ملحق: كيف خطط رسول الله (صلى الله عليه واله) للخلافة من بعده

| |عدد القراءات : 968
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ملحق: كيف خطط رسول الله (صلى الله عليه واله) للخلافة من بعده([1])

الإمامة ضرورة عقلائية:

إن الإمامة وولاية أمر الناس ضرورة اجتماعية لا يختلف فيها اثنان، وقد أطبق عليها جميع العقلاء، ولا يمكن لحياة المجتمع المتحضر ونظام معاشه أن يستقيم بدون إمام ورئيس يدير مع جهازه شؤون الأمة ويدبر أمورها. فوجود النظام الحاكم في المجتمع بمنزلة العقل في جسم الإنسان الذي يوجّه بوصلة الحياة، وبدونه تحصل الفوضى والتشتت والصراعات وتضييع مصالح العباد والبلاد.

ومن كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك: (لا بد للناس مــــن أميــر بـرّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبُل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برّ أو يُستراح من فاجر)([2]).

 

 

ضرورة الإمامة في الشرع:

والحكم في الشرع ضروري كذلك فقد أجمع علماء الإسلام على ضرورة وجود إمام، وإذا كان بينهم خلاف ففي التفاصيل ككيفية تعيين الإمام ومؤهلاته وصلاحياته لا في أصل احتياج الأمة، فأبناء العامة يقولون بالشورى([3])، أو أن الأمر لمن غلب حتى لو قهر الأمة بالسيف([4]) وتقمّص إمامتها قهراً، ونحن - الإمامية- نقول أنها بالنص([5])، وأنها حق جعله الله تبارك وتعالى لمن اجتمعت فيه شروطها، سواء سمحت له الظروف بالقيام فعلاً بالأمر أو صودرت حريته ومُنِع من ممارسة دوره كاملاً، كما في الحديث الشريف: (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)([6]) أي قاما بالأمر أو قعدا عنه لأي سبب من الأسباب.

وقد اهتم رسول الله (صلى الله عليه واله) بهذا الأمر بدقة، فكان (صلى الله عليه واله) لا يُخرج سرية إلا عليها أمير مهما قلّ أفرادها، بل في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله): (الإمام الجائر خير من الفتنة)([7]) و: إذا خرج اثنان للسفر فليؤمرا أحدهما([8])، وكان (صلى الله عليه واله) إذا خرج لغزوة لا يترك المدينة بدون خليفة له([9])، بل روي في حديث: (والٍ ظلومٌ غشوم خيرٌ من فتنة تدوم)([10])؛ لأنه به تحفظ الثغور وتقوم مصالح العباد، لذا تعامل الأئمة (عليهم السلام) بإيجابية مع السلطات الحاكمة في ما فيه مصالح العباد وحفظ النظام الاجتماعي ورقي الدولة الإسلامية وصيانة كرامتها، إلى درجة أنهم جوزّوا في بعض الظروف دفع الزكاة والخراج إلى السلطة وجعلوها مبرئة للذمة كأنها واصلة إليهم([11]).

المصالح المهمّة من تعيين الخليفة:

في ضوء هذه الضرورة المجمع عليها عقلاً وشرعاً كان من مسؤوليات حامل الرسالة –أي رسالة- ووظائفه بل أهمها على الإطلاق تعيين الخليفة والإمام البديل لعدة مصالح مهمة:

1-          ديمومة الرسالة واستمراريتها في أداء دورها، فإن أية رسالة مهما كانت تمتلك من نقاط قوة - كرسالة الإسلام - تموت بموت صاحبها، فإنه من المقطوع به ارتباط الرسالات والدعوات بحامليها القيّمين عليها المدافعين عنها المستوعبين لأسرارها، لذلك فإنها تنتهي بنهاية صاحبها إلا أن يواصل الطريق من هو جدير بحملها، وأنت ترى الرسالات السماوية - وهي أكمل الدعوات - حُرِّفت وشُوِّهت بعد فترة يسيرة من غياب أصحابها([12]).

2-          قطع الطريق أمام غير المؤهلين لهذا المنصب الإلهي، فإن الإمرة والزعامة خصوصاً الزعامة الدينية بما لها من قدسية وهيبة وجاه من أهم ما تنـزع إليه النفس الأمّارة بالسوء، ففي الحديث: (آخر ما ينـزع من قلوب الصديقين حب الجاه)([13]) إذن سيكون المتربصون بها كثيرين والحالمون بها والساعون إلى تحصيلها أكثر. وقد اعترفوا أنه ما عانت الأمة من شيء كما عانت من مسألة الإمامة والخلافة وأن الويلات التي أصابتها والدماء التي سفكت ترجع في الأصل إلى هذا الأمر، وهذا واضح تأريخياً.

3-          صيانة الأمة من التشتت وحمايتها من التمزق، فإن من شأن تعدد المتصدين لهذا المنصب أن تتعدد الأحزاب والفرق الموالية لهم، وكلٌّ يجرُّ النار إلى قرصه، فيتمزق أمر الأمة وتصبح طرائق قدداً، وها هي الأجيال بعد الأجيال تدفع ثمن التيه والضياع وآل أمرها إلى الانحلال، لذا قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران:103) {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(الأنفال:46) وحبل الله الممدود إلى الخلق هما الثقلان كتاب الله وأهل بيت نبيه (صلوات الله عليهم أجمعين) كما دلت عليه النصوص الشريفة([14]). وقد أشارت الزهراء (سلام الله عليها) إلى هذه الفكرة المهمة في خطبتها فقالت: (وجعل إمامتنا نظاماً للملة)([15]) أي بها تنتظم أمورهم وتستقر.

4-          إن حامل الرسالة لا يستطيع أن يستمر بمشروعه حتى النهاية ويقدم كل ما عنده قبل أن يطمئن إلى وجود البديل؛ لأنه قبل ذلك يخشى على مستقبل الرسالة، فإذا أحرز اجتماع الشروط في الشخص البديل استطاع أن يتقدم بلا تردد أو خوف على مستقبل الرسالة، هذا الخوف الذي أشار إليه نبي الله موسى (عليه السلام)، لذا كان أول دعاء له: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (طه: 29-32) وفي كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لَمْ يُوجِسْ مُوسَى (عليه السلام) خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ)([16]).

شرفية موقع الإمامة في الفكر الإسلامي:

هذه أمور يدركها كل عاقل، ويزداد الأمر وضوحاً كلما ازدادت أهمية الرسالة كدين الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين وخالداً إلى يوم القيامة، فهو - أي الإسلام - بهذه السعة والشمول طولاً –على مدى الزمان- وعرضاً –لجميع البشر-، وكلما تعاظم منصب الشخص الراحل والغائب عن الساحة ازدادت المسؤولية والأخطار حول المنصب.

وأشرف موقع هو إمامة المسلمين وولاية أمورهم وخلافة رسول الله (صلى الله عليه واله) التي قدّر لها أن تشمل شرق الأرض وغربها، كما بشر بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما كان يحفر مع المسلمين في الخندق وضرب على صخرتين فأضاءتا له([17]) ولهم، وأكدها القرآن {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً}(الفتح:20) {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}(الصف:13)، فكيف لا تتناوشه المطامع وتتجاذبه الأهواء.

(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى):

أفمثل رسول الله (صلى الله عليه واله) يجهل هذه الأمور الواضحة، وهو المتصل بسبب إلى الله تبارك وتعالى، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم:3-4)، وهو القائل: (من مات ولم يوصِ مات ميتة جاهلية)([18]) فهل يكون هو (صلى الله عليه واله) أول من يخرج عن ربقة الإسلام ويموت على الجاهلية {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}(الكهف:5)، أم يقال أن هذا الحديث وارد في الوصية بالمال ونحوه للورثة وغيرهم؟ فهل هذه الأمور أهم من الوصية بالأمة وحفظ كيانها من الضياع؟!.

