{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} - الحسد رأس الرذائل

| |عدد القراءات : 67
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]

الحسد رأس الرذائل[1]

 

        قال الله تبارك وتعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء: 54].

        الحسد من أسوأ الرذائل الخلقية والصفات المذمومة وأجلبها للشقاء لصاحبها في الدنيا والآخرة، وهي تكشف عن نفس مريضة وقلب حقود، قال أمير المؤمنين (A) (الحسد شر الأمراض)[2] وقال (A): (رأس الرذائل الحسد)[3] وقال (A): (الحسد مرض لا يؤسى)[4] أي لا يعالج بالدواء كما تعالج الأمراض البدنية وإنما يحتاج إلى معرفة ومجاهدة للنفس وتزيّن بالفضائل كحب الآخرين وإنصافهم وتمني الخير لهم.

        وقد تزامن وجود هذه الرذيلة مع خلق الإنسان الأول فقد حسد إبليس آدم (عليه السلام) وعصى أمر ربّه بالسجود له وتسبب في هبوطه من الجنة فطرد من رحمة الله تعالى واستحق اللعنة إلى أبد الآبدين، وحسد قابيل ابن آدم أخاه هابيل حتى قتله.

والحسد هو دفع أهل السقيفة للتآمر حتى يصرفوا الخلافة عن أمير المؤمنين (A) و (فقال عمر: يا بن عباس أتدري ما منع الناس منكم؟ فقلت: لا، قال: لكني أدري، قلت: فما هو؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة)[5] فجرّوا على الأمة الويلات والكوارث إلى قيام يوم الدين: روى في الدر المنثور عن ابن الزبير في الموفقيات عن ابْن عَبَّاس (أَن مُعَاوِيَة قَالَ: يَا بني هَاشم إِنَّكُم تُرِيدُونَ أَن تستحقوا الْخلَافَة كَمَا استحقيتم النُّبُوَّة وَلَا يَجْتَمِعَانِ لأحد وتزعمون أَن لكم ملكا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أما قَوْلك أَنا نستحق الْخلَافَة بالنبوّة فَإِن لم نستحقها بالنبوّة فَبِمَ نستحقها وَأما قَوْلك أَن النُّبُوَّة والخلافة لَا يَجْتَمِعَانِ لأحد فَأَيْنَ قَول الله {فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما} فالكتاب النبوّة وَالْحكمَة السّنة وَالْملك الْخلَافَة نَحن آل إِبْرَاهِيم أَمر الله فِينَا وَفِيهِمْ وَاحِد وَالسّنة لنا وَلَهُم جَارِيَة وَأما قَوْلك زَعمنَا أَن لنا ملكا فالزعم فِي كتاب الله شكّ وكل يشْهد أَن لنا ملكا لَا تَمْلِكُونَ يَوْمًا إِلَّا ملكنا يَوْمَيْنِ وَلَا شهرا إِلَّا ملكنا شَهْرَيْن وَلَا حولا إِلَّا ملكنا حَوْلَيْنِ)[6].

        والحسد غريزة راسخة في نفس الإنسان الأمّارة بالسوء حتى ورد في الحديث النبوي الشريف ((ثلاث لا يسلم منها (منهن) أحد: الطيرة، والحسد، والظن، قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق)[7] وقد ذكر الحديث كيفية قمع تأثيرها ومجاهدتها حتى تزول (إذا حسدت فلا تبغ) وقد ذكر الحديث أشكال البغي الذي يجرّ إليه الحسد، روى الشيخ الصدوق في الخصال عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال لقمان لابنه: للحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب، ويتملق إذا شهِد، ويشمت بالمصيبة)[8] فإذا منع الإنسان نفسه من القيام بهذه الأفعال قربة إلى الله تعالى فإنها ستنتهي إلى إزالة أصل الصفة بإذن الله تعالى، أو حماية نفسه من الوقوع في آثارها المهلكة، قال العلامة المجلسي (قدس سره): ((فأما تغيير الطبع فهذا مما لا يطاوع الطبع عليه، ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقاً بحب الله تعالى مثل السكران الواله، فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة، وهو عين الرحمة، ويرى الكل عباد الله، وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم، ويرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه، ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان، فإنه ينازع بالوسوسة، فمهما قابل ذلك بكراهة ألزم قلبه، فقد أدى ما كلفه))[9].

