الشهيد السيد حسن نصر الله فخرٌ وعزةٌ ومدرسةٌ
بسمه تعالى
الشهيد السيد حسن نصر الله فخرٌ وعزةٌ ومدرسةٌ
لولا أن الله تعالى قهر عبادهُ بالموت والفناء {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} وأنه تعالى وعدَ بأن يَتخذَّ من عبادهِ شهداءً، لكان المرحوم الشهيد السيد حسن نصر الله، أكبر من أن ينالهُ الموت فإن الموت يهابُ أمثالهُ لشجاعتهِ وثباتهِ وقوة قلبهِ وصبرهِ ورباطة جأشهِ وطمأنينته وحكمتهِ وإخلاصهِ في طاعة ربه تبارك وتعالى، فنال أمنيتهُ ومضى شهيداً مع جمعٍ من إخوانه البرَرة.
لقد رحل إلى الرفيق الأعلى بعد أن أسّس مدرسةً للقادةِ الناجحين المخلصين لأمتهم، وترك وراءهُ سجلاً حافلاً بالانتصارات، ليس على أرضِ لبنان الحبيبة فقط بل في سوريا والعراق وفلسطين، حيث لم يتردد في الوقوف مع أهلهِ وإخوانهِ لدحر الإرهاب وصدّ موجتهِ العاتية.
لقد كان (تغمدهُ الله تعالى برحمته ورضوانه) من القادة الأفذاذ الذين يندرُ أن يجود الزمان بأمثالهم، وكان مصدر عزةٍ وافتخارٍ للإسلام والمسلمين، ومثالاً يُقنِع العالم بالإسلام الذي يُنجِب أمثاله، وليس كالحضارة المادية التي تخلقُ مجرمين وأبطالاً وهميين، وكان وجودهُ المبارك يبعثُ رسالة الطمأنينة إلى الأحرار والمستضعفين والمحرومين مُزينة بابتسامةٍ مشرقةٍ حنونة.
فلا يُلام محبّوه وعارفو خصالهِ الجميلة على حزنهم الشديد ولوعتهم لفراقهِ، ولا سلوى لهم إلا أنه مضى شهيداً على طريق أجدادهِ الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، وأنه أصبح رمزاً ملهِماً لكل الأحرار الذين يرفضون الذّل والخنوع والاستسلام والعبودية لغير الله تبارك وتعالى.
وأكادُ أجزم أن أعداءهُ قبل أحبائهِ معجبون به ويفتخرون بأنّهم يواجهون مثلهُ، فهم حزينون لقتلهم إياهُ وإن أظهروا الفرح والشماتة، لأنهم خسِروا عدواً شريفاً حكيماً ملتزماً بالمبادئ الإنسانية التي افتقدها العالم الذي يصف نفسهُ بالمتحضّر، لا يغدر ولا يخون ولا يفجر ولا يكذب مهما ضَغَطت عليه قسوةُ الأحداث واشتدّت الحاجة إلى الأساليب الملتوية لتحقيق المصالح.
إن السيد الشهيد نصر الله لا يليق بهِ الرثاء والنواح، وإنما يليق بهِ حُسن الثّناء وتعداد المفاخر والزَهو بالانجازات وتدوين السيرة، لتكون منهجاً يُتّبع في السعي الحثيث، لإقامة العدالة الاجتماعية التي ينعم بها الناسُ جميعاً.
خُذْ في ثنائهم الجميلَ مُقرِّضاً فالقوم قد جَلّوا عن التأبينِ
ولنا في مصيبتنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيتهِ الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وما أُعدّ للشهداء من المقام الكريم، سلوى وعزاء، فإن الأمة تحتاج بين وقتٍ وآخر إلى دماءٍ زكيّة طاهرةٍ تراق، لتستيقظ وتنهض وتتحرر، وليشهد الأفذاذ بدمائهم، أن الإيمان بالله تعالى حقّ، ويستحق التضحية بالغالي والنفيس، وليوفوا بعهدهم مع الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 23).
محمد اليعقوبي - النجف الأشرف
24/ ربيع الأول / 1446