كيف تُفكّ أغلال الشياطين

| |عدد القراءات : 198
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

كيف تُفكّ أغلال الشياطين[1]

ورد في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان: (والشياطين مغلولة فأسالوا الله ربكم أن لا يسلطها عليكم)[2].

والسؤال هنا كيف تُفّك أغلال الشياطين وتعود للتسلط على الإنسان والتأثير عليه لإضلاله وإفساده وحرمانه من بركات هذا الشهر العظيم ومن ضيافة الله تعالى فيه؟

وجوابه أن ذلك يقع في حالتين على الأقل:

أ‌-             حينما لا يتورع الإنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب فتكون سبباً لفقدانه هذه العصمة من الله تعالى وهتكه هذا الحجاب ويكون هو الذي فتح بيده أغلال الشياطين وفكّها كالذي رواه الشيخ الكليني في الحاج بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الحاج لا يزال عليه نور الحج مالم يلم بذنب)[3] وقال (عليه السلام): (ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة)[4] لذا ورد في نفس الخطبة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر فقال (صلى الله عليه وآله): (الورع عن محارم الله) لأنه شرط قطف ثمرة هذا الشهر المبارك.

ب‌-        أن يكتفي من صومه بالجوع والعطش والإمساك عن سائر المفطرات المذكورة في كتب الفقه وهو الحد الذي يتحقق به الإجزاء وبراءة الذمة من دون أن يأتي بمراتبه المعنوية كالذي ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك) وقال (عليه السلام) أيضاً (لا يكن يوم صومك كيوم إفطارك) وقال (عليه السلام) أيضاً (فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا -أي لا تجادلوا في ما لا فائدة فيه دنيا ولا آخره وإنما لمجرد المغالبة أو التشفي- ولا تكذبوا ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابوا ولا تشاتموا ولا تفاتروا ولا تجادلوا ولا تتأدوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تضاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة)[5] ويصل الصوم المعنوي في ذروته إلى الانقطاع عما سوى الله تعالى وتحرّي ما يوجب رضاه.

وتقريب الفكرة: أنَّ شهر رمضان بما هو ظرف للصوم موجب لغلّ الشياطين، وأن هذا الغلّ يتحقق بكبح الشهوات والغرائز التي هي أدوات عمل الشياطين في تزيين المعاصي والإغراء بها، وهذه الشهوات على مراتب فقد يغلق الصائم باب الشهوات الجوارحية وهي شهوة الطعام والشراب والجنس وهي الدرجة التي تبرأ بها الذمة، لكن تبقى الشهوات والغرائز الجوانحية كالغضب والاستئثار والحسد والانانية والتعالي وغيرها وهذه أدوات فعّاله لنجاح عمل الشيطان في إيقاع الإنسان في الظلم والعدوان وانتهاك المحرمات، فلا بد من إغلاق هذه المنافذ أيضاً لإحكام أغلال الشياطين.

وهكذا فكلما تجلّت حقيقة الصوم في فعل العبد أزداد تكبيل الشياطين، وكلما تدنّت مرتبة الصوم خفَّت هذه الأغلال وسهل على الشياطين كسرها والانطلاق منها لتزيين المعاصي.

ونظير ذلك ما ورد في الصلاة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (أعلم أن الصلاة حجزة الله في الأرض فمن أحبَّ أن يعلم ما أدرك من نفع صلاته فلينظر، فإن كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدر ما أحتجز)[6] وهذا الحديث يدلّ على أنه كلما أحسن صلاته وأتقنها وتوجّه فيها فإنها تؤتي ثمرتها في النهي عن المنكر أكثر، فكذلك الصوم وأثره في غلّ الشياطين.

ومن هذا الوجه ينقدح الجواب على سؤال حاصله: لماذا يقع الناس في الذنوب في شهر رمضان حتى الكبائر والمفروض أن الشياطين مغلولة فالداعي إلى عمل المعاصي فاقد للقدرة على التأثير؟ وقد تبيّن في الجواب أن غلَّ الشياطين له مراتب فيكفَّ الإنسان تسويلها ووسوستها وتزيينها بقدر إتقانه لأعماله وإحسانه فيها، مثلاً مرتبة الأجزاء وإبراء الذمة وهي الإمساك عن المفطرات المذكورة في كتب الفقه تحصنّه من الوقوع في الكبائر ويبقى عرضة للصغائر ونحو ذلك مضافاً إلى عدة أجوبة أخرى:

1-            إن الداعي إلى فعل المعصية ليس فقط الشيطان وإنما النفس التي وصفها الله تعالى بأنها أمارة بالسوء لأنها تنزع دائماً إلى إتباع الشهوات والهوى من دون مراعاة لما يريده الله تعالى، وهذا الداعي ملازم لابن آدم ولا يردعه إلا الورع وذكر الله تعالى على كل حال والرشد بإتباع العقل.

2-            إن شياطين الجن إذا غُلَّت فإن شياطين الإنس موجودون وهم ينشطون أكثر في شهر رمضان كما هو واضح في برامجهم التلفزيونية التي يعدّونها خصيصاً لهذا الشهر الكريم، والهدف حرمان الناس من عطاء الله تعالى وفضله العظيم في هذا الشهر المبارك ونقلهم من السعداء إلى الأشقياء ليتساووا معهم، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (فإن الشقي من حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم).



[1] - حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ( دام ظله) مع جمع من الجامعيين الذين أقاموا العشر الأواخر من شهر رمضان في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمعة 25/ شهر رمضان/1445 الموافق 5/4/2024.

[2] - الأمالي - الشيخ الصدوق - ص ١٥٥، وعيون أخبار الرضا: ٢٩٥ / ٥٣، بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه صلوات الله تعالى عليهم أجمعين.

[3] - الكافي:4/255.

[4] - وسائل الشيعة:11/114 ح1.

[5] - بحار الأنوار: ج ٩٣ - ص٢٩٢.

[6] - بحار الأنوار: ج ٨١ - ص ٢٦٣.