أم يقال أنه (صلى الله عليه واله) فوجئ بأجله قبل أن يفكر بمستقبل الأمة وقبل أن يستعد للتخطيط للبديل مهما كان شكله وصيغته، وهو الذي نعى نفسه مراراً وصرح بقرب وفاته في حجة الوداع، وحينما قال: (إن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن في السنة مرة، وعارضني في هذه السنة مرتين، وما ذلك إلا لدنو أجلي)([19]).

أم يقال أنه (صلى الله عليه واله) لم يكن حريصاً على الأمة ولا مهتماً بأمرهــــا، فلتواجـــه قدرها بنفسها ولو آل أمرها إلى الفناء، ولتذهب أتعابه سدى {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً}(النحل:92)، وهذا لا يصدر من أبسط الناس؛ فالراعي لا يترك غنمه إذا خرج لحاجة أو سفر حتى يعين لها راعياً، ولم يفعلها الخلفاء من بعده، فالأول نص على الثاني، وهو يقول: إني أخشى أن ألقى الله وقد تركت أمة محمد (صلى الله عليه واله) دون أن أولي عليها أحداً([20])، وجعل الثاني الأمر شورى بين ستة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله)([21])، وقد أرسلت إليه أم المؤمنين عائشة بعدما طُعِن: أن أوصِ من يخلفك، ولا تترك أمة محمد بعدك هملاً وبدون راعٍ.

خطر الاعتراض من الداخل الإسلامي:

فكيف برسول الله (صلى الله عليه واله) أكمل العقلاء وسيد الحكماء، وهو يرى بعينه الأخطار المحدقة بالأمة من الداخل والخارج، ففي الداخل كان المنافقون والمرجفون في المدينة - على تعبير القرآن - والقائلون: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} (المنافقون:8) وقد ازدادت شوكتهم بعد الفتح حيث استسلم الكثير ممن يتربص بالإسلام وبنبيه السوء رضوخاً للأمر الواقع، ولم يسلموا ولم يقتنعوا بالإسلام و{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(الحجرات:14).

وكانوا يعارضون تصرفات رسول الله (صلى الله عليه واله) علناً وينتقدونه ويشككون فــي صحة أفعاله، والشواهد على ذلك كثيرة كما في صلح الحديبية([22]) حينما منعوا رسول الله (صلى الله عليه واله) من التوقيع على وثيقة الصلح، وعندما عارضوا الإحلال من الإحرام في متعة الحج([23])، وحينما منعوه من كتابة كتاب لا يضلون بعده أبداً في رزية يوم الخميس([24])، وحينما كانوا يصلّون نوافل رمضان جماعة في المسجد وقد نهاهم (صلى الله عليه واله) عن ذلك مراراً([25])، وحينما تخلفوا عن جيش أسامة رغم لعنه (صلى الله عليه واله) للمتخلفين عنه([26]).

مضافاً إلى أن الانتشار السريع للإسلام وقصر فترته بالنسبة لعظمة الوظيفة التي جاء من أجلها، وهي نقل أمة كاملة من حضيض الجاهلية وظلماتها إلى نور الإسلام وسعادته أدّى إلى وجود قاعدة عريضة في المجتمع لم تصل إلى درجة كافية من فهم الرسالة واستيعابها والتفاعل مع تفاصيلها، وهم معرضون للانهيار والهزيمة مع أول امتحان يواجههم في حالة غيابه (صلى الله عليه واله)، وقد أخبره بذلك القرآن الكريم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(آل عمران:144) وهو ما وقع فعلاً حين ارتدت الجزيرة ولم يبق على الإسلام إلا تلك الثلة القليلة في المدينة المنورة التي عركتها التجارب وصلّبت عودها الامتحانات المتتالية مع رسول الله (صلى الله عليه واله)([27]).

نموذج من الانحراف الإسلامي:

وقد أشارت أم المؤمنين عائشة إلى هذا الانحراف الذي حصل في مسيـرة المسلمين عندما كانت تحرّض على الثورة ضد الخليفة الثالث عثمان، يروي الطبري([28]): كانت السيدة عائشة من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله (صلى الله عليه واله) فنصبته في منـزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبلَ وقد أبلى عثمان سنته، وقالوا إنها كانت أول من سمّى عثمان نعثلاً (اسم أحد اليهود بالمدينة) وكانت تقول: (اقتلوا نعثلا‍‍ ! قتل الله نعثلاً) هذا ولم يمرّ على وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) أكثر من عقدين من الزمان.

حملات اليهود بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله):

وكان في الداخل اليهود الذين لا ينسون لرسول الله (صلى الله عليه واله) وللإسلام القضاء عليهم وتهجيرهم من ديارهم وقتل رجالهم وسبي نساءهم وزوال دولتهم ونفوذهم في المدينة، لذلك كانت هجمة التشكيكات التي بثّوها في الأمة بعد وفاته (صلى الله عليه واله)، وأسئلتهم المتنوعة الكثيرة التي كانت تعجز خليفة المسلمين وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله)، فأصيب المسلمون بالإحباط والضعف والهزيمة أمامهم، وكانت حملة منظمة وليست اعتباطية ظهرت فجأة بعد غياب رسول الله (صلى الله عليه واله) وإقصاء الخليفة الحق الذي كان لهم بالمرصاد رغم إبعاده عن القيادة الدنيوية، لكنه كان يرى مصلحة الدين وإعلاء كلمة التوحيد فوق كل شيء، حتى اشتهرت كلمــة الخليفــة الثانــي: (لا أبقانــي الله لمعضلــة لــيس لهـــا أبـــو الحسن)([29]) وما علمنا أنه احتاج إلى أحد سواه([30]).

العدو الخارجي والكيد بالإسلام:

ومن الخارج كان هناك المتربصون بالإسلام شراً الذين أعيتهم الحيل في القضاء عليه، حيث بدأوا بتعذيب أصحابه (صلى الله عليه واله) وقتلهم، ثم حاصروه ومن معه في شعب أبي طالب اقتصادياً واجتماعياً، ثم تآمروا على قتله فهاجر إلى المدينة([31]) وبات علي في فراشه([32]) ثم جهزوا الجيوش لقتاله واستئصال أمره فلم يفلحوا في القضاء عليه (صلى الله عليه واله)([33])، ولم يبق أمامهم إلا نهاية حياته لتموت دعوته بموته (صلى الله عليه واله)، بل حاول بعضهم فعلاً اغتياله أكثر من مرة كمحاولة رؤساء بني عامر، والمحاولة التي جرت أثناء مسيره إلى تبوك حيث حاول بعض المتآمرين تنفير ناقته (صلى الله عليه واله) ليلقوه من السفح وتتقطع أوصاله، وقد أعلم (صلى الله عليه واله) الصحابيَّ حذيفة بن اليمان بأسمائهم حتى سمي صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه واله)، وكان الخليفة الثاني لا يصلــي على أحد حتى يصلي حذيفة ليعلم أنه ليس من المنافقين([34]).

وفي الخارج كانت أيضاً الدولتان الرومية والفارسية اللتان بدأتا تفكران جدياً في أمره (صلى الله عليه واله) بعد أن غطى نوره الجزيرة كلها من اليمن جنوباً إلى تخوم الشام والعراق شمالاً، بل إنه (صلى الله عليه واله) بدأ التحرش بالدولة الرومية في معركة مؤتة([35]) وغزوة تبوك، وأرسل الرسائل إليهم يدعوهم إلى الإسلام بلهجة الواثق بالنصر والمستعلي عليهم (أسلم تسلم).

التحديات الجسيمة أمام النبي (صلى الله عليه واله):

كل هذه المصاعب والتحديات التي تواجه الأمة بعد وفاته (صلى الله عليه واله) كانت نصب عينه (صلى الله عليه واله) وهو صاحب القلب الرحيم الذي نذر حياته لله تبارك وتعالى ولإصلاح الإنسانية وإنقاذها من الظلمات إلى النور، وقد وصفه القرآن الكريم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128)، فكيف يترك أمر الأمة سدى؟! {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(يونس:35) و{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}(فاطر:3) فهذا الاحتمال –أي ترك الأمة سدىً من دون إرشادها إلى من يتولى أمرها- مرفوض قطعاً.

بقي احتمالان آخران تبنّت كل واحدٍ منهما طائفة من المسلمين.

