مشاعر في يوم الانتخابات (خطاب المرحلة / 69)

| |عدد القراءات : 2053
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرجعية وخطابات المرحلة / 69

مشاعر في يوم الانتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون))

 

أهنيء سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وكل العراقيين الأحرار والشرفاء في هذا اليوم بما ابدوه بمن وعي وشعور بالمسؤولية في هذا الفصل التاريخي من حياة الأمة حيث أنهم أدركوا أنهم عند مفترق طريق فأما أن يعبئوا قواهم ويعطوا اصواتهم لنخبة صالحة كفوءة قادرة على بناء عراق حركريم وتحقيق أمل العلماء والشهداء والمضحين والخيرين أو يبقوا في زوايا النسيان ويتركوا الساحة للظلمة والمجرمين والانتهازيين والمتسلطين ليعيدوا دورة التاريخ الشنيع من جديد فلم يترددوا في الاختيار الأول وأثبتوا أنهم شعب حضاري أخذ مكانه بسرعة وسط أكثر الشعوب تقدماً ونضجاً وفهماً للديمقراطية أي تمكين الشعب من اختيار قادته بنفسه رغم سياسية التجهيل والحرمان والتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية التي مارسها صدام المجرم خلال عقود من الزمن وإن نسبة المشاركة في الانتخابات تزيد عن نسبة المشاركة حتى في الولايات المتحدة رغم البون الواسع بين ظروف البلدين واهنئهم على شجاعتهم وصلابة ارادتهم وقوة عزمهم حين توجهوا إلى صناديق الاقتراع رغم تهديدات القتلة والولعين بسفك الدماء البريئة الذين بلغت بهم الخسة ادنى مراتبها واولغوا في الجرائم ليكسروا ارادة العراقيين ويثنوهم عن عزمهم عن التحرر والانعتاق من تسلط الجبابرة والطواغيت وعبدة الدنيا الزائفة لكن العراقيين شيوخاً وشباباً ونساءاً ورجالاً حتى العجزة والمعاقين جاؤوا وبحالات قل نظيرها ليساهموا في صنع مستقبل ابنائهم ان لم يكن في العمر فسحة ليتنعموا به هم وقد ارتدى بعضهم الأكفان واغتسل آخرون غسل الشهادة واصطحبت النساء اطفالهن ليقلن للعالم إننا نموت جميعاً من أجل التحرر من سلطة الظالمين واعادة الحق إلى أهله ومشى بعضهم عشرات الكيلومترات سيراً على أقدامهم بسبب حضر مرور السيارات .

 

وأهنئهم على طاعتهم لمرجعيتهم الشريفة التي ثبتت بحزم على موقفها المطالب بتمكين الشعب من ممارسة حقه ورفض أية وصايا أو قيمومة الا لله تعالى ملبية نداء العلي العظيم (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )) وقاتلت المرجعية من أجل المستضعفين والمحرومين والمضطهدين بكل الأدوات المتاحة من حركة دبلوماسية وتعبئة جماهيرية وتوعية شعبية وحزم واصرار من أجل تثبيت هذه العملية التي تكفل للأجيال حقوقهم وانتصرت ارادتها بالاخلاص والحكمة وحسن السيرة .

 

واهنئهم على اخلاقهم التي زرعها الاسلام في قلوبهم وسلوكهم فقد سارت الحملة الدعائية شريفة رفيعة رغم تنافس أكثر من مئة كيان لم يكن للمهاترات الكلامية أي نصيب فيها الا ما شذ وندر وهذا السمو الانساني لم نجده عند أي شعب آخر وبنفس النزاهة سارت العملية الانتخابية فإن كثيراً من المراكز الانتخابية خلت من مراقبة الاشخاص الممثلين لشبكات المراقبة أو ممثلي الكيانات السياسية الا أنها لم تخلو من مراقبة الضمير والخلق الاسلامي الرفيع .

 

وأهنئهم على حبهم لوطنهم وسعيهم الدؤوب لتحريره من قيود الظلم والتخلف والتعسف بحيث اتحدت قلوبهم جميعاً في داخل العراق وخارجه على حب هذا البلد الكريم الاصيل مهد الحضارات ومنطلق الحرية والعدالة فاختلطت دموع الفرح مع اهازيج الانتصار وكان الجميع متآلفين ومتوافقين على بناء مستقبل زاهر ولم يتعكر صفو المحبة بالطمع في المناصب أو الاستئثار و الأنانية .

 

واهنئهم على صبرهم رغم طول المحنة وشدة البلاء وظلوا متمسكين بهويتهم ومبادئهم لم يخضعوا للأصنام البشرية ولم يرضوا بعبادتهم من دون الله العلي العظيم حتى جاء اليوم الذي انتزعوا فيه حريتهم وكرامتهم في مقابل ذلك كله وبعدما قال الشعب كلمته ووقف وقفته البطولية المشرفة وسطّر كل تلك الملاحم توجد استحقاقات على عدة اطراف اخرى .

