القبس /130(وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡولُونَ)سورة الصافات:24 - المسؤوليات الثابتة والمتحركة

| |عدد القراءات : 455
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 (وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسُولُونَ)

موضوع القبس:المسؤوليات الثابتة والمتحركة

لكي نؤدي مسؤوليتنا:

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (الصافات:24).

قال امير المؤمنين (عليه السلام) (اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)([1]).

 فمسؤولية الإنسان إذن لا تنتهي بالموت، بل لا بد من وقوفه في يومٍ للسؤال عن كل ما صدر منه صغيراً كان أو كبيراً (فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) (طه:52) وسيقف الإنسان يومئذٍ مبهوتاً متعجباً مستسلماً (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49).

ولو أنا إذا مِتـنا تُركنـا        لكان الموتُ غايةَ كل حيِّ([2])

ولكنّا إذا مــتنا بُعــثنا        ونسألُ بعدها عن كلّ شيِّ

فعلى الإنسان أن يستعد ليوم السؤال وأن يحضّر أجوبته عن كل أفعاله ومعتقداته لكي لا يُفاجأ بصحائف أعماله ويجد فيها ما جنت يداه ولا يستطيع التدارك فلا ينفعه الندم (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) (ص:3) وأن يعي مسؤولياته أي ما سيُسألُ عنه -لأن المسؤولية اسم شيء مشتق مما يُسألُ عنه- لكي يؤديها بالشكل الصحيح.

أصناف المسؤوليات:

والمسؤوليات على صنفين:ثابتة ومتغيرة، ولا نعني بالمتغيرة:أن حكمها يتغير لأن (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة)([3]) وإنما نعني حصول التغيّر في الموضوع والعناوين فيتغير الحكم تبعاً لها، فالخمر حرام لكن إذا عولجت وانقلبت خلاً صارت حلالاً لتغير الموضوع، والميتة حرام ولكن لمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ تكون حلالاً لطروّ عنوان ثانوي عليها وهو الاضطرار، فالتغير ليس في أصل الأحكام وإنما في تطبيقاتها.

والتكاليف الثابتة معلومة على مستوى العقائد كالإيمان بوجود الله تبارك وتعالى ووحدانيته وصفاته الحسنى والأنبياء والرسل والأئمة سلام الله عليهم، وعلى مستوى الأحكام كوجوب الصلاة والصوم والخمس وحرمة شرب الخمر والزنا والغيبة وغيرها أو على مستوى الأخلاق كمحبوبية الصدق والكرم والحلم ومبغوضية الحسد والأنانية والتهور وغيرها.

أما المتغيرة فيمكن أن تتأثر بعناصر عديدة:

التأثر بالموقع:

منها:الموقع، فإن الإنسان العادي مسؤول عن نفسه وأهله وما يرتبط به، وحينما يكون وزيراً مثلاً فإنه مسؤول عن مؤسسات كاملة وإدارة كل الشؤون المرتبطة بوزارته ورعاية مصالح جميع الناس بما يرتبط بوظيفته، وحينما يكون إماماً في مسجد فإنه يكون مسؤولاً عن أبناء تلك المنطقة فيتفقدهم ويصلهم ويقضي حوائجهم ويساعدهم ويهديهم ويصلح شأنهم، فإذا أصبح قائداً أو مرجعاً دينياً شملت مسؤوليته الملايين من الناس في شرق الأرض وغربها، ولذا نجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول وهو بالكوفة (ولعلَّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع)([4])، ويروي التأريخ أن المعتصم العباسي وصلته استغاثة امرأة في عمورية من بلاد الروم نادت:وامعتصماه، فقاد جيشاً كبيراً وخرج بنفسه لتأديب الروم وإغاثة المرأة([5]).

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي:يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم)([6]).

وكم من فقير وجائع ومكروب ومهجّر ومريض ومسجون بغير حقٍّ ينادي اليوم:يا للمسلمين، يا للحكومات، يا لعلماء الدين، يا للمرجعيات.

