكاء الاصطناعي.

 أو كسلاً اجتماعياً بانحسار صلة الأرحام وزيارة المؤمنين وعيادة المرضى ومساعدة الفقراء والمشاركة في المناسبات الاجتماعية.

  واقتصادياً بترك الكسب الحلال والاكتفاء بالمساعدات أو البحث عن وظائف البطالة المقنعة وعدم الإبداع والابتكار ونحو ذلك.

 ومنشأ الكسل ضعف الإيمان بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر وعدم الاعتقاد الجازم بالجزاء، حيث يثاب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته، وحب الراحة والدعة، ومراعاة المصالح الشخصية والدنيوية المحضة، قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (التوبة: 38).

 وكلما ضعف الإيمان أكثر وتدنّت مراتبه ازداد الكسل والقعود عن العمل بطاعة الله تعالى وما يوجب رضاه، فدرجة الكسل مقياس لضعف الإيمان، ولما كان المنافقون مجردين من الإيمان الحقيقي وإنما يتظاهرون به لمصالح شخصية كان الكسل عندهم في أشدِّ مراتبه لذا وصفهم الله تعالى به من دون اختصاص الصفة بهم، وتكاسُلُهم عن الصلاة التي هي معراج المؤمن وأجلى مصاديق العبودية لله تعالى دليل انسلاخهم من الإيمان، لذا لا تظهر عليهم آثاره من الشوق والإقبال واللهفة كما كان النبي (|) يقول: (قرة عيني الصلاة)([12]) وكان يقول (|) لبلال عندما يحين وقت الصلاة: (أرحنا يا بلال) أي بالأذان ودخول وقت الصلاة، أما الكسول فيظهر عليه التثاقل من حين تهيئة مقدماتها بحسب ما يظهر من التعبير {وَإِذَا قَامُوا} {وَلَا يَأْتُونَ}.

  وتلازم صفة الكسل صفة مذمومة أخرى وهي الضجر والسأم، وقد صوّر أمير المؤمنين (×) هذه الملازمة بمثل لطيف قال فيه (×): (إن الأشياء لما ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر)([13]).

   فإذا اجتمعتا في فردٍ كان حصيلته الخيبة والخسران، أو في أمة فإن أمرها يؤول إلى التيه والضياع والتشتت، وإنَّ من أهم أدوات الحرب الناعمة التي يديرها شياطين الإنس والجن والطواغيت والمستكبرون هي نشر هذين الدائين الفتاكين في المجتمع، لتكون الأمة كسولة غير منتجة لا تشعر بالمسؤولية تقضي أوقاتها بالتوافه، وابتكروا لذلك أدوات جاذبة ومنسجمة مع رغبات النفس وشهواتها، مثل الألعاب الرياضية والمهرجانات الفنية وسائر أشكال العبث واللهو، وجاءت أجهزة التواصل الاجتماعي لتقضي على البقية الباقية من العزم والهمّة والشعور بالمسؤولية، فأصبح الناس مخدّرين مشلولين يقضي أحدهم الساعات مع هذه الأجهزة بلا ملل، ويسهر الليل كله حتى يصاب بالكسل الرقمي أو الإدمان على الميديا بحسب المصطلح المتداول، أو ما اصطلح عليه مؤخراً بالتعفّن العقلي([14])، بينما يتثاقل عن صلاة تستغرق بضع دقائق، أو قراءة كتاب نافع أو القيام بعمل خيري خصوصاً الشباب الذين تتوفر لهم كل احتياجاتهم بواسطة الأب والأم فيضيع العمر بما لا ينفع بل بما يضر وهم أمل الأمة ويعوَّل عليهم في إعمار الحياة وبناء المستقبل، فتجدهم بسبب الكسل والخمول والسأم والضجر محبطين يائسين متكئبين متقاعسين عن المشاركة في الحياة الاجتماعية، فتبتلى الأمة بحالة (اللامبالاة المجتمعية) كما يسمّونها، وهذا مرض خطير لأن له تداعيات كارثية حيث يقود هذا الشعور الشباب إلى إدمان المخدرات، أو قتل الوقت الثمين في مقاهي العبث، أو الانخراط في جماعات الخطف والابتزاز والسرقة والعنف للحصول على المال الوفير والسريع بحسب ما يتوهمون، أو يسلّمون أنفسهم لمافيات التهريب إلى خارج الحدود ليواجهوا مصيراً مجهولاً وحياة كالعبيد، وقد يخسر حتى دينه حيث تتعهد له بعض المؤسسات بتحصيل الإقامة له في البلد الأوروبي الفلاني بشرط ترك دينه.

أما الأمم الغربية فقد قضى الكسل والضجر على شبابهم وأصبح همهم المتعة واللهو والعب لذلك فهم يعتمدون على الكفاءات المهاجرة إليهم لتحريك عجلة النمو والازدهار في بلدانهم.   