        ويطلق الحسد على تمني زوال النعمة عن الآخر، سواء ضمّ إليه تمني حصول الحاسد على مثل تلك النعمة أو لا لضعف في همته أو عجز في امكانياته قال الإمام علي (A): (الحاسد يرى أن زوال النعمة عمن يحسده نعمة عليه)[10]، وسواء كانت النعمة مادية أو معنوية كما أشارت إليه الآية الكريمة وغيرها.

        ويزداد الحاسد شقاءً باعتراضه على قضاء الله تعالى وإرادته، إذ كررت الآية ثلاثاً على ان هذه النعمة من {مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فماذا يعني التألم من حصول الآخر عليها وتمني زوالها غير الاعتراض على ما أراد الله تبارك وتعالى، روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عز وجل لموسى بن عمران عليه السلام: يا ابن عمران، لا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي بين عبادي، ومن يك كذلك فلستُ منه وليس مني)[11].

        وروى ابن مسعود عن رسول الله (J) قال: (ألا لا تعادوا نعم الله، قيل يا رسول الله؟ ومَن الذي يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس)[12] ولو كانوا عقلاء سليمي القلب لسألوا الله تعالى من فضله ما يريدون وهو المسمى بالغبطة فإن صاحبها يفرح لحصول الآخرين على النعم ونسأل الله تعالى من يرزقه مثلها فإن مصدر النعم كلها فضل الله تعالى {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 29] {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32].

        وإذا أدى الحسد بصاحبه إلى الكيد للمحسود وتسقيطه والافتراء عليه والنيل منه والقيام بأفعال انتقامية منه فسيضيف الحاسد وبالاً إلى وباله، لذلك يدعو الله تبارك وتعالى إلى الاستعاذة من شر الحاسد {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].

        وتشير الآية الكريمة إلى أنَّ الحسد هو الذي يدفع الكفار والمنحرفين والفاسقين إلى معاداة المؤمنين والكيد لهم لأنهم يعرفون حقيقة نعمة الإيمان التي يرفل بها المؤمنون بالله تعالى، والحق الذي هم عليه والسعادة والحياة الطيبة التي هم فيها، وليست عندهم الإرادة والعزم لمجاهدة أنفسهم وكبح شهواتهم والسيطرة على غرائزهم ليتساموا ويكونوا كالمؤمنين فيحسدونهم ويعملون جاهدين على حرمانهم من هذه النعمة العظيمة {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة: 109] {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105].

        وتقع الآية في سياق فضح الصفات اللئيمة عند اليهود فذكرت الآيتان السابقتان البخل والحسد وزعمهم أن المشركين أهدى من المؤمنين وتحالفهم مع المشركين والكفار ضد المؤمنين مما أوجب لعنة الله عليهم.

        فالمراد بالناس في الآية الكريمة بمقتضى سياق هم جماعة المؤمنين، ولكن لما كان النبي (J) وأهل بيته المعصومون (%) أكمل الخلق وأشرفهم والمخصوصين بالنعم التامة ولأنهم الأصل في وصول نعمة الإيمان إلى الناس فقد كانوا أكثر الناس عرضة للحسد، وهو يبين ما اشتهر في مصادرنا[13] عن الإمام الباقر (A) قال: (نَحْنُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ عَلَى مَا آتَانَا اللَّهُ مِنَ الْإِمَامَةِ دُونَ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ)[14] وفي حديث آخر (نحن الذين يحسدوننا على ما آتانا الله من فضله) ورواه أيضاً جملة من أعلام العامة[15].

        والآية الكريمة ظاهرة في ذلك لأنها بيّنت بعض ما أعطى الله تبارك وتعالى آل إبراهيم وهم (سلام الله عليهم) المصداق الأكمل من آل إبراهيم وبقرينة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] فآل عمران سواء أريد بهم موسى بن عمران أو مريم بنت عمران هم عنوان آخر غير آل إبراهيم، وبقرينة الآية الكريمة التي ذكرت دعاء إبراهيم وإسماعيل (صلوات الله عليهما) عند بناء البيت، فقالا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128] فالمقصود بآل إبراهيم في دعائهما ذريته من إسماعيل (A)، روي عن أمير المؤمنين (A) قوله: (نحن آل إبراهيم)[16]، فهذه القرائن كلها تدلّ على ان المراد بالناس المحسودين في الآية الكريمة هم النبي وآله المعصومون (سلام الله عليهم).

