خطاب المرحلة (738) {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُْسرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}

| |عدد القراءات : 18
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُْسرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}([1]) (الانشراح: 5-6)

سُنّةٌ من السُنّن الإلهية الثابتة والقوانين الجارية في عباده، فيها وعدٌ صادقٌ من الله تبارك وتعالى مؤكّد بـ(إنّ)، وهو يتضمن بشرى لعباده بأن ما يتعرض له الإنسان من ابتلاءات ومِحن يصعب عليه تحملّها والاستمرار بها فأن أمرها سيتيسّر ويهون ويتبدّل العسر إلى يُسر، وقد ذكر الله تعالى هذ القانون الإلهي في آيةِ أخرى قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7)، ويتضمن معنى اليُسر لغةً: السهولة والتوسعة والمساعدة والرخاء والرفاه، ويقابله العُسر متضمناً المشقة والضيق والصعوبة والشدة.

وقد أكدت آيةٌ أخرى أن الله تعالى لا يريدُ لعباده إلا اليُسر قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185)، فلا عسر من قبل الله تعالى، وأن العُسر حالة طارئة غير متجذرة ناتجة من فعل العباد، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:8-10)، أي أنه بفعله واختياره توجّه نحو العسر.

وقد تقدّمت على الآية عدّة مصاديق لليسر بعد العسر من حياة النبي (9) قال تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الإنشراح:1-4) وفي سورة الضحى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} (الضحى:6-8) فقد ولِد النبي (9) يتيم الأب ثم تُوفيت أمه وهو رضيع فكفله جدّه عبد المطلب ولمّا تُوفي كفله عمه أبو طالب وكانت قريش تُسميه يتيم أبي طالب، فعاش اليُتم والفقر في مجتمع جاهلي غارق في الموبِقات والرذائل كالشِرك بالله تعالى وعبادة الأصنام والزِنا وشُرب الخمر وقَتل البنات وظلم الضعيف واستعباد الناس وغيرها فكان قلبه يتألم لهذا الواقع الفاسد ويضيق صدره وهو النقي الطاهر فكان يصعب عليه ما يراه من قومه، فمنّ الله تعالى عليه أن شَرَحَ صدره بالإيمان وعَصَمه من الذنوب وزوّجه بسيدةٍ طاهرةٍ كريمةٍ وأغناه وحماه من كيدِ الأعداء إلى أن بعثه بالنبوّة وحمّله أعظم الرسالات فكان سيدَ المرسلين وأفضلَ الخلقِ أجمعين، فيكون بيان هذه النِعم تمهيداً لذكرِ هذه السُنّة الإلهية {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْـرًا} وتأكيداً لها، وارتباطها بالفاء يجعلها كالتعليل لسبوغ تلك النِعم.

وقد نزلت سورة الإنشراح في مكة والنبي (9) والمسلمون يُعانون من ظُلم قريش واضطهادهم وحصارهم وتجويعهم وتعذيبهم بأقسى العقوبات فكان من أغراضها تسلية النبي (9) وتخفيف معاناته وهو يحمل أعباء أثقل مسؤولية {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} (المزمل:5) ويتعرض لأبشع أنواع الأذى (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت)([2]) وهكذا حملت السور القرآنية صوراً من العُسر والمشقة والشدة التي تعرّض لها الأنبياء السابقون كنوح وإبراهيم ويوسف وموسى وعيسى (صلوات الله عليهم أجمعين) ثم أتاهم الفرج والنصر واليسر وفي ذلك تسليه لرسول الله (9) حيث وصلت بعض معاناة الرسل إلى حد اليأس وفقدان الأمل {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْـرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (يوسف:110).

وتحمل الآية الكريمة أيضاً بشارةً للمسلمين وتثبيتاً لقلوبهم بأن هذا العُسر الذي تئنون من وطأته سيبدّله الله تعالى يُسراً ويزول عنكم هذا العَنَت والمشقة وهو ما حصل بالهجرة إلى المدينة المنورة.

