خطاب المرحلة (780) الغدير: أعظم أعياد الإسلام، ومسؤوليتنا عنه
الغدير: أعظم أعياد الإسلام، ومسؤوليتنا عنه([1])
السلام عليكم يا إخوة الإيمان والولاية ورحمة الله وبركاته
نحتشد اليوم عند أمير المؤمنين (8) امتثالاً لأمر الله تعالى إذ قال: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إبراهيم:5)، ويوم الغدير من أعظم أيام الله تعالى بحسب وصف القرآن الكريم له، وطاعة لأمر المعصومين (^) على لسان الإمام الرضا (×) قال: (أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (8) فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وفي ليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، فأفضِلْ على إخوانك في هذا اليوم وسُرَّ فيه كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال: يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيراً كثيراً، وإنكم لممن امتحن الله قلبه للإيمان مستقلون مقهورون ممتحنون يصب البلاء عليكم صباً، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات)([2]).
ففي مثل هذا اليوم أمر الله تعالى رسوله (|) وهو في طريق عودته من حجة الوداع ومعه سبعون ألفاً من المسلمين أن يتوقفوا عن السير في هذا الموضع الذي له خصوصية حيث تتفرق عنده طرق المسير إلى ديار المسلمين ومناطقهم المختلفة، وأن يبلّغهم أمراً عظيماً يعادل الرسالة كلها بحيث لو لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ من الإسلام شيئاً، وأنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67).
ونفّذ النبي (|) ما أراد الله تعالى وألقى خطبة مفصّلة بيّن فيها معالم الإسلام إلى أن قال: (إني قد دُعيت ويوشك أن أجيب.. ثم أخذ بعضد عليّ فرفعها قائلاً: أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه: اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله وأبغض من أبغضه وأعِن من أعانه وأحبّ من أحبّه وأعزّ من أعزّه، إنما أكمل لكم الدين بولايته وإمامته، فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)([3]).
وبعد ان أكمل النبي (|) خطبته نصب خباءً وجلس فيه للتهنئة وقال: هنئوني هنئوني([4]) وأجلسَ معه أخاه ووصيه علي بن أبي طالب (×) وعمّمه بعمامته السحاب وقال له: (إنها تيجان العرب)([5])، وطلب من المسلمين أن يبايعوه بالإمامة والولاية، وكان أول من بايعه الشيخان وقال عمر: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)([6])، قال أبو سعيد الخدري لم ينصرفوا حتى نزلت الآية {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِيناً } (المائدة:3).
فعظمة عيد الغدير لأنه اليوم الذي استجاب الله تعالى فيه دعاء نبيه (|) الذي كان يلهج به دائماً (اللهم إن موسى سألَكَ فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} (طه: 25، 26) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} (القصص:35) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدُدْ به ظهري)([7]) فأنزل الله تعالى قرآناً بتعيين علي الولي من بعده.
وهو اليوم الذي تحقق فيه الانتصار النهائي على أعداء الإسلام من كفار ومشركين وأهل الكتاب ومنافقين، حيث حصل لديهم اليأس من القضاء على الإسلام أو إيقاف زحفه بعد أن كانوا يمنّون أنفسهم بذلك عند موت رسول الله (|) والتخلص من حامل الرسالة حيث تموت الرسالة بموت حاملها، فعيّن الله تبارك وتعالى حامل الرسالة الجديد الذي يخلف رسول الله (|) وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (×) فتحقق الانتصار النهائي الكامل عليهم.
وهو اليوم الذي كمل به الدين وتمت به النعمة وارتضى الله تعالى للناس الإسلام ديناً خالداً للبشرية جمعاء قيماً ومهيمناً على كل الأديان والأيديولوجيات والأنظمة البشرية.