        وفي قوله تعالى {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء: 54] حسم لحسدهم وقطع لأملهم بأن الله تعالى قد أعطى كل ذلك للنبي (J) وآله المعصومين (%) فلا ينفعهم حسدهم ومكائدهم شيئاً، ورد في تفسير العياشي عن الإمام الباقر (A): {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب}؟ فقال: النبوة، قلت: {الحكمة}؟ قال: الفهم والقضاء، قلت: {وآتيناهم ملكاً عظيماً}؟ فقال: الطاعة)[17] وهي الطاعة الواجبة التي تستلزمها الإمامة والولاية فهي الملك العظيم.

        وقد روى في الكافي عن الإمام الباقر (A) قوله: (الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم)[18]، ويبعّد أن يكون المراد الملك الدنيوي المحض عدم استحقاقه الامتنان العظيم إلا أن يكون وسيلة لإحقاق الحق كالذي كان لرسول الله (J) وأمير المؤمنين (A) وسيكون للإمام المهدي الموعود (A).

        ولعل في ترتيبها إيماء إلى أن المناصب الإلهية لا تنال إلا بالعلوم والمعارف الإلهية (الكتاب) و(الحكمة) في التصرف والسلوك.

وقد حذّر النبي (J) والأئمة المعصومون (%) من الحسد وما يسببه من عواقب وخيمه فإنه:

1- يمحق دين الحاسد ويحبط عمله، قال رسول الله (J): (ألا أنه قد دبَّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين)[19] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب)[20] وعن الإمام الباقر (A) مثله. ومن وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي جعفر مؤمن الطاق بعد أن وصف الحسدة لإخوانهم بأنهم أبغضهم إليه قال: (والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهباً على الله ثم حسد مؤمناً لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار)[21]، وفي بعض الروايات (أن في السماء الخامسة ملَكاً يمرّ به عمل عبد له ضوء كضوء الشمس، فيقول: قف فأنا ملك الحسد، اضرب به وجه صاحبه فإنه حاسد)[22].

2- يضر بالحاسد قبل المحسود، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله)[23] وقال الإمام الصادق (A): (الحاسد مضرّ بنفسه قبل أن يضرَّ بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم (A) الاجتباء)[24].

3- أن الحاسد يجلب لنفسه الشقاء والهم ونكد العيش لأنه يصرف وقته وجهده وتفكيره في كيفية الكيد لصاحب النعمة وسلبها منه قال أمير المؤمنين (A): (ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم، وقلب هائم وحزن لازم)[25] ونظمه الشاعر بقوله:

قل للحسود إذا تنفّس حسرةً       يا ظالماً وكأنّهُ مظلومُ.

        وعنه (A) قال: (يكفيك من الحاسد أنه يغتّم وقت سرورك)[26]، ونظمه الشاعر بقوله:

إني لأرحمُ حاسديّ لحرِّ ما ضمنت صدورهمُ من الأسعارِ

نظروا صنيع الله لي فعيونهم في جـنةٍ وقـلـوبــهم فـي نــارِ[27]

       وقال (A): (الحسد أحد العذابين)[28] وقال: (ثمرة الحسد شقاء الدنيا والآخرة)[29].

4- الحسد سبب رئيسي لكثير من الجرائم الموبقة كالقتل والتخريب والدعاوى الكيدية المؤدية إلى السجن أو تغريم الأموال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحرص والكبر والحسد دواعٍ إلى التقحّم في الذنوب، والشر جامع مساوي العيوب)[30] وعما حكاه القرآن الكريم حسد أخوة يوسف حتى تآمروا على قتله وهم أولاد أنبياء.