عقيدة العامة في الإمامة:

الأول: - وهو الذي التزم به العامة-  إيكال الأمر إلى الأمة نفسها فهي تختار من تشاء، وهو مرفوض أيضاً لعدة وجوه:

1-          قصور الأمة عن تحمل مثل هذه المسؤولية، وقد عجزت عن أقل من هذا الأمر عندما واجهت التحديات بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله)، حتى بعد أن نالت تربية إضافية خلال عقود من السنين.

ففي خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما بدأ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) يتقاتلون بينهم لم يعرفوا حكم هذه الحالة، عن الشافعي: أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (صلى الله عليه واله) وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علي (عليه السلام)([36]).

وبعد ذلك بعقود مرّت الدولة الإسلامية بأزمة مع الدولة الرومية، عندما أرادت أن تسكّ عملة فيها شتم نبي الإسلام وتتداول في بلاد المسلمين، فأنقذ الموقف الإمام الباقر (عليه السلام)([37])، وهكذا ظلّت الأمة عاجزة عن حل مشكلاتها لولا وجود الأئمة(عليهم السلام)([38])، حتى اكتملت التربية بعد (260) عاماً بوفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فدخلت الأمة مرحلة (وسطية) بين الوجود الفعلي للإمام والغيبة التامة، فكانت الغيبة الصغرى التي استمرت (70) عاماً لتبدأ الغيبة الكبرى بعد أن رسم الأئمة(عليهم السلام) كل المعالم الرئيسية والخطوط العامة لمسيرة الأمة، وقبل هذه المراحل المتتابعة من التربية كانت الأمة عاجزة.

وكان هذا العجز واضحاً في الصدر الأول للإسلام لقرب عهدهم بالجاهلية الهمجية وقلة فترة الرسالة وانشغالهم عن استيعاب تفاصيلها، كما عبّر الخليفة الثاني حينما سئل عن قلة استفادته من رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (ألهانا الصفق بالأسواق)([39])، ويقول بعضهم: كنّا نغتنم فرصة مجيء الإعرابي يسأل من رسول الله (صلى الله عليه واله) لنتعلم أحكام ديننا. فمع عجزهم عن هذه الأمور الجزئية، كيف يوكل إليهم أمر الإمامة التي بها قوام الأمة.

2-          لو كان لهذا الأمر وجود لبيّن رسول الله (صلى الله عليه واله) تفاصيله إلى الأمة، فيوضح صيغة الاختيار، ومن الذين لهم هذا الحق، وما هي شروط المرشحين للإمامة وضوابط الاختيار، ومن هو الحاكم فيها عند الاختلاف، وهكذا. ونحن نعلم أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يغفل عن أبسط تفاصيل الشريعة، كآداب المائدة وأحكام التخلي، فكيف يغفل عن مسألة الإمامة وهي أصل الشريعة وأساسها ؟!.

3-          عدم التزام نفس الخلفاء الذين أعقبوه بمبدأ الاختيار، فالأول نص على الثاني([40])، والثاني جعله بين ستة من المهاجرين، فهل تراهم أول مخالفين لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله)([41])، بل إن الخليفة الثاني يقر ويعترف (أن بيعة أبي بكر فلتة (أو فتنة) وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه كائناً من كان)([42]).

4-          إن هذا المنصب العظيم له مؤهلاته الدقيقة التي لا يعلمها إلا المطلع على الأسرار ومن لا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، وأولها العصمة؛ لاشمئزاز الناس من الأخذ ممن يتورط في الذنوب، وكما يظهر من الآية الشريفة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة:124)، إنها مرتبة فوق النبوة والرسالة ولا يبلغها الرسول إلا بعد اجتيازه لامتحانات عسيرة، وقد ورد في تفسيرها أن الله اتخذ إبراهيم عبداً خالص العبودية، أي معصوماً قبل أن يتخذه نبياً، واتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، ثم ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن، ونجح في تلك الاختبارات فاستحق التكريم الإلهي {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}([43]).

وأنت لو استقرأت الآيات الشريفة وجدتها تنسب الإمامة إلى الجعل الإلهي، كالآية المتقدمة وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}(الأنبياء:73)، وقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(القصص:5)، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة:24)، لذا قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(القصص:68) {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب:36).

5-          إن كون الإمامة بالتعيين والنص الإلهي مرتكز في أذهان المسلمين عامة حتى عند من لم يعتقدوا به ظاهراً، لكن كلماتهم وأفعالهم تبرز ذلك، والشاهد على ذلك ما ورد في روايات عديدة أن الناس كانوا يرددون قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}(الأنعام:124) عند ما يطلع أحدهم عن كثب على سيرة أهل البيت(عليهم السلام) ومواقفهم النبيلة السامية، فكأنه مرتكز في أذهانهم جميعاً أن حمل الرسالة أمر مجعول من قبل الله تبارك وتعالى، وليس لأحد أن يتدخل فيه.

6-          إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نفسه لم يعط لنفسه الحق في تنصيب من يلي الأمة، وإنما أوكل الأمر إلى الاختيار الإلهي، ففي سيرة ابن هشام([44]) لما دعا الرسول بني عامر للإسلام، وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكة قال رئيسهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال النبي (صلى الله عليه واله): (الأمر لله يضعه حيث يشاء). إذا كان الأمر كذلك فكيف يُدعى إيكاله إلى الأمة.

عقيدة مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في الإمامة:

الثاني: ولم يبق إلا الاحتمال الآخر، وقد تبنته مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، وأرسى قواعده رسول الله (صلى الله عليه واله) واستوعبه الصفوة من أصحابه ودافعوا عنه وصرحوا به رغم الوعيد والتهديد ومضوا عليه شهوداً وشهداء.

وهذا موافق لسنة الله التي جرت في أنبيائه ورسله حيث كـان لهــم جميعــاً أوصياء([45])، فلماذا لا يكون لرسول الله (صلى الله عليه واله) وصي {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف:9) {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}(فاطر:43)، وقد أُلفت كتب عديدة في هذا المجال بعنوان (إثبات الوصية) وأشهرها للمسعودي([46])، وهذا المسلك يقتضي تهيئة الشخص البديل وإعداده ليكون مؤهلاً لمواصلة وظائف ومسؤوليات الإمام والخلافة والقيادة النائبة بشكل تام وكامل وفاعل.

وهذا الاحتمال يبدو منسجماً مع النتائج التي تمخضت عن التحليل السابق وفي ضوء القابليات والمؤهلات التي اجتمعت في أمير المؤمنين([47]) الذي قيل في كثرة فضائله: (لقد أخفى أولياؤه فضائله خوفاً، وأخفاها أعداؤه حسداً وحقداً، وظهر ما بين ذلك ما ملأ الخافقين)([48])، وعن أحمد بن حنبل: (مـا جـاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) من الفضائل ما جـاء لعلي بن أبي طالب)([49]).

وكان تميزه واضحاً عن بقية أصحاب رسـول الله (صلى الله عليه واله) بكل صفات الكمال، وكـان التفاف الواعين المخلصين مـن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) حولـه معروفاً في حيـاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وبعـد وفاته (صلى الله عليه واله)، كسلمان([50])، وأبي ذر([51])، والمقـداد([52])، وعمار([53])، وعزّز ذلك الرعاية الخاصة والإعداد المركز الذي كان يحيطه به (صلى الله عليه واله) منذ نعومة أظفاره والتي وصفها أمير المؤمنين نفسه بقوله: (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه واله- بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إلى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ. وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ. وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ -صلى الله عليه واله - مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالْإِقْتِدَاءِ بِهِ. وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ, وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإسلام غَيْرَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه واله - وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه ِ-صلى الله عليه واله- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: (هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيّ، وَلكِنَّكَ وَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ))([54]).

