اضاءات قرآنية (1) لطيفة قرآنية: لا توقف في عمل المؤمن الرسالي

| |عدد القراءات : 36
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

اضاءات قرآنية (1)

لطيفة قرآنية: لا توقف في عمل المؤمن الرسالي

ولنأخذ مثلا على ذلك من سيرة النبي نوح (A) فأنه استمر في دعوة قومه إلى الله تبارك وتعالى تسعمائة وخمسين عاماً ولم يتوقف أو يتواني في عمله رغمعنادهم واستكبارهم عن قبول الحق جيلاً بعد جيل([1]) حتى أنزل الله تبارك وتعالى قوله Pوَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَO (هود: 36) و قد دلّت([2]) الروايات على انه حينئذٍ دعا على قومه قائلاً Pوَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًاO (نوح:26-27).

 وبالمقابل فان الروايات([3]) دلّت على ان ما أصاب النبي يونس (A) الذي حكاه الله تعالى بقوله Pوَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَO (الأنبياء: 87- 88) انما حصل لأنه لما أخبره الله تعالى انه سينزل العذاب على قومه هجرهم وترك المدينة ولم يستمر بدعوتهم إلى التوبة لعل العذاب يكشف عنهم ثم انهم تابوا وتوسلوا إلى الله وتعالى فرفع عنهم العذاب فلما رجع إلى قريته ووجدهم أحياء وأمورهم طبيعية ذهب عنهم مغاضباً خشية اتهامهم إياه بالكذب لإنه (A) اخبرهم بنزول العذاب جزماً.

ولعل من اسرار تشريع قراءة (وذا النون) في صلاة الغفيلة كل ليلة هو لإلفات نظرنا الى هذه الحقيقة وان علينا ان نستغفر من هذا الشعور بالإحباط واليأس والضجر والكسل ونعترف بخطئنا وظلمنا أنفسنا وحينئذٍ يأتي الله تعالى بالفرج والنجاة.

وقد تجسًّد القلب الكبير وروح المثابرة والمصابرة والمجاهدة بأسمى صورة الى حد التضحية من اجل الارتقاء بالإنسان في أفق السعادة والكمال في النبي محمد وآله المعصومين الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين).

فقد منَّ الله تعالى على هذه الأمة بالنبي الكريم(J) الذي كلُّه رحمة للعالمين و كلُّه رأفه بالأمة وحرص عليهم، قال تعالى Pلَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍO (آل عمران:164)

وهكذا كان الائمة الطاهرون (صلوات الله عليهم اجمعين) من بعده (J) لا يدخِرون أي جهد او إمكانية ويُضّحون بأنفسهم من اجل هداية الأمة وصلاحها ونجاتها من شقاوة الدنيا والاخرة.

روى الشيخ الكليني بسنده عن الامام موسى بن جعفر (C) قوله (ان الله عز وجل غضب على الشيعة فخيّرني نفسي او هم، فوقيتهم والله بنفسي) ([4]).

ولا يعني الحديث مثل ما تقوله النصارى من أن عيسى (A) صُلِبَ ليفتدي أمته من العذاب على الذنوب والمعاصي مما دفعهم الى ارتكاب الكبائر والموبقات باعتبار ان نجاتهم مضمونه وصكوك الغفران جاهزة، وهذا معنى باطل لقوله تعالى Pكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌO (المدثر:38) وغيرها من الآيات الكثيرة.

 وانما يمكن فهم الحديث على أكثر من معنى، أحدها: أنَّ كثيراً من الشيعة قد ضَعُف ارتباطهم بالإمام، وقد انغمسوا في حب الدنيا واتّباع الشهوات، وضعُف ورعهم وتقواهم والتزامهم بأحكام الدين، فاستحقوا بذلك البلاء لكن الامام (A) اختار ان يمضي في طريق الشهادة ولا يسأل الله تعالى الفرج وخروجه من السجن، ليحدث صدمة في ضمير أتباعه حتى يرجعوا الى ربهم فيندموا ويستغفروا ويشعروا بتقصيرهم ويحاسبوا أنفسهم فيثوبوا الى رشدهم وإيمانهم ويصحوا من غفلتهم وهذا أحد الأسباب التي دعت الإمام الحسين (A) للخروج بحسب فهم السيد الشهيد الصدر الأول (u) ودعته هو (u) للعزم على الشهادة.

فكان على الأمة أن تستيقظ من نومها وتفزع الى قادتها وتطيعهم فيما يأمرونها به حتى تستفيد أكثر من الوجود المبارك للإمام (A) نسأل الله تعالى ان ينبّهنا من نومة الغافلين ويجعلنا من أهل البصيرة اليقظين بفضله وكرمه.



([1]) روى السيوطي في الدر المنثور: 9/289 ) (أنه كان يذهب الرجل بابنه الى نوح فيقول لابنه: احذر هذا لا يغرَّنك فأن أبي قد ذهب بي وأنا مثلك فحذّرني كما حذّرتك).

([2]) ) نقلها في نور الثقلين: 2/711، تفسير سورة هود، حديث 64 عن روضة الكافي، حديث 65 و67 عن تفسير علي ابن إبراهيم، وحديث 66 عن علل الشرائع.

([3]) ) عن نور الثقلين 3/271حديث 136 عن عيون اخبار الرضا .

([4]) أصول الكافي: 1/260، باب ان الائمة يعلمون متى يموتون، ح5.