القبس /19 (ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ) سورة آل عمران:172- الاستمرار بالعمل الرسالي رغم الجراح

| |عدد القراءات : 396
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 (ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ)

موضوع القبس: الاستمرار بالعمل الرسالي رغم الجراح

نزلت هذه الآيات من سورة آل عمران في واقعة حصلت في زمن النبي (صلى الله عليه واله), - تُسمى حمراء الأسد-, بعد معركة أُحُد([1]) بيوم, أو أكثر, وهي غزوة لا يعرف تفاصيلها إلاّ من ندر، وفيها درس ينطبق على الوفـد الزائر, وعلى واقعنا المعاصر, وهو من دروس واقعة أُحُد وتداعياتها.

وقد تضمنت سورة آل عمران في القرآن الكريم دروساً, ومواقف, وعبر, من معركة (أُحُد) التي تآمر فيها بعض المسلمين المتواطئين مع قريش على أن يُشيعوا أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قد قُتل؛ ليربكوا جيش المسلمين, ويفرقوهم، وعصى بعض المسلمين أوامر رسول الله (صلى الله عليه واله), وركنوا إلى الدنيا, فتحوّل النصر الذي تحقق على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) في بداية المعركة إلى هزيمة للمسلمين, باستشهاد سبعين رجلاً على رأسهم حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه ) عم رسول الله (صلى الله عليه واله) وعاد المشركون مُتجهين إلى مكة، لكنّهم تلاوموا في الطريق بأنّهم لم يقضوا على النبي (صلى الله عليه واله), ولا سيطروا على المدينة؛ لاستئصال الدين الجديد, فقرروا العودة باتجاه المدينة.

فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه واله) وأخبره بعزم قريش, وأن تكليفه الخروج بمن معه لمواجهتهم, وإراءتهم أن ما حلّ بهم يوم أُحُد لم يُضعف عزيمتهم, ولم يُقلّل من قوّتهم, واشترط أن لا يخرج معه إلاّ من شهد أُحداً، وكانوا مثخنين بالجراح مفجوعين بأحبتهم ومهزومين معنوياً، فاستجابوا لرسول الله (صلى الله عليه واله) وخرجوا معه لملاقاة قريش - المزهوة بالانتصار- التي تفوقهم عدّةً وعدداً, وأعطى أبو سفيان أموالاً لبعض القوافل المتجهة إلى يثرب ليخوِّف المسلمين, ويرعبهم, وأنّ قريش قد جمعت لكم الجموع, لكنّهم أصرّوا على المضي مع رسول الله (صلى الله عليه واله), وقالوا: {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173).

روى زيد بن ثابت عن أبي السائب (ان رجلاً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) من بني عبد الأشهل, قال: شهدتُ أُحُداً مع رسول الله (صلى الله عليه واله) أنا وأخ لي, فرجعنا جريحين, فلما أذن مؤذن رسول الله (صلى الله عليه واله) بالخروج في طلب العدو قلت لأخي, - أو قال لي-: تفوتنا غزوة مع رسول الله (صلى الله عليه واله)؟ ووالله ما لنا من دابة نركبها, وما منّا الا جريح فخرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله), وكنت أيسر جراحاً منه, فكان إذا غُلِب حملتُه عقبة, ومشى عقبة, حتى إذا انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون, فخرج رسول الله (صلى الله عليه واله), حتى انتهى إلى حمراء الأسد - وهي من المدينة على ثمانية أميال- فأقام بها ثلاثاً؛ الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة)([2])؛ لأن أبا سفيان لما علم بخروج النبي (صلى الله عليه واله), وأصحابه الموتورين في أُحُد, خشي أن يقابلهم, وهم قادمون للانتقام من قريش.

مضافاً إلى شخصٍ - ممن أسلم حديثاً- لم يعرف أبو سفيان بإسلامه, توجّه إلى أبي سفيان وحذّره من ملاقاة المسلمين؛ لأنهم خرجوا عن بكرة أبيهم لينتقموا من قريش.

وتسمى هذه الغزوة (حمراء الأسد) باسم الموضع الذي مكث فيه رسول الله (صلى الله عليه واله) منتظراً قدوم قريش.

الدروس المستفادة من هذه الواقعة:

وإنما ذكرتُ مُلخص الواقعة؛ لأن القليل ممن يعرفها، ولا شك أن معرفتها توفّر بيئة لفهم الآيات المتعلقة بها ليستطيع تدبّرها, وأخذ الدرس منها، قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ}, وهم من شاركوا في أُحُد وأصيبوا, لكنهم استجابوا لدعوة رسول الله (صلى الله عليه واله), وخرجوا معه {مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}, وهو القتل, والجرح, والآلام في معركة اُحُد, {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}, فالقبول لا يكون إلا من الذين اتقوا, والذين هم محسنون, {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ - وهم المنافقون, وبعض المهاجرين؛ الذين يحتفظون بولائهم لقريش, مضافاً الى من بعثهم أبو سفيان لإرعاب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله)- إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ - وهم قريش- فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173), وكان هذا دليل نجاحهم في الاختبار, وصحة إيمانهم {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} (آل عمران:174), وهو الأجر العظيم الذي ذُكر آنفاً, وانتصارهم على الخوف الذي زرعه فيهم الشيطان, وأولياؤه، وفي تحوِّل هزيمتهم إلى نصر, - حيث راحوا يُلاحقون قريشاً- وفي تحوّل نصر قريش إلى هزيمة, - حيث جبنوا عن لقاء النبي وأصحابه- وآثروا الرجوع إلى ديارهم {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ- إذ دفع الله تعالى عنهم قريش ولم يحصل قتال- وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران:174).