وهكذا هو منه (صلى الله عليه واله) حتى فارقت روحه الدنيا، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَلَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - (صلى الله عليه واله) - أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللهِ وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ. وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَتَتَأَخَّرُ الْأَقْدَامُ، نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا. وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - (صلى الله عليه واله) - وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي. وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي، فَأَمْرَرْتُهَا عَلَىُ وَجْهِي. وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه - (صلى الله عليه واله) - وَالْمَلاَئِكُةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ: مَلاٌَ يُهْبِطُ، وَمَلاٌَ يَعْرُجُ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ([55]) مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ. فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً؟)([56]).

 الدور العلوي في الحفاظ على الدين:

ولقد أدى (عليه السلام) دوره بنجاح بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وحفظ الإسلام من الضياع، وكان وجوده والأئمة من بنيه بحق أماناً للأمة من الانحراف، بحيث يستغيث الخليفة الثاني ويتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن([57])، فكانت خلافة أمير المؤمنين لمقام رسول الله (صلى الله عليه واله) وإمامة الخلق من بعده نتيجة طبيعية ومنطقية لتسلسل التفكير أعلاه لا يسع أي منصف أن يحيد عنها، ولم يكن النص الذي سنشير إليه - وهو حديث الغدير - هو الذي جعل من علي (عليه السلام) إماماً وخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى يناقشوا في دلالته والمراد منه، لا لشيء إلا لتصحيح الواقع الذي حصل بأي ثمن كان وبأية طريقة، ولو بإنكار وجود الشمس في رابعة النهار. فعليعليه السلام هو الإمام بما حمله من صفات الكمال قبل النص وإنما جاء النص للإشارة إليه ولتعريفه ولقطع العذر وإتمام الحجة على المخالفين ولحسم الموقف ووضع النقاط على الحروف - كما يقولون -.

التخطيط للخلافة:

ولعظمة هذه المسألة وأهميتها فقد كان التخطيط والتمهيد لها يؤرق عين رسول الله (صلى الله عليه واله) ويقضّ مضجعه، فإنه يخشى ردود الفعل من هذه الأمة وهو خوف محمود كخوف موسى (عليه السلام) الذي ذكره القرآن وأشرنا إليه، ليس شخصياً وإنما على مستقبل الأمة التي هي جديدة عهد بالإسلام وما زالت رواسب الجاهلية لم تنمحِ من ذاكرتها، ومازال التعصب يتحكم فيها([58])، فكيف يستطيع أن يضمن ولاءها لهذا القرار الهام الذي يصعب على النفوس الحالمة بالخلافة والقلوب المملوءة حسداً وحقداً على علي (عليه السلام) أن تنصاع إليه، كذاك الفهري الذي ما إن سمع بحديث الغدير وتنصيب علي (عليه السلام) خليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) ومبايعة المسلمين له حتى جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه واله)، فقال له: هذا الأمر منك أم من الله؟ فقال (صلى الله عليه واله): إنه من الله. فقال: إن كان هذا من الله فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم. فما خرج منه (صلى الله عليه واله) حتى نزلت عليه  صاعقة من السماء. وقد ورد أنه سبب نزول قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} (المعارج: 1-2)([59]).

الإعلان العظيم تكلل في يوم الغدير:

وبالمقابل كان (صلى الله عليه واله) لا يستطيع السكوت عـن إنفـاذ هـذا الأمـر وهـو يـرى نهايته تقترب، والأعداء يتربصون بدينه الدوائر، فكيف يهدأ له بال ويقرّ لــه قــرار قبل أن تنعقد البيعة لعلي (عليه السلام).

حتى أذن الله تبارك وتعالى له بالتبليغ، بل أمره به وطمأنه من مخاوفه هذه بأنه سيعصمه من الناس، وبين أهمية هذا الأمر بأنه وحده في كفة وباقي الرسالة كلها في كفة، فقال عز من قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(المائدة:67).

فليس غريباً أن تدرج هذه الآية المباركة وآية الولاية التي سبقتها {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة:55) في سورة المائدة التي يستشف المتأمل فيها أن غرضها تأسيس المجتمع المسلم، وبيان مميزاته الرئيسية ومقوماته وأسس كيانه، وعرض نقاط الفرق بين المجتمع الذي يقوم على أساس الإسلام والمجتمع الذي ليس كذلك كائناً ما كان وإن سمى نفسه مسلماً، فإنه في مفهوم القرآن (مجتمع جاهلي)، فالبينونة بين المجتمعين كاملة في الأحكام (كآيات أوفوا بالعقود وحرمة الكلب والخنـزير وغيرها) وفي من له حق الولاية (فقد تكررت كثيراً آيات ولاية المؤمنين والبراءة من الكافرين)، وفي الشريعة التي تنظم الحياة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، هُمُ الظَّالِمُونَ، هُمُ الْفَاسِقُونَ}(المائدة: 44-4-47-50) وتمامها وعقد نظامها آية التبليغ وآية الولاية.

أعظم الأعياد في الإسلام:

ثم جعل يوم الحسم هذا أعظم عيد في الإسلام، ففيه كمل الديـن وتمــت النعمة بعقد البيعة والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وامتنَّ الله تبارك وتعالى على عباده بذلك فقال عز من قائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}(المائدة:3).

وجلس رسول الله (صلى الله عليه واله) يتقبل التهاني بهذا الإنجاز العظيم ويقول لأصحابه: هنئوني هنئوني بابن عمي أمير المؤمنين. وأفرد له خباءً ليسلموا عليه ويبايعوا علياً خليفة من بعده وأميراً للمؤمنين، واستأذنه شاعره حسان بن ثابت أن يقول شعراً في المناسبة، فأذن له فأنشأ:

يناديهمُ يوم الغدير نبيهـم       بخمٍّ فأسـمع بالرسول مناديـا

وفيها يقول:

فقال له: قم يا عليُّ فإننـي       رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

وأول من سلم عليه الشيخان وهما يقولان له: بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة([60]).

وقد نظم هذه الحقيقة التأريخية الدامغة أجيال من الشعراء جيلاً بعـد جيـل([61])، ومنهم عمرو بن العاص الخصـم الألدَّ لعلي بن أبي طالب في قصيدته الجلجلية التي بعثهـا إلى معاويـة يذكّره ببعض الحقائق التي تناساها، ومما جاء فيها([62]):

وكم قد سمعنا من المصطفى
فأنحلَـه إمـرة المؤمنيـن
وقال: فمن كنـت مولىً له
فبخبـخَ شيخُـك لما رأى
فـقـال: وليـكـم  فـاحفظــوه

 

وصايا مخصصةً  في علي
من الله مستخلف المنحل
فهذا له اليوم نعـم الـولي
عُرى عقد حيدر لم تُحلل
فمدخلـــه  فيكـم  مدخلــــي

وقد جاء هذا البيان - خطبة الغدير - منه (صلى الله عليه واله) متوّجاً لبيانات سابقة لا تقل عنه وضوحاً: (إن علياً مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)([63])، وإن: (علي مع الحق والحق مع علي)([64]) وإنه (عليه السلام) وأهل بيته كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك([65])، وأنهم والقرآن صنوان لا يفترقان، وثقلان ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا([66]).. وغيرها كثير.

لماذا كان يوم الغدير أعظم عيد في الإسلام؟

إن عظمة هذا اليوم لها مناشئ عديدة فهو:

1-     يوم الطمأنينة على بقاء الرسالة واستمراريتها بعد أن انتقل ارتباطها من شخص رسول الله (صلى الله عليه واله)، فيمكن أن تموت بموته، إلى نوع رسول الله (صلى الله عليه واله)، أي إلى كل من تتجمع فيه صفات وشروط الإمامة فلم يعد وجودها منوطاً بشخصه (صلى الله عليه واله).

2-     وهو يوم الانتصار النهائي على مكائد الأعداء الذين لم يبق في جعبتهم من سلاح إلا موت رسول الله (صلى الله عليه واله) لتنتهي دعوته ففقدوا هذا الأمل الشيطاني بتنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة.

3-     وهو يوم حماية الأمة من التشتت ومن الضياع بتعيين الحبل الذي إن اعتصموا به بقي ريحهم وكيانهم وانتشر أمرهم وعلت كلمتهم.

4-     وهو يوم صيانتها من الانحراف بعد أن نصب لهم العلم والمحور الذي يلتفون حوله.

