القبس/163(وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ) سورة التحريم:11 - امرأة فرعون أسوة حسنة للرجال والنساء

| |عدد القراءات : 439
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ)

موضوع القبس:امرأة فرعون أسوة حسنة للرجال والنساء

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:(وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ) (التحريم:11).

مثل يضربه الله تعالى ليتأسى به (الَّذِينَ آمَنُوا) جميعاً في جميع الأجيال رجالاً ونساءاً وليس النساء فقط وليأخذوا منه الدروس والعبر وهكذا كل الأمثال والقصص فليست هي للتسلية ولا لقضاء أوقات الفراغ قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21).

وهذا المثل شاهد على ما يمكن أن تصل إليه المرأة من مكانة سامية بحيث تصبح مثلاً وقدوة لجميع المؤمنين، انها امرأة فرعون التي ذكرت الروايات أن اسمها آسية.

وقدّم الله تعالى الآية التي تذكرها على الآية التي تذكر المثل الآخر وهي مريم ابنة عمران ربما لامتياز في آسية وهي انها عاشت في بيت كافر بل في قمة الكفر والتحدي لله تعالى حيث يزعم فرعون أنه ربهم الأعلى فاختيارها الايمان كان على خلاف العادة وفيه مشقة كبيرة ومجاهدة عظيمة اما مريم فقد ولدت في بيئة صالحة وهم آل عمران الذين اصطفاهم الله تعالى وكانوا يقولون لمريم (عليها السلام) (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) (مريم:28) ونشأت برعاية نبي (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) (آل عمران:37) فسمّوها وكمالها يكون منسجماً مع تلك الظروف.

إن امرأة فرعون سجّلت موقفاً نادراً يصعب تصوره ويذهل المتأمل فيه فقد كانت زوجة فرعون مصر والسيدة الأولى في الإمبراطورية الفرعونية التي تنفذ كل رغباتها بلا مناقشة ولها مكانتها العظيمة في قلب فرعون وكانت تتقلب في حياة الترف والنعيم في قصور فرعون الباهرة مما تحلم به أي امرأة، وفي تلك الأبهة التي اشير الى بعض جوانبها في القرآن الكريم على لسان فرعون (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ) (الزخرف:51-53). وكان أيضاً في قمة الطغيان والجبروت بحيث ينهار أمامه أشرس الأبطال الشجعان.

واذا بهذه المرأة تتنازل عن ذلك النعيم كله وتواجه ذلك الطغيان كله وتتحول إلى صف المؤمنين بموسى (عليه السلام) لما سمعت دعوته إلى الله تبارك وتعالى ورأت آياته المعجزة في مواجهته مع السحرة وهي تعرف قبل ذلك صدق موسى (عليه السلام) واستقامته وسمو اخلاقه عندما تبنته طفلاً رضيعاً لما وضعته أمه في تابوت وألقته في اليم (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) (القصص:8) وطلبت من فرعون أن يبقي على حياته (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (القصص:9)، روى الشيخ الصدوق في كتابه الخصال بسنده عن جابر بن عبدالله قال (قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب وآسية امرأة فرعون)([1]) .

وفي بعض الروايات انها كانت من بني إسرائيل وهي من خيار النساء من بنات الأنبياء وكانت أماً للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم([2]) .

وقد أخفت ايمانها في البداية لكن هذا التغير في حياتها وسلوكها لم يكن ليخفى على زوجها اللصيق بها فرعون فعلم بذلك وطلب منها الرجوع إلى كفرها فرفضت ثم تعرضت للضغط الاجتماعي حيث ابتدأ بأمها لتستعمل العاطفة لإرجاعها إلى دين فرعون، ثم حذروها من خسارتها لكل هذه الحياة المترفة في قصر فرعون ومن بطشه وعذابه فلم يفلحوا معها ثم وصفوها بالجنون واستهزؤا بقرارها وسخروا من هذا الانقلاب في حياتها وتفضيلها وعوداً غيبية مؤجلة يقدّمها النبي موسى (عليه السلام) على نعيم عظيم حاضر تتمتع به لكنها أصرّت على الايمان فهدّدها فرعون بتعذيب غير مسبوق فلم تتراجع حتى نفّذ تهديده ليثبت بذلك هزيمة الطواغيت والفراعنة بكل جبروتهم امام ثبات وإصرار امرأة على الحق.