فليعلم كل واحدٍ مسؤوليته وإذا عجز عن حل المشكلة وقضاء الحاجة فلا أقل من التفاعل مع القضايا ونصرة أصحابها بالكلمة والموقف، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:(إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمّ بها قلبُه فيدخله الله تبارك وتعالى بهمِّه الجنة)([7])، أما الذين في موقع يسعهم قضاء حوائج الناس ويقدرون عليها فلا يهتمون ويقصرون في إنجازها فقد خرجوا من ولاية الله تبارك وتعالى، ففي الحديث عن موسى بن جعفر (عليه السلام) (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يُجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل)([8])، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال:(لم يَدَعْ رجلٌ معونةَ أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر)([9]).

تأثر المسؤولية بالظروف المحيطة:

ومنها:الظروف المحيطة به، فنحن في العراق نعيش حالة احتلال وصراع سياسي وفقر وحرمان وقتل وتهجير واختطاف وفساد إداري وسرقة للمال العام واعتقال للأبرياء وغيرها من القضايا التي تحتم اتخاذ مواقف بإزائها لم نكن مكلفين بها قبل وجودها، ولا يعذر الإنسان حين يصمّ آذانه عن كل هذه القضايا من دون أن يقوم بواجبه تجاهها، كما لا تعذر الحكومة حين تصمُّ آذانها عن مطالبة عوائل الأبرياء المعتقلين للإفراج عنهم أو تصمّ آذانها عن سماع الشعب العراقي المحروم الذي يطالب بتوفير مفردات البطاقة التموينية وتحسينها فتَفعل الحكومة العكس وتعلن عزمها على تقليل المفردات إلى النصف.

تأثر المسؤولية بالبلد:

ومنها:البلد الذي يؤثر في نوع المسؤولية، فالشخص الذي يسكن العراق له تكاليف تختلف عن الذي يسكن في بلاد الغرب مثلاً فهذا تبرز عنده وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه يعيش في وسط مجتمع مسلم فوظيفته تقويم الانحراف داخل المجتمع المسلم بهذه الوظيفة، أما المقيم في الغرب فتبرز عنده وظيفة الدعوة إلى الإسلام لأنه يحاور غير المسلمين.

ويؤثّر في حجم المسؤولية ومقدارها وجرّبتم لو أن مجموعة من الطلبة الجامعيين ينتمون إلى محافظات متعددة صدر منهم تصرف معين فإن الطالب النجفي يحاسب أكثر من غيره، ومعذّريته أقل.

تأثر المسؤولية بالعلم:

ومنها:العلم، فكلما ازداد الإنسان علماً ازدادت مسؤوليته بكلا شقّيها أي من حيث الثواب على الإحسان والعقاب على الإساءة لذا ورد في الحديث أن الجاهل يغفر له سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد([10]).

تأثر المسؤولية بالمعرفة الإلهية:

ومنها:المعرفة بالله تبارك وتعالى، فكلما ازدادت معرفته ازدادت مسؤوليته، فقد تكون حالة مباحة وليست في دائرة المسؤولية ضمن مستوى معين ولكنها تكون ضمن دائرة المسؤولية في المستوى الآخر، لذا قيل (حسنات الأبرار سيئات المقرّبين) ([11]) فهي ليست سيئات بالمعنى المتعارف وإلا لما أصبحت حسنات بالنسبة للأبرار، فهي سيئات بالمعنى المناسب للمقربين.

مثلاً يستغفر البعض لأنه غفل فلبس الحذاء الأيسر قبل الأيمن على خلاف الاستحباب، وروي عن بعض العلماء أنه كان يبكي لما دنت منه الوفاة رغم أنه أنفق كل ما عنده لقضاء حوائج الناس لكنه يبكي لأنه كان يستطيع أن يستعمل جاهه لخدمة مزيد من الناس.