وهو يوم الاطمئنان على بقاء رسالة الإسلام وديمومتها وخلودها بوجود أئمة معصومين يتعاقبون على حملها إلى يوم الساعة، وبذلك حفظ الإسلام النقي الأصيل من التشويه والدس والمسخ، روي عن الأئمة المعصومين (^) في تفسير إكمال الدين قال: (أي أكملت لكم دينكم بإقامة حافظه)([8]).
وهو يوم حماية الأمة من التشتت والضياع والتيه والتمزق والصراعات بتعيين الإمام الذي يَلُمُّ شملَ الأمة وينظّم أمورها، قالت السيدة الزهراء (÷): (وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة)([9]).
وهو يوم هداية الأمة إلى الصراط المستقيم وهو ولاية أهل البيت (^) وضمان عدم سقوطها في الضلال والفساد والانحراف حيث نصب رسول الله (|) الحجة من بعده (اللهم عرّفني حجتَك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)([10]), وفي الحديث الشريف (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)([11]), ففي هذا اليوم عُيّنَ لهم الحبل الممدود إلى السماء الذي (ما إن تمسكتم به لم تضلوا أبداً).
لهذا ولغيره، كان يوم الغدير أعظم عيد في الإسلام بحسب روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ الصدوق في أماليه عن الإمام الصادق (×) عن آبائه (^)، قال: (قال رسول الله (|): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً)([12]).
فعلينا أن نلهج دائماً بالشكر لله تعالى على نعمة الهداية للإسلام ولولاية وإمامة أهل البيت (^)، روى أبو يوسف البزار عن الإمام الصادق (×) قال: (تلا هذه الآية {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ} (الأعراف: 69،74) فقال أتدرى ما آلاء الله؟ قلت: لا ، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا)([13]).
إننا في هذه اليوم نجدد التهنئة إلى رسول الله (|)، والعهدَ والميثاقَ مع الله تبارك وتعالى بالثبات على ولاية أمير المؤمنين (×) والالتزام بمسؤولياتنا إزاء هذا العيد العظيم وهي:
1 - التعرف على عظمة نعمة الولاية روي عن يونس (بن ظبيان) أنه قال للإمام الصادق (×): (لَوِلَائِي لَكُمْ ومَا عَرَّفَنِيَ اللَّهُ مِنْ حَقِّكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا قَالَ يُونُسُ: فَتَبَيَّنْتُ الغَضَبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ (×): يَا يُونُسُ قِسْتَنَا بِغَيْرِ قِيَاسٍ، مَا الدُّنْيَا ومَا فِيهَا؟ هَل هِيَ إِلَّا سَدُّ فَوْرَةٍ- أي من الجوع- أو سَتْرُ عَوْرَةٍ وأَنْتَ لَكَ بِمَحَبَّتِنَا الحَيَاةُ الدَّائِمَةُ)([14]).
علينا الاطلاع على عقيدة الإمامة والأدلة عليها وضرورتها، قال الإمام الباقر (×): (بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية)([15])، ودفع الشبهات عنها.
2 - نشر هذه المعرفة ودعوة الناس إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، وإقناعهم بها امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى:11) ولكي نحظى بدعاء الإمام الصادق (×) قال: (رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)([16]).
3 - التمسك بنعمة الولاية والثبات عليها والالتزام باستحقاقاتها، فإن موالاة أهل البيت (^) ليست مجرد دعوى ندّعيها ونتعصب لها، ولا عاطفة عابرة تستثيرنا، وإنما هي عقيدة راسخة مقرونة بسلوك صالح وفضائل أخلاقية حتى ألّف علماؤنا كتباً في صفات الشيعة كالشيخ الصدوق، قال الإمام الصادق (×) في بيان هذه الاستحقاقات: (الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره)([17]).
4 - تجنب كل ما يوجب الطرد من ولاية الله تعالى ورسوله (|) وأمير المؤمنين (×)، وسلبها كما ورد في الحديث الذي رواه في الكافي بسنده عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (×): مَنْ رَوَى عَلَى مُؤْمِنٍ رِوَايَةً يُرِيدُ بِهَا شَيْنَهُ وهَدْمَ مُرُوءَتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ وَلَايَتِهِ إِلَى وَلَايَةِ الشَّيْطَانِ فَلَا يَقْبَلُهُ الشَّيْطَانُ)([18]).