والدرس المستفاد من الآية الكريمة: أن على المؤمنين أن لا يضعفوا أو ييأسوا أو يشعروا بالإحباط، وأن يكون شعارهم دائماً قوله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} (يوسف:87) وقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر:53)، فالأمل بانفراج الأزمات وزوال المعاناة موجود دائماً {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} وإن نفس هذا الأمل هو يُسر كاشف للعُسر، قال أمير المؤمنين (×): (توقّع الفرج إحدى الراحتين)([3]).

 وعليهم أن يشكروا الله تعالى على حسن صنيعه بهم إذ أبدل خوفهم أمناً وفقرهم يساراً وضيقهم انشراحاً وضلالهم إيماناً وجهلهم علماً وبعدهم قرباً وتفرّقهم وحدة، وهكذا.. ولا أريد الإطالة في ذكر المصاديق من حياة كل فردٍ منا وهو ما اختصره دعاء الافتتاح (فكم يا إلهي من كربةٍ قد فرّجتها وهمومٍ قد كشفتها وعثرة قد أقلتها ورحمةٍ قد نشرتها وحلقةِ بلاءٍ قد فككتها) وفي موضع آخر منه (فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني وعظيمة مَخوفةٍ قد كفاني وبهجةٍ مونقةٍ قد أراني فأثني عليه حامداً وأذكره مسبِّحاً)([4]).

وقد كرّر الله تعالى اليُسر بعد العُسر مرتين تأكيداً، فالعُسر واحد لأنه مُعرَّف واليُسر متعدد ومطلق أي أنه مفتوح بجميع الاتجاهات، وفي ذلك أمل كبير بالله تعالى لا نفاد له، وواسع لا حدود له لكل من يمرّ بضيقِ أو شدةِ او مُعاناةِ ماديةِ أو معنويةِ، روى في مجمع البيان خرج النبي (9) يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك، ويقول: (لن يغلب عسرٌ يُسرين {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا})([5]).

وعنه (9): (لو جاء العُسر فدخل هذا الجحر، لجاء اليُسر فدخل عليه فأخرجه)([6]).

ومن شعر الموعظة:

إذا ضاقت بك الدنيا

 

تفكَّر في ألم نشرح

تجد يسرين بعد العُسِر

 

إن فكرتّه تنجـح([7])

 وقد ذكرت الآية {مَعَ الْعُسـْرِ} وليس بعد العُسر، وإن كانت دالة على ذلك كما فُهِمَ منها، ولعل النكتة فيها أن حالة العُسر تَستبطن معها حالة اليُسر وتكون سبباً لها لما تتضمنه من الانكسار وتقطّع الأسباب والحاجةِ إلى الله تعالى وهي من موجبات استجابة الدعاء ورفع البلاء {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} (يونس:12) حيث ينقطع العبد إلى ربِّه {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (النمل:62).

 وقد علمّنا اللهُ تعالى طريقَ استجلاب اليُسر قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسـْرَى} (الليل:5-7) وعلّمنا وسيلة دفع العُسر والشدّة والضيق، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} (الحجر:97-98)، وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (البقرة:45) ولم يُذكر مورد الاستعانة على ماذا لتكون مطلقةً سواء لطلبِ الرزقِ أو العافية أو الولد أو التوفيق أو حلِّ مشكلةٍ معينةٍ أو إصلاح حال خاص أو عام أو خروج من مأزقٍ وغير ذلك.

وقد دلّت الروايات الشريفة على أن العُسر والضيق كلما يشتد فإنه يكون أقرب لليُسر والفرج قال أمير المؤمنين (×): (أضيق ما يكون الحرج أقرب ما يكون الفرج)([8]), وقال (×): (ما أشتدَّ ضيق إلا قرّب الله فرجه), وقال (×): (عند تناهي الشدة تكون الفُرجة وعند تضايق حَلَق البلاء يكون الرخاء)([9]).