روى سيدنا الشهيد الصدر (قده) أنه صلى ركعتي استغفار ذات مرة لأنه التقى بشخص لم يره منذ مدة فقال له:مشتاقين. ولما عاد إلى نفسه خشي أن لا يكون صادقاً.

ومستويات الناس من هذه الناحية متباينة جداً ومتفاوتة بدرجات لا تنتهي لأن الكمال لا ينتهي، وقد ورد ما يدلّ على ذلك في حديث عن الأمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه جاء إليه رجل فسأله (فقال له:ما الزهد؟ فقال:الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجلّ (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ))([12]).

الإيمان عشر درجات:

وقد ورد عن المعصومين (عليهم السلام) عدم جواز استعلاء صاحب الدرجة الأرقى على من هو دونه والاستخفاف به أو عدم مراعاة حاله، ففي كتاب الخصال للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله لأحد أصحابه واسمه عبد العزيز:(يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السُلّم له عشر مراقي وترتقي منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شيء ... حتى انتهى إلى العاشرة، قال:وكان سلمان في العاشرة، وأبو ذر في التاسعة، والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل، ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيقه فتكسره فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره)([13]).

قصة للجد الشيخ اليعقوبي مع الميرزا النائيني:

وروى([14]) السيد الصدر (قده) أن جدي اليعقوبي كان يقيم مجالس العزاء الحسيني في دار الميرزا النائيني (قده) المرجع الديني في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي فإذا أنهى المجلس قال الناس:أحسنت وأمثالها إلا النائيني فكان يقول:غفر الله لك، فسأله الشيخ اليعقوبي عن سرّ ذلك فقال له النائيني (قده):لأنك تأتي في كلامك بروايات لم تثبت صحتها فأطلب لك المغفرة لذلك، فالتزم الشيخ اليعقوبي (قده) في اليوم التالي بالتحقيق في سند  الروايات وعدم ذكر إلا ما يصحّ منها فلم يؤثر في الجالسين ولم تتحرك عواطفهم ولم يتفاعلوا مع المصيبة فأذن له الشيخ النائيني (قده) بالعودة إلى طريقة التسامح في الروايات أي ما يسمى بقاعدة التسامح في أدلة السنن والمستحبات، وعلّق السيد الصدر (قده) بأن (حال) اليعقوبي أو درجته هي (من بكى أو أبكى أو تباكى كان له كذا من الأجر) وحال الشيخ النائيني (قده) (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فتكليفهما مختلف.

تأثر المسؤولية بالانتماء:

ومنها:الانتماء، فالذي يوالي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) عليه مسؤوليات أكثر من غيره من المسلمين والذي ينتمي إلى المرجعية الناطقة الحركية يشعر بالمسؤولية عن دينه ومجتمعه أكثر ممن ينتمي إلى المرجعيات التقليدية الساكنة لذا تجد الحيوية والاندفاع والسبق إلى تنفيذ المشاريع التي تعلي كلمة الله تبارك وتعالى وترفع راية الإسلام في أتباع المرجعية الأولى أكثر.

مسؤولية الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله فرجه):

ولعل من أهم المسؤوليات التي يتحملها من ينتمي إلى مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) هو الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) والتفاعل مع قضيته واستشعار مراقبته ورعايته واطلاعه على أعمال العباد والعمل على تعجيل ظهوره الشريف وإقامة دولته المباركة.

ما الذي نفهمه من دعاء الفرج؟

وأشير هنا إلــى واحـدة مـن تلـك المسؤوليـات وهـي مـا ورد فـي الدعــاء الشريف (اللهمّ كُنْ لِوليِّكَ الحجةِ بن الحسنِ صَلواتُكَ عَليهِ وعلى آبائِهِ)([15]) إلى أن يقول (حتى تُسكِنهُ أرضك طوعاً) أي طواعية وسلماً من دون قتال أو صعوبات أو معوقات. والدعاء عند أهل البيت ليس فقط كلمات تتلى للثواب وإنما هو وسيلة لإلقاء العلوم والمعارف إلى شيعتهم.