5-     وهو يوم أمان الأرض ومن عليها من الفناء، لما ورد في الحديث: (إن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر أو مستور، ولولاه لساخت الأرض بأهلها)([67]).

6-     وهو يوم الهداية إلى الدين ووضوح الحق بمعرفة الحجة كما في الدعاء: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)([68]).

7-     وهو يوم الإمامة التي هي أس الإسلام وسنامه، فهو لا يقل أهمية عن يوم البعثة النبوية الذي انبثق فيه نور الإسلام.

التشيع يزداد وضوحاً بيوم الغدير:

لأجل هذا كله كان يوم الغدير أعظم عيد في الإسلام كما نطقت به الروايات الشريفة، وفي ذلك اليوم تبلورت فكرة (التشيع) ونضجت ثمارها وأينعت بعد أن كان قد زرع بذورها رسول الله (صلى الله عليه واله) في مناسبات عديـدة، ابتــداءً من يوم الدار وإنذار عشيرته الأقربين في أوائل البعثة الشريفة([69]).

ولهج رسول الله (صلى الله عليه واله) بهذا الاسم المحبب له ولأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) في مناسبات عديدة، أنقل بعضها من كتب العامة ليكون الخطاب أبلغ في الحجة:

1-          في الدر المنثور للسيوطي ج8/ص589: روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه واله) فأقبل علي (عليه السلام)، فقال النبي (صلى الله عليه واله): (والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)، فنـزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(البينة:7).

2-          ابن حجر في الصواعـق المحرقـة[70]عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لعلي (عليه السلام): (هم أنت وشيعتك تأتون يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضاباً مقمحين).

3-          كنوز الحقائق للمناوي الشافعي([71]) قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة)، وروى احمد عن أمّ سلمة قالت: كان النبي (صلى الله عليه واله) عندي في ليلتي فغدت عليه فاطمة وعلي فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): يا علي أبشر فإنّك وأصحابك وشيعتك في الجنّة. ([72])

أشكال التخطيط النبوي لتعيين الخليفة:

لقد كان تخطيط رسول الله (صلى الله عليه واله) لهذا الأمر أي تعيين الخليفة والامتداد له على ثلاثة أشكال:

الأول: النص المباشر والواضح عليه، وعدم ترك الأمر مجملاً تتقاذفه التأويلات والتفسيرات، وقد تقدم فيما مضى فكرة عنه، وأنصح بقراءة كتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين للاطلاع على المزيد من الأدلة والنصوص ببيان قوي وحجة دامغة، مما لو دخلت فيه سأخرج عن الاتجاه العام الذي رسمته لهذا البحث.

الثاني: الإشادة بالأشخاص المخلصين الواعين الذين يعلم (صلى الله عليه واله) منهم أنهم ثابتون على الخط وواعون للهدف وراسخون في المبدأ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقولون كلمة الحق مهما كان الثمن، كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار وذي الشهادتين وبلال الحبشي وأم ايمن وأم سلمة، فكان (صلى الله عليه واله) يردد: (سلمان منّا أهل البيت)([73]) (إن الجنة لتشتاق إلى أربعة: سلمان والمقداد وأبي ذر وعمار)([74]) (ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر)([75]) (مُلئ عمار إيماناً من قرنه إلى أخمص قدميه)([76]) و(أم أيمن امرأة من أهل الجنة)([77]) و(بلال من أهل الجنة)([78]) وقال لأم سلمة: (لسـتِ مـن أهـل البيت، لكنـك على خير)([79]).

فكانت هذه الأوسمة تخطيطاً منه (صلى الله عليه واله) للمستقبل إذا انقلبت الأمة على الأعقاب وتاهت بها السبل في بحر الظلمات، فسيكون هؤلاء أعمدة نور تضيء لطلاب الحقيقة الدرب، وتدلّهم على شاطئ الإيمان وقد أدّوا دورهم وقالوا كلمة الحق فثبتوها في لوح التأريخ([80]) لو كان هناك من يسمع، بينما لم نسمع منه (صلى الله عليه واله) كلمة واحدة في أولئك الذين انحرفوا عن علي (عليه السلام) وخذلوه، رغم أن منهم من كان له مواقف مشهورة كالزبير بن العوام.

الثالث: وضع ضوابط يُعرف بها المستحقون لهذا الأمر وتمييزهم عمّن هم ليسوا أهلاً له، والذين يستخدمون أساليب لم يقم عليها دليل شرعي من أجل تثبيت استحقاقهم، أو تشويه صورة أهل الحق وإزالتهم عن موقعهم، كما كانوا يقولون: (إن قريش نظرت فاختارت، وإنها أبت أن تجتمع النبوة والخلافة في بني هاشم)([81]) و(إن فلان - وهو الأول - أسنّ من عليّ)([82]) و(إن علياً فيه دعابة)([83])، والله تبارك وتعالى يخاطبهم {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(النساء:65)، ويقول تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر:7)، وقال تعالى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(القصص:68) {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَـى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب:36) فما قيمة رأي أحد واختياره كائناً من كان بعد قضاء الله تبارك وتعالى واختياره {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}(البقرة:90).

الضوابط والمعايير لتولّي الخلافة:

فبهذه المعايير والضوابط التي سنذكرها إن شاء الله تعالى تستطيع الأمة أن تفرز هؤلاء المتطفلين مهما مارسوا من أساليب الخداع والتضليل، المتقمصين لأمرها بغير حق:

(فمنها) قوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة: 124)، والعهد هو الإمامة؛ لأنها جاءت جواباً على سؤال إبراهيم (عليه السلام) بعد جعله إماماً، قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، وقد فُسّرت في الروايات الشريفة بمن سجد لصنم يوماً ما([84])، فإن من فعل ذلك سفيه، ولا يكون السفيه إمام التقي كما في الحديث([85])، ويشهد له قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(لقمان:13).

(ومنها) قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}(الحديد:10).

(ومنها) قوله (صلى الله عليه واله): (لا يلي أمر هذه الأمة طليق).

(ومنها) قوله (صلى الله عليه واله): (فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها)([86]).

وقال (صلى الله عليه واله): (يا عمار تقتلك الفئة الباغية)([87]).

(ومنها) حشدُهُ (صلى الله عليه واله) المعادين لخط الإمامة، وفيهم شيوخ قريش في جيش أسامة ذي السبعة عشر ربيعاً، ولعنه من تخلف عن جيش أسامة، وأمر بإنفاذه فوراً([88])، وكان ذلك منه (صلى الله عليه واله) لإخلاء الساحة من الذين لا ينصاعون لإمامـة أمير المؤمنين (عليه السلام).

تطبيق الضوابط على المتصدين للخلافة بغير حق:

وبملاحظة هذه المعايير والضوابط تكتشف كيف خطط رسول الله (صلى الله عليه واله) لحصر الأمر بعلي (عليه السلام)، فبعض المتصدين ممن أغضب فاطمة (عليها السلام) وماتت وهي واجدة عليهم، كما أشهدتهم (صلوات الله عليها) على ذلك، فنالوا بذلك غضب الله تبارك وتعالى، وهل يلي أمر الأمة أحد من المغضوب عليهم، ثم هم من الظالمين الذين سجدوا للأصنام ردحاً طويلاً من الزمن، فلا ينالهم عهد الله تعالى، فكيف يكون أحدهم إماماً لمن كرم الله وجهه عن ذلك -كما يعترفون- وهم أيضاً ممن تخلفوا عن جيش أسامة فينالهم حكمه.

وبعضهم لم يقاتلوا لا قبل الفتح ولا بعده، وهزائمهم في الحروب معروفة، ومنهم من ولّى منهزماً في معركة أحد لا يلوي على شيء ثلاثة أيام، حتى بلغ تخوم الشام، فقيل له: إن الأمر لا يستحق ذلك وقد عاد رسول الله (صلى الله عليه واله) سالماً إلى المدينة.

