الاعمال الصالحة سبب لقضاء الحوائج ورفع البلاء

| |عدد القراءات : 1043
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الاعمال الصالحة سبب لقضاء الحوائج ورفع البلاء([1])

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3)

 

روى الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) بسنده عن ابن أبي اوفى عن رسول الله (’) قال (خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض) أي لا يستقرون في بلد ويتخذونه وطناً فلا منزل ثابت لهم ولازمه أن لا أهل لهم ولا ولد متفرغين لله تعالى بالعبادة في انحاء الأرض (فبينما هم يعبدون الله تعالى في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقت باب الكهف) أي سقطت صخرة ضخمة من أعلى الجبل واستقرت على باب الكهف حتى أغلقته تماماً وحوصر الثلاثة في داخله وسيكون مصيرهم الهلاك جوعاً وعطشاً، فجلسوا يتفكرون في إيجاد طريقة للخلاص.

(فقال بعضهم: يا عباد الله والله لا ينجيكم منها الا ان تصدقوا عن الله فهلّموا ما عملتم خالصاً له) فتوصلوا الى شيء هداهم الله تعالى اليه رحمة بهم وهو أن يتوسلوا الى الله تعالى بعمل صالح أخلصوا فيه النية ويقسموا عليه تعالى به لينجيهم فان الله تعالى يحب العمل الخالص لوجهه ويجزي صاحبه في الدنيا والآخرة.

(فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أني طلبت جيدة) أي عشقت امرأة وتعلقت بها وكان كل همّي وصالها (لحسنها وجمالها واعطيت فيها مالاً ضخماً حتى اذا قدرت عليها) وتمكنت من تلبية شهوتي معها ولكن من حرام وليس بزواج شرعي (ذكرت النار فقمت عنها فرقاً) أي من الله تعالى فجاهد نفسه وكبح شهوتها التي كانت تضغط عليه لإيقاعه في المعصية لكنه كان قوي الارادة والعزم ونجح في الامتحان امام الله تعالى. (فارفع عنّا هذه الصخرة، قال: فانصدعت حتى نظروا الى الضوء) أي ان هذا العمل كان مخلصاً فعلاً وقد حظي بالقبول من الله تعالى واستحق صاحبه التكريم واستجابة الدعاء فانفرجت الصخرة بمقدار ما عن فتحة الكهف بحيث رأوا الضوء في الخارج.

(ثم قال آخر ــ وهو الثاني ــ اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت قوماً كل رجل منهم بنصف درهم، فلما فرغوا) من عملهم (اعطيتهم أجورهم) كل واحد نصف درهم بحسب الاتفاق (فقال رجل) من العمال (لقد عملت عمل رجلين والله لا آأخذ الا درهماً) أي بذلت جهد عاملين فأستحق أجراً مضاعفاً وهو درهم كامل فلم يعطيه صاحب العمل وأصرّ على إعطائه الأجر المتفق عليه وهو نصف درهم ولم يقبل العامل بذلك (ثم ذهب وترك ماله عندي) ولم يأخذ أجرته، وقد استثمر صاحب العمل هذا النصف درهم في الزراعة (فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض فاخرج الله به رزقاً) ونمى ذلك الزرع وجاء بأرباح وفيرة (وجاء صاحب النصف درهم) بعد مدة (فأراده فدفعت اليه عشرة آلاف درهم حقه) أي دفع له كل الأموال التي حصلت من استثمار تلك الأجرة (فان كنت تعلم أنما فعلت ذلك مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة، قال: فانفرجت حتى نظر بعضهم الى بعض) فالظاهر ان هذا العمل كان مخلصاً حقاً لله تعالى فاستحق عليه الجزاء واستجابة الدعاء.

(ثم قال الآخر ــ وهو الثالث ــ اللهم إن كنت تعلم أن أبي وأمي كانا نائمين فأتيتهما بقصعة من لبن) ويظهر ان هذا الشخص كان يحلب ماشيته في الصباح الباكر ويستفتح بتقديم اناء من الحليب لوالديه قبل نفسه وأهله ولا يفطرون حتى يفطر ابواه برّاً بهما وجزاءاً لإحسانهما، وفي ذلك اليوم لما جاءهما بالإناء كالمعتاد وجدهما نائمين ولا يريد أن يسبق والديه بتناول الحليب (فخفت أن أضعه) عند رأسيهما الى ان يستيقظا وأذهب (فيقع فيه هامة) أي حشرة (وكرهت أن انبههما من نومهما) ليشربا وأذهب (فيشق ذلك عليهما) لانهما مسنّان ويزعجهما قطع نومهما(فلم أزل بذلك) أي واقفاً عند رأسيهما وحاملاً لإناء اللبن (حتى استيقظا فشربا، اللهم إن كنت تعلم إني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فارفع عنّا هذه الصخرة، فانفرجت حتى سهلّ الله لهم المخرج) وخرجوا من الكهف وخلصّهم الله تعالى من موت محقق، وهنا علّق رسول الله (’) قائلاً (من صدق الله نجا)([2]) .

فالدرس المستفاد من هذه الرواية ان من يصدق مع الله تعالى ويؤدي عمله مخلصاً ويتقي الله تعالى في اموره فان الله تعالى يكفيه ويقضي حوائجه ويدفع عنه البلاء، قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3).

والدرس الآخر ان لا نقصِّر في القيام بأي عمل صالح يرضي الله تبارك وتعالى مهما بدا بسيطاً لا يستحق الاهتمام فلعله يحظى من الله تعالى بالقبول والجزاء الحسن، فمثلاً طالب جامعي أو موظف في مجتمع مختلط او ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي تحصل له فرصة لعلاقة غير مشروعة مع الجنس الآخر ونفسه تدفعه بقوة للمضي فيها الا انه يتقي الله تعالى ويجاهد نفسه ويغلق باب المعصية فيكون كأول هؤلاء الثلاثة، أو تاجر يعمل في السوق أو موظف أو مهندس تغريه الأموال ويدفعه طمعه لأخذها بغير حق الا انه يمنعها من التورط بالحرام وهكذا.

وينبغي الالتفات الى ان كل شريحة لها أعمالها الصالحة التي نتوقعها منهم فالموظف يخدم الناس ورجل الجيش والشرطة يحفظ أمنهم ورجل الدين يعلمهم الاحكام الشرعية ويعظهم ويرشدهم والطبيب يداوي الناس، والبعض يتطوع للقيام بالخدمات الانسانية وتوزيع المساعدات.

والدرس الثالث: هو حسن الظن بالله تعالى وأنه حاضر يسّمع نجوى عبده ويعلم بما تنطوي عليه سريرته من حاجات وآمال وهموم وسيرى الله تعالى عند حسن ظنه كما هو أهله ويقضي حاجته ويعطيه مراده ويفرّج عنه همه وكربه حتى من دون وجود الأسباب الطبيعية.

 

 

 



([1]) القيت يوم 9 / شعبان / 1438 المصادف 6 /5 / 2017 على جمع من خريجي كلية القانون في جامعة القادسية وطلبة جامعة الصدر الدينية فرع مدينة الصدر في بغداد وطلبة الثانوية في مدينة الشوملي.

([2]) بحار الانوار: 14/427 ح 8.