بين الأصوليين والإخباريين (القسم الثاني)

| |عدد القراءات : 3018
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بين الأصوليين والإخباريين

 

(القسم الثاني)

 بقلم : الشيخ حيدر اليعقوبي

 

 

وسأكتفي الآن بذكر بعض الروايات الواردة عن المعصومين (ع) في تأييد علم الاصول والاصوليين؛ فقد ورد عن الصادق (ع) في رواية هشام بن سالم: (انما علينا ان نُلقي اليكم الاصول، وعليكم ان تفرِّعوا ) وكذلك ورد عن الرضا (ع) : (علينا القاء الاصول وعليكم التفريع) ، وقد علّق صاحب الوسائل الحر العاملي (وهو اخباري) علّق على هذين الخبرين بانه يجوز التفريع على الاصول المسموعة منهم والقواعد الكلية المأخوذة عنهم (ع) .

 

وهناك روايات اخرى تحدثت عن اصل الاستصحاب كقول الباقر (ع) : (ليس لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ) . وفي روايات اخرى اشار المعصومون (ع) الى اصالة البراءة مثل (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) و (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام )، وهكذا يتضح لكل منصف ان الاصوليين هم الفقهاء الحقيقيون، وانهم اهل الحديث والأخبار فعلاً؛ تماما كما نقول بان الشيعة هم اهل السنة فعلاً وليس العكس.

 

واما ما ينسب الى الاخباريين من حرمة التقليد لغير المعصومين (ع) فهذا صحيح وقد دلت عليه النصوص، ونحن الاصوليون اول من يؤمن به، وندين به امام الله عز وجل، ولا يوجد من الاصوليين من يجوّز التشريع لنفسه. وانما نحن نسأل هنا كيف يعرف العامي أحكام دينه؟ وكيف يستطيع الشخص الاعتيادي ان يتوصل الى تكاليفه الشرعية؛ مع الالتفات الى ان اكثر طبقات المجتمع وغالبية شرائح الامة، او ما يعادل على الاقل نسبة 98%  من الناس، يُصنّفون علميا على انهم مجرد متلقين؛ بمعنى: انه لا علم لهم بأحوال الرواة؛ ولا بموارد النسخ، والإطلاق والتقييد، وأحوال الالفاظ، وكيفية علاج التزاحم او التعارض، ونحو ذلك مما يعتبر من مقدمات الفقاهة اللازمة لتحصيل الحكم الشرعي، ولذلك فهم لا يستطيعون الاستقلال بمعرفة تكاليفهم الشرعية؛ وهم يشهدون على انفسهم بذلك. أفليس المفروض  ان يرجع المكلف الاعتيادي عندئذ الى ثقات الفقهاء وعدول العلماء الذين وصفهم المعصومون (ع) بانهم امناء الرسل، وانهم كأنبياء بني اسرائيل، وانهم حصون الاسلام.

 

بل ورد في جملة من الاخبار ما يدل على ضرورة الرجوع الى الفقهاء والعلماء، ففي الحديث عن ابن ابي يعفور انه سأل الصادق (ع) قائلاً: انه ليس كل ساعة القاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من اصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه. فقال (ع): (فما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي فانه قد سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً).

 

وفي الحديث الآخر عن أحدهم يسأل الرضا (ع) قائلا:اني لا ألقاك في كل وقت فعن مَن آخذ معالم ديني؟

 

فقال (ع): (خُذ من يونس بن عبد الرحمن).

 

وفي المروي بسند معتبر عن عبد الله بن جعفر الحميري عن الامام الهادي (ع): (العُمري ثقتي فما أدى اليك عني، فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له واطع).

 

وفي مقبولة عمر بن حنظلة، عن الصادق (ع): (مَن كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكماً). الى غير هذه النصوص الجلية.

 

وفي الحقيقة فإن المتأمل في النصوص الواردة في حق العلماء يلاحظ ان الائمة (ع) كانوا يركزون على وجوب التفاف الناس حول العلماء، ووجوب طاعتهم باعتبارهم مبلغين عن المعصومين (ع).

