القبس/178(وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ) سورة الضُحى11 - التحديث بولاية أهل البيت(ع) ونشرها
{وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}
موضوع القبس: التحديث بولاية أهل البيت (%) ونشرها
تقع الآية الكريمة في نهاية سورة الضحى حيث يذكّر الله تعالى نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنعم عليه من نعم الهداية والرعاية والغنى ويقارن بين حاليه قبلها وبعدها، وهي دعوة لكل إنسان أن يستحضر ما أنعم الله تعالى عليه ويستشعر الحاجة والفقر إلى الله تعالى ليعرف حقَّ ربّه عليه ويؤدي ما يجب عليه من وظائف العبودية.
ماذا يتوجب علينا مع حصول النعمة؟
فإذا حصلت للإنسان نعمةٌ ما ماديةً كانت أو معنويةً فإن هذا يوجب عليه أموراً ([1]) عديدة:
(منها) شكر هذه النعمة باللسان وبالفعل كسجدة الشكر أو صلاة الشكر، مع الالتفات الى عجزنا عن أداء حق الشكر لان كل شكر هو نعمة جديدة تستحق الشكر كما في مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجادية.
(ومنها)أداء حق هذه النعمة واستعمالها في طاعة المنعم ونيل رضاه وأداء ما افترض الله تعالى من حقوق فيها فالقيادة الصالحة نعمة، والوالدان والأولاد والزوج والمال والجاه والمعلم والمربي كلها نعم توجب حقوقاً، رسمها الإمام السجاد (×) في رسالة الحقوق.
(ومنها) إظهار أثرها على الإنسان فمن أكرمه الله تعالى بمالٍ لا بد أن يظهره بما ينفق في وجوه البر والإحسان، ومن أنعم عليه بجاهٍ لا بد أن يظهره من خلال السعي لحل مشاكل الناس وقضاء حوائجهم وسيأتي تفصيل أكثر.
(ومنها) بذلها للناس وعدم التقصير في سد احتياجاتهم منها، عن رسول الله (’) قال: (إن لله عباداً أختصهم بالنعم يقرّها فيهم ما بذلوها للناس فإذا منعوها حوّلها منهم إلى غيرهم) ([2]) وعن أمير المؤمنين (×) قال: (مـن كثـرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيهـا عرّضهـا للـدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء)([3]).
كيف نعرِّف بالنعمة ولا نُصاب بالعجب أو الرياء؟
(ومنها) ما ذكرته الآية الشريفة من وجوب التحديث بهذه النعمة، اذ الأمر فيها لا يختص بالمخاطب وهو رسول الله (’) كما هو واضح في آيات القران الكريم، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (التحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر)([4]).
وقد يبدو هذا الأمر غريباً إذا تعلق بالنعم المادية إذ من غير المألوف أن يتحدث الإنسان في مجالسه بما عنده من أموال أو بنين أو عقارات أو نفوذ اجتماعي ونحو ذلك، وكذا الحديث في الأمور المعنوية فقد يدخل في باب الرياء أو العجب أن يتحدث الإنسان عن الطاعات التي قام بها من صلاة أو صوم أو صدقة ونحو ذلك، إذن كيف نفهم هذا الأمر بالتحديث بالنعمة؟.
والجواب يتحقق من خلال فهم معنى (النعمة) وكذا (التحديث) على نحوٍ يناسب الأمر الوارد في الآية، والتأمل فيهما يؤدي إلى عدة وجوه:
1- إن التحديث بالنعمة لا يكون بعنوان كونها إنجازاً شخصياً للاستعلاء والتفاخر وإنما بما هي منسوبة إلى الله تبارك وتعالى لبيان فضله وكرمه وابتدائه بالنعم لتحبيبه تعالى إلى الناس وحثّهم على أن يلتفتوا إلى ما أنعم الله تعالى عليهم، فهو عظمت آلاؤه ربّانا بالنعم قبل أن نكون، ومن ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب له إلى معاوية: (ألا ترى -غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدّث- أن قوماً استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار، ولكلٍّ فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيد الشهداء وخصّه رسول الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه)([5])، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) عقب هذه الآية: (حدِّث بما أعطاك الله وفضلك ورزقك وأحسن إليك وهداك)([6])، لذلك أضافت الآية النعمة إلى الرب {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، ليعلم الأنسان أن كل ما عنده هو من ألطاف الرب الودود الكريم وليس من نتائج تدبيره وعبقريته وقدراته الخارقة كما يتوهم أغلب الناس {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص : 78].