5- وإذا ابتلي بالحسد العلماء والقادة الدينيون ففي الخصال عن أمير المؤمنين (A) قال: (إن الله عز وجل يعذب ستة بستة: العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل)[31]، فإن البلاء سيكون أعظم لأنه سيؤدي إلى صرف طاقات الأمة واهتمامها إلى صراع داخلي مقيت فتهمل القضايا المصيرية وتتمزق الأمة ويحصل بينها الشقاق والعداوات بدل المودّة والأخوَّة، وقد حكى القرآن الكريم في الآيتين السابقتين أن علماء السوء من اليهود تحالفوا مع السلطات الطاغوتية في علاقة تخادم وتبادل المصالح فيشرعنون لهم حكمهم الظالم ويزعمون أنهم بذلك يحققون مصالح عليا للبلاد والعباد ويخدعون الناس بما عندهم من العلم ليسوقوهم وراء إرادة الطواغيت ويصفونهم بأنهم أهدى من المؤمنين من أجل دنيا زائفة يحصلون عليها فإذا قام المصلحون بتوعية الأمة وانكشف زيف علماء السوء خذلهم الله تعالى ونبذهم المجتمع وحينئذٍ يتخلى الطواغيت عنهم لأنهم سوف لا يخدمون مشروعهم فيخسرون الدنيا والآخرة، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً } [النساء: 51-53].

        وفي مقابل هذا التحذير الشديد من الحسد وعواقبه الوخيمة فقد بيّن المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) المنزلة الرفيعة لمن طهّر قلبه من الحسد، قال الإمام الصادق (A): (بينما موسى بن عمران يناجي ربه ويكلّمه إذ رأى رجلاً تحت ظل عرش الله، فقال: يا رب: من هذا الذي أظلّه عرشك فقال: يا موسى هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله)[32] وقال أمير المؤمنين (A): (من ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس)[33].

        فالمؤمن يفرح بحصول الآخرين على النعم ويتمنى لهم الخير، ويسأل الله تعالى أن يتفضل عليه بمثلها أو أحسن منها وتسمّى هذه الحالة الغبطة وهي ليست مذمومة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن المؤمن يغبط ولا يحسُد، والمنافق يحسد ولا يغبط)[34].

 



[1] - من درس التفسير الأسبوعي الذي ألقاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف على طلبة البحث الخارج والحوزة العلمية يوم الأربعاء 20/شعبان/1446 الموافق 19/2/2025.

[2] - غرر الحكم: 332.

[3] - غرر الحكم: 5242.

[4]- غرر الحكم: 1378.

[5] - الكامل لابن الأثير، ج 3، ص 63، وتاريخ الطبري، ج 4، ص 223.

[6] - الدر المنثور2/568.

[7]- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي: 55/ 320.

[8]- الخصال: 1/ 60.

[9]- بحار الأنوار: 70/ 243.

[10] - غرر الحكم: 1832.

[11]- الكافي: 2/ 307.

[12] - شرح نهج البلاغة:1/315.

[13] - الكافي والتهذيب ومعاني الاخبار وبصائر الدرجات وتفسير القمي والعياشي، راجع البرهان: 3/73.

[14] - البرهان: 2/93.

[15] - كابن المغازلي الشافعي في المناقب والقندوزي في ينابيع المودة، وابن حجر في الصواعق.

[16] - بحار الأنوار: 28/275.

[17] - الكافي: 1/206.

[18] - الكافي: 1/186.

[19] - أمالي الطوسي: 117 ح182.

[20] - نهج البلاغة: الخطبة 86.

[21]- بحار الأنوار: 78/ 288، عن تحف العقول، لابن شعبة الحراني: 309، ط. مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين.

[22]- بحار الأنوار: 70/ 262، سفينة البحار: 2/ 179.

[23]- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1/ 316.

[24] - بحار الأنوار: 73/255 ح73.

[25] - بحار الأنوار: 73/ 256 ح29.

[26] - ميزان الحكمة: 2/376 عن كنز الفوائد.

[27] - بحار الأنوار: 70/262.

[28] - غرر الحكم: 1635.

[29] - غرر الحكم: 4632.

[30]- نهج البلاغة: 4/ 87.

[31]- الخصال، للشيخ الصدوق: 325، والاختصاص، للشيخ المفيد: 325.

[32] - بحار الأنوار: 73/255 ح25.

[33] - بحار الأنوار: 77/237 ح1.

[34]- بحار الأنوار: 70/ ح 250.