للشباب القدرة على التفوق على أصحاب العناوين الكبيرة
للشباب القدرة على التفوق على أصحاب العناوين الكبيرة ([1])
أروي لكم حادثة من معركة الجمل لنأخذ منها العبرة، ففي تلك المعركة وقف عدد من شيوخ الصحابة كطلحة والزبير وعائشة زوج النبي (J) في مواجهة أمير المؤمنين (A) وأندس معهم بنو أمية لإشعال الفتنة بين المسلمين حتى يصفى ملك الشام لمعاوية، وقد كان الجميع يعلمون بأن علياً (A) هو الإمام الحق بكل المقاييس فقد بايعوه على ذلك يوم الغدير بأمر رسول الله (J)، ثم أجمعت الأمة على مبايعته بعد قتل عثمان، وكانت النتيجة إزهاق أرواح الآلاف من المسلمين وإحداث الشرخ الكبير بين أبناء الأمة، والتمهيد لقيام دولة بني أمية الظالمة المنحرفة.
وقد حاول أمير المؤمنين (A) ثني القوم عن الحرب، وذكّرهم بأحاديث رسول الله (J) ومواقفه فتذكّرها الزبير وأعتزل المعركة لكن الآخرين أصّروا على الحرب، وكمحاولة أخيرة لوعظهم عرضَ على أصحابه أن يذهب أحدهم إلى القوم رافعاً كتاب الله تعالى بيده ويدعوهم إلى تحكيمه والعمل به وأخبرهم بأنه سيقتله القوم ويستشهد، فأستجاب له شاب نقي من أهل الكوفة وتعهّد بتنفيذ المهمة، وبعد تكرار الدعوة عدة مرات وافق الإمام (A) على تشريفه وناوله المصحف، فوقف الشاب بإزاء الجيش المعاند وبلّغ الرسالة فقطعوا يده اليمنى التي كان يحمل بها المصحف الشريف، فرفعه باليسرى فقطعوها ثم قتلوه.
ووقفت والدته ترثيه:
يا ربِّ إن مسلماً أتاهُمْ |
|
يتلو كتاب الله لا يخشاهمْ |
فخضبّوا من دمه لحاهمْ |
|
وأمه قائمة تراهم |
وتقصد بأمه أم المؤمنين عائشة التي كانت حاضرة ولم تنههم عن هذه الجريمة، ورأى الإمام (A) حينئذٍ إن الحجة قد اكتملت على القوم فقال لأصحابه (الآن حلَّ قتالهم) ([2]).
وهذه الحادثة تعطينا درساً بأن من عندهم تاريخ في العمل وسلسلة من الإنجازات والعناوين الكبيرة كطلحة والزبير الذين كانا من السابقين للإسلام في مكة وهاجرا إلى المدينة وشاركا مع رسول الله (J) في معارك بدر وأحد والأحزاب، وكان الزبير من المدافعين عن دار فاطمة (B)، ورشحا علياً للخلافة من بين الستة أهل الشورى الذين عينهم عمر، إلا إنهما سقطا في الامتحان وغرّتهم زينة الحياة الدنيا ومالت نفوسهم إلى الطمع وإتباع الأهواء، وخضعا لتسويلات ولديهما الحالمين بالسلطة، فوقعوا في هذه الجريمة الكبرى ونقضوا غزلهم.
بينما ينجح شاب في مقتبل العمر نقي السريرة لم تتلوث فطرته ولم يتعلق قلبه بالدنيا ففاز بطاعة الله تعالى ورسوله (J) ونال رضا أمير المؤمنين (A)، فعلى الشباب أن يثقوا بأنفسهم ويلتفتوا إلى قدراتهم ولا يقلّلوا من شأنهم وإمكانياتهم الهائلة في نصرة دين الله تعالى وخدمة أمتهم، وألّا يثبّطَ عزيمتهم الكبار الذين يتباهون ببعض الإنجازات وربما يستصغرون الشباب، ويضعون مقاييس مغلوطة لتقييم الاستحقاقات فالمقياس هو العمل الصالح المثمر المبارك، وإنَّ الله تعالى ناصر من ينصره وهو ولي المؤمنين.
[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) مع جمع من الطلبة الجامعيين والشباب يوم الخميس 24 / ذو الحجة /1444 الموافق 13/7/2023.
[2] - موسوعة سيرة أهل البيت (D) للشيخ القريشي: 8/87 عن مروج الذهب: 2/246، مناقب آل أبي طالب: 2/341.