2- إن التحديث بالنعمة لا يقتصر على الحديث اللساني وإنما يشتمل التحديث العملي بإظهار تلك النعمة إمام الآخرين روي عن رسول الله (’) قوله: (إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه)([7]) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الله جميل يحبّ الجمال ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده)([8])، وعن الإمام الصادق (×) قال: (إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُميّ حبيب الله محدثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيض الله مكذباً بنعمة الله)([9]).
ويكون ثمرة هذا التحديث للتأسي في فعلها أو السعي بنفس المقدمات التي تؤدي إلى تحصيل تلك النعم ونحو ذلك روي عن الإمام الحسين (×) قوله: (إذا عملت خيراً فحدّث إخوانك ليقتدوا بك) ([10]).
3- إن الإشكال مبني على كون المتحدث هو صاحب النعمة التي يجري التحديث بها وهو غير متعين، إذ قد لا يكون المقصود التحدث بنعمة الله على المتحدث نفسه بل على الآخرين أي حدّثهم بنعمة الله تعالى عليهم، لتذكيرهم ولتقريبهم إلى الطاعة، أو لتسليتهم عن أمر فقدوه ولامتصاص غضبهم وسخطهم على ما فاتهم فيذكرهم بالنعمة التي استفادوها ونحو ذلك، ورد أن الله تعالى قال لموسى (×): (حبّبني إلى خلقي وحبّب خلقي إليّ، قال: يا رب .. كيف أفعل؟ قال: ذكرّهم آلائي ونعمائي ليحبّوني) ([11]).
4- إن الآية نظير قوله تعالى: {مَا أَنتَ بِنِعمَةِ ربِّكَ بِكَاهنٍ وَلا مَجنُونٍ} (الطور: 29) فيكون معناها أن حديثك إنما هو بنعمةٍ من الله فهذه الآية تثبت حقيقته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن نفت تلك الآية ما افتراه المشركون عليه وتكون حصيلة الآيتين ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون وإنما أنت بنعمة ربِّك محدِّث.
5- يحتمل في التحديث معانٍ آخر غير معنى التكلم بها وإطلاع الآخرين عليها، قال استاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (+): (أمكن أن يُراد بمادة (حدّث) أمران آخران:
الأول: الحدوث.
والثاني: التحديث بمعنى الجدة.
فعلى الأوّل يعني: أوجد نعمة ربّك، أي: سبّب إلى وجودها في حدود إمكانك، وهو أمر معنوي.
وعلى الثاني يعني: جَدّد نعمة ربّك: إما بالتسبيب إلى تكرارها وإما بتذكّرها)).
6- أن يكون مفعول (حدّث) هو ربك او نفسك وليس الناس فلا يبقى للإشكال موضوع أصلا، ويكون التحديث حينئذ من كلام النفس لا اللسان ويؤدي معنى التذكر قال السيد الشهيد الصدر (قدس سره): ((وإما أن يكون الحديث بمعنى التذكّر يعني: حدّث نفسك أو حدّث ربّك، ولم يقل حدّث الآخرين، وهو مجازٌ في التذكّر، وفيه ثوابٌ وتكاملٌ، أو إنَّك إنَّما تفعل ذلك كلّه بنعمة الربّ سبحانه.
وبتعبيرٍ آخر: تارةً يكون التركيز على النعمة وأخـرى علـى التحديث بها، ويكون الآخر تابعاً نحو: العيش برزق الله) ([12]).
أقول: ولا يخفى ما في تذكّر النعم من راحة واطمئنان وسكينة وثقة بلطف الرب الرحيم وتخفيف من المعاناة وتقوية للصبر وتجديد للأمل ومنع لحصول اليأس والإحباط عند فقدان بعض النعم لمرض أو حادث أو فقر.
