القبس/208 {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} ص:62 - عاقبة التسقيط والاستهزاء الذي يتعرض له الرساليون
القبس/208 {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} ص:62 - عاقبة التسقيط والاستهزاء الذي يتعرض له الرساليون
قال الله تبارك وتعالى {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (ص:62-64)
مشهد آخر من مشاهد يوم القيامة ينقل لنا حواراً يجري بين أهل النار زعماءاً واتباعاً يسألون فيه عن اشخاص كانوا يعدُّونهم في الدنيا من سقط الناس وأراذلهم وأنهم لا قيمة لهم وان النار والعذاب والشقاء خلق لهم وهو استحقاقهم، كما كان ينظر طواغيت قريش وأثريائها مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأبي سفيان وأمية بن خلف إلى ضعفاء المسلمين الأوائل كبلال الحبشي وخبّاب بن الأرت وعمار بن ياسر، ففي يوم القيامة حيث يُلقى هؤلاء الطواغيت واتباعهم في النار ينظرون في أهلها الأشقياء فلا يجدون أولئك الذين كانوا يترفعون عنهم ويسخرون منهم فيتساءلون بينهم: لماذا لا نجدهم معنا في النار؟ هل هم في الجنة وقد فازوا بالنعيم وإننا كنا مخطئين حينما كنا نسخر منهم ونستهزئ بهم ونحتقرهم ونستصغر شأنهم ولم نحمل أمرهم على الجدّ وننظر في دعاواهم بإنصاف وموضوعية؟ أم إنهم معنا في النار فعلاً كما كنا نظن في الدنيا الا أن أبصارنا مالت عنهم فلم ترهم بسبب ظلمات النار وعذابها وشقائها ودخانها.
وكما كانوا في الدنيا أهل خصومة ولجاج وعناد واستكبار {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (الزخرف:58) فإنهم يصحبون صفاتهم هذه إلى يوم القيامة، فيتخاصمون في النار حتى الاتباع مع قادتهم بعد أن كانوا يفدونهم بأرواحهم في الدنيا، والمستكبرين مع مستضعفيهم حيث يتبادلون الاتهامات والأوصاف البذيئة، قال تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ}(سبأ:31 -32) ولو كانوا عقلاء وأهل حكمة لاستفادوا مما يقال فيهم من نقد وتقويم وتصحيح ولاعترفوا بأخطائهم، لا أن يرشقوا منتقديهم ببذيء الكلام والبهتان والافتراء.
وتتناول آيات أخر من سورة الصافات هذه الحالة لكن من زاوية أخرى في الجنة حيث يحصل نفس التساؤل عند أهلها، قال تعالى بعد أن وصف الحياة الطيبة السعيدة التي يتنعم بها المؤمنون { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (الصافات:50-57) ففي بعض جلسات الود والهناء والإقبال وهم {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (الحجر:47) يتحدث بعض المؤمنين إلى بعض بأنه كان لي زميل في الجامعة أو في العمل أو في المنطقة يسخر مني ويستهزئ بمعتقداتي ويقول لي هل انك تصدق فعلاً بأننا سنبعث بعد الموت وتلاشي أبداننا ونقوم للحساب يوم القيامة فيعاقب المسيء على أساءته ويكافأ المحسن على إحسانه؟ فكان يعد هذه العقائد وهماً وخرافات لا يصدقها العقل وتخلّفاً ورجعية.
وحينئذ يطلب هذا المؤمن المنعّم من رفقائه في الجنة أن يتطلعوا إلى النار لعلهم يجدون هذا الزميل فيها بعد أن افتقده بين أهل الجنة، وليطمئن قلبه إلى نتائج الأعمال في الدنيا إحساناً وإساءةً كما كان يؤمن ويعتقد، فلما نظروا في أهل النار وجدوا ذلك الزميل في وسطها كما كان في الدنيا وسط العصاة والفسقة والملحدين، وهنا يستعيد المؤمن ما كان يفعله هذا الزميل الشقي البائس من الاستهزاء والتسقيط والافتراء والضغط النفسي وقد يصل الى استعمال العنف والتهديد ليصدَّه عن دينه ويشكّكه في معتقداته، ويقسم المؤمن بالله تعالى أن هذا الزميل مارس كل ألوان الضغط عليه والكيد له وكاد أن ينجح في مساعيه لأن مقاومة الإنسان للإغراء أو التهديد محدودة وقد يضعف أمام بعض مراتبها، لكنه هنا يستذكر نعمة الله ولطفه وتأييده إذ {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات:7) وتولى عصمته من الزلل والانحراف ولولا ذلك لكان من المحضرين في عذاب جهنم كهذا الزميل {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (الصافات:127-128) فإنه وإن لم يفلح في هداية هذا الزميل من الضلال لسبب منه أو من الآخر أو لأمر خارج عنهما إلا أنه بفضل الله تعالى لم يتأثر به ولم يخضع لإغراءاته أو تهديداته بل بقي متمسكاً بدينه وأخلاقه الفاضلة.