روي أن امرأة جاءت إلى الإمام الصادق (×) فقالت: (ان ابني سافر عني وقد طالت غيبته عني واشتد شوقي إليه فادع الله لي فقال لها: عليك بالصبر، فاستعملته، ثم جاءت بعد ذلك فشكت إليه طول غيبة ابنها فقال لها: ألم أقل لك عليك بالصبر؟! فقالت: يا بن رسول الله كم الصبر؟ فوالله لقد فني الصبر، فقال: ارجعي إلى منزلك تجدي ولدك قد قدم من سفره، فنهضت فوجدته قد قدم، فأتت به إليه فقالت: أوحي بعد رسول الله (’)؟ قال: لا، ولكن عند فناء الصبر يأتي الفرج، فلما قلت فني الصبر عرفت ان الله قد فرج عنك بقدوم ولدك)([10]).

وأذكرُ لكم شاهداً على العُسر بعد اليُسر من سيرة النبي (’):

وقّع النبي (’) صلح الحديبية مع المشركين وكان من بنوده أن من يأتي للنبي (’) مسلماً على النبي (’) أن يرجعه إلى قومه أما من يترك النبي (’) من المسلمين ويعود إلى المشركين فليس عليهم إرجاعه إلى المدينة، وسبّب هذا الشرط تشكيكاً لدى بعض المسلمين([11]) بصواب ما فعله رسول الله (’)، ففرَّ أحد المسلمين المستضعفين من حبسه في مكة يدعى أبو بصير عتبة بن أسيد وقصد النبي (’) فلما وصل المدينة كتب رؤساء المشركين إلى رسول الله (’) يطالبونه به وبعثوا لجلبه رَجُلاً مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَمَعَهُ مَوْلىً لَهُمْ، فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (|) بِكِتَابِ الأَزْهَرِ وَالأَخْنَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (|): يَا أَبَا بِصَيْرِ إنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجاً وَمَخْرَجاً، فَانْطَلِقْ إلَى قَوْمِكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَرُدُّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ قَالَ: يَا أَبَا بِصَيْرِ، انْطَلِقْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجاً وَمَخْرَجاً.

فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، جَلَسَ إلَى جِدَارٍ، وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَصَارِمٌ سَيْفُكَ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَظَرَ إلَيْهِ؟ قَالَ: اُنْظُرْ، إنْ شِئْتُ. قَالَ: فَاسْتَلَّهُ أَبُو بَصِيرٍ، ثُمَّ عَلَاهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعاً حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (|) وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ (|) طَالِعاً، قَالَ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ رَأَى فَزعاً، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ (|) قَالَ: وَيحك! مَالك؟ قَالَ: قَتَلَ صَاحبكُم صَاحِبي. فوالله مَا بَرِحَ حَتَّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشِّحاً بِالسَّيْفِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (|) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفَتْ ذِمَّتُكَ، وَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ، أَسْلَمْتنِي بِيَدِ الْقَوْمِ وَقَدْ امْتَنَعْتُ بِدِينِي أَنْ أُفْتَنَ فِيهِ، أَوْ يُعْبَثَ بِي. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (|): وَيْلُ أُمِّهِ مِحَشَّ([12]) حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَه رجال!.

ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى نَزَلَ الْعِيصَ، مِنْ نَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الَّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَيْهَا إلَى الشَّامِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا اُحْتُبِسُوا بِمَكَّةَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ (’) لِأَبِي بِصَيْرِ: (وَيْلُ أُمِّهِ مِحَشَّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ)!، فَخَرَجُوا إلَى أَبِي بِصَيْرِ بِالْعِيصِ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلاً، وَكَانُوا قَدْ ضَيَّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدِ مِنْهُمْ إلَّا قَتَلُوهُ، وَلَا تَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ إلَّا اقْتَطَعُوهَا، حَتَّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ (|) تَسْأَلُ بِأَرْحَامِهَا إلَّا آوَاهُمْ، فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِمْ، فَآوَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (|) فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ([13]).

