خطاب المرحلة (714)المرأة والمعارف القرآنية

| |عدد القراءات : 83
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرأة والمعارف القرآنية ([1])

لا شك إن الأحاديث الشريفة التي بينّت فضل حملة القرآن وثواب تعلّمه مطلقةٌ، وتشمل الرجال والنساء على حد سواء، كقول النبي (9): (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)([2]), وقوله (9): (خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه)([3]), وقوله (9): (لا يعذّب الله قلباً وعى القرآن)([4])، وقد منَّ الله تعالى عليكنّ بهذا الفضل العظيم وهو تعلم القرآن فاشكرنَّ الله تعالى عليه وحافظنَّ على هذه النعمة بالاستمرار عليها.

وأنتم الآن تطوون المسافة في النصف الأول من الطريق وهو (تعلّم القرآن) بالتدبّر والتأمل في معانيه، ومعرفة القواعد العامة للتفسير، والتزود بالأدوات التي تمكنّكم من تفسير الآيات الكريمة وفهم المراد منها، الى أن تصبح عندكم القابلية للانتقال الى النصف الثاني وهو تعليم القرآن وتفسيره، وإيصال ما ينفتح لكم من معانيه الى الناس، ليكتمل العطاء الإلهي وتكونوا من خيار الناس كما في الحديث السابق.

ولا شك أن الإحاطة بمعاني القرآن مستحيل على امثالنا، لان معاني القرآن لا حدود لها، قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف: 109), وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (لقمان: 27), وبحسب الظاهر فأن ألفاظ الكلمات لها عدد محدود، لان عدد الحروف محدود، وكذلك عدد حروف كل كلمة، ويعرف بقوانين الاحتمالات مجموع عدد الكلمات في اللغة العربية مما استقصته المعاجم اللغوية، فكيف تقول الآية إن كلمات الله تعالى سبحانه لا نفاد لها؟

وقد عرضتُ وجوهاً لتفسيرها([5])، أحدها أن المراد معاني كلمات الله تعالى أي بتقدير مضاف فإنها لا تنفد، بل تتجدد وتتكثر كلما ازداد الوعي وتعمّق العلم وتطورت الحياة واتسعت شؤونها وقضاياها، وقد عبَّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الصفة للقرآن بقوله: (لا تفني عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به)([6]).

وإنما نتحدث عما يتيسر لنا من فهم كتاب الله تعالى، وما يفتح الله تعالى علينا من معانيه، وهو لا ينال فقط بالدراسة والتعلم، بل يحتاج الى اخلاص وصفاء النفس، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر (u) في بعض رسائله في (قناديل العارفين) ان من علامات اهل السلوك الصالح الى الله سبحانه أنه سبحانه ينفتح لهم عدة وجود ومعانٍ للآيات الكريمة، قال السيد الحكيم (u) في كتابه حقائق الأصول: ((حدَّث بعض الأعاظم >دام تأييده< أنه حضر يوما منزل الآخوند (ملا فتح علي([7]) >قدس سره<) مع جماعة من الأعيان منهم السيد إسماعيل الصدر >ره< والحاج النوري صاحب المستدرك >ره< والسيد حسن الصدر >دام ظله< فتلا الآخوند >ره< قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ  لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ... الآية} (الحجرات: 7) ثم شرع في تفسير قوله: تعالى فيها: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ... الآية} وبعد بيان طويل فسرها بمعنى لما سمعوه منه استوضحوه([8]) واستغربوا من عدم انتقالهم إليه قبل بيانه لهم، فحضروا عنده في اليوم الثاني ففسرها بمعنى آخر غير الأول فاستوضحوه أيضا وتعجبوا من عدم انتقالهم إليه قبل بيانه، ثم حضروا عنده في اليوم الثالث فكان مثل ما كان في اليومين الأولين ولم يزالوا على هذه الحال كلما حضروا عنده يوما ذكر لها معنى إلى ما يقرب من ثلاثين يوماً فذكر لها ما يقرب من ثلاثين معنى وكلما سمعوا منه معنى استوضحوه، وقد نقل الثقات لهذا المفسر كرامات >قدس الله روحه<))([9]).

وأمام هذا التجدد والتكثر لمعاني القرآن لا يجوز لنا التوقف عند فهم جيل معين والاكتفاء بما أبدعه السلف الصالح الى زماننا المعاصر من تفاسير، وينقل عن السيد الطباطبائي (u) صاحب تفسير الميزان انه كان يقول: >ان الامة بحاجة الى تفسير جديد للقرآن كل سنتين<، يعني أنه خلال إنجازه لتفسير الميزان الذي استغرق عشرين عاماً لا بد أن تصدر عشرة تفاسير منوعة.