ثم يصف هذه النتيجة السعيدة التي حصل عليها {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (الصافات:60) ويوصي بالثبات على هذا المنهج الرباني العظيم وتكريس الجهود والطاقات له لا لغيره من أمور الدنيا الفانية {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات:61).
إن المقصودين بهذا الحوار فئات عديدة إذ يمكن أن يجري بين المؤمنين وغيرهم وهو الظاهر من سياق الآيات الكريمة، أو بين طائفة وطائفة أخرى من المسلمين كالذي يتعرض له اتباع أهل البيت (D) من بعض الحسّاد والحاقدين وأهل المصالح الدنيوية الضيقة والمتطرفين والتكفيريين والنواصب ممن يدّعون الإسلام فيكفّرون الشيعة ويقتلونهم ويفترون عليهم ويصفونهم بأقذر الأوصاف.
ويمكن أن يجري هذا الحوار في بعض مراتبه بين أبناء الطائفة الواحدة حيث يتعرض بعضهم من البعض الآخر إلى شتى أنواع الافتراء والأوصاف القذرة الشنيعة لإقصائهم وعزلهم والتنفير منهم، ويمكن ان تجري الآيات الكريمة على الحكومات الجائرة الظالمة التي تصف الشعب الثائر عليهم المطالب بحقوقه بأنهم غوغاء وفوضويون وعملاء للأجانب وجواسيس وطابور خامس ومفسدون وأشرار كما وصف صدام المقبور أبطال الانتفاضة الشعبانية عام 1991 من أبناء محافظات الوسط والجنوب عندما ثاروا على ظلمه وطغيانه وهكذا يمكن تطبيق المشهد على كثير من الحالات.
وقد تحتقر شخصاً لأنك ترى أنك تمتلك من الدين أو الثقافة أو الورع ما لا يمتلكه فتتكبر عليه وتستصغر شأنه، ولعلك تنكر نعمة ينعمها الله عليه وتستغرب من اختصاص الله له بها. وقد تستمر بفكرة قديمة عنه ويكون قد تاب عنها وانصلح وتغير، أو أنه كان وقتها يمر بانتكاسة، فتتمسك بها ويعفو الله عنها، ويتوب على عبده فيما تستمر أنت باحتقاره وكرهه.. وأنت تظن أنك تكرهه لسبب ديني وأن معاداتك له مبررة ولا بأس فيها، بينما هي تنخر بإيمانك وتظلم بها نفسك.
إن هؤلاء الذين كانوا يحتقرون المؤمنين ويظنونهم من الأشرار يحتمل أنهم من داخل العنوان الديني ويَزِنون الشر والخير بميزان ديني، ولكنهم احتقروا فئة من المؤمنين مذهبياً أو سلوكياً، واحتفظوا بسخريتهم واحتقارهم لهم حتى وهم في النار، فلا يتصورون أن أولئك الذين سخروا منهم أخيار فيحتملون أنهم في النار أيضاً ولكن لم يروهم. وهذه مواقف خطيرة ينبغي على المؤمنين الانتباه لها، والحذر منها لا سيما أولئك الذين يظنون أنهم محسوبون على الله، ويتكبرون باسم الدين وينقمون بسوط الله على الناس، وقد رأينا خلال عمرنا وتجربتنا أنه كانت هناك فئة من المتدينين تكبروا على المجتمع الجاهل وفرحوا بما عندهم من التدين، ثم قيض الله للجاهلين من يعلمهم حتى صاروا خيراً من أولئك في الثقافة والورع والعمل، وعادت قلوب أولئك قاسية وألسنتهم جارحة وتحول التكبر إلى حقد وكبرياء وجنون. وهناك حديث ينبغي أن يحمل المنتظرين للإمام المهدي (A) والداعين لدولته على القلق والأرق ومحاسبة النفس والتدقيق في حقيقتها، وهو ما رواه النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله (A) قال: (إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يَرى (أو يُرى) أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر)([1]).
