ملحق: في وجه تشبيه غيبة الإمام بالشمس إذا جلّلها السحاب
ملحق: في وجه تشبيه غيبة الإمام بالشمس إذا جلّلها السحاب
ويمكن أن نفهم له عدة وجوه:
1- كما ان احتجاب الشمس بالسحاب لا يؤثر على حقيقة وجودها ولا يصح لعاقل أن يستدل على عدم وجودها لعدم ظهورها للعين بسبب تغطية السحاب لها، فكذلك لا يمكن إنكار وجود الإمام (عليه السلام) لمجرّد عدم ظهوره للناس فهو (عليه السلام) موجود وتوجد معه آثاره المباركة وألطافه الكريمة ورعايته الحانية.
2- إنّ جملة من منافع الشمس لا تتوقف على ظهورها المباشر وبتعبير آخر أن فائدة الشمس لا تقتصر على التعرض لأشعتها المباشرة حتى يُقال بعدم الانتفاع منها إذا حجب السحاب أشعتها، فاحتجابها بالسحاب لا يمنع من الانتفاع بها وتبقى تؤدي دورها في حفظ نظام الحياة واستقرار المجموعة الشمسية وحركة الافلاك، وكذلك الانتفاع بوجود الإمام وفيوضاته المباركة لا تتوقف على ظهوره المباشر وإن حرم الناس من بعض تلك الانتفاعات بسبب غيبته، ومنها ما تقدم في الرواية الشريفة من كونه اماناً لأهل الارض ورد في رسالته الشريفة (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، لولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء). ([1])
3- إن احتجاب الشمس بالغيوم إنما هو لمن كان على الأرض فلو خرج من جو الأرض كالذي يحصل لركاب الطائرة عندما ترتفع فوق الغيوم فإنهم سيرون السماء صافية والشمس ظاهرة، فكذلك الإمام فإنه غير مشخّص لذوي الدرجات الاعتيادية والمتدنّية، أما الأنقياء المخلصون ومن حلّقوا في سماء الكمالات المعنوية فإنّ الإمام (عليه السلام) يظهر لهم ويرونه ويعرفونه ويتعاملون معه، وما على المؤمن إلاّ أن يسمو ويرتقي ويخرج من الحجب الأرضية لتكتحل عينه بالنظر إلى الإمام (عليه السلام).
4- إن تغطية السحاب للشمس فيه رحمة بالناس وفيها مصلحة لهم أما من جهة نفس الغيوم لكونها تحمل أمطاراً تحيي الأرض الميتة، أو لعجز الناس عن تحمّل الأشعة المباشرة للشمس فتضر أبصارهم وتصيب رؤوسهم بضربة الشمس وربما اضطروا إلى السكون في منازلهم والقعود عن أعمالهم حذراً من أشعة الشمس، وكذلك غيبة الإمام (عليه السلام) فيها مصلحة للناس، من عدة جهات كالتفاتهم إلى ذنوبهم التي أوجبت حرمانهم من الاتصال المباشر بالإمام أو لأنّ إيمانهم ليس قوياً يحتمل القيادة المباشرة والنظر المباشر للإمام، كالذين لم يتحملوا قيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) ففشلوا وخسروا الدنيا والآخرة، فعدم الابتلاء بالقيادة المباشرة رحمة بالناس لئلاّ تزيغ بصائرهم كتضرّر بصر من ينظر إلى الشمس مباشرة ويفشلوا في الامتحان نظير نصيحة الإمام الحسين (عليه السلام) لبعض من تخاذلوا([2]) عن نصرته بأن يبتعدوا لئلاّ يسمعوا صرخة الإمام (عليه السلام) فتصيبهم الكارثة، فمثل هؤلاء يكون من الرحمة بهم تربيتهم بعيداً عن القيادة المباشرة للمعصوم (عليه السلام) وقبولهم على ما هم عليه.
5- إن احتجاب الشمس بالسحاب أمر نسبي أي لبعض الناس إذ يمكن أن تكون الشمس في نفس الوقت ظاهرة لبعض في بلد آخر لا يحجبهم السحاب، كما يقال في النشرة الجوية غائم جزئي فكذلك غيبة الإمام (عليه السلام) نسبية لبعض الخلق دون بعض فهو ظاهر لبعض الخلق (وما في ثلاثين من وحشة)([3]).
6- إن احتجاب نور الشمس لا لسبب منها أي لا لقصور في المقتضي- كما يقال- وانما لوجود المانع وهو السحاب فمتى ما زال السحاب اشرقت الشمس على الموجودات، وكذلك الامام (عليه السلام) لم يحتجب لسبب منه فان اهل البيت (عليهم السلام) ابواب رحمة الله وكرمه وفضله، وهو تبارك وتعالى لا بخل في ساحته (بابك مفتوح للراغبين وخيرك مبذول للطالبين وفضلك مباح للسائلين ونيلك متاح للآملين ورزقك مبسوط لمن عصاك وحلمك معترض لمن ناواك)([4]).
وسبب احتجابه (عليه السلام) يعود الى الخلق أنفسهم (الا ان تحجبهم الذنوب دونك).
(كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر فكذلك في أيام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه). ([5])
([1]) الاحتجاج: رسالة الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد (قدس سره).
([2]) أنظر: الأمالي- الشيخ الصدوق: ١٩٩/ح7
([3]) الكافي- الشيخ الكليني: ١/٣٤٠/ح16
([4]) مفاتيح الجنان : 168 من ادعية شهر رجب
([5]) بحار الأنوار: 52/ 93.