7- إن الإشكال مبني على كون المتحدث هو صاحب النعمة التي يجري التحديث بها وهو غير متعين، إذ قد لا يكون المقصود التحدث بنعمة الله على المتحدث نفسه بل على الآخرين أي حدّثهم بنعمة الله تعالى عليهم، لتذكيرهم ولتقريبهم إلى الطاعة، أو لتسليتهم عن أمر فقدوه ولامتصاص غضبهم وسخطهم على ما فاتهم فيذكرهم بالنعمة التي استفادوها ونحو ذلك، ورد أن الله تعالى قال لموسى (×): (حبّبني إلى خلقي وحبّب خلقي إليّ، قال: يا رب .. كيف أفعل؟ قال: ذكرّهم آلائي ونعمائي ليحبّوني) ([13]).
النعمة هي الإسلام وولاية أهل البيت (^):
8- إن كل الوجوه التي قيلت في تفسير النعمة مقبولة في الجملة ومفيدة إلا أن الوجه الأدق والأهم هو أن نفهم من نعمة الرب مصداقاً يتناسب مع الأمر بالتحديث بها، وهذا موجود، لأن آيات عديدة وروايات كثيرة أفادت بأن هذه النعمة هي الإسلام وولاية أهل البيت (^)، ومنها قوله تعالى {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران: 103) ونعمة الله التي ألفت بينهم ووحدّت قلوبهم هو رسول الله (’) برسالة الإسلام، عن الإمام الحسين (×) قال في تفسير هذه الآية: (أمره أن يحدِّث بما أنعم الله عليه من دينّه)([14]) وسيأتي ذلك في قول الإمام الصادق (عليه السلام).
ويكون هذا المعنى ظاهراً بمقتضى المقابلة بين الآيات التي وصفت حالي رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل النعم وبعدها، في سورة الضحى فان قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] مقابل {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6] وهذه الآية قابلت قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} (الضحى: 7) فالنعمة التي أمر بالتحدث بها هي نعمة الهداية إلى توحيد الله تبارك وتعالى والعمل بدينه.
وتمام نعمة الإسلام وكمالها ولاية علي بن أبي طالب (×) لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (المائدة: 3)، وورد عن الإمام الصادق (×) في تفسير قوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر:8) قول الإمام الصادق (×) إلى أبي حنيفة: (نحن – أهل البيت – النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءً وبنا هداهم الله إلى الإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (’) وعترته) ([15]).
وقد يكون هذا المعنى هو المقصود لا غيره إذا أستظهرنا من الآية الوحدة، ولم نفهم إطلاق النعم وعمومها من قوله تعالى: {بنِعْمَةِ رَبِّكَ}، بأن يكون المراد التنويه بنعمة معينة فتكون هذه لا غيرها واكتفى بالإشارة إليها لعظمتها وأهميتها على سائر النعم، بل إنها لأصل النعم الأخرى أما المعاني والوجوه الأخرى فهي في طولها ومن آثارها المباركة فان ولاية أهل البيت (عليهم السلام) روح الإسلام (بني الاسلام على خمس: الولاية والصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يناد بشئ ما نودي بالولاية يوم الغدير)[16].
وورد عن الإمام الباقر (×) في تفسير قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: 20) قال: (النعمة الظاهرة النبي (’) وما جاء به النبي من معرفة الله عز وجل وتوحيده، وأما النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت وعقْد مودتنا) ([17]).
وروى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال: (بما أنزل الله تعالى عليك وأمرك به من الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، وما فضّلك الله به فحدّث) ([18]).
وأول من بادر إلى العمل بهذه الآية المباركة المخاطب بها وهو رسول الله (’) حيث تحدّث كثيراً بفضل أهل بيته ومقاماتهم الرفيعة وجعلهم صنو القرآن وألزم الأمة بالرجوع إليهم، فظن بعض الأصحاب أنه منحاز إلى قومــــه ويتحدث بدافع العاطفة نحـــو أهل بيته (^) وهو المنزّه عن كل ذلك {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4) فعمله (’) هذا كان التزاماً بالآية الكريمة.
آليات التحديث بالنعمة:
والتحديث بهذه النعمة يتطلب أولاً التعرف عليها والتفقه فيها ثم نشرها بين الناس ودعوتهم اليها، وإذا أردنا أن نكون من الشاكرين على هذه النعمة فلابد أن نظهرها ونعظّمها ونبّين فضائل أهل البيت (^) ومناقبهم ومكارم أخلاقهم وننشر مواعظهم وأحكامهم ومحاسن كلامهم ونوصلها إلى البشرية جمعاء بكل صنوفها ولغاتها، وعلينا أن نحيي شعائرهم وأمرهم كما دعوا (^) إلى ذلك (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) ([19]). وفي قول الإمام الرضا (×): (رحم الله عبداً أحيى أمرنا. فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) ([20]).