وتطبق الروايات الشريفة هذا المشهد على اتباع أهل البيت (D) الصادقين وما يلاقونه من خصومهم، فقد روى الشيخ الكليني بسنده عن ميسر قال (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (A) فَقَالَ كَيْفَ أَصْحَابُكَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قَالَ وَ كَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً ثُمَّ قَالَ كَيْفَ قُلْتَ قُلْتُ وَ اللَّهِ لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمُ اثْنَانِ لَا وَاللَّهِ وَ لَا وَاحِدٌ وَاللَّهِ إِنَّكُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- {وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} ثُمَّ قَالَ طَلَبُوكُمْ وَاللَّهِ فِي النَّارِ فَمَا وَجَدُوا مِنْكُمْ أَحَداً)([2]).
وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده قال (دَخَلَ سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ عَلَى الصَّادِقِ (A)، فَقَالَ لَهُ: «يَا سَمَاعَةُ مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟» قَالَ: نَحْنُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ثُمَّ اسْتَوَى جَالِساً، وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَالَ: «يَا سَمَاعَةُ مَنْ شَرُّ النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ؟» فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، نَحْنُ شَرُّ النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ، لِأَنَّهُمْ سَمَّوْنَا كُفَّاراً، وَرَافِضَةً. فَنَظَرَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ:«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا سِيقَ بِكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَ سِيقَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ، فَيَقُولُونَ: مٰا لَنٰا لاٰ نَرىٰ رِجٰالاً كُنّٰا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرٰارِ. يَا سَمَاعَةَ بْنَ مِهْرَانَ، إِنَّ مَنْ أَسَاءَ مِنْكُمْ إِسَاءَةً مَشَيْنَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَقْدَامِنَا فَنَشْفَعُ فِيهِ فَنُشَفَّعُ، وَ اللَّهِ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمْ عَشْرَةُ رِجَالٍ، وَاللَّهِ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمْ خَمْسَةُ رِجَالٍ، وَ اللَّهِ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمْ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ، وَ اللَّهِ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَتَنَافَسُوا فِي الدَّرَجَاتِ، وَ أَكْمِدُوا عَدُوَّكُمْ بِالْوَرَعِ، وَ اللَّهِ مَا عَنَى وَ لاَ أَرَادَ يْرَكُمْ، صِرْتُمْ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعَالَمِ شِرَارَ النَّاسِ، وَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ، وَ فِي النَّارِ تُطْلَبُونَ)([3]).
أيه الأحبة:
أنتم مقبلون على الدراسة الجامعية التي لها مميزات تختلف عمّا تعودتهم عليه في دراستكم السابقة، ومن تلك المميزات وجود تنوع فكري وايديولوجي وديني وطائفي واجتماعي وطبقي، وهذا التنوع فيه جانب إيجابي لأنه يقوّي الشخصية وينضجها ويثري الثقافة ويفجّر الطاقات، وبنفس الوقت يشكل لكم تحدياً وصراعاً يستلزم تحصيل الأدوات والصفات والقدرات التي تمكنكم من النجاح في هذا الاختبار.
فالطالب والطالبة الجامعيان المتدينان سيجدان من يسخر من التزامهما بالتعاليم الدينية ويصفهما بالتخلف والرجعية والأفكار البالية التي لم تعد مناسبة للعصر ولا توجد حاجة إليها ونحو ذلك، فيقال للفتاة المحجبة ان الحجاب تضييق للحرية وحرمان لها من التمتع بالجمال والجاذبية واعجاب الآخرين، فعليها أن تكون شجاعة وذات ارادة قوية وتمتلك الإجابات الداحضة لشبهات المعارضين، كأن تقول أن التبرج وإظهار المفاتن امام الغرباء مرض فتّاك يؤدي إلى تخريب المجتمع وفساده، وان المتبرجة لا تقلّ خطراً عن الفايروسات المعدية التي تنقل الأمراض الفتاكة فيجب الوقاية منها وتجنبّها، وان الحجاب يحمي المجتمع من هذا الخطر المدمّر، ولإثبات ذلك عملوا في الغرب استبياناً لحالات التحرش الجنسي فوجدوها تزداد كلما كانت المرأة أكثر إغراءاً وإظهاراً للمفاتن وينعدم التحرش عندما تكون المرأة محجّبة فارتداء الحجاب وقاية للنفس والمجتمع.
