خطاب المرحلة (736) تأثّر الأئمة المعصومين (ع) بمصاب السيدة الزهراء (ع)
تأثّر الأئمة المعصومين (^) بمصاب السيدة الزهراء (÷)([1])
كان للمصائب التي مرّت على السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (÷) والمظالم التي أحدقت بها بعد وفاة أبيها رسول الله (’) حرارة في قلوب أولادها المعصومين (^) لا تنطفئ وكانت أحزانهم تهيج لذكراها ويتأثرون أشدّ التأثر لمجرد ذكر أسمها، بل عند ذكر أي بنت أسمها فاطمة، روى الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب (رضوان الله تعالى عليهما) بسنده عن السكوني قال: (دخلت على أبي عبد الله (×) وأنا مغموم مكروب فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك، فسرى والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه آه آه، ثم وضع يده على جبهته - إلى أن قال: - ثم قال: قال لي: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها)([2]).
وكانوا (^) يتفاعلون بحرقة مع كل حدث مرتبط بالسيدة فاطمة الزهراء (÷) ويدافعون عمّن ينصرها، روى ابن المشهدي في مزاره في أعمال مسجد السهلة بسنده عن بشار المكاري، أنه قال: (دخلت على [الإمام] أبي عبد الله (×) بالكوفة، وقد قدم له طبق رطب طبرزد([3])، وهو يأكل، فقال لي: "يا بشار ادن فكل"، فقلت: هنَّأك الله [هنَّاك الله] وجعلني فداك قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي، وبلغ مني، فقال لي: "بحقي لما دنوت فأكلت"، قال: فدنوت وأكلت، فقال لي: "حديثك" فقلت: رأيت جلوازاً([4]) يضرب رأس امرأة يسوقها إلى الحبس، وهي تنادي بأعلى صوتها: المستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد، قال: "ولم فعل بها ذاك؟". قال: سمعت الناس يقولون: انها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يا فاطمة، فارتكب منها ما ارتكب، قال: فقطع الأكل، ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله، ولحيته، وصدره بالدموع، ثم قال: "يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة، فندعو الله ونسأله خلاص هذه المرأة" قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان، وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث، صار الينا حيث كنا، قال: فصرنا إلى مسجد السهلة، وصلى كل واحد منا ركعتين، ثم رفع الصادق (×) يده إلى السماء وقال: "أنت الله لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم .." إلى آخر الدعاء. قال: ثم خر ساجدا، لا اسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: "قم قد أطلقت المرأة". قال: فخرجنا جميعا، فبينما نحن في بعض الطريق، إذ لحق بنا الرجل الذي وجهنا إلى باب السلطان، فقال له: "ما الخبر؟ قال: لقد أطلق عنها: "قال كيف كان اخراجها؟" قال: لا أدري، ولكنني كنت واقفاً على باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها، فقال لها: ما الذي تكلمت به؟ قالت: عثرت فقلت لعن الله ظالميك يا فاطمة، ففعل بي ما فعل، قال: فاخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه، واجعلي الأمير في حل، فأبت أن تأخذها، فلما رأى ذلك منها، دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج، فقال: انصرفي إلى بيتك، فذهبت إلى منزلها.
فقال أبو عبد الله (×): أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم وهي والله محتاجة إليها قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام وادفع إليها هذه الدنانير قال: فذهبنا جميعا فأقرأناها منه السلام فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله، والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال: فصبرنا حتى أفاقت، وقالت: أعدها علي، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثا ثم قلنا لها: خذي! هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منا، وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحداً تُوسِّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداه (^). قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله (×) فجعلنا نحدثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها)([5]).
قال الشيخ عباس القمي (رضوان الله تعالى عليه) صاحب كتاب مفاتيح الجنان: (فإذا كان حال الصادق (×) كذلك عند استماع واقعة جرت على امرأة من شيعة فاطمة (÷) فكيف يكون حاله (×) إذا حكي ما جرى على أمه فاطمة (÷))([6]).
([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من مواكب النجف الأشرف استعداداً لإحياء الزيارة الفاطمية يوم الجمعة 23/جمادي الأولى/1445هـ- الموافق 8/12/2023م.
([2]) وسائل الشيعة:21/ 482, أبواب أحكام الأولاد، باب87، استحباب اكرام البنت التي اسمها فاطمة وترك اهانتها.
([3]) الطبرزد: نوع من التمر سمي به لشدة حلاوته تشبيها بالسكر الطبرزد.
([4]) الجلواز: الشرطي الذي يحف في الذهاب والمجيء بين يدي الأمير، جمعه جلاوزة.
([5]) بحار الأنوار: 47/ 379.
([6]) بيت الاحزان: 118.