(( الحقيقة )) سلسلة حكايات من بلادي

| |عدد القراءات : 2142
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

سلسلة حكايات من بلادي :

 

(( الحقيقة ))

 

يكتبها الميالي

     بغداد.. كلية التربية.. خمس وأربعون دقيقة من الحوار الساخن مع أستاذ الثقافة القومية الذي أُسندت إليه مهمة تسميم الجيل .. مئة وخمسون طالب وطالبة اجبروا على الحضور الى القاعة بعد ان اعلنت العمادة رفضها لقبول عذر من يتخلف .

 

     هنأ الاستاذ الحاضرين بمناسبة حلول العام الهجري الجديد .. وبدأ حديثه بمقدمة للرئيس القائد ( عن الامم التي ليس لها تأريخ ، والتي لا يمكن ان يكون لها مستقبل ) ثم أضاف : وامتنا المجيدة لها تأريخ مشرق لولا بعض الهنات هنا وهناك .. والتي عطلت المسير وأربكت التقدم. ومن تلك الهفوات خروج بعض اولاد علي ضد امير المؤمنين يزيد بن معاوية . الأمر الذي زعزع النظام وتسبب في نزاعات مانزال نرزح حتى الآن تحت وطأتها .

 

     ولم يتمالك جعفر ( بغداد / حي العامل ) نفسه فألتفت إلى زملائه يحرضهم على الرد .. ثم إلى الأستاذ وقال : ولكن الحسين عليه السلام لم يخرج اشِراً ولا بَطِراً وإنما خرج طلباً للإصلاح في امة جده .. فتح الأستاذ عينية مغضباً .. واصطنع الابتسامة وردّ بدهاء : كان يمكن للحسين أن  يصبر قليلاً .. ثم أ ليس من الافضل ان يجلس اولاً الى طاولة الحوار مع خليفة المسلمن ولا يشق عصا الطاعة .. من اجل السلام والمحبة على الاقل ! ولم تصبر يقين ( الناصرية / سوق الشيوخ ) امام هذا الالتواء فردت منفعلة : واين يجد الامام الحسين هذه الطاولة .. أ في الكوفة حيث القتل والتنكيل الذي ضج منه المسلمون أم في الشام حيث الغناء والقرود والموسيقى ؟!!

 

     سقط الطبشور من يد استاذ الثقافة المندهش .. والمكلف بإعداد جيل يؤمن بافكار البعث ويُسبّح بمنجزات رموزه . سقط الطبشور من يده .. لكنه تماسك من جديد فليس من المعقول ان يهزم بهذه السهولة .      وما بين كرٍ وفر ينتهي وقت المحاضرة .. فيسرع الاستاذ الى مكتبه ليرفع السماعة ويذكر الاسماء ويدلي بالتفاصيل .

 

      الواحدة ليلاً.. يُلقى جعفر في مؤخرة ( اللاندكروز ) معصوب الفم والعينين يرفس وقد آلمته ضربات رجال الأمن التي لا ترحم .. ثم يرمى في المحجر على وجهه فوق بركة من الدم بمنتهى القسوة .. دقائق واذا بصرخات يقين تزلزل المحاجر وأحد الاوغاد يجرها ومعها رجل مسن تعلوه الدماء لعله العم ( ابو فؤاد ) حارس الاقسام الداخلية الذي أبت غيرته ان يترك ابنة الناس بين ايدي الوحوش فأختار ان يبقى الى جانبها هذه الليلة ..ثم هاهم علي ( من النجف ) وسالار ( من شقلاوة ) وانمار ( المسيحي من بغداد الجديدة ) ومعهم كل من دافع عن الحسين والحق ولو بشطر كلمة ... جاءوا بهم جميعاً .. علقوهم وعذبوهم واخذوا يجلدونهم بقسوة .. لكنهم كانوا يضحكون .. يبكون ويضحكون .. تنهمر دموعهم لأن الليلة التي يتعذبون فيها من أجل الحسين هي نفسها ليلة عاشوراء المفجعة .. وكانوا يضحكون أيضاً بعد أن أخبرهم أمين إن الحسين زاره أول الليل ومسح على رأسه دون أن يدري السبب .. ويزداد ضحكهم أكثر عندما يعرفون أن الجلاد الموكل بتعذيبهم كان قد تلقى أوامره من ضابط جديد زار زنزانتهم هذه الليلة .. ضابط جديد أمعنوا في ملامحه فادركوا إنه استاذ الثقافة نفسه .. الحريص في القاعة على أفكار البعث .. المؤمن بطاولة الحوار .. المدافع عن السلام والمحبة .