أو تقول: إن حجابي هو التزام بالقانون الذي أؤمن به وهو الذي وضعه خالق الإنسان والعارف بتركيبته وما يصلحه وما يفسده وما يكفل سعادته في الدنيا والآخرة، فهل في الالتزام بالقوانين مصادرة للحريات أم هو تضحية ببعض الأهواء والمشتهيات الشخصية من أجل حفظ النظام الاجتماعي العام؟ فالذي يتوقف عند الإشارة المرورية الحمراء وهو يودّ أن ينطلق بسيارته لا يقال له بأنك مسلوب الحرية، وكذا المرأة التي تمرّ بسوق الصاغة وترى المجوهرات والمصوغات الذهبية التي تشتهي أن تمد يدها وتأخذها لتتزين بها لكنها تكبح جماح أهوائها وتتوقف لأن القانون يحرّم الاعتداء على ممتلكات الآخرين وغير ذلك، فهذه كلها ليست مصادرة للحريات بل تنظيم لها وتهذيبها بقوانين تحفظ النظام الاجتماعي العام ، وهكذا القوانين الإلهية فإنها شُرِعَّت لحفظ كرامة الإنسان والمجتمع وسعادتهما وتحقيق العدالة الاجتماعية، مع البون الشاسع بين القوانين الوضعية التي يشرعها بشر ناقصون قاصرون خطاؤون تتحكم فيهم الأهواء والمصالح الضيقة وبين القوانين الإلهية التي أودعها في كتاب {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (فصلت:42).
وقد كشفت آيات صورة ص والصافات المتقدمة ان المتدينين سيقطفون ثمرة ثباتهم على الدين واستقامتهم وعدم انسياقهم وراء الشهوات والاهواء وخضوعهم لضغوط المنافقين والطغاة والمتمردين الذين سيجدون ضلال فعلهم حينما كانوا يسخرون من المؤمنين وينتقصونهم {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128).
ولكي نزداد ثباتاً وتمسكاً بالدين علينا ان نلتفت إلى أن هؤلاء المستهزئين ليسوا مقتنعين بما يقولون فينا ويعلمون أنه باطل وافتراء مثلاً قريش كانت تصف رسول الله (J) بأنه الصادق الأمين وتضع عنده الأشياء الثمينة أمانات وما وجدت له كذبة قط، ولكن ما إن دعاهم إلى التوحيد ونبذ عبادة الأصنام التي منها مصالحهم الدنيوية حتى وصفوه بأنه ساحر مرتد مثير للفتنة كذاب إلى آخره، وكذلك الفسقة والعصاة فإنهم يعلمون أن ما عليه المتدينون صواب وسمو وكمال وفضيلة حتى أن المجتمع يسمي المتدين (خيِّر) وهي صيغة مبالغة من الخير أي ان المؤمن كله خير ولا يتوقع منه الا الخير، إذن ما الذي نقموا من المؤمنين حتى عابوهم وسخروا منهم واستهزؤا بهم، يشرح لنا الامام الصادق (A) السبب في ما رواه يعقوب بن شعيب ـ وهو حفيد الشهيد ميثم التمار رضوان الله تعالى عليه ـ عن أبي عبدالله (A) قال: (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكُمْ، قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كُلٌّ) أي كل الناس شديدون علينا ومبغضون لنا (قَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ ذَاكَ يَا يَعْقُوبُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ (A): إِنَّ إِبْلِيسَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ وَأَمَرَهُمْ فَأَطَاعُوهُ وَدَعَاكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوهُ وَأَمَرَكُمْ فَلَمْ تُطِيعُوهُ فَأَغْرَى بِكُمُ النَّاسَ)([4]).
إذن إنه الحسد وعقدة الحقارة والصغار امام المؤمنين وفقدانهم الإرادة والشجاعة للإرتقاء والتكامل حتى يكونوا مثلهم فيتخذون كل وسيلة قذرة للإيقاع بالمؤمنين وإفسادهم حتى ينزلوهم الى الحضيض الذي هم فيه.
فيكون ردّنا عليهم بمزيد من الثبات والاستقامة والبصيرة حتى يحصل عندهم اليأس من أن يسلبونا هذه الجوهرة الثمينة التي حبانا الله تعالى بها أعني الايمان بالله تعالى كما ورد في الرواية المتقدمة (وأكمدوا عدوكم بالورع) وأن ننظر إليهم كمرضى مصابين بالأمراض المعنوية فيستحقون منا الشفقة والنصح والرعاية والتوجيه وتصحيح الأفكار ونحن أهلها لأننا على الحق ونمتلك الأدلة القوية {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (الأنعام:149) .
وعلينا أن نكون واثقين بأنفسنا شجعاناً ولا تهزمنا الاشاعات والافتراءات والتسقيط الإعلامي ولا نكون كبعض الذي يرفعون عناوين إسلامية لكنهم ينهزمون في هذه الحالات خوفاً على دنياهم البائسة.
([1]) بحار الأنوار: ج ٥٢ / ص ٣٦٣/ ح ١٣٧
([2]) الكافي: ج 8 / ص78 / ح 32
([3]) أمالي الطوسي: 1/301، البرهان: 8/199 ح 7
([4]) الكافي: ج8 / ص 141 (الروضة)، ح 105