قصدنا كربلاء فهل قصدنا الإمام الحسين (عليه السلام)

| |عدد القراءات : 41
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

قصدنا كربلاء فهل قصدنا الإمام الحسين (عليه السلام)[1]

 

انتهت أمس الزيارة الأربعينية المباركة بحضور أكثر من 21 ميلوناً من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) وقد ساهم كل منهم في احيائها بما وُفِّق له، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تعظيم شعائر الله تعالى، وإظهار المودّة الواجبة بنص القرآن الكريم للنبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] والإعلان عن هوية الانتماء وإعزاز العقيدة استجابة لقوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] وغير ذلك مما ذكرناه في بيانات سابقة[2]، وأرجو أن يقع أجرهم على الله تعالى ويلقّيهم نضرة وسروراً.

وانطلاقاً من الأحاديث الشريفة التي دعت إلى محاسبة النفس كقول الإمام الكاظم (عليه السلام): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيراً استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئاً شراً استغفر الله وتاب إليه)[3] وقول النبي (صلى الله عليه وآله): (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر)[4] التي قلنا في حديث سابق أنها لا تختص بمحاسبة الفرد نفسه على أعماله الشخصية وإنما تتسّع لتشمل تقييم عمل المؤسسات ونتائج الفعاليات خصوصاً الزيارات المليونية المباركة لنرى كم حققت من الأهداف المرجوّة منها.

فنسأل ضمن هذا الإطار أن 21 مليوناً قصدوا كربلاء والحرم الحسيني المطهر وأدّوا ما عليهم وأرجو أن يحقق الله تعالى لهم أمانيهم في الدنيا والآخرة، لكن كم منّا قصد الإمام الحسين (عليه السلام) بأن عرف الإمام الحسين (عليه السلام) ووعى أهدافه ومبادئه والغرض من قيامه المبارك وعاهد الله تعالى على المضي على ما مضى عليه الحسين (عليه السلام) وأصحابة البررة، وأن يبذل وسعه للاقتداء بالإمام (عليه السلام) ونيل رضاه، وهل تأمّل في المكاسب المتحققة من هذه الشعيرة المباركة؟ وهل هي بمستوى الحدث وما أنفق فيها من جهود وأموال ضخمة وأيام طويلة، وما تكبدوا فيه من تضحيات ومشقة وعناء في أيام الصيف اللاهبة.

وإنما نعرف الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال الأحاديث الشريفة التي بينّت صفاته وكمالاته وعلو مقامه، ومن خلال نصوص الزيارات التي خاطبه بها أبناءه المعصومون (عليهم السلام) فنتلوها عندما نقف عند حرمه الشريف كما في بعضها (أشهد أنك يا مولاي قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، و نهيت عن المنكر، وتلوت الكتاب حق تلاوته، وجاهدت في الله حق جهاده، وصبرت على الأذى في جنبه، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين) وفي مناسبة أخرى (أشهد أنك أمرت بالقسط والعدل ودعوت إليهما وأنك صادق صديق فيما دعوت إليه) لنكتشف طهارته ونقاء أصله، ووراثته لرسالات جميع الأنبياء السابقين، وعظمة شخصيته وسلوكه، ومعالم مشروعه وأهدافه التي قام من أجل تحقيقها وقد أعلنها (عليه السلام) في كلماته الخالدة أثناء حركته المباركة نحو الشهادة في سبيل الله تعالى.

ومن الأهداف المباركة للقيام الحسيني ما تضمنته زيارته في يوم الأربعين (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)، فكلما عملنا على استنقاذ عباد الله تعالى من الجهالة وحيرة الضلالة فإنه يتحقق نجاح هذه الشعيرة العظيمة وتأثيرها في نفوس الموالين، و تكون مرتبة قربنا من الإمام الحسين (عليه السلام) بمقدار التأسي بصفاته وأفعاله، وبمقدار السعي لتحقيق أهدافه، فمن ينصر تعديل قانون الأحوال الشخصية بالنحو الذي تمّكن المسلم من الالتزام بشريعة الله تعالى يكون قد نصر الإمام الحسين (عليه السلام) وأقترب من أهداف شهادته، لأنه بذلك ينقذ عباد الله تعالى من ضلال الجاهلية وبؤسها وشقائها حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية)[5].