ومعاوية ومروان ممن أسلموا بل استسلموا بعد الفتح، فلا يستوون مع من آمن وأنفق من قبل الفتح وقاتل، وهم من الطلقاء([89]) فلا يحق لهم ولاية أمر الأمة. وهم من البغاة، لأنهم قتلوا عماراً في صفين، فكيف يلي أمر الأمة باغٍ أثيم([90]).

فلو كانت الأمة واعية لتلمست طريقها بوضوح، حيث لم يترك لها رسول الله (صلى الله عليه واله) عذراً، فهل كان رسول الله (صلى الله عليه واله) عاطفياً وبدافع الحب لابنته حين قال هذا الكلام، وهل سمعت بأحد غيور يرتقي المنبر ويثني على مزايا ابنته ؟! لا طبعاً خصوصاً في مثل رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي يصفه القرآن {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم:3-4). وإنما المسألة أبعد من ذلك، إنه يريد أن ينصب لهم ميزاناً يعرفون به الحق والباطل لو اختلطا عليهم، وإن كان الأمر واضحاً لكن قلبه الكبير ورحمته ورأفته بالأمة أبت إلا أن يوالي الحجج على هذه الأمة وينصب لها العلامات تلو العلامات حتى وهو على فراش المرض في رزية الخميس كما يسميها ابن عباس([91]). ولأنه (صلى الله عليه واله) كان يعلم أن أساليب التضليل كثيرة ووسائل الضغط قوية وشرسة، فالنص - وهو الشكل الأول من التخطيط - يُؤوَّل ويُحرَّف، وهذه الثلة المخلصة - وهو الشكل الثاني - يُضيَّق عليها وتحبس أنفاسها، فأبو ذر ينفى إلى الربذة حتى يموت غريباً([92])، وعمار وعبد الله بن مسعود([93]) يداس بطنه وتوجأُ عنقه، وأم أيمن امرأة أعجمية لا تقبل لها شهادة([94])، والحسن والحسين طفلان صغيران([95])، وعليّ يجر النار إلى قرصه فلا تقبل له ولا لولديه شهادة([96])، والزهراء (عليها السلام) تتجرع الآلام غصة بعد غصة حتى لحقت بأبيها بعد أيام وهكذا …، لذا كان الشكل الثالث من التخطيط ضرورياً ليكون شاهد عدل مدى الأجيال، تملأ أفواه مزوري الحقائق بالتراب.

ولعلك تعجب مع وضوح هذا التخطيط وقوة الحجج المتوالية التي لم تنقطع حتى وفاته (صلى الله عليه واله) وإذا بالأمر يزول عن مستقره ويتقمص الخلافة غير علي (عليه السلام)، وهو يعلم أن محل ابن أبي طالب منها محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير([97]).

وانه لعجيب فعلاً، ولو لم يكن حقيقة ثابتة أجمع عليها المؤرخون لما صدّقنا به، وقد أوجدت في عين أمير المؤمنين قذى، وفي الحلق شجى، وفي القلوب جمرة لا تطفأ إلى يوم القيامة حتى ينتصف المظلوم من الظالم، ونعم الحكم الله والخصم محمد (صلى الله عليه واله)([98])، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا الصدد: (إن حقوق الناس تثبت بشهادة شخصين، وقد أنكر حق جدي أمير المؤمنين وعليه سبعون ألف شاهد كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) في غدير خم)([99]).

المرجعية الدينية ومسؤوليات التخطيط لإعداد البديل:

وعلى أية حال، فليست هذه الحالة فريدة في التأريخ، بل هي تتكرر كلما تكررت ظروفها الموضوعية، وما دامت النفس الأمارة بالسوء الميالة لاتباع الهوى وإشباع الشهوات والنـزوع إلى التسلط وحب الجاه، وقد عشنا مثلها فإلى الله المشتكى([100]).

والذي أريده من هذا البيان ليس فقط ترسيخ هذه العقيدة والدفاع عنها وإن كان هذا مطلباً مهما، لكني بالإضافة إليه أقول: إن العلماء وعلى رأسهم المرجعية الشريفة هم ورثة الأنبياء([101])، ليس فقط في الحقوق والامتيازات، وإنما في الوظائف والمسؤوليات والواجبات، خصوصاً وقد أمرنا بالتأسي برسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب:21).

ومن تمام التأسي والوراثة إعداد البديل بغض النظر عن كونه واحداً أو أكثر، وتربيته وتأهيله لهذا المنصب الإلهي الشريف، وأي تقصير فيه غير مغتفر لا عند الله سبحانه ولا عند رسوله (صلى الله عليه واله) ولا أوليائه العظام ولا عند المجتمع، وبعد أن يطمئن إلى إكمال إعداد البديل علمياً وفكرياً وأخلاقياً وعقائدياً - وهي المقومات الأربعة لشخصية العالم الديني، بل كل مسلم واعٍ مخلص- يجــــب أن يشير إليه صريحاً، وهذا هو الشكل الأول من التخطيط.

وأما الشكل الثاني فيؤدى بالإشادة بمجموعة من الفضلاء الورعين المخلصين من أهل الخبرة الذين يطمئن إلى استقامتهم على الطريقة وإنصافهم الحق ونزاهتهم في بيانه وبصيرتهم في الأمور، حتى يرشدوا المجتمع بإخلاص وبلا لبس وإجمال وغموض إلى المرجع البديل.

وأما الشكل الثالث ففيه صنفان من الضوابط والمعايير والشروط، فمنها شروط ثابتة، وهي الاجتهاد والعدالة وغيرها من المذكورات في الرسائل العملية، ومنها شروط متحركة بحسب الزمان والمكان والظروف الموضوعية التي تعيشها المرجعية الشريفة، وهذه يجب طرحها بحسب الحاجة وفي وقتها المناسب. وهذا الكلام كله على نحو الإشارة والإجمال، وللتفصيل محله المناسب.

مسؤولية الأمّة في البحث عن المرجع البديل:

هذا بالنسبة لتكليف المرجعية، وفي مقابله توجد مسؤولية على الأمة يجب أن تعيها وتؤديها، وهي سؤال المرجع عن البديل، فإذا عينه كان من واجبهم الالتفاف حوله والإشادة به ودلالة المجتمع عليه، وقد تكاملت هذه التربية عند أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، فكانوا يسألونهم: (مَنْ الحجة بعدك)([102]) و(إلى من المفزع إذا حدث حادث)([103]) وهكذا، وإذا ذهب إمام فلم يكونوا يصدّقون كل من يدعي الإمامة، بل يجرون له الامتحانات التي لا ينجح فيها أي إمام([104])، كامتحانهم لجعفر أخي الإمام العسكري (عليه السلام) الذي ادعى الإمامة بعد أخيه (عليه السلام).



([1]) محاضرتان ألقاهما سماحة الشيخ محمد اليعقوبي على طلبة الحوزة العلمية في مسجد الرأس الشريف المجاور لمرقد أمير المؤمنين (عليه السلام)، في النجف الأشرف بمناسبة عيد الغدير يومي (16، 17 ذي الحجة 1421هـ -12 ، 13/آذار/2001) وقد أضاف إليهما بعض الزيادات الضرورية. وقام أحد الفضلاء لاحقاً بتخريج النصوص من مصادرها.

([2]) نهج البلاغة: 1/87 الخطبة 40.

([3]) البخاري/باب رجم الحبلى 4/120 عن معالم المدرستين، المراجعات المراجعة 80.

([4]) الأحكام السلطانية ص7-11 لقاضي القضاة أبو يعلي الفراء الحنبلي - عن معالم المدرستين - أقوال مدرسة الخلفاء ص558.

([5]) أحصى الصافي الكلبايكاني في كتابه (منتخب الأثر) أكثر من خمسين رواية في هذا المجال، وقال بعد ذلك النصوص الواردة في ساداتنا الأئمة الاثنا عشر بلغت في الكثرة حداً لا يسعه مثل هذا الكتاب وكتب أصحابنا في الإمامة وغيرها مشحون بها واستقصاؤها صعب جداً (منتخب الأثر ص145 والرواية الأولى منتخب الأثر ص97 باب 8 فيما يدل على الأئمة الاثنا عشر بأسمائهم (نقلا عن مدخل إلى الإمامة).