لكي لا نشعر بالإحباط:

إنّنا في العراق نصاب يومياً بالجروح, والقروح, حتى إنه لم يبق مكان آمن من التفجيرات, والاستهدافات, فما أحوجنا إلى استلهام هذا الدرس, والاستفادة منه؛ بأن لا نشعر بالإحباط, واليأس مما يحلُّ بنا، بل نُلمّلم جراحنا, ونتقدم في العمل حتى نحصل على ما ذكرته الآية الشريفة, {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} (آل عمران:174).

فإن هذا هو ما نبحث عنه ونريده, وهو هدفنا، ولا نُريد شيئاً مما يُريده أهل الدنيا, حتى إذا فاتنا ينتهي كل شيء.

وإذا تخلينا عن أهدافا, وهويتنا, بسبب هذه الأعمال الوحشية, فقد أعطينا للعدو مراده.

فالرد الصحيح هو بالمضي في العمل الرسالي - الذي يرضي الله (سبحانه وتعالى)- ورفع الهمّة, والعزيمة في التواصي بالحق, والتواصي بالصبر.

بقيّة السيف أبقى عدداً:

وممن تجري فيهم الآية مصّلو جامع الرحمن في منطقة سبع البور شمال بغداد, حيث استهدفهم تفجير انتحاري مجرم([3]), أثناء إقامة صلاة العشاءين, فَاستُشهد خمسة عشرَ مُصلِّياً, بينهم إمام المسجد, وأخواه وجرح خمسةٌ وعشرونَ مُصلِّياً, وقد استقبلت عدداً مِمَّن أُصيبوا في الحادث, وقد أشاروا في حديثهم إلى أنّ عدد المُصلّين ازداد بعد هذا الحادث المروِّع، كما ازداد عدد السيارات التي تتوجه أسبوعيّاً من المنطقة؛ لزيارة الإمامين العسكريين(عليهما السلام), ورفع الغربة عن روضتهما المطهرة في سامراء.

والمثال الآخر لهذه المواقف الربانية؛ ما حصل في حسينية حبيب بن مظاهر - القريبة من جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) في حي القاهرة ببغداد- وكان يرتادها جمع من طلبة الجامعة؛ لأداء صلاة الظهرين, ويطالعون دروسهم استعداداً للامتحانات، فامتدت يد الحقد, والحسد, والتكفير إلى هذه الفئة الصالحة, وفجّر انتحاري نفسه وسط الجمع ثم تلاه آخر([4])، وكانت حصيلة التفجيرين, واحد وثلاثون شهيداً, وسبعة وخمسون جريحاً، والذي حصل بعد الحادث زيادة المصلين في الحسينية من الطلبة الجامعيين, وأبناء المنطقة, وتصدي أحد الفضلاء لإمامة الجماعة فيها.

إن هاتين الجماعتين خير مثال لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (بقية السيف أبقى عدداً وأكثر ولدا)([5]), لأنها استجابت لله (سبحانه وتعالى), ولرسوله (صلى الله عليه واله), بعد أن أصابهم القرح, وقد وعد الله تعالى بأنهم يعودون بنعمة من الله (سبحانه وتعالى), وفضل, أسوة بأصحاب النبي (صلى الله عليه واله) الذين خرجوا معه إلى (حمراء الأسد).

وقائع القرآن دروس للتربية والهداية:

إن الوقائع التي يحكيها القرآن الكريـم ليسـت حــوادث تاريخيـة, وقصصـاً تذكـر للتسلية, والاطلاع, بل هي دروس حيّة, ورسالة هداية, وإصلاح, وثبات على صراط الحق لجميع الأجيال حتى يوم القيامة، ومنها هذه الآيات من سورة آل عمران, التي لم تكن مفهومة بهذا الشكل, قبل أن نتعرف على بيئتها, وظروفها، وعرفنا الآن إنها دعوة للثبات, والاستمرار في الاستجابة لله ولرسوله في بناء النفس, وإصلاح المجتمع, ورفع المعنويات غير متأثرين بالمصائب, والآلام.



([1]) وقعت معركة أُحُد يوم: 15/شوال, من السنة الثالثة من الهجرة. أنظر: الطبقات الكبرى- ابن سعد: 2/48.-تفسير الطبري- الطبري: 6/٢٤٢.

([2]) سيرة ابن هشام- ابن هشام: 2/101.- أسد الغابة- ابن الأثير: 5/349.- البداية والنهاية- ابن كثير: 5/٤٥٥.

([3]) وقع الحادث يوم السبت: 12/شعبان/1434هـ- المصادف: 22/6/2013م. وقد أصدر سماحة المرجع (دام ظله) بياناً في ذلك، أنظره في خطاب المرحلة: 8/307.

([4]) وقع الحادث يوم الثلاثاء: 8/شعبان/1434هـ- المصادف: 18/6/2013م.

([5]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 4/19.