ويمكن أن نفهم هذه الفقرة بعدة أشكال:

1-     الطلب من الله تبارك وتعالى أن يذلل للإمام (سلام الله عليه) السماوات والأرض والبحار فتكون في أوضاع مناسبة لحركته المباركة وأن توظف لخدمته وتكون عوامل مساعدة لعمله المبارك كما نصر الله تبارك وتعالى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في معركة بدر بألفٍ من الملائكة والنعاس والمطر والرعب في قلوب الكفّار، قال تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ،  إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:9-12) وكيف أرسل الله تبارك وتعالى الرياح العاتية على الأحزاب فقلّعت خيامهم وهزمتهم حتى انسحبوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (الأحزاب:9).

2-     أن يمكّن المؤمنين من الوصول إلى مواقع النفوذ والسلطة والحكم في البلاد التي ينطلق منها الإمام (عجل الله فرجه) لتأسيس دولته الكريمة وهؤلاء يهيئون تسليم الحكم للإمام (عجل الله فرجه) بكل طاعة وولاء أما إذا كانت بأيدي المنافقين والكفار والمعادين فإن الإمام سيبذل كثيراً من الجهد والتضحيات لفتح هذه البلاد، وقد وردت روايات تسمي فيها بعض القيادات الصالحة التي تلتحق بالإمام (عليه السلام) مع قواتها سلماً وتسلّم له القيادة في العراق في حين تحاربه جيوش من بعض الدول المجاورة وبعض المنافقين في هذه البلاد.

3-     إن البشرية ستكون قريباً من الظهور مستعدة لاستقبال المصلح الموعود بسبب الأزمات الخانقة التي تعجز عن حلها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو صحية أو عسكرية وغيرها فحينما تبلغهم دعوة الإمام (عجل الله فرجه) لإقامة الحق والعدل وسعادة البشرية وإنصاف المظلومين والمحرومين واجتثاث أصول الفساد فسينقادون إليه ويؤمنون به، ويساهم السيد المسيح (عليه السلام) بدور فاعل في إذعان الأمم المسيحية للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بحسب ما ورد في الروايات.

تكاليفنا تجاه أحداث الظهور:

فكلّ من هذه المحاور يوجب تكليفاً بإزائه، فالشكل الأول يدعو إلى ديمومة الدعاء للإمام (عجل الله فرجه)، والشكل الثاني يدعو شيعة الإمام (عجل الله فرجه) التواقين لظهوره الميمون أن يزيدوا من خبرتهم في الإدارة والحكم وينظموا صفوفهم ويعبئوا طاقاتهم للوصول إلى هذه المواقع وبذل الوسع في النجاح في أداء مهامهم حتى يتمكنوا في الأرض وينجحوا ثم يسلّموا مقاليد الأمور إلى بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه).

والشكل الثالث يقضي بأن لا يقصّر المؤمنون في عرض الإسلام النقي الأصيل كما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) وآله الطاهرين (عليه السلام) على شعوب العالم وأن يبينوا لهم محاسنه ويرغبوهم بالدخول فيه ويشوّقونهم إلى اليوم الذي تسود فيه مبادئ الإسلام -التي هي مبادئ الإنسانية- الأرضَ كلها مستفيدين من وسائل الإعلام والاتصالات التي بلغت حداً عظيماً، ويشرحون لهم الحال المزرية التي أوصلتهم إليها أنظمتهم التي وضعها البشر بجهله وغروره من أمراض فتاكة كالآيدز ومن قلق ورعب ومستقبل مجهول وتفكك اجتماعي وضياع وأزمات اقتصادية وتلوث بيئة وغيرها من المشاكل المستعصية.