ومن قصَّر في إظهار نعمة ولاية أهل البيت (^) ولم يدعُ الناس إليها وإقناعهم بها بأي وسيلة ممكنة، أو لم يحفظ حرمة أهل البيت (^) في سلوكه وصفاته فهو ممن لم يؤدِ حق هذه النعمة ولم يشكرها وكما تقدم في قول الإمام الصادق (عليه السلام) فإنه اعتبر من لم يحدث بنعمة الله ولم يظهرها مكذباً بنعمة الله ويغيض الله.
وفي قول الأمام الرضا (عليه السلام): (رحم الله عبداً احيا أمرنا فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فأن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا)[21]
فليتفقه كل شيعة أهل البيت (^) في دينهم وليطلعوا بعمق ووعي على سيرة أئمتهم (^) ليستطيعوا إيصال هذه الرسالة العظيمـة إلى العالـم كلـه بأمانـة وإتقـان (فـإن النـاس لـو علمـوا محاسن كلامنا لأتبعونا) ([22])، لنحظى بدعائهم عليه السلام: (رحم الله من أحيا أمرنا).
وهكذا تتوسّع النعم التي أمرنا الله تعالى بالتحدث بها في الآية الكريمة وتتنوع، فمن وفقه الله تعالى للتفقه في الدين وللالتحاق بالحوزة العلمية عليه أن يحدِّث المؤهلين لطلب العلم بهذه النعمة ليحثّهم على تحصيلها، والشاب المتديِّن يحدّث أقرانه بما في ذلك من السكينة والاطمئنان والاستقرار ليكسبهم الى الدين، والمرأة العفيفة المحجّبة تتحدث مع قريناتها بالآثار المباركة لهذه النعمة لإقناعهنَّ بالستر والعفاف، والمواظب على حضور صلاة الجماعة والجمعة في المساجد يتحدث بهذه النعمة مع غيره ويدعوهم إلى نيل ألطافها وهكذا.
ومن تطبيقات الآية الكريمة أن تذكر فضل من أحسن إليك وتشكره وتنوّه بإحسانه، فإن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق فإن الله تعالى هو من سخّره لقضاء حاجتك.
مسؤولية الشيعة اليوم:
وأريد أن أركّز الآن على نعمة ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، والمسؤولية الكبيرة التي حمّلتنا هذه الآية للتحديث بها، مع توفر أثمن فرصة اليوم لنشر تعاليم أهل البيت (^) والتمهيد لدولة العدل الإلهي بسبب:
1- عظمة ما احتوت عليه كلمات أهل البيت (^) من أحكام وإرشادات ومواعظ قال الإمام الرضا (×): (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) ([23]) وهذا ما تشهد به التجارب التي حدّثنا بها الإخوة المبلغون ([24]) في شرق الأرض وغربها وما لمسوه من إقبال واسع وسريع لمذهب أهل البيت (^).
2- فشل الأنظمة المادية التي صنعتها البشرية وعجزها عن توفير السعادة للإنسان.
3- الصورة المشوهة للإسلام التي طرحتها المدارس البعيدة عن أهل البيت (^) حيث كان نتاجها التكفير والقتل والإرهاب والتدمير وتخريب الحضارة. بينما اتسم سلوك مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالحكمة والاعتدال والوسطية وكانت المسيرة المليونية السلمية في زيارة الأربعين عاملاً فاعلاً وجاذباً ومؤثراً في قناعة الكثيرين، فتوجهت الأنظار كلها إلى مدرسة أهل البيت (^).
وعلينا أن ندرك أن إصلاح العالم اليوم أخلاقياً وفكرياً واجتماعياً وإعادة الناس إلى رُشدهم منوط بنهضة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومقدار تحرّكهم خصوصاً في العراق لأنه محط أنظار العالم من جهات عديدة بينّاها في أحاديث سابقة.
