القبس/42(وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ) سورة الأعراف:156- التوسل بالأعمال الصالحة لاستجابة الدعاء
(وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ)
موضوع القبس:التوسل بالأعمال الصالحة لاستجابة الدعاء
قصّة في تأثير العمل الصالح:
هذا من تمام كلام النبي الكريم موسى (عليه السلام) الذي ورد في الاية السابقة .
والهود لغة:الرجوع برفق ومنه التهويدة وهو مشي الدبيب وصار الهود في التعارف التوبة، قال تعالى { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } أي تبنا، قال الراغب وهو الدعاء(1) وطلب من الله تعالى ان يكتب لهم أي يثبت لهم في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة، وهو الدعاء الذي ذكره الله تعالى في آية أخرى {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} (البقرة:201).
ويمكن ان نفهّم من الدعاء المذكور انه يجعل توبتهم ورجوعهم الى ربهم - باعتباره عملا صالحاً يحبّه الله تبارك وتعالى - سبباّ ووسيلة لنيل هذا الجزاء منه تبارك وتعالى، وهذا هو الدرس الذي نريد ان نقتبسه من هذا الجزء من الاية الكريمة، ان من وسائل استجابة الدعاء الى الله تبارك وتعالى بعمل صالح مخلص يحبه الله تعالى وفقه الله تعالى اليه { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) (الطلاق:2 -3) .
روت عدة مصادر من الشيعة والسنة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه قال (بينما ثلاثة رهط يتماشون أخذهم المطر فآووا إلى غار في جبل، فبينما هم فيه انحطت صخرة فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض:انظروا أفضل أعمال عملتموها فسلوه بها - وفي مصدر آخر: تذكرون احسن اعمالكم فادعوا الله عز وجل بها وفي مصدر ثالث: انظروا اعمالا عملتموها صالحة لله - لعله يفرج عنكم .
قال أحدهم:اللهم إنه كان لي والدان كبيران وكانت لي امرأة وأولاد صغار فكنت أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم غنمي بدأت بوالدي فسقيتهما، فلم آت حتى نام أبواي فطيبت الاناء ثم حلبت، ثم قمت بحلابي عند رأس أبوي والصبية ينضاعون عند رجلي، أكره أن أبدأ بهم قبل أبوي، وأكره أن أوقظهما من نومهما، فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، ففرج لهم فرجة فرأوا منها السماء.
وقال الآخر:اللهم إنه كانت لي بنت عم فأحببتها حبا كانت أعز الناس إلي، فسألتها نفسها، فقالت: لا حتى تأتيني بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فأتيتها بها، فلما كنت بين رجليها قالت:اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فيها فرجة، ففرج الله لهم فيها فرجة.
وقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرة، فلما قضى عمله عرضت عليه فأبى أن يأخذها ورغب عنه، فلم أزل أعتمل به حتى جمعت منه بقرا ورعاتها، فجاءني وقال: اتق الله وأعطني حقي ولا تظلمني، فقلت له:اذهب إلى تلك البقر ورعاتها فخذها فذهب واستاقها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا مابقي منها ففرج الله عنهم فخرجوا يتماشون)([2]).
الدروس والعبر:
أقول:يمكن استخلاص عدة دروس وعبر من هذه الحكاية:
1- إن هذه الحادثة وأمثالها تولّد الاطمئنان القلبي العملي بجملة من الاعتقادات التي نؤمن بها نظرياً لكننا عملياً لا نذعن بها ولا نتوجه اليها، والإيمان النظري لا يكفي ليكون محرّكاً عملياً حتى يطمئن القلب بها وذلك عندما تقع عملياً من باب {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
فهذه الواقعة ترسّخ عدة عقائد:
(منها) عقيدة ان الله على كل شيء قدير فكم واحد منا يقع في مثل المأزق وهو مطمئن الى ان الله تعالى قادر على أن يزيل هذه الصخرة بمجرد تعلق إرادته بذلك (كن فيكون) أما عامة الناس فانهم يعتقدون باستحالة ذلك لاحتياج الأمر الى أجهزة وآليات لرفع الصخرة وعمال من أين نأتي بهم وهكذا، لكن الحقيقة إن ارادة الله تعالى إذا تعلقت بإزالتها استجابة لدعاء هؤلاء فأنها تزول، ولا نستكثر ذلك على الخالق المقتدر فنحن البشر المخلوقون الضعفاء إذا تعلقت إرادتنا بأن نقفز يرتفع الجسد الذي قد يزيد وزنه عن 100 كغم مباشرة من دون أي مؤثر خارجي سوى الارادة، فلماذا لا يتحقق كل ما تتعلق به ارادة الله تعالى وبيده كل شيء وكل شيء خاضع له {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس:82).