إذن علينا أن نتعب أنفسنا في تهيئة المقدمات التي تمكننا من فهم كتاب الله تعالى وروايات أهل البيت (^) وتحّمل علومهم، لنكون ممن شملهم دعاء الإمام (×) بالرحمة فيما رواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن الهروي (قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (×) يقول: رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس)([10]), فهاتان نفس المرحلتين اللتين ذكرهما النبي (J) وهما التعلّم اولاً, والتعليم ثانياً.

وعلومهم (D) لا تختص بالأحكام الشرعية المعروفة بالفقه في المصطلح المتداول، وإنما تشمل كل علومهم وعلى رأسها تفسير القرآن، فقد وردت عنهم فيه آلاف الروايات، وخصصوا جملة من أصحابهم لهذا العلم كعبد الله بن عباس في الصحابة, وسعيد بن جبير في التابعين, وجابر الجعفي في تابعيهم، حتى يستفيد منهم الناس الذين حرموا من بركات الاتصال المباشر بأهل البيت (D)، بسبب التشويه والتضليل والحصار والمقاطعة والعقوبات القاسية لمن يرتبط بهم (D)، لكنهم (D) لم يتركوا الأمة وإن اعرضت عنهم تأسياً بجدهم المصطفى(J) الذي وصفه الله تعالى بقوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128) فكانت هذه إحدى طرق تواصلهم مع الأمة.

وقابليات المرأة العقلية والذهنية والمعرفية لا تقلّ عمّا عند الرجل، فيمكنها المشاركة في هذا الجهد المبارك أذا أتت البيوت من أبوابها، واتقنت المقدمات المطلوبة.

وأنصح الأخوات أن يتوجهن بعد تحصيل القدرة على فهم معاني القرآن وتفسير آياته على نحو الترتيب في المصحف والمعروف بالتفسير التجزيئي، الى تطبيقها على نحو التفسير الموضوعي فيعالجن برؤية قرآنية قضايا اجتماعية وتربوية واخلاقية وحقوقية وتشريعية تعني المرأة، وهي كثيرة في القرآن الكريم يمكن تشخصيها بمساعدة الأساتذة المتخصصين، وأشرت الى كثير منها في تفسير (من نور القرآن).

 وانني أرى أن هذا المنهج في التفسير أكثر عطاء وتركيزاً على القضايا والمشاكل والمعالجات وإجابة الأسئلة، ويمكن أن تتصدى مجموعة من الفاضلات لمعالجة قضية معينه وفق الرؤية القرآنية ثم تجمع هذه الجهود المباركة لنحظى بتفسير متميّز.

وأجد نفسي متفائلاً بقطف هذه الثمرة المباركة مع توفر الرغبة الأكيدة والهمة العالية والإخلاص والمثابرة وتعاون الجميع، فقد وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر والتثبيت والتأييد إن هم نصروه في أي مجال وبأي شكل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7).



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم 4/ شعبان/ 1444هـ- الموافق 24/ 2/ 2023م, مع حشد كبير من الفاضلات اللواتي يتلّقين دروساً في تفسير القرآن وقواعده وتدبر معانيه عبر منصة الكترونية للسنة الثالثة على التوالي بإشراف الأستاذ المتمرس في مناهج المفسرين سماحة العلامة السيد عبد السلام زين العابدين (دامت بركاته).

([2]) وسائل الشيعة: 6/ 167-168.

([3]) وسائل الشيعة: 6/ 167-168.

([4]) وسائل الشيعة: 6/ 167-168.

([5]) أنظر: من نور القرآن: 3/ 79/ قبس: 90 { لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} (الكهف:109).

([6]) بحار الأنوار: ج ٢/ ص ٢٨٤.

([7]) وهو الميرزا علي محمد النجف آبادي، قال عنه تلميذه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (اعلى من حضرت عليه في الحكمة والعرفان, العارف الإلهي الذي كان أكبر أساتذة الحكمة والعرفان وكان درسه في (الأسفار) ولكنه يتّفجر بينابيع الحكمة) (عقود حياتي: 59-61).

([8]) أي وجوده واضحاً وظاهر الانطباق على الآية.

([9]) حقائق الأصول: ١/ ٩٦.

([10]) بحار الأنوار: ٢/ ٣٠.