وروى الطبرسي ان فرعون أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ثم أمر أن يلقى عليها صخرة عظيمة وروى انها كانت ترمق السماء وتدعو بما ذكرته الآية الشريفة فمرّ عليها موسى (عليه السلام) فدعا لها أن يخفّف عنها فلم تجد للعذاب أثراً وأوحى الله تعالى إليها أن ارفعي رأسك ففعلت فرأت البيت في الجنة فضحكت، فقال فرعون:انظروا إلى الجنون التي بها تضحك وهي في العذاب([3]) .

فلا عجب أن تثني عليها الأحاديث الشريفة وتذكر درجتها في الجنة رابعة أربعة مع فضليات نساء الدنيا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وخديجة بنت خويلد ومريم بنت عمرآن([4]) .

ان دعاءها الذي ذكرته يكشف عن كمال معرفتها وسمو ذاتها لخصت فيه هدفها في الحياة والغرض الذي ضحَّت من أجله فقد بدأته بقولها (ربِّ) للاعتراف بين يدي الله تعالى بالتربية الإلهية الخاصة التي حظيت بها وترجو أن يديمها ربها عليها وطلبت أن ينجيها الله تعالى من مكائد فرعون وضغوطه وفتنته وأن لا تكون جزءاً من نظامه الفاسد (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17) لأنها رافضة لكفره ولسلوكه الشيطاني ومن كل أعمال المجتمع الفرعوني الغارق بالكفر والمعاصي، وتوجهت بقلبها وعقلها إلى ما عند الله تبارك وتعالى وزهدت بنعيم فرعون الذي فيه ما تشتهيه الأنفس وتهفو إليه القلوب بما يفوق التصور لكنها ادركت ببصيرتها أنه متاع دنيوي زائل ولم تكتفِ بطلب بيت في الجنة الذي فيه عوض عما زهدت به في الدنيا بل أن يكون هذا البيت عند الله تعالى وهي ما ارادت بالعندية عندية المكان لأن الله تعالى لا يحدّه مكان وإنما ارادت عندية المكانة في جواره وقربه تعالى وفي ذلك كرامة معنوية فائقة.

وهي بذلك تضرب مثلاً سامياً في قوة الإرادة والثبات على الايمان والإخلاص في العبودية لله تعالى والتنزه عن زخارف الدنيا الوهمية حيث كانت ترى قصر فرعون والدنيا عموماً سجناً تضيق نفسها بالحياة فيه فتطلعت إلى بيت تبنيه الإرادة الإلهية بدون واسطة حتى الملائكة.

إننا بحاجة ماسة إلى احياء ذكر هذه القمم لنزيد من همتنا في طاعة الله تعالى ومن مقاومتنا لكل مشاريع الفساد والانحلال والابتعاد عن الله تعالى مهما كانت الاغراءات أو الضغوط حتى تصبح هذه الظواهر المنحرفة التي تحصل هنا وهناك كالذي تقوم به بعض النساء في احتفالات الاعراس او على صفحات التواصل الاجتماعي او العلاقات المشبوهة ونحو ذلك تصبح ممقوتة ومثيرة للاشمئزاز فضلاً عن التأثّر بها والانسياق معها.

وهذه المرأة العظيمة حجة علينا جميعاً لأننا مهما تعرضنا لإغراءات الدنيا فهي دون ما كان متاحاً لامرأة فرعون وطوع ارادتها ومهما تعرضنا لضغوط وتهديدات فهي دون ما لاقت (رضوان الله تعالى عليها) وماتت تحت تعذيب ومع ذلك فقد صمدت وثبتت وازدادت سمواً وإخلاصاً حتى لاقت ربها وماتت تحت التعذيب شهيدة راضية مرضية، فما هو عذرنا([5]) وما هي مبرراتنا إن ضعفنا أو قصرّنا.



([1]) الخصال: 174، باب 3 ح 230

([2]) بحار الأنوار: 13/16

([3]) بحار الأنوار:13: 164-165

([4]) الخصال:205 -206 باب 4 ح 22،23

([5])  الكلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة ملتقى العلم والدين النسوي في النجف والمحافظات يوم الخميس 8/جمادي ثاني/1440 الموافق 14/2/2019.