 

فهذه هي حقيقة التقليد الذي يقول به الاصوليون؛ فالمكلف اما ان يجتهد بنفسه في سبيل تحصيل العلم؛ واما ان يقلِّد من نال مرتبة الاجتهاد، بمعنى: انه يأخذ علمه منه ويجعله مرآة تكشف له عن مذهب المعصومين (ع)؛ فأي خطأ في هذا الطريق ؟! بل اي طريق أكثر سلامة وواقعية من هذا الطريق؟.

 

نعم، قلنا: ان التقليد هنا ليس للعالم بما هو في نفسه؛ وانما التقليد بحسب الاصل هو للامام المعصوم (ع) وانما يُلحظ الفقيه كواسطة او طريق لتحصيل علم المعصومين (ع) وأحكامهم التشريعية او الدينية عموماً؛ وهذا هو مضمون الاخبار التي ذكرناها قبل قليل عن مراجعة الفقهاء والعلماء.

 

وأخيراً نقول: ان المدرسة الاصولية قد بقيت صامدة وقوية طيلة هذه القرون بفضل الله ورعايته وحسن تسديده؛ حيث جاهد العلماء بمدادهم ودمائهم وأموالهم من أجل نصرة هذا الدين الالهي وترسيخ هذا المذهب الجعفري ، ويأبى الله الاّ ان يُتم نوره على ايدي عباده المخلصين من العلماء والمحققين.

 

وينبغي الالتفات هنا الى انه توجد مؤامرة كبرى تحاك ضد الامة الاسلامية عموماً ؛ وضد الشيعة خصوصاً؛ من أجل زعزعة هذا الكيان المتماسك ؛ وزرع الفتنة وعدم الثقة بين الجماهير وقياداتها الدينية المتمثلة بالمراجع العظام.

 

فإن المتأمل الواعي يلاحظ ان مثل هذه النداءات والاتهامات التي تصدر ضد الاصوليين؛ إنما تصدر من جهات مشبوهة فكرياً وأخلاقياً وسياسياً؛  وهي رصاصات غادرة موجهة بالاصل ضد القيادات الاسلامية المتمثلة بالعلماء ؛ وليس الهدف منها نصرة المدرسة الإخبارية أو إعادة المد الإخباري ؛ فإن هذه مجرد شعارات كاذبة وأقنعة مزيفة ؛ فالهدف الحقيقي من وراء مثل هذه التخرصات إنما هو تفكيك التلاحم الحاصل بين الجماهير الشيعية وزعاماتها الدينية المتمثلة بالعلماء والفقهاء المخلصين . وأخطر ما في الأمر أن الضياع الثقافي والفوضى الفكرية والتشتت الفقهي والتعدد الطائفي داخل المذهب الواحد ، كل هذه السلبيات مظاهر مقصودة لمثل هذه الحملات ، فالواجب علينا أن نحذر ونلتفت وننظر الى الأمور بحكمة وإمعان ، حتى لا نعين أعداءنا على انفسنا ؛ وقد ورد في الأخبار أن أحد الصحابة عرض على القتل في سبيل الله ، فلما قالوا له : مُدّ عنقك ليضربوه بالسيف ، أجابهم بكل صلابة : لا أعينكم على نفسي .

 

ومحل الشاهد هنا إننا مطالبون بالتماسك والتلاحم قربة الى الله عز وجل ؛ فإننا مذهب واحد ومنهج واحد وهو مذهب أئمتنا المعصومين عليهم السلام الذين أمرنا الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله باتباعهم والتزامهم .

 

ولنتذكر معاً ما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام إن الله تعالى اوحى الى دانيال عليه السلام : (أن أمقت عبيدي اليّ الجاهل المستخف بحق أهل العلم ، التارك للإقتداء بهم . وأن أحب عبيدي إليّ التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع الحلماء ، القابل عن الحكماء ) .

 

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يحب ويرضى ، وأن يجعلنا ممن ينتصر به لدينه ، وأن يرزقنا بركة التوفيق وحسن العاقبة ، والحمد لله أولاً وآخراً .