{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125]

| |عدد القراءات : 276
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125]
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125]

الاربعاء 29/ شوال/ 1445

الموافق 8-5-2024

أكدّ سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) أن الله تعالى عَظّم حرمة بيته الحرام ورفع شأنه وجعل فيه الكثير من البركات والخصائص وجعله محلاً لطاعته للحصول على النفحات الخاصة وألطافه المتميزة وموضعاً لاجتماع المسلمين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومشاربهم من أجل عبادته وتوحيده والرجوع إليه جل وعلا كما جعله قطباً لواحدة من أعظم الفرائض في الإسلام وهي فريضة الحج المباركة وأصبح مركزاً للنور والخير والبركات طيلة أيام السنة.

وقال سماحتُهُ خلال درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه على جمع من أساتذة وفضلاء وطلبة الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف وكان من نور الآية الكريمة {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125].

إن (البيت) يقصد به المسجد الحرام في الآية الكريمة المشار إليها {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26] من باب إطلاق الكل على الجزء أو أن الكعبة هي منشأ تعظيم المسجد الحرام.

كما أجاب سماحتُهُ عن سؤال مقدّر عن وجه نسبة الفعل إلى الله تعالى مع أن الرجوع من فعل العبد، وهو أن الله تبارك وتعالى أمر به وألزم بالحج إليه كل عام، وقد دلّت بعض الروايات على حرمة خلو البيت من الناسكين، فقد روى المشايخ الثلاثة بأسانيد صحيحة عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين) ووردت عدة روايات في استحباب نية العود وكراهة عدم الرجوع.

وبين سماحتُهُ أن هذا الجواب على مستوى التشريع، ويمكن فهم المثابة بمعنى الرجوع على مستوى التكوين بأن الله تعالى ألقى في قلوب المؤمنين ولهاً لزيارة بيته المعظم يكون دافعاً لهم ليقصدوه مرة بعد أخرى مصداقاً لقوله تعالى {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]  والآية شاملة لديار النبوة والإمامة ومحل نسكهم {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وقد ورد هذا المعنى في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (وفرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلةً للأنام، يردونه ورود الانعام، ويألهون إليه ولوه الحمام).

وبعد أن بيّن سماحتُهُ معنى كلمة (مثابةً) لغةً وأستعرض جملة من المعاني والدلالات المذكورة في المعاجم والمصنفات اللغوية.. لخّصَ سماحتُهُ هذه المعاني في عدة نقاط، معضداً إياها بالروايات الشريفة الواردة بخصوص تلك المعاني، مستفيداً من دلالاتها في التفسير.. فكانت كالتالي:

1.    الرجوع إليه كلما صدروا عنه، وقد دلّت بعض الروايات على حرمة خلو البيت من الناسكين ويجب إلزام الناس بقصده، حيث روى الكليني والصدوق في الكافي والفقيه بالإسناد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في البيت الحرام قال (لو عطلوه سنة واحدة لم يُناظروا)[1] ويصل الإلزام إلى حد إجبار عدد يتحقق بهم النُسُك    

2.   جعله محلاً لتحصيل الثواب والقرب من الله تعالى، ولا شك أن قصد البيت الحرام في الحج والعمرة من أعظم الطاعات، ففي صحيحة عمر بن يزيد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الحج قال: (ما يعدله شيء، والدرهم في الحج أفضل من ألفي ألف فيما سواه في سبيل الله)

3.   أنه محل اجتماع الناس في الحج والعمرة بعد تفرقهم في البلدان وتعدد طوائفهم وأيديولوجياتهم، ولا شك أن من أهم أغراض الحج هو توحيد المسلمين وتلاقيهم وتحاورهم وتذويب خلافاتهم

4.   على القول بأن المثابة بمعنى الأساس، فإن البيت الحرام هو أساس الدين وبه يحفظ التوحيد، وهذا المعنى صحيح، ولذا أحيط البيت الحرام بقدسية وتعظيم كبير روى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه بالإسناد عن الصادق (عليه السلام) قال: (لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة)

5.   إن المثابة من الإصلاح والتقويم وهذه إحدى وظائف البيت الحرام فإن المسلمين مهما ابتعدوا عن إسلامهم وغرّتهم الدنيا وشغلتهم فإن الحج يرجعهم إلى الله تعالى ويصلحهم ويقِّوم سلوكهم

6.   أنه محل للاستقرار والسكينة، وقد صرحت الآية الكريمة بذلك {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]، فإليه يلجأ الناس ليبددوا مخاوفهم ويعالجوا قلقهم وتحصيل مرادهم.

7.   إنه محل امتلائهم عزة وكرامة واستقائهم من معين الله تعالى الصافي وإن المسلم ليمتلئ نشوةً وشموخاً بمنظر الحج ومناسكه خصوصاً مع حضور إمامهم وحجة الله على الخلق أجمعين

8.   إنه الجهة التي يرجعون إليها في صلواتهم ويستقبلونها في سائر عباداتهم وجوباً واستحباباً حتى في حال احتضارهم ودفنهم فإن التوجه إلى الكعبة حاضر في أحكامهم.

9.           إنه موضع توبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى وتخلّصهم من ذنوبهم وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}[2] (الذاريات: 50) أنه الحج

 



[1] - وسائل الشيعة: 11/21 أبواب وجوب الحج وشرائطه باب 4 ح3.

[2]راجع هذا القبس في تفسير (من نور القرآن: 5 / 14- 21).