(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) - بيان بمناسبة أسبوع مكافحة المُخدِرات

| |عدد القراءات : 278
(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) - بيان بمناسبة أسبوع مكافحة المُخدِرات
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]

بيان بمناسبة أسبوع مكافحة المُخدِرات[1]  

 

إن صفة نشر الفساد في الأرض راسخة في أعداء الإسلام ولا يتوقفون عن (حرب المُخدِرات) بترويج تجارتها وتعاطيها لتخدير العقول وتدمير الأجساد بواسطة عصابات ومافيات وهي أخطر الحروب وتستهدف الشباب بدرجة أساسية لتلقي بهم في أودية الضياع والهلاك وتقويض بنية المجتمع من أساسها وتحوّلهم من طاقات منتجة مثمرة إلى مجرمين، وقد استهدفت المجتمعات الإسلامية بهذا الداء الفتاك وانتشر في أوساطها.

     اذ تشكل تجارة المُخدِرات أحد أنشطة تخريب اقتصاد البلد من خلال غسيل الأموال التي تمارسها مافيات تجارة المُخدِرات وعصاباتها المجرمة وتمويلها التنظيمات الإرهابية وإضرارها بنزاهة وسلامة إجراءات المؤسسات المالية الرسمية وتخريب سمعتها واضعاف دورها التنموي.

       وفي ظل تصاعد خطر المُخدِرات والمؤثرات العقلية في مجتمعاتنا، وتحوّلها إلى وباء صامت يفتك بالشباب، ويهدد الأسر، ويفكك المجتمع، يجب علينا اعلان حالة الطوارئ الأخلاقية لمواجهة هذه الحرب الناعمة التي لا تقل خطورة عن الإرهاب المسلّح، بل هي في كثير من وجوهها إرهاب مُمنهج يستهدف الإنسان من الداخل.

        إن المُخدِرات ليست مجرد مواد مضرّة بالجسم[2] بل هي سلاح استراتيجي يُستخدم لشلّ إرادة الأمة، وتحويل شبابها إلى أدوات معطّلة، بلا وعي، ولا هدف، ولا مقاومة. وهي تُهدد: العقل الذي هو ركيزة التكليف الشرعي، والأسرة التي هي نواة المجتمع، والأمن القومي من خلال تزايد الجريمة والانحراف، والهوية الثقافية التي تتلاشى أمام ثقافة المخدر والكسل والتبلّد.

      وهنا يبرز دور الحوزة العلمية والنخب المثقفة في توعية الشعب وتنبيهه الى هذه المخاطر وكيفية مواجهتها وقد لمسنا الآثار المباركة لإطلاق حملة مكافحة المُخدِرات قبل سنوات وفي الزيارة الشعبانية ، حيث ان  سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) كان اول عالم دين من حوزة النجف الاشرف  أطلق مبادرة للتنبيه من خطر المُخدِرات وسرعة فتكها بالمجتمع مستثمراً أجواء الزيارة الشعبانية المباركة سنة ( 1443 هـ  ـ2022 م ) والتي شهدت فعاليات متنوعة، بأن يكون شعار الملايين (المُخدِرات إرهاب خفي)، وشاركت فيها المؤسسات الدينية والرسمية والاجتماعية، وخلقت وعياً عاماً لمكافحة هذه الآفة المهلكة، وقد كُللّت بالنجاح بلطف الله تبارك وتعالى وتسديده.

        ان الهدف الرئيس لهذه المبادرة هو: اعتبار المُخدِرات بمختلف أشكالها نوعاً من أنواع الإرهاب، لكنّه إرهابٌ ناعمٌ وخفي، يستهدف بنية الإنسان والمجتمع. وهذا التصنيف الجديد "إرهاب خفي" يجعلها لا تقل خطورة عن الإرهاب المسلح، بل في بعض الحالات، أشد فتكاً لأنه: لا يُشاهد بسهولة، وينتشر بصمت وهدوء، ويحطم العقول والنفوس والأسر من الداخل.

       ان المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) لا يطرح حلولاً سطحية، بل يشخّص جذور الأزمة ومنها:

1. الفراغ الروحي والفكري: فعندما تفرغ القلوب من العقيدة والتقوى، تمتلئ بالسموم.

2. الابتعاد عن القيم الدينية والأخلاقية: لان القيم تمنح الإنسان مناعة، وغيابها يجعله هشًّا أمام الإغراءات.

3. ضعف الدولة في المواجهة الشاملة من قبيل غياب البرامج التربوية والثقافية الفاعلة، وضعف أجهزة المراقبة والردع.

4. الدور الإعلامي السلبي: حيث ان بعض الأعمال الفنية أو الإعلامية تروّج لتعاطي المُخدِرات كنوع من "الحرية" أو "التحرر". وهذا ليس تحررًا.. بل عبودية لسمّ بارد!"

الحلول :

        لذلك نرى المرجع اليعقوبي (دام ظله) ينادي بحلول شاملة تربوية وقانونية واجتماعية.

