خطاب المرحلة (671) قراءة في سيرة سماحة المرجع اليعقوبي

| |عدد القراءات : 131
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

قراءة في سيرة سماحة المرجع اليعقوبي

فصل في مرجعيته:

تريّثَ الشيخ اليعقوبي في إعلان اجتهاده مراعاةً لأدبيات الحوزة العلمية، لكنه كان يضمِّن درسه في كفاية الأصول - الذي كان يلقيه في مسجد الرأس الشريف المجاور لحرم أمير المؤمنين (A) إتماماً لدرس السيد الشهيد الصدر (+) بطلب من تلامذته ثم بدأ دورة جديدة عام 1422هـ/2001م، بحضور عدد كبير من الأساتذة والفضلاء-  مناقشاته لصاحب الكفاية ويؤسس لمبانيه الأصولية المستقلة، كما قام بنشر بعض بحوثه الاستدلالية التي كتبها إيضاحاً لبعض المسائل الخلافية منذ عام 1420هـ مما عزّز القناعة لدى كثيرين بأن وصية الشهيد الصدر (v) في سماحة الشيخ التي انتشرت بصوته وقال فيها: (والآن أستطيع ان أقـول: أن المـرشـح الوحيـد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي إلى وقت أمد الله لي في العمر وشُهِد باجتهاده.. ) قد تنجّزت لكن سماحته كان يرى إن وقت إعلان الاجتهاد لم يحن وفق السياقات المعمول بها في الحوزة العلمية وان كانت الملكة موجودة ثبوتاً كما يقولون لكن الجانب الإثباتي لا يقلّ أهمية عنه.

 فكان يوصي أتباع السيد الشهيد الصدر (+) بالصبر والتأنّي وان الساحة بحاجة الى قيادة إسلامية أكثر من حاجتها الى مرجعية تقليد لوجود من تبرأ الذمة بالرجوع اليه، وأن الشهيد الصدر (+) أوصى بالرجوع إلى المرشح البديل قيادةً أولاً حتى يُشهد له بالاجتهاد فيمكن الرجوع إليه قيادةً وتقليداً حيث قال (v):(...يحتاج الشعب العراقي إلى قيادة لا تمثل التقليد يقلدون شخصاً ويأتمرون بأمر شخص آخر بعنوان الوكالة أو بأي عنوان آخر إلى أن يقول (v): فإن أمد الله تعالى في عمري وبقيت عدة سنوات أخرى فيوجد بالتأكيد هناك من طلابي ممن أتوخى منهم الإخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد طيب القلب وخبير وورع ونحو ذلك قابل لأن تحول عليه القيادة الحوزوية ولربما في ذلك الحين يكون هو الأعلم...)([1])، فأهتم سماحة الشيخ بالتصدي لقيادة الحركة الإسلامية في العراق في تلك الفترة.

 وحين أعلنَ اجتهاده في خطبتي صلاة الجمعة في الكاظمية المقدسة في صفر عام ‏1424هـ ‏الموافق نيسان 2003م وشهد ‏له بالاجتهاد عدد من مراجع الدين والعلماء والفضلاء بعد الاطلاع على بحوثه الاستدلالية سنة 1424هـ/ 2004م منهم سماحة آية الله الشيخ محمد علي الكرامي (دام ظله الشريف) (المجاز بالاجتهاد من قبل سماحة آية الله الشيخ المنتظري (v) )، وسماحة آيـة الله الشيخ محمد الصادقي الطهراني (v) (المجاز بالاجتهـاد منِ قبَـل السيد الخوئي (v) عام 1386هـ) وآخرون، رحم الله الماضين وحفظ الباقين، ازداد إلحاح المثقفين والواعين خصوصا من أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني (v) عليه للتصدي للمرجعية إلاّ أنه أمرهم بالصبر والتريّث وإعطاء الفرصة للمتصدين لينهضوا بمسؤولياتهم من دون إثارة حساسية أو مشاكل، ‏مع استمراره بقيادة الحركة الإسلامية الواعية بعد استشهاد السيد الصدر الثاني عام 1999م، إذ ‏لم يكن سماحة الشيخ اليعقوبي يرى في يومٍ ما المرجعية والزعامة على أنها هدف وغاية، وإنما هي وسيلة لإقامة الدين ونشر تعاليم أهل البيت (^) وحفظ كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه والارتقاء بالفرد والمجتمع في سُلَّم الكمال، لذا كان همّهُ السعي لدعم الحوزات العلمية ونشرها ومساعدة المشتغلين بالعلم والعمل وملئ الساحات الفارغة من العمل الديني وإصلاح الفساد والانحراف من خلال إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة لفعل الخير والتوعية ‏لرفعة الإسلام وعزة أبنائه قبل تصديه للمرجعية.

 ‏وبعد أن بدأ بإلقاء البحث الخارج في 1427هـ/2006م، ‏وما أبرزه من مقدرة علمية راقية انتشرت من خلال موسوعة (فقه الخلاف) تعززت قناعة كثير من أساتذة وفضلاء الحوزة العلمية والمؤمنين الواعين والنخب المثقفة بضرورة التصدي للمرجعية، ‏واقترن ذلك بتشخيص سماحته وجود مساحات فارغة كثيرة من العمل الديني لرفعة الإسلام وعزة أبنائه ونشر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى لا يمكن القيام به إلا تحت عنوان المرجعية.