 

فعلى السادة المنتخَبين للجمعية الوطنية أن يعرفوا لهذا الشعب حقه وفضله وتضحيته حتى وضعهم في هذا المكان الشريف بأن يكونوا ممثلين حقيقيين لمطالبه وآماله ويبذلوا كل ما في وسعهم من أجل استعادة حقوقه المشروعة وتخفيف آلامه وجروحه وتحسين وضعه على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية وأن يجعلوا من الجمعية خيمة لكل العراقيين الشرفاء ليساهموا في صنع المستقبل الحر الكريم وان كنا نقدر لهم حجم المعاناة التي تواجههم والقيود التي تحاصرهم .

 

وعلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى التي تحتفظ بقوات في العراق أن تحترم إرادة هذا الشعب وتتعامل معه بكل انصاف وموضوعية وتتجنب سياسة القهر والاذلال والاستعلاء والاستكبار فإنها قد جربت السياسة طيلة الاشهر العشرين الماضية فجعلها موضع سخرية واستهجان وتهكم وكراهية العالم حتى اعترفوا ان ثمانين بالمئة من شعوب العالم تكره الولايات المتحدة ولكنها حينما رضخت لإرادة الشعب واعطته حريته كيف رفعوا رؤوسهم وعلت وجوههم البسمة وعوضوا بعض اخفاقاتهم السابقة وهم مطالبون اليوم ومن خلال هذه التجربة الناجحة أن يغيروا سياستهم في التعامل مع الشعوب وسيكونون هم أول الناجحين المتحضرين والمستفيدين من نتائجها الانتخابية .

 

ان الولايات المتحدة تتحمل اليوم مسؤولية كبيرة لأنها رمز حضارة الغرب وعنوانها والنموذج الأرقى لها فأي فشل تقع فيه سيسيء إلى سمعة كل هذه الحضارة ويزيد نفور الشعوب منها وعلى الدول الاقليمية التي ساهمت بصورة وبأخرى في تخريب العراق ودفعه إلى الهاوية لولا لطف الله تبارك وتعالى ووعي الشعب العراقي وحكمة قيادته ان ترجع عن غيها وعدوانها وتقبل خيار الشعب وتحترم ارادته بكل مكوناته ولا تستسلم إلى تعصبها وطائفيتها وانانيتها وليعلموا انهم اول المتضررين من هذا البغي والعدوان فهذه سنة الهية في عباده (من سل سيف البغي قتل به) (لو بغى جبل لتدكدك) وليتعضوا بالتجارب التاريخية القريبة قبل البعيدة فقد وقفوا مع صدام في عدوانه على شعبه وجيرانه فكانوا اول ضحية له ودعموا الارهاب في العراق وها هي حوادث الارهابين في بلادهم يقودها ناس بعثوهم هم إلى العراق ودفعوهم بالتضليل والعقائد الفاسدة واذا كانوا بالامس قد عانوا كثيراً من ظاهرة (الافغان العرب) فسيعانون أكثر من (العرب) الذين يقيمون بالتخريب وقتل الابرياء وزعزعة الامن والاستقرار في العراق حينما يعودون إلى بلادهم في يوم ما ولا افهم أي تسافل وصلت اليه احدى الفضائيات العربية وهي تتبجح بانتحاري يفجر نفسه في طابور من الناخبين أو مسلحين يقتلون امرأة متوجهة إلى صناديق الاقتراع أو يضربون بالقذائف مركزاً انتخابياً !! هل وجدت مثل هذه الحالة في اشد شعوب العالم تخلفاً ؟ نعم، لا وجود لها الا في القلوب القاسية والعقول الفارغة للتكفيريين المتعصبين سلالة الخوارج وعند صدام المجرم الذي هدد في الثمانينات لمهاجمة المراكز الانتخابية في ايران واجابه السيد الخميني (قده) باصراره المعروف: حتى لو بقيت وحدي فاني ساذهب إلى صناديق الاقتراع.

 

اني اعرف هذه الدول الاقليمية حينما تحرض على التخريب انما تخشى انبعاث الشعوب ومطالبها الحقة باحترام ارادتها وكرامتها وعدم استبعادها فلا تريد تلك الانظمة لنموذج حضاري ان يقوم في المنطقة ولكن ليعلموا بان الشعوب لا بد ان تتحرك  في يوم ما وتطالب بحقوقها وحينئذٍ سوف لا ينفع الظالمين ايواؤهم إلى الجحور كما لم ينفع صداماً من قبل فليعيدوا النظر في سياساتهم مع شعوبهم وليبدأوا التعامل بالعدل والرحمة والانصاف.

 

اسأل الله تعالى ان يجمع كلمة عباده على الهدى والصلاح ويوفق اولياء امورهم لما فيه رضاه وصالحهم انه ولي النعم.

 

 

 

محمد اليعقوبي

 

النجف الاشرف

 

20 ذج 1425

 

31 / 1 / 2005