فمن الناحية التربوية: يحثّ الشباب على استثمار وقتهم في أعمال نافعة وتعلم مهارات جديدة بدلاً من الضياع[3] ، والدولة التي لا يمكنها توفير وظائف للجميع يجب عليها التفكير ببدائل لتدريب الشباب على فرص متنوعة لكسب العيش.

 كما يلقي المسؤولية على أثرياء المجتمع ورجال الأعمال في توفير فرص عمل للشباب عبر مشاريع توظيفية، فطالب بترجيح مشاريع ذات منفعة اجتماعية أوسع حتى وإن كانت أرباحها أقل شخصياً على الصعيد المجتمعي.

هذا وقد دعا إلى توعية الأسر بمتابعة أبنائها وحمايتهم من صحبة الأصدقاء السيئين، حيث شدد على أنه «على جميع أولياء الأمور مراقبة أبنائهم ورعايتهم وأخذ دورهم الصحيح في تربيتهم». كما أكد على أهمية قيام المسؤولين الدينيين والمدنيين وحملة الرسالة بدورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنظيم ندوات توعوية ومحاضرات في المدارس والجامعات حول مخاطر المُخدِرات.

 اما من الناحية القانونية: طالب بغلق المحالّ التي تروّج للمنكر (بيع المُخدِرات والخمور) بالوسائل المشروعة المتاحة – مثلاً بالنصح والموعظة وبيان مخاطر هذه الأماكن ثم الضغط اجتماعياً، وشجع على التعاون مع الأجهزة الأمنية؛ فقد نظمت مكاتب مرجعيته في محافظات العراق حملات توعية مشتركة مع الشرطة المجتمعية لبيان خطورة المُخدِرات، لأنه يرى أن المُخدِرات ليست فقط مشكلة صحية أو اجتماعية، بل هي: مشروع استعماري خبيث يريد كسر الأمة من الداخل، وتحويل شبابها إلى جثثٍ تمشي على الأرض، لا تشعر، لا تفكر، ولا تقاوم.

 

بماذا يوصي المرجع اليعقوبي (دام ظله) لهذه المواجهة؟

1/ إطلاق حملات توعية كبرى تشمل المدارس، الجامعات، التجمعات العشائرية.

2/ استنفار الخطاب الديني الواعي في المساجد والحسينيات للتثقيف والتحذير.

3/ ضرب شبكات الترويج والتهريب بيد القانون؛ بتشريع قوانين صارمة وعادلة للحد من الترويج والتعاطي، مع مراعاة إعادة تأهيل المدمنين.

4/ تأسيس مراكز تأهيل نفسي وروحي تعتمد على العلاج الإيماني والمهني.

5/ إعادة بناء منظومة القيم في المجتمع وربط الإنسان بخالقه.

6/ تفكيك خطاب ترويج المُخدِرات المنتشر في بعض الأعمال الفنية.

7/ كتابة روايات، مقالات، أبحاث تُظهر المأساة الحقيقية لتعاطي المُخدِرات.

8/ توفير الدعم اللوجستي والعلمي لمراكز التأهيل والعلاج.

9/ حماية المؤسسات التعليمية والشبابية من الاختراقات وهذه مسؤوليات الوزارات الحكومية المختصة (كوزارة التربية والتعليم والشباب والثقافة والتخطيط).

10/ ضرورة تنظيم فعاليات فكرية وثقافية طيلة أسبوع مكافحة المُخدِرات لبيان مخاطرها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والأمنية من خلال المختصين كالأطباء وأساتذة الجامعات والقانونين والباحثين الاجتماعيين والقضاة ومسؤولي وزارة الداخلية المعنيين وأساتذة الحوزة وبثها من خلال القنوات الإعلامية الرسمية وتنظيم أعمال فنية ومسرحية توضح مخاطر هذا الداء الخطير ورصد مكافئات مادية ومعنوية للأنشطة الناجحة في هذا المجال … ونشر مقاطع لكلمات المرجعية الدينية والخطباء والمبلغين المتضمنة مواعظ التحذير من مخاطر تناول المُخدِرات وتجارتها ومقترحات المعالجات الأخلاقية والثقافية .

ولا شك أن المعالجات تقع بشكل رئيسي على مسؤولية الحكومة فان واجبها حفظ أمن الدولة والمواطن بكل اشكاله الشخصي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها، من خلال إقامة الحكم الرشيد الذي ينال ثقة الشعب.

والحمد لله رب العالمين

مكتب المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

النجف الأشرف


 

[1] - وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المُخدِرات والإتجار غير المشروع بها.

[2] - تشير التقارير العلمية واحصائيات الجهات المعنية ان تناول المُخدِرات سبب رئيسي لأمراض عديدة تنتهي بهلاك صاحبها وقبل ذلك استسهاله لاقتراف الجريمة بمختلف اشكالها ضد أقرب الأشخاص اليه فضلاً عن بقية أفراد المجتمع.

[3] - ولعل ظاهرة ابتلاء الشباب بالإحباط والتقاعس عن المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية تنتج تداعيات خطيرة تقود الشباب إلى ادمان المخدرات.