فلا مجال لأنصاف الحلول، وإن من لم يلتزم بحكم الله تعالى ويدعو إلى تطبيق القوانين التي وضعها الإنسان فهو يرجع إلى حكم الجاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

كما يظهر نجاح هذه الشعيرة العظيمة من خلال المحافظة على مكاسبها العديدة التي تحققت ببركتها، وعلى رأسه، توحيد القلوب وتأليف النفوس فتجد هذه الملايين تتحرك بقلب واحد ونبض واحد جمعها حب الإمام الحسين (عليه السلام) ومودّة النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) يبتغون بذلك التقرّب إلى الله تعالى واتخاذهم سبيلاً إلى رضوانه، رغم اختلاف انتماءات هؤلاء الناس وأجناسهم وأعراقهم وتوجهاتهم وثقافتهم، لكن المعجزة تحققت بفضل الله تعالى الذي ألّف بين قلوبهم حيث يتفانون في خدمة بعضهم ومواساتهم ومساعدتهم، هذه المعجزة التي أشار الله تعالى إليها في القرآن الكريم حيث تحدّث عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] وهم كانوا بضعة آلاف بأعلى تقدير، أما في زيارة الأربعين فنتحدث عن أزيد من واحد وعشرين مليوناً من حوالي ثمانين دولة تألفت قلوبهم وتوحدّوا في طريق واحد، فلنحافظ على هذا التآلف الذي أمر الله تعالى به في جميع أيام السنة فأن الناس حولنا هم هؤلاء الموالون الذين نخدمهم في أيام الأربعينية.

ولنرفض قطعاً كل من يحاول إثارة الفتن وتمزيق وحدة الامة وخلط الأوراق على الناس وتشويه الحقائق بالافتراء والتسقيط والجهر بالسوء على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها فإنها من أعظم الكبائر والعياذ بالله.

ولقد تحقق في زيارة الأربعين ما أراد الله تبارك وتعالى به تحقيقه من الحج إلى بيته الحرام {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] من التعارف بين المسلمين، واطلاع بعضهم على قضايا بعض وتبني المواقف المصيرية، والتفكير في المشاريع الإستراتيجية المشتركة التي تخدم مصالح الأمة الإسلامية في جميع بقاع الأرض، وبذلك انكشف لنا وجه جديد للمقارنة بين أرض كربلاء ومكة المشرفة لأنها تشرفت بتنجيز الوعد الإلهي الذي أريد لمكة أن تحتضنه.

ولقد كان حضور الملايين بهذا التنوع الواسع أعظم فرصة للمرجعية الدينية والحوزة العلمية أن تلتقي بعلماء ومثقفي الأمة والواعين والرساليين وعموم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم وتستمع لهم وتوجهّهم وتشاورهم فيما يجب عمله بإذن الله تعالى.

وكان لأهل العراق شرف استضافة هذا المؤتمر العالمي الواسع بكل كرم وأدب وتضحية وتفاني وتواضع ووعي مما أبهر العالم وحيرّهم، فبارك الله تعالى فيهم ولنعم ما أثمر جوار أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين والكاظميين والعسكريين (سلام الله عليهم اجمعين).

وقد وجّهت بإيصال صور ومقاطع فيديوية تبرز هذه الحالة المشرفة لشيخ كبير أو طفلة صغيرة إلى القادة السياسيين لتحرّك ضمائرهم وتحفزّهم على بذل كل ما بوسعهم لخدمة هذا الشعب الموالي الطيّب المضحي، ولو بذلوا أرواحهم من أجل إسعاد هؤلاء المحرومين وازدهار بلدهم لكانوا جديرين به.



[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من زوار الأربعينية من داخل العراق وخارجه بعد انتهاء الزيارة يوم 21/صفر/1446 الموافق 26/8/2024.

[2] - راجع موسوعة خطاب المرحلة: ج8/ص111 خطاب رقم 353، بعنوان (إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية).

[3] - ميزان الحكمة: ج ١ - ص ٦١٩، الاختصاص:26.

[4] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج ١٦ - الصفحة ٩٩، بحار الانوار: ٧٠ / ٧٣ / ٢٦.

[5] - الكافي: ج ٧ - ص ٤٠٧.