لذا كان لزاماً علينا في الحوزات العلمية والنخب الفكرية والثقافية والمراكز العلمية والبحثية أن تضع البرامج والآليات للتحرك بهذه الرسالة العظيمة وسيفتح الله تعالى لهم العالم بأسره ولا نتخوف من أحد أو أحداهن او نجامل، فإننا إذا توجهنا بخطابنا إلى الرأي العام وصنعنا قضية إمامه من خلال مراكز إعلامية وفكرية وبحثية صانعة للمواقف ومقنعة للرأي العام على شكل (لوبيات) مؤثرة وفاعلة في مختلف دول العالم، فإن الرأي العام سيقتنع بها ويضغط على أصحاب القرار ويجبره على الانصياع للرأي العام الذي تخشاه الحكومات.
وأذكر كمثال مظلومية الشعب العراقي واضطهاد صدام المقبور له، فعندما تحركت المعارضة العراقية يومئذٍ وشرحت هذه المظلومية كوّنت رأياً عاماً متعاطفاً معها وارتقى بهم الأمر حتى أقنعوا حكومات الدول الكبرى بضرورة اتخاذ إجراء للتخلّص من صدام وهذا ما حصل مع التفاتنا إلى أنَّ أهدافهم كانت تستند الى أجنداتهم الخاصة.
كما أن القناعة بامتياز مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن الاتجاهات الإسلامية المتطرفة حصلت لاثنتين من كبريات الصحف البريطانية والأمريكية فنشرت مقالين عن زيارة الأربعين هذا العام وأشارت إلى الأرقام القياسية المتحققة فيها من حيث عدد المشاركين في المشي وعدد المتطوعين للخدمة المجانية وعدد وجبات الطعام المجانية المقدّمة (قدروها ب 200 مليون وجبة) وأطول مائدة طعام في العالم في أكبر حشد بشري، كما عتب كاتبا المقالين على وسائل الإعلام العالمية لإغفالها هذا الحدث مع أنها تغطي تجمعاً لعشرات في هذه الدولة أو تلك.
فالمسيرة المليونية في زيارة الأربعين مثال حي متجدد يثبت أننا قادرون على صناعة وتوجيه الرأي العام العالمي إذا توفرت الإرادة والعزم والسعي.
فلماذا نتخلى عن مشروعنا هذا بمجرد الوصول إلى السلطة، فهل السلطة غايتنا أم إنها وسيلة لإحقاق الحق وإزالة الظلم والفساد.
([1]) شرحناها بتفصيل أوسع في القبس/180 {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر: 8) القادم، ص292, وفي القبس/73 {الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً} (إبراهيم: 28)، من نور القرآن: 2/331.
([2]) بحار الأنوار- المجلسي: ٧٢/٣٥٣.
([3]) وسائل الشيعة (آل البيت): ١٦/٣٢٥/ح9.
([4]) وسائل الشيعة: 8/ 40.
([5]) نهج البلاغة: الكتاب 28.
([6]) مجمع البيان: 10/ 214.
([7]) بحار الأنوار- المجلسي: ٧٦/ ٢٩٩، نهج الفصاحة: ح 683.
([8]) فروع الكافي: 6/ 438.
([9]) الكافي- الشيخ الكليني: 6/ 438، ح 2.
([10]) مفاتيح الغيب: 31/ 201.
([11]) الأمالي: 484.
([12]) منة المنان في الدفاع عن القرآن: 2/ 96.
([13]) الأمالي: 484.
([14]) المحاسن- البرقي: ١/ ٢١٨/ح115
([15]) تفسير العياشي: ص 258.
[16] - الكافي: ج ٢ ص ٢١.
([17]) تفسير القمي: ٢/ ١٦٦
([18]) البرهان: 10/ 182، عن تفسير القمي: 2/ 427.
([19]) عيون أخبار الرضا (×)- الشيخ الصدوق: 2/275.
([20]) معاني الأخبار - الشيخ الصدوق: 180.
[21] - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق: 2/275.
([22]) معاني الأخبار- الشيخ الصدوق: 180.
([23]) معاني الأخبار- الشيخ الصدوق: 180.
([24]) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع الضيوف المشاركين في مؤتمر الطف الدولي السابع الذي أقامته كلية الآداب في الجامعة المستنصرية وقد زاروا سماحة المرجع يوم الأربعاء 26/ صفر/ 1437 المصادف 9/12/2015 وهم من دول عربية وإسلامية وأجنبية.