المرجع اليعقوبي يطرح الركائز الأساسية للنظرية التي تفسر أسباب انهيار الحضارات والأمم والدول
بسمه تعالى
المرجع اليعقوبي يطرح الركائز الأساسية للنظرية التي تفسر أسباب انهيار الحضارات والأمم والدول
الأربعاء 23 رجب الأصب 1444
الموافق 15/2/2023
ألقى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) درس التفسير الأسبوعي في جمع من طلبة الحوزة العلمية بمكتبهِ في النجف الأشرف في ضوء الآية الكريمة الثانية من سورة الحشر المباركة {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2]، وهي تحكي تفاصيل غزوة بني النضير وهم احدى قبائل اليهود الثلاث الذين سكنوا حول المدينة وكان النبي (J) قد عقد معاهدة سلام وحسن الجوار فنقضوا العهد في تآمرهم على قتل النبي (J) وتحالف وفد منهم برئاسة زعيمهم كعب بن الاشرف مع قريش لمناصرتهم عند هجومهم على المدينة.
وطرح سماحتُهُ (K) الركائز الأساسية لما أسماه بالنظرية الاجتماعية والسياسية، التي تساعد في فهم سرّ إنهيار الحضارات والدول، وتفكك المجتمعات، استناداً على إمكانية توسعة المفاهيم والمضامين القرآنية والمصاديق التي تنطبق عليها.
وأشار سماحتُهُ (K) الى ان عنوان {بُيُوتَهُمْ} الذي ورد في الآية الكريمة يمكن ان يقصد به الجامع المعنوي والاعتباري الذي يأوي اليه الافراد ويستمدون منه هويتهم، كالدولة والأمة والحضارة، وحينئذ يكون معنى تخريبهم لبيتوهم هو عدم المحافظة على أوضاعهم الاقتصادية وعدم استقرار أمنهم ونفوذهم الاجتماعي، وذلك بنقضهم العهود وعدم التزامهم بالمواثيق.
وأوضح سماحتُهُ (K) العاملين الأساسيين اللذين يمكن الرجوع اليهما لمعرفة أسباب انهيار الحضارات في النظرية المشار إليها، وهما:
1-خارجي: وهم الأعداء المتربصون الذين ينتظرون الفرصة المؤاتية للانقضاض عليهم واحكام السيطرة عليهم.
2-داخلي: لفقدانهم الروح المعنوية وتعويلهم على القوى المادية من سلاح ومال وكثرة عددية وهي وحدها لا تصنع النصر. وهذا العامل الداخلي هو الأقوى في التأثير، وقد لا يحتاج العدو الخارجي الى أكثر من احداث هذه الهزيمة الداخلية. وهذا ما حصل لبني النضير فقد هُزِموا من داخلهم من دون قتال وسلّموا أراضيهم واموالهم وممتلكاتهم مقابل النجاة بأنفسهم وهي نتيجة طبيعية لمن لا يمتلك مبادئ سامية يقاتل من أجلها.
وفي ذات السياق بيّن سماحتُهُ(K) ان هذه النظرية يمكن الاستفادة منها في مفهوم صراع الحضارات - الذي طُرِح في منتصف تسعينات القرن الماضي- ومن تطبيقاتها (النظرية) التاريخية القديمة هو هزيمة المسلمين في الاندلس بعد أن حكموها أكثر من ثمانمائة عام، ولم تقدر الأمم الأوروبية على هزيمتهم، لكن ملوكهم لمّا انهمكوا في ملذاتهم ولهوهم وشهواتهم، وغفلوا عن أمور الشعب والدولة، وأصبحت امورها تدار من قبل الجواري - وبعضهن من الجاسوسات الاوربيات - وانشغل الأمراء بصراعاتهم الداخلية التي مزقتهم الى دويلات وامارات، واستعان بعضهم بالممالك الاوربية على إخوانهم المسلمين، وبفقدانهم لكل القيم المعنوية ومقومات الصمود، تمكنت جيوش الأعداء من هزيمتهم، فاستسلموا وسلّموا البلاد لهم، ولحقهم خزي الدنيا وعذاب الاخرة بتضييعهم هذا الجزء المهم من بلاد المسلمين.
ومن التطبيقات المعاصرة لهذه النظرية، هو انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يمتلك قدرات هائلة، مكنتّه من الوقوف مقابل حلف شمال الأطلسي، طيلة عقود الحرب الباردة، لكن عوامل الضعف نخرت كيانه من الداخل، فانهار من دون قتال وانحلّ الاتحاد عام 1991 وتشظى الى دول عديدة تشهد بعضها صراعات فيما بينها.
وفي نهاية درسه التفسيري أكد سماحة المرجع (K) على ان الحضارة الغربية سائرة اليوم بهذا الاتجاه (الخراب والانهيار) خصوصاً بعد اتخاذ عدد من حكوماتهم قراراً بإباحة زواج المثليين وتغيير الجنس، وهو عامل تخريب للأسرة التي هي مقوم اساسي للأمة، كما أن التخلّي عن المبادئ الإنسانية السامية، والتجرد من المعنويات، ومن الإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر، والخواء الفكري والأيديولوجي الذي يعيشونه وإشاعة ثقافة اللهو والعبث واللهث وراء الشهوات، وهوس التفاهات، يجعلهم مجتمعات كسولة مخدّرة غير منتجة، لذا تجدهم يستعينون بالمهاجرين من البلاد الأخرى لتسيير حياتهم، وهذه كلها أمور تنسف أساس الحضارة ومقومات الأمم، فعلينا أن نستيقظ ونحذّر من تسرّب هذه العناصر المدمّرة الى مجتمعاتنا الإسلامية، بل علينا أن ننقل إلى تلك الأمم ما عندنا لننقذهم مما هم فيه من الضياع.