و(منها) عقيدة إن مع العسر يسرا وهذا ما حصل لهم بالصبر والدعاء والتوسل.
و(منها) إن {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وقد جعل الله تعالى لهم مخرجاً بتقواهم.
و(منها) ان الله عند حسن ظن عبده إذا أحسن الظن، روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال (وَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ إِلَّا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ بِيَدِهِ الْخَيْرَاتُ يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّهُ وَ رَجَاءَهُ، فَأَحْسِنُوا بِاللَّهِ الظَّنَّ وَ ارْغَبُوا إِلَيْهِ)([3])، فالرواية تدعونا الى حسن الظن دائماً ورجاء الخير من الله تبارك وتعالى وسيحقق الله تعالى ذلك لعباده.
2- حسن أدب هؤلاء الثلاثة مع ربهم وصحة عبوديتهم ومعرفتهم بالله تبارك وتعالى، إذ أنهم مضافاً إلى ما حملوه من المعرفة بالله تبارك وتعالى التي ذكرناها في النقطة الأولى لم يقدّموا بين يدي ربهم أي عمل يمنّون به على الله تبارك وتعالى ولا طالبوا باستحقاق لهم عند ربهم ولم يزكّوا أنفسهم وأعمالهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (النساء:49) وغاية ما قالوا (اللَّهُمَّ إنَّك إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ)، ومن معرفتهم التفاتهم الـى هذه الوسيلة للفرج والوصول الى المراد.
3- إن من أسباب استجابة الدعاء التوسل إلى الله تبارك وتعالى والتقرب اليه بعمل صالح قد أحسنه وأخلص النية فيه من دون اتكال على العمل أو العجب به أو الجزم بصلاحه واستحقاقه للعطاء فإن هذه كلها محبطات للعمل ومن دون اقتراح على الله تبارك وتعالى ولكن من باب التقرب إلى الله تعالى بشيء يحبّه.
فالأول توسّل الى الله تعالى بالإحسان الى والديه والآية تقول {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195) خصوصاً مع الوصية المؤكدة بالوالدين {وبالوالدين إحساناً}.
والثاني توسل الى الله تعالى بعمل المتقين الورعين والآية تقول {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة:4).
والثالث طهر نفسه من مظالم العباد وحقوقهم عنده وتاب الى الله تعالى توبة صادقة، والله تعالى يقول {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222).
من أراد نفع الدنيا ليخلص عمله:
وهذا أحد تطبيقات قول الصديقة الزهراء (÷) (من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عز وجل له أفضل مصلحته)([4]) فمن رغب أن يختار الله تعالى له أفضل الخيارات وأصلحها له وأكثرها نفعاً في الدنيا والآخرة فليبالغ في إخلاص عمله من الشوائب.
وقد جرّبت ذلك في حياتي فإن بعض الذي أعرف لهم أعمالاً صالحة أحسنوا فيها للآخرين وقعوا في شدة أو بلاء أو حاجة فسألت الله تبارك وتعالى بما أعرف عنهم من تلك الأعمال ففرّج الله تعالى عنهم وقضى حوائجهم ببركة إحسانهم.
إن اتخاذ هذه المقدمة كوسيلة لاستجابة الدعاء من الآداب القرآنية كقوله تعالى {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) (الأعراف:156) والله تعالى يحب التوابين فجعلوا الرجوع الى الله تعالى والتوبة اليه مقدمة للدعاء.
ومنها الآيتان 193-53 من سورة آل عمران {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار} (آل عمران:193) {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران:53).
وورد هذا المعنى في الأدعية المباركة مثل (اللهم إنّي أطعتك في أحب الأشياء اليك وهو التوحيد ولم أعصك في ابغض الاشياء اليك وهو الشرك فاغفر لي ما بينهما)([5]) وهنا تصريح بالتوسل بأحب شيء الى الله تبارك وتعالى.
والخلاصة أن علينا أن نحسن في اعمالنا ونخلصها الى الله تبارك وتعالى لنحظى بحبّه وقبوله وتكون سبباً لاستجابة الدعاء إن شاء الله تعالى.
(1) مفردات غريب القرآن- الأصفهاني:546
([2]) بحار الانوار :14/421 عن آمالي الشيخ الطوسي :408، ورواها الطبراني في كتاب الدعاء الحديث 178 بسنده عن علي ابن ابي طالب(عليه السلام) واخرجه البخاري في باب (التوسل بالأعمال الصالحة عند الدعاء).
([3]) بحار الأنوار:70/ 366 ح14.
[4]) ميزان الحكمة :ج ٢ /ص ٨٨٢
([5]) المصباح- الكفعمي: 291,- مفاتيح الجنان: 161