 قدّم سماحته رسالته العملية (سبل السلام) للطبع عام 1430هـ/ ‏2009م، ‏مؤذناً للمؤمنين بالرجوع إليه تقليداً بعد أن كانوا يرجعون إليه قيادة وتوجيهاً، ‏وكان همَّه الرئيسي هو ملئ هذا الفراغ ودعم الحوزات العلمية ونشرها في بلاد المسلمين ومساعدة المشتغلين بالعلم والعمل.

‏وساهمت أبحاثه العلمية العميقة وأخلاقه الرفيعة وخطاباته الواعية المستوعبة للقضايا المعاصرة وهموم المسلمين وتطلعاتهم في إقناع المزيد من المؤمنين في الرجوع إليه، حتى أصبح من الوضوح ان مرجعيته المباركة اليوم تأتي في ‏المقام الثاني بعد مرجعية السيد السيستاني (دام ظله الشريف) وقد ثبت ذلك بحسب الاحصائيات ‏التي أجراها فريق من الخبراء الغربيين المتخصصين على عيّنات من ملايين الزوار في الأربعينية وساعدتهم فرق متدربة، ‏ونُشرت الدراسة في كتاب عنوانه (الوجهة كربلاء)([2]‏طبعته ونشرته الأمانة العامة للعتبة العباسية المطهّرة، وأظهرت النتائج أن أتباع المرجع اليعقوبي يزيدون على مجموع أتباع المرجعيات الأخرى عدا السيد السيستاني طبعاً.

‏وتوالت الطلبات لفتح مكاتب وممثليات لسماحته في مختلف دول العالم لكنه لم يستجب إلا لتحقيق الأغراض أعلاه، حيث توجد اليوم في قم ومشهد ولبنان وسوريا والهند وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا وتايلاند وبورما وأكثر من ‏20 دولة أفريقية.

‏وكان المرجع الراحل المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره) يرى في سماحة الشيخ مرجعية قوية واعده - بحسب ما رواه اثنان من العلماء المقربين إليه - ووجهّ رئيس تحرير مجلة فقه أهل البيت (^) التي يشرف سماحته عليها بنشر الأبحاث الفقهية الاستدلالية لسماحة المرجع في قسم البحوث الإجتهادية التي تنشر أبحاث المراجع الكبار ووصفها بأنها رصينة ودقيقة.

‏وقد وصل صدى مرجعيته المباركة إلى الأمم المتحدة حيث أُشير إليها في الإصدارين الذين نشرتهما ‏منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عن مدينة النجف، فقد ورد في الإصدار الأول المُعنَون (النجف بوابة الحكمة) ما نصّه (‏ولقد التحق بهؤلاء المراجع الأربع الكبار مرجع جديد يفوقهم حداثة والتزاماً بالأمور السياسية وهو الشيخ محمد اليعقوبي أحد تلامذة السيد محمد محمد صادق الصدر صاحب الجاذبية المؤثرة الذي اغتيل لعام 1999م، وهو يدير مدرسة دينية وقد أرتقى إلى مكانة المراجع اذ أنه جذب إليه مقلدين كثيرين من داخل العراق)([3]).

وورد في الإصدار الثاني المُعنَون (النجف:تاريخ وتطور المدينة المقدسة) ما نصّه (وهناك مجتهدون آخرون تصدوا للمرجعية ومن البارزين بين هؤلاء المرجع آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي الذي يتمتع بمكانة متميزة. أن المرجع محمد اليعقوبي تصدى للمرجعية إستناداً إلى وصية مكتوبة من أستاذه المرجع محمد محمد صادق الصدر)([4]).

‏وقال في موضع آخر:(عندما يذكر النجفيون المرجعية يقصدون أحد المراجع الأربعة الكبار أو الأربعة بمجملهم وقد يضاف إليهم محمد اليعقوبي كمرجعٍ خامس)([5]).

 

 



([1]) أحد الحوارات التي أجريت مع السيد الشهيد الصدر الثاني (+) ومسجل على شريط كاسيت في منتصف عام 1998م.

([2]) فوتيني كريستا، اليزابيث داكسير، درين نوكس، الوجهة كربلاء ص152 الطبعة الأولى، الناشر مركز الدراسات الاستراتيجية، بيروت العتبة العباسية المقدسة 1438هـ - 2017م.

([3]) ياسر طباع، صابرينا ميرفان، ارك بونيرن، النجف بوابة الحكمة، ص131، الناشر منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة بالتعاون مع مكتب اليونسكو للعراق عمان الأردن،2014م.

([4]) د. صابرينا ميرفان، د. روبرت كليف، د. جيرالدين شاتلار، النجف، تاريخ وتطور مدينة المقدسة، ص377 منشورات اليونسكو الناشر دار الوراق للنشر 2016م.

([5]) د. صابرينا ميرفان، د. روبرت كليف، د. جيرالدين شاتلار، النجف، تاريخ وتطور مدينة المقدسة، ص203 منشورات اليونسكو الناشر دار الوراق للنشر 2016م.