5- أن نتذكر لوعة وحزن الأئمة المعصومين (^) على تضييع الأمة لهذه الهدية الإلهية الثمينة التي تكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة، وفي ذلك يقول الامام الصادق (A): (إن حقوق الناس تثبت بشهادة شخصين وقد أُنكر حق جدي أمير المؤمنين (A) وعليه سبعون ألف شاهد كانوا مع رسول الله (|) في غدير خم)([19])، فأصيبت الأمة بقتل وتشريد وقهر واستعباد وإذلال وجوع وتخلّف ونزاع مستمر وغير ذلك مما ذكرته في خطاب (ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق)([20]).
وقد تضمنت زيارة أمير المؤمنين (8) المخصوصة لهذا اليوم وكذا دعاء الندبة الذي يستحب قراءته في هذا اليوم ملحمة تحكي تأريخ الولاية والوصية وأخذ المواثيق والعهود من الرسل والأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) عليها قبل أن تخلق البشرية، وانقلاب الناس عليها جيلاً بعد جيل حيث (لم يمتثل أمر رسول الله (|) في الهادين بعد الهادين والأمة مصرّة على مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء وُلده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم فقتل من قتل وسبي من سبي وأقصي من أقصي وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)([21]).
([1]) كلمة وجّهها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) عبر شاشة التلفزيون إلى جمع كبير من الشباب وطلبة الجامعات ضمن فعاليات عيد الغدير التي أقامها في النجف الأشرف ملتقى العلم والدين لسنة 1446هـ- المصادف 15/ 6/ 2025م.
([2]) وسائل الشيعة: ج14/ ص388 ، أبواب المزار وما يناسبه: باب28/ ح1، ط. آل البيت (^).
([3]) الغدير: ج١/ ص١٧٦، وقد روى الواقعة 110 من الصحابة.
([4]) عيد الغدير في الإسلام: ص٦٨.
([5]) الفرقان في تفسير القرآن: 9/ 41 عن الحافظ الديلمي.
([6]) روى ذلك كثيرون كالإمام أحمد في مسنده وابن جرير الطبري في تفسيره والرازي في تفسيره وابن الأثير في النهاية وابن حجر في الصواعق المحرقة وابن دحلان في الفتوحات الإسلامية.
([7]) تفسير مجمع البيان: ج ٣ / ص٣٦١ عند الآية 55 من سورة المائدة ، وشواهد التنزيل: 1/ 177, وتفسير الثعلبي وغيره من المصادر التي ذكرها في تفسير البرهان: 3/ 255/ ج10.
([8]) تفسير الفرقان: 7/ 431، عن الخصائص؟؟
([9]) الاحتجاج: 1/134.
([10]) كتاب الغيبة- النعماني: 1/168.
([11]) الكافي: 1/ 377/ ح3.
([12]) الأمالي: ص١٨٨.
([13]) الكافي: ج1/ ص217/ ح3, من باب: أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه: الأئمة (^).
([14]) تحف العقول: ص379, وأيضاً يُنظر: بحار الأنوار: 78/ 265.
([15]) الكافي: ج2/ ص18، ط. الإسلامية.
([16]) معاني الأخبار: ص١٨٠.
([17]) الكافي: ج٢/ ص٦٣٦.
([18]) الكافي: ج2/ ص358, ط. الإسلامية.
([19]) بحار الأنوار: 37/ 158/ باب52، عن العياشي والمناقب لابن شهرآشوب: ج2/ ص266.
([20]) راجع قبس قوله تعالى {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران: 144) في تفسير من نور القرآن, وموسوعة خطاب المرحلة: 1/ 241.
([21]) من دعاء الندبة، مصابيح الجنان: 160.