خطاب المرحلة (500) (وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ)

| |عدد القراءات : 749
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

(وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ)([1]) 

(الأحقاف:35)

 

من كلمات الامام الحسن السبط الزكي المجتبى (صلوات الله عليه) في بيان أحد الأداب العامة لتنظيم العلاقة الإيجابية مع الآخرين خصوصاً للمربين وأولياء الأمور كالأب في البيت او معلم المدرسة أو مدير الدائرة أو رئيس العمال ونحو ذلك، قال (×) (لا تعاجل الذنب بالعقوبة وأجعل بينهما للاعتذار طريقاً)([2]).

والمعنى واضح فالإمام (×) ينهى عن المبادرة الى معاقبة من يخطأ أو يذنب أو يقصِّر فهذا التريث والإمهال وغض النظر المؤقت يُعطي المذنب فرصة للتأمل والتفكير والمراجعة وسيدفعه ذلك إلى الاعتذار والاعتراف بالتقصير وتدارك التقصير وهذه نتيجة طيبة لجميع الأطراف، أما المبادرة الى المحاسبة والمعاقبة بغض النظر عن كون العقوبة بمستوى الذنب أو أقل أو أكثر فأنها تؤدي الى التشنج والتعصب وتأخذه العزة بالإثم.

 وهذا الادب يندرج ضمن التأسي بالصفات الإلهية فأن الله تعالى كتـب

على نفسه الرحمة بأن لا يُعاجل العباد العقوبة حتى الكفار والمتجبرين والمتمردين قال تعالى (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف:35) وقال تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (يونس:11) وقال تعالى (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق:17) فإن ثابوا الى رشدهم وعادوا الى الطريق كان فيه خير الدنيا والاخرة للجميع ولا نفقد الامل بهداية أي أحد وهذا ما عبّر عنه بعض الربانيين لما قال لهم بعض اليائسين والمتقاعسين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً) كان جوابهم الأمل والاندفاع (قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(الأعراف:164) حتى في مثل فرعون الذي كان يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات:24) و(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) (غافر:29) فأن الله تعالى أبقى الامل في نفس موسى وهارون (عليهما السلام) قال تعالى (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44).

وإن استمروا بالعصيان والاستكبار كان أبلغ بالحجة عليهم وأقطع لعذرهم قال تعالى (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (آل عمران:178).

 ويتأكد هذا الادب كلما ازدادت أواصر القرب والعلاقة ويبلغ ذروته مع الموالين لأهل البيت (^) فترى الامام الرضا (×) يُعلل تريثه في اتخاذ الإجراءات ضد قيادات من أصحابه أنشقّوا عنه وخانوه في الأموال العظيمة التي أودعها عندهم بأنه (×) يأمل منهم ان يتقدموا خطوة ليحظوا باللطف الالهي قال (×): (ولولا ما قال أبو جعفر (×) حين يقول: لا تعجلوا على شيعتنا إن تزلّ قدم تثبت أخرى، وقال: من لك بأخيك كله: لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السراج وأصحاب ابن ابي حمزة)([3]).

وهذه الميزة لشيعة أمير المؤمنين الموالين وردت في حديث سابق عن رسول