لا تكونوا من المطففين:

إن كل العناصر السابقة كولاية أهل البيت (عليهم السلام) أو الكون في موقع مهم يمكن أن تكون سبباً لامتيازات يحصل عليها الإنسان في الدنيا والآخرة، ومقتضى العدالة والإنصاف أن يفي بالمسؤوليات التي تقابلها وإلا كان من المطففين الذين يأخذون أكثر مما يعطون فهدّدهم الله تبارك وتعالى بالويل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:1-6).

روي أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يذهب إلى مكة([16]) ماشياً على قدميه وإن النجائب المعدّة للركوب تُقاد بين يديه تعظيماً لله تبارك وتعالى، ولكنه كان يتنكب عن الطريق العام فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام):(أخشى أن أأخذ من رسول الله أكثر مما أعطيه) فالحسين (عليه السلام) صاحب أعظم عطاء في البشرية يستقلّ ما يقدم إزاء ما يأخذ من امتيازات كالتقديس والحب والتبرك وغيرها.

لنحاسب أنفسنا على ما أدينا من مسؤوليات:

أيها الأحبة:

أمام هذه المديات الواسعة والتنوع الكبير والتباين الهائل في المسؤوليات والاستحقاقات والامتيازات ينبغي للإنسان أن يراجع نفسه ويقيّم أعماله ويجري محاسبة يومية انطلاقاً من الأحاديث الشريفة كقول الإمام الكاظم (عليه السلام):(ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه)([17]) وقول الإمام الصادق (عليه السلام) (فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقداره ألف سنة، ثم تلا قوله تعالى (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ))(2)، ولا أقل من استغلال الأيام الشريفة لهذه المراجعة والتأمل فيما قدّم وأخّر كيوم عرفة يوم التوبة العالمي والاستغفار والإنابة إلى الله تعالى وفي يوم العيد الذي يعني العود والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، وكان من المعالم البارزة لإحياء هذه الشعائر الحشد الكبير الذي غصّ بهم الصحن الحسيني المطهّر أمس لتلاوة دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وهم يبكون ويتضرّعون ونقلته لنا بعض الفضائيات، ومثل هذا الاجتماع المبارك سبب مهم لرفع البلاء عن هذه الأمة.

ما الذي يقتضيه الشعور بالمسؤولية؟

إن الشعور بهذه المسؤوليات والالتفات إليها يقتضي عملين:

الأول:رفع التقصير عما لم يقم به الإنسان والندم عليه وتداركه.

الثاني:شحذ الهمّة والعزيمة ورفع مستوى الطموح ليبلغ أعلى هذه الدرجات ويستوعب أكبر مساحة من المسؤوليات ليحظى بأعلى الامتيازات عند الله تبارك وتعالى (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:72) (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) (آل عمران:15-17).



([1]) نهج البلاغة:ج ٢ - ص ٨٠/ رقم الخطبة 167 من خطبه (عليه السلام) في اول خلافته

([2]) تُنسب هذه الأبيات الى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنظر ديوان الإمام علي- محمد الخفاجي: 156- ونسبت الى غيره, أنظر: تاريخ بغداد- الخطيب البغدادي: 14/407

([3]) الكافي- الشيخ الكليني: 1/58/ح19

([4]) نهج البلاغة: 70/ كتاب رقم 45

([5]) الكامل في التاريخ- ابن الأثير: 6/480

([6]) وسائل الشيعة: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب18، ح3.

([7]) المصدر السابق، ح4.

([8]) المصدر السابق، باب 37، ح4.

([9]) المصدر السابق: ح5.

([10]) الكافي: 1 / 47، ح1.

([11]) بحار الأنوار- المجلسي: 25/205,- 70/316

 (1) الخصال للشيخ الصدوق، باب العشرة، ص 437.

([13]) الخصال للشيخ الصدوق، أبواب العشرة، ص 448.

([14]) قناديل العارفين: ص92.

([15]) مفاتيح الجنان: 290

([16]) تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر: 14/180

([17]) و (18) وسائل الشيعة: ج11، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب69، ح1، 2.