(عند قبره) سلسلة حكايات من بلادي

| |عدد القراءات : 2190
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

سلسلة حكايات من بلادي

 

يكتبها : الميالي

 

عند قبره

 

من أين أبدأ سيدي..من أين أتحدث..وماذا عساني أن أقول..هل أبدأ من تلك السنوات البعيدة ..سنوات الطفولة البريئة..أم أبدأ من ذلك اليوم الحزين..الذي جذبتني فيه أمي وأدخلتني الدار..ولسانها المرتجف يردد: لا تخرج الى الشارع بعد اليوم..فلعلهم يأخذونك كما أخذوا فلانا وفلانا.. من أولاد الجيران...ودخلت يومها حجرتي..فوقع بصري على أبي..ورأيته واجما بما لم أعهده من قبل..كان أبي يميل برأسه ودموعه تنهمرعلى خديه..كان يتأوه ويصرخ ويضرب على صدره..فبكيت في الحال لما رأيته.. ووجدتني قربه أنوح بكل ماأملكه من براءة..ماذا حصل ياأبي؟! لماذا تبكي ياحبيبي؟! أراد أبي أن يجيب..حاول أن يفتح فمه ..أن يعبرعن بعض ما يختلج في صدره..بعبارات يمكن لصغير أن يفهمها.. لكنه لم يستطع..فغطى وجهه وأجهش باكيا ..فبكيت مثله.. وبقينا على تلك الحال حتى الصباح..

 

سألت أختي عن الخبر..كانت خائفة.. تلفتت يمنة ويسرة..وهمست أخيرا برعب: لقد قتلوه..استدعوه الى بغداد وقتلوه…من هو بالله عليك ؟!أخبريني من هو؟! وبصوتها المبحوح قالت : إنه الصدر..العظيم محمد باقر الصدر…

 

كانت هذه هي المرة الاولى في حياتي التي أسمع فيها بهذا الاسم…محمد باقر الصدر..من هو ياترى محمد باقر الصدر..ولماذا يبكيه أبي.. ولماذا تقول عنه أختي أنه عظيم..وتهمس باسمه وهي خائفة..

 

وأحببتك..وعشقتك..وتعلقت بك ..كان ذلك قبل أربع وعشرين عاما..وكبرت بعدها..وكبرت أيامي وأعوامي..وبدأت أقرأ..وصرت أطالع..ومضيت أبحث عن كل من خدم الله والانسانية..ووقعت كتبك في يدي..فكنت أقرأها على وجل..وكانت غالية..وكانت نفيسة..وكانت أندر من الكبريت الاحمر..الفتاوى الواضحة..المدرسة القرآنية..فلسفتنا واقتصادنا ..كم هو سعيد الحظ.. ذلك الذي يجلس تلميذا صغيرا بين يدي مفكرأديب  فقيه فيلسوف انسان..

 

عفوا سيدي..دعك من نفسي..حدثني أنت عن نفسك..قصّ عليّ حكاية عذابك..أنبئنا عن آخر أيامك وساعاتك..افتح لنا صدرك المرضوض فنحن أبناؤك وعشّاقك..جئناك نبشرك بسقوط الصنم..جئناك نذرف على قبرك الدموع..فأنت لم تكن بيننا يوم تعطرنا برائحة الحرية.

 

    جئناك سيدي نسألك عن تلك الجراح التي تحملتها من أجلنا..عن ذلك العذاب الذي عانيته دفاعا عنا..عن تلك الطريقة البشعة في الإغتيال..التي مارسها الطواغيت  ضدك…

 

ولكن..ولكن ياسيدي..ولكن أين أختك آمنة؟؟؟ أين بنت الهدى يامحمد؟؟؟ أجبني بالله عليك.. لماذا تسكت..إني أسمعك تنوح وكأن شيأ ما قد حصل..أين آمنة سيدي…هل عذبوها..هل أرعبوها..هل كشفوا عن وجهها النقاب .

 

سيدتي.. ياابنة الزهراء..أين أنت…تلك الوجوه المكفهرة..تلك القلوب القاسية..تلك الايدي القذرة..تلك الزنزانات الرهيبة المخيفة المرعبة..هل نالت من عزمك..هل ثلمت كبرياءك..وأناملك الذكية..التي خطت لنا آلآف الصفحات..هل قرضوها بالمقاريض..وعيونك الملائكية..التي ابتسمت دوما للشمس..هل فقؤوها بالمسامير..وقلبك الأديب سيدتي..الذي كان ينبض شعرا وحبا..أما زال يخفق.. وجسدك العفيف.. الذي رضي بالإسلام زوجا..هل قطعوه أوصالاً ..أم ذاب في بحر من التيزاب...سيدتي ..هل تسمعين..