 ([6]) البحار ج16 باب 11 ص 307.

([7]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: 2/103.

 ([8]) كتاب المحجة ج4 آداب السفر عن أبو داود ج2 ص34 عن أبي هريرة عن النبي ص قوله (إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم).

([9]) معالم المدرستين / ج1 / ذكر من استخلف الرسول (صلى الله عليه واله) على المدينة في غزواته.

([10]) ميزان الحكمة للريشهري: 3/2367 والغرر والدرر: ح 10109.

([11]) وسائل الشيعة: كتاب الزكاة، أبواب المستحقين، باب 20.

([12]) كمثال على ذلك المسيحية بمجرد أن رفع عيسى (عليه السلام) أصبح الإنجيل الذي هو حاوي على كل ما يتعلق بالرسالة عدة أناجيل مزورة وموضوعة كإنجيل متي ويوحنا ولوقا ومرقس فلم يبق من الدين المسيحي إلا الاسم.

([13]) المحجة البيضاء ج6 / فصل حب الجاه ص107.

([14]) راجع كتاب (شكوى القرآن) وقد تقدم في هذا الكتاب.

([15]) البحار ج6 باب 23 ص 315.

 ([16]) نهج البلاغة، خطبة 4 ص39.

 ([17]) سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني ج1 ص 290.

 ([18]) مناقب آل أبي طالب بن شهر آشوب ج1 ص 217.

 ([19]) صحيح البخاري باب عرض جبرائيل القرآن على النبي.

 ([20]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ص164 - 165 في شرحه للخطبة الشقشقية.

 ([21]) راجع معالم المدرستين ج1 ص544.

([22]) راجع نظريات الخليفتين: ج1.

([23]) عن معالم المدرستين ج2: في رواية الصحابي البراء بن عازب بسنن بن ماجة ومسند أحمد ومجمع الزوائد قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه واله) وأصحابه فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة، قال: (اجعلوا حجّكم عمرة) فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟‍‍ قال: (انظروا ما أمركم به فافعلوه) فردوا عليه القول، فغضب فانطلق ثم دخل على عائشة غضبان فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك أغضبه الله ‍، قال: (ما لي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلا أُتبع).

([24]) رزية يوم الخميس: ما أخرجه البخاري بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه واله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلى الله عليه واله) هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله (صلى الله عليه واله) تحوموا عني، فكان بن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه واله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. (وقد تم التصرف في الحديث إذ نقلوا المعنى فقط لان اللفظ الثابت هو أن النبي يهجر ولكنهم حرفوه تهذيباً للعبارة ودفاعاً عن عمر. (المراجعات: المراجعة 86).

 ([25]) الوسائل: كتاب الصلاة باب عدم جواز الجماعة في صلاة النوافل في شهر رمضان، الحديث الأول.

 ([26]) راجع في استقصاء هذه الموارد كتاب (النص والاجتهاد) للسيد شرف الدين.

([27]) وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك في سورة المائدة آية 54: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

([28]) تأريخ الطبري 3/477 وقد نقلناه عن كتاب (بنور فاطمة اهتديت)/190.

([29]) أخرجه سبط بن الجوزي ، أسد الغابة 4/22 ، الإصابة القسم 1/270 ، تهذيب التهذيب 7/327، عن نظريات الخليفتين لنجاح الطائي.

([30]) جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي ذلك دليلاً على إمامته حينما سئل ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين وخلافته لرسول الله (صلى الله عليه واله) قال: احتياج الكل إليه وعدم احتياجه للكل.

([31]) حياة محمد (صلى الله عليه واله) نهاية الفصل السادس والفصل السابع لمحمد حسين هيكل.

([32]) حياة محمد (صلى الله عليه واله) الفصل العاشر لمحمد حسين هيكل.

([33]) حياة محمد (صلى الله عليه واله) الفصل الثالث عشر لمحمد حسين هيكل.

([34]) راجع (المحلى) لابن حزم الأندلسي، (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد عن (نظريات الخليفتين: محاولة اغتيال النبي).

([35]) معركة مؤتة: كانت في سنة ثمان من الهجرة.

([36]) كشف الغمة :١/ص ١٢٤، شرح نهج البلاغة: 9/230.

([37]) رواه الدميري في حياة الحيوان عن المحاسن والمساوئ للبيهيقي ورواه بهذا المضمون عن شذرات العقود للمقريزي عن سيرة الأئمة الاثني عشر/القسم الثاني/الإمام الخامس محمد الباقر (عليه السلام) لهاشم معروف الحسني.

([38]) الغيبة الصغرى والكبرى للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قده.

([39]) صحيح مسلم 2 ص234 في كتاب الآداب، صحيح البخاري 3 ص837، مسند أحمد 3 ص19، سنن الدارمي 2 ص274، سنن ابن داود 2 ص320، مشكل الآثار ج1 ص499. (عن كتاب الغدير ج6 ص158).

([40]) شرح النهج لابن أبي الحديد / ج1 شرح الخطبة الشقشقية.

([41]) شرح النهج لابن أبي الحديد / ج1 شرح الخطبة الشقشقية، سيرة الأئمة ج1، وسيأتي في الهوامش القادمة مزيد من التفصيل.

([42]) شرح النهج ج2 ص23، المراجعات / المراجعة 80، مسند أحمد 1/55، البخاري 4/111، تأريخ الطبري 2/446. (عن نظريات الخليفتين).

([43]) سورة البقرة: 124، راجع تفسير الميزان وأصول الكافي/كتاب الحجة.

([44]) السيرة النبوية 2/424.

([45]) وقد سلسل المسعودي في كتاب (إثبات الوصية) اتصال الحجج وأوصياء الأنبياء من لدن آدم حتى خاتم النبيين -صلوات الله عليهم أجمعين- وأوصياءه. عن معالم المدرستين ج1 ص283.

([46]) المسعودي هو: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ينتهي نسبه إلى الصحابي عبد الله بن مسعود توفي سنة 346هـ، وفي ترجمته بطبقات الشافعية 2/307 قيل كان معتزلي العقيدة، وأشار إلى هذا الكتاب الكتبي في فوات الوفيات 2/45، وياقوت الحموي في معجم الأدباء 13/94 وقالا: له كتاب البيان في أسماء الأئمة، وفي الميزان لابن حجر 4/224: له كتاب تعيين الخليفة، سماه في الذريعة وغيرها: إثبات الوصية.   (معالم المدرستين ج2).

([47]) وأنا إلى هنا أتكلم بشكل موضوعي ووفق الظروف المنظورة بعيداً عن النصوص وأقيم سلوك رسول الله (صلى الله عليه واله) كمؤسس أمة ومنشئ مجتمع مدني جديد وقائد ناجح حكيم.

([48]) سيرة الأئمة الاثني عشر ج1 علي وبيت المال ص319 … القول للحسن البصري في جواب من سأله عما يحدّث الناس عنه.

([49]) مستدرك الحاكم 3/107 بحسب كتاب (بنور فاطمة اهتديت) /136.

([50]) سلمان الفارسي أو المحمدي: كان أكثر أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) علماً وحكمة، وكان والياً على المدائن في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، توفي في المدائن التي كان والياً عليها في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين وقيل أول سنة ست وثلاثين وغسله ودفنه أمير المؤمنين (عليه السلام).

([51]) أبو ذر: جندب بن جنادة: تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، فشهد ما بعد بدر من غزوات رسول الله (صلى الله عليه واله) ، توفي منفياً بالربذة سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة.

([52]) المقداد بن الأسود الكندي: قال الرسول (صلى الله عليه واله): (إن الله عز وجل أمرني بحب أربعة من أصحابي واخبرني أنه يحبهم، فقيل: من هم ؟ فقال: علي والمقداد وسلمان وأبو ذر).. توفي سنة 33 هجرية. (الاستيعاب بهامش الإصابة 3/451، والإصابة 3/433 -434 عن معالم المدرستين ج1).