حكي أن ملكاً أصبح ذات يوم كئيباً حزيناً ضيّقَ الصدرِ فأستدعى ندماءه ليؤنسوه ويزيلوا غمّه فقدّموا كل ما لديهم من أحاديث طريفة وحركات مثيرة فلم يفلحوا وأخيراً نصحوه بأن يقوم بسفرةٍ في البحر عسى أن تنجلي همومه برؤية المناظر المدهشة، وهناك في عرض البحر سمع صوت شخص ينادي (يا غياث المستغيثين أغثني) فطلب من رجاله النزول إلى البحر بسرعة ومعرفة مصدر الصوت فوجدوا رجلاً مشرفاً على الهلاك ينازع أمواج البحر المتلاطمة فأنقذوه وجاؤوا به إلى ظهر السفينة وبعد معالجته واستقرار حالته سأله الملك عن حاله فقال: إنهم كانوا في سفينة فتعرضت لحادث وغرقت وجميع الركاب فبقي يصارع الأموات وفقد كل أمل إلا بالله تعالى فأخذ يكرّر نداء الاستغاثة، فعرف الملك سرَّ ما جرى له وكيف دفعه الله تعالى بهذه الطريقة لإنقاذ الغريق.

ولا بد من الالتفات إلى أن العُسر قد يكون مادياً كالفقر والمرض والسجن والغربة والحرمان من الأهل والولد وقد يكون معنوياً كضيقِ الصدرِ والقلق والاكتئاب والوسوسة والحرمان من الهداية والتوفيق والتورط بالذنوب وفي مقابلها يكون اليُسر، كما أن اليُسر الموعود قد لا يكون من جنس العُسر كأن يعطي مالاً للفقير أو صحةً للمريض بل يعطيه شيئاً آخر كالهدايةِ والتوفيق وغفران الذنوب والصبر على المصيبة وربما الشكر وراحة البال وقرّة العين في الأهل والولد والعلم والبصيرة وتأسّي الآخرين وتأثرّهم به، مضافاً إلى كل ذلك الفوز بالجنة والنجاة من النار وحسن الجزاء في الآخرة، ولعل في تكرار اليُسر مع العُسر في الآية للإشارة إلى أنه قد يكون من جنسه وقد يكون من غيره أو هما معاً.

نسأل الله تعالى ان ييسّرنا للحسنى والصلاح والسعادة والرضا في الدنيا والآخرة.



([1]) قبس من نور القرآن ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي في درس التفسير الأسبوعي يوم الأربعاء 31/1/2024م, الموافق 19/رجب/ 1445هـ.

([2]) مناقب آل أبي طالب: 3/247، باب النكت واللطائف، كشف الغمة: 2/537، بحار الانوار: 39/55/ باب73.

([3]) غرر الحكم: 4578.

([4]) مصابيح الجنان: 539-540.

([5]) مجمع البيان - الشيخ الطبرسي: ١٠/ 217.- المستدرك على الصحيحين: 2/575/ ح٣٩٥٠.

([6]) كنز العمال: 2947.

([7]) أنظر: تفسير الثعلبي: 29/ 542. ط دار التفسير.

([8]) غرر الحكم: رقم 3035، ورقم: 9566.

([9]) نهج البلاغة: 2/ 227، بحار الأنوار: 68/ 96.

([10]) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي: 15/ 264/ ح9.

([11]) تقدم في خطاب رقم: (730) بعنوان: (الفتح السلمي), وفي تفسير من (نور القرآن) عند قبس قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}.

([12]) لعل الصحيح (مسعّر) أو هي بمعناها. وفي هامش السيرة هكذا: (محش حَرْب: موقد حَرْب ومهيجها، يُقَال: حششت النَّار، وأرثتها، وأذكيتها، وأثقبتها، وسعرتها، بِمَعْنى وَاحِد. وَفِي الصَّحِيح: «ويل امهِ مسعر حَرْب») أنظر: سيرة أبن هشام: 2/ 324. الناشر: شركة مصطفى البابي.

([13]) سيرة أبن هشام: 3/ 207- 208 ط. دار الجيل.