     لذا ورد التحذير الشديد من الكسل والضجر ومن خطرهما على حياة الإنسان في الدنيا ومصيره في  الآخرة، روى الشيخ الصدوق بسنده عن أمير المؤمنين (×): (أن النبي (|) قال: علامة الصابر في ثلاث: أوّلها أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، الثالثة أن لا يشكو من ربه عز وجل، لأنّه إذا كسل فقد ضيّع الحقّ، وإذا ضجر لم يؤدِ الشكر، وإذا شكا من ربّه عز وجل فقد عصاه)([15])، وقال الإمام الباقر (×): (إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، مَن كسل لم يؤدِّ حقاً، ومن ضجر لم يصبر على حق))[16]( وروى الشيخ الكليني عن الإمام الكاظم (×) قال: (إياك والكسل الضجر، فإنك إن كسلت لم تعمل، وإن ضجرت لم تعطِ الحق)([17]) وقال (×): (قال أبي (×) لبعض ولده، إياك والكسل والضجر فإنها يمنعانك من حظِّك من الدنيا والآخرة)([18]).

   ويزداد ضرر الكسل ويتحول إلى مرض اجتماعي عندما يكون صاحبه سبباً لتكاسل الآخرين وتقاعسهم لأنه في مقام القدوة والأسوة لغيره كعلماء الدين، أو بعض الزعماء والوجهاء فإن كسلهم وتقاعسهم يدبّ في جسد الأمة، ونذكر مثالاً دورهم في تخذيل جيش أمير المؤمنين (×) وقد ورد في وصيته بعض أمراء جيشه (فانهدْ بمن أطاعك إلى من عصاك، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك، فإنّ المتكاره مغيبه خير من مشهده، وقعوده أغنى من نهوضه)([19]).

   وأهم علاج للكسل هو تذكّر الهدف والمآل وهو نيل رضا الله تبارك وتعالى والفوز في الآخرة؛ فإنه أقوى محفّز للعمل وطارد للكسل والضجر، وهو ما ركّز القرآن الكريم عليه كثيراً وربط الأعمال به، قال تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: 41).

   ويعالَج الكسل نظرياً بالالتفات إلى خطورته وعاقبته الوخيمة وتسهيل أمر الطاعة فإنها في الحقيقة فعل اللحظة التي أنت فيها والصبر لحظة أمر يسير، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كم من صبر ساعة قد أورثت فرحاً طويلاً وكم من لذّة ساعة قد أورثت حزناً طويلاً) ([20]).

   وبذلك تحبط وسوسة الشيطان الذي يهوّل الأمر ويجعل القيام به عسيراً، فيقول له: أنت لا تتمكن من الصبر عن الطعام والشراب شهراً كاملاً ليثبّطه عن صوم شهر رمضان، والحقيقة ليست كذلك لأنه إنما يصوم نهاراً واحداً فقط ثم يفطر الليل كله ويبدأ في اليوم التالي صوماً آخر، بل إنه إنما يصوم اللحظة التي هو فيها لأن ما مضى انتهى والقادم لم يأتِ بعد([21]).

وكعلاج عملي لتهذيب النفس من هاتين الصفتين المثبطتين فقد حثَّ المعصومون (^) على شحذ الهمة وصدق العزم لمقاومة الكسل والعجز ولو بالقيام بعمل قليل فإن الله تعالى يبارك فيه وينميه، ويكون سبباً لتقوية الهمة وزيادة النشاط وترك الكسل، قال الإمام الصادق (×): (إياكم والكسل إنّ ربكم رحيم يشكر القليل، إنّ الرجل ليصلي الركعتين تطوعاً يريد بها وجه الله عز وجل فيدخله الله بهما الجنة وإنّه ليتصدق بالدرهم تطوعاً يريد به وجه الله عز وجل فيدخله الله به الجنة وإنّه ليصوم اليوم تطوعاً يريد به وجه الله فيدخله الله به الجنة)([22]) وقال الإمام الصادق (×): (اتقوا الله ولا تملّوا من الخير ولا تكسلوا فإن الله عز وجل ورسوله غنيان عنكم وعن أعمالكم وأنتم الفقراء إلى الله عز وجل وإنما أراد الله عز وجل بلطفه سبباً يدخلكم به الجنة)([23]).

ومن العلاجات العملية لهذا المرض المعنوي النظر بعين الموعظة والعبرة إلى الشباب المحرومين من نعم أساسية لكن قلوبَهم مفعمةٌ بالأمل، وأجسادَهم في حيوية ونشاط ويحققون الإنجازات، قبل أسابيع([24]) كرّمت جامعة كامبردج البريطانية المتفوق الأول على خريجي كلية القانون وهو شاب عراقي كفيف البصر، وانظر إلى الشباب الآخرين ممن يسمون ذوي الاحتياجات الخاصة كيف يقتنصون الفوز في المسابقات الدولية رغم انعدام الإمكانيات التي يحظى بها أقرانهم، وأعرف آخرين مشلولي الأطراف أو مبتلين بأنواع الابتلاءات إلا أنهم نشطون في التأليف أو طلب العلم أو تقديم الخدمات الإنسانية للمحتاجين والمحرومين.

ومما يستنهض العزائم ويرحض الكسل: الرفقة الصالحون فإنهم يساعدون الإنسان على العمل ويشجعونه على النجاح قال تعالى: {فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً} (النساء: 71) وكلما زاد عددهم وكبرت شخصيتهم زاد تأثيرهم في تنشيط الفرد، ولكن على المؤمن أن يستحضر معيتهم {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} (النساء: 69).

وورد في كتاب طب النبي (|) علاج للتخلص من الكسل والضجر عن الإمام الصادق (×) أنه قال: (كان رسول الله (|) إذا كسل أو أصابته عين أو صداع بسط يديه فقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين ثمّ يمسح بهما وجهه فيذهب عنه ما كان يجد)([25]).

ولا شك في أن إنقاذ المجتمع من هذين الدائين يتطلب إنشاء مؤسسات تقوم بدور توعوي وثقافي واجتماعي وتعقد الورش العملية، وأن تشترك في هذه النهضة الأسرة والمدرسة وعلماء الدين ووسائل الإعلام والحكومة والمنظمات الإنسانية.

 

وفي الختام، لنعقد العزم أمام الله تعالى على أن ننشط في طاعته ونقوّي إرادتنا على فعل الخير ونقدح زناد النيات الصالحة فإن الحديث يقول: (ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النية)([26])، وندعو بما كان يدعو به النبي (|) (اللهم امنن علينا بالنشاط، وأعذنا من الفشل والكسل والعجز والعلل والضرر والضجر والملل)([27]) وبما في دعاء أبي حمزة الثمالي (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل والجبن والذلة والمسكنة والفاقه) وكأنها مجموعة متلازمة.

بما كان يدعو به الإمام الرضا (×) للحجة ابن الحسن (صلوات الله عليهم أجمعين) (ولا تبتلنا في أمره بالسأمة والكسل والفترة والفشل، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك)([28]).



[1] -  - درس التفسير الأسبوعي ليوم الأربعاء 29 / ربيع الثاني / 1447 الموافق: 22/ 10/ 2025.

[2] -  بحار الأنوار: ٨١ / ٢٠١-٢٠٢

[3] - التهذيب: 2-237-936.

[4] -  الكافي: 3-268-4، التهذيب: 2-239-15 كلاهما عن أبي بصير عن الإمام الباقر (×)، الفقيه: 1-208-626 عن الإمام الصادق (×).

[5] - الكافي: 5 / 85 ح3.

[6] - الكافي: 5 / 85 ح4.

[7] - غرر الحكم: 7907.

[8] -  الكافي: 5 / 85 ح1.

[9] - بحار الانوار: 78 / 26 ح92.

[10] - غرر الحكم: 447.

[11]  - الخصال: 1/ 121 ح 113.

[12] -  الأمالي للطوسي: 528.

[13] - الكافي: 5 / 86 ح8.

[14] - اختير هذا المصطلح ككلمة العام لمعجم أكسفورد عام 2024، وتم تعريفه في معجم جامعة أكسفورد: بأنه التدهور المفترض للحالة الذهنية أو الفكرية للشخص، خاصةً كنتيجة للإفراط في استهلاك مواد تُعتبر تافهة أو غير مُحفّزة للتفكير في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

[15] -  علل الشرائع: 498 ح 1.

[16]  - تحف العقول: 295. وتجد مجموعة من الأحاديث المماثلة في ميزان الحكمة: 7 / 494.

[17] - الكافي: 5 / 85 ح5.

[18] - الكافي: 5 / 85 ح 2.

[19] - نهج البلاغة: ج3 / 7.

[20] -  أمالي المفيد: 23.

[21] - لذا نُهي في بعض المواضع عن طول الأمل وعُد أخوف ما يخاف على الإنسان، لكي يركز الإنسان على حاله  الحاضر من دون تسويف؛ قال رسول الله (|): (يا أبا ذرّ: إيّاك والتسويف بأهلك، فإنّك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن لك غد فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد، لم تندم على ما فرّطت في اليوم) واستُحب أن يصلي المؤمن صلاة مودّع لكي لا يفكر بما بعد الصلاة، فإن التركيز على الهدف القريب يزيد نشاط الإنسان لتحصيله.

[22] - ثواب الأعمال: 61.

[23] - بحار الأنوار: 69 / 406.

[24] -  راجع التفاصيل في كلمة عنوانها: (أيها الشباب احذروا الضجر والكسل) في موسوعة خطاب المرحلة: 11/ 5، وألقيت بتأريخ 26/ ذي القعدة/ 1438 الموافق 19/ 8/ 2017.

[25] - بحار الأنوار: 89 / 364 ح 4.

[26] - من لا يحضره الفقيه: 4/ 400 عن الصادق (×).

[27] - بحار الأنوار: 94 / 125.

[28] - بحار الأنوار: 95 / 335، ح5