([53]) أبو اليقظان عمار بن ياسر: أسلم هو وأبوه وأمه وأسلم قديماً بعد بضعة وثلاثين رجلاً، وكان المشركون يخرجون عماراً وأباه وأمه إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم فمر بهم النبي (صلى الله عليه واله) فقال (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، فمات ياسر في العذاب وطعنت أمه بحربة أبي جهل، شهد عمار المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وقتل بصفين مع علي (عليه السلام) وقد جاوز التسعين من عمره.

([54]) نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده، ج2 ص157.

([55]) الهينمة: الصوت الخفي.

([56]) نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده، ج2 ص171-172.

([57]) أشار إلى كلمته المشهورة (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن).

([58]) لاحظ كشاهد على ذلك كيف أن بشير بن سعد وأسيد بن حضير بادرا إلى بيعة أبي بكر خشية أن يفوز بها سعد بن عبادة.

عن كتاب النص والاجتهاد المورد الأول يوم السقيفة ص80.. واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبه الخزرجي وأسيد بن خضير سيد الأوس كانا ينافسانه في السيادة، فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر فأضمرا له الحبكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة وصافقهما على ذلك وعويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار.. وكان مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة…

([59]) روى الثعلبي الذي هو من قدوة مفسري المخالفين في شأن نزولها -انظر هامش ج8 تفسير الرازي لأبي مسعود ص292 والسيرة الحلبية ج3 ص302 ونور الأبصار ص69- أنه لما كان النبي (صلى الله عليه واله) بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى... النبي (صلى الله عليه واله) وهو في ملأ من أصحابه، فقال: يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا اله إلا الله وانك رسول الله ففعلناه وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا شيء منك أم من الله، فقال النبي (صلى الله عليه واله): والذي لا اله إلا هو من الله، فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء واتنا بعذاب اليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وانزل الله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} (حق اليقين في معرفة أصول الدين ج1 / الآية الثالثة الدالة على أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) هو علي (عليه السلام).

([60]) أخرج الإمام الواحدي في تفسير (يا أيها الرسول بلغ …) من طريقين معتبرين عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خم بعلي بن أبي طالب، فلما بلغ الرسالة بنصه (صلى الله عليه واله) على علي (عليه السلام) بالإمام وعهد إليه بالخلافة أنزل الله عز وجل {اليوم أكملت لكم …} وأول من هنأ علي (عليه السلام) في يوم الغدير هما: أبو بكر وعمر بقولهما: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.  (أخرجه الدار قطني - الفصل الخامس من الباب الأول من صواعق بن حجر ص26 وأحمد نحو هذا القول عن عمر من حديث البراء بن عازب ص281 ج4 من مسنده). (المراجعات 54 وما بعدها).

([61]) راجع الموسوعة الفريدة (الغدير) للشيخ الأميني قده.

([62])(راجع كتاب الغدير في ترجمة عمرو بن العاص).

([63]) حديث المنزلة: عن الإمام أحمد في الجزء الأول من مسنده في آخر صفحة 330 والإمام النسائي في خصائصه العلوية ص6 والحاكم في ج3 من صحيحه المستدرك ص123 والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحته عن عمرو بن ميمون (المراجعات: 26).

([64]) البحار ج10 باب 26 ص432.

([65]) الوسائل: كتاب القضاء، صفات القاضي، باب5، حديث10.

([66]) الإمام أحمد والترمذي بعدة طرق تجدها في المراجعات: المراجعة 80.

([67]) البحار ج36، باب41، ص315.

([68]) مفاتيح الجنان: الفصل السادس ، دعاء زمن الغيبة.

([69]) حياة محمد: الفصل الخامس، ص142، لمحمد حسين هيكل، المراجعات: مراجعة 20 قال فيها حين أنزل الله تعالى على الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فدعاهم إلى دار عمه أبي طالب وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيد رجلاً أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، والحديث في ذلك من صحاح السنة المأثورة، وفي آخره قال رسول الله (صلى الله عليه واله): يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي -وكان أصغرهم- إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

([70]( البـاب (11) الفصـل الأول: الآية الحادية عشرة

([71]) كنوز الحقائق للمناوي (ص83)

([72]) فضائل الصحابة: 2/654

([73]) البحار ج1، باب8، ص123.

([74]) وسائل الشيعة: ج22 خاتمة الكتاب، باب10، ص324.

([75]) الوسائل ج10، باب2، ص23، سنن ابن ماجه المقدمة باب11، وسنن الترمذي كتاب المناقب، مناقب أبي ذر، ومسند أحمد، وطبقات ابن سعد. (عن معالم المدرستين).

([76]) الوسائل: ج19، باب6، ص35.

([77]) البحار: ج17، باب4، ص378.

([78]) البحار: ج22، باب37، ص142.

([79]) أخرجه الطبراني في الدر المنثور، وروي عن طريق الخاصة.

([80]) راجع كتاب الاحتجاج للطبرسي.

([81]) ابن أبي الحديد: ص107 من المجلد الثالث في شرح النهج، ابن الأثير: ص24 ج3 من كامله. (عن المراجعات: مراجعة 84). سيرة الأئمة: ج1 ص332 هاشم معروف الحسني.

([82]) الغدير: ج2 ص128.

([83]) شرح النهج: ج1 لابن أبي الحديد عن شيخه أبو عثمان في كتابه السفيانية، سيرة الأئمة: ج1 ص338.

([84]) روى الفقيه ابن المغازي الشافعي مسنداً عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): انتهت الدعوة إلي وإلى علي (عليه السلام) ولم يسجد أحدنا لصنم فاتخذني نبياً واتخذ علي وصياً. (حق اليقين في معرفة أصول الدين - الحادي عشر من الآيات الدالة على إمامة علي (عليه السلام).

([85]) الكافي: كتاب الحجة، حديث 438، المجلد الثاني.

([86]) الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/14، أعلام النساء: 3/314. (عن نظريات الخليفتين ج1).

([87]) الكافي: 5/11.

([88]) الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل. (المراجعات: مراجعة 90، النص والاجتهاد - سرية جيش أسامة).

([89]) مستدرك نهج البلاغة: الباب الثاني، كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى معاوية وقوله: (…واعلم يا معاوية أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعقد معهم الإمامة…).

([90]) البحار: ج36، باب41، ص327، النص والاجتهاد: المورد 95 حرب معاوية لعلي (عليه السلام).

([91]) المراجعات: المراجعة 86.

([92]) الوسائل: ج22 باب 12 ص395، معالم المدرستين ج1 ص459.

([93]) ابن مسعود: أسلم قديماً وأجهر قديماً في مكة فضربوه حتى أدموه وهاجر إلى الحبشة والمدينة، شهد بدراً وما بعدها، وقطع عثمان عطاءه سنتين لإنكاره على الوليد ما ارتكبه زمان ولايته على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين. (أسد الغابة: 3/256-260، مستدرك الحاكم: 3/315،320 وراجع أحاديث عائشة 62-65) (عن معالم المدرستين ج2)، وحول مقتله راجع للتفصيل سيرة الأئمة ج1 ص370 وكذلك ضرب عمار بن ياسر.

([94]) بحار الأنوار: ج28، باب4، ص302، سيرة الأئمة: القسم الأول ص118 لهاشم معروف الحسني.

([95]) سيرة الأئمة: القسم الأول ص119.

([96])  سيرة الأئمة: القسم الأول، ص118.

([97]) من كلمات لأمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة.

([98]) من خطبة الزهراء التي احتجت بها على الصحابة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله). (المصنف). راجع شرح النهج لابن ابي الحديد: ج16 ص210.

 ([99]) بحار الأنوار: ج37 باب52 ص158.

([100]) يشير (دام ظله) بذلك إلى ما حصل من حركات (انقلابية) على وصية السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) رغم النصوص والإشارات المتكررة.

 ([101]) الكافي: 1/32.

([102]) أصول الكافي: كتاب الحجة باب الإشارة والنص على الأئمة.

([103]) نفس المصدر.

([104]) راجع كتاب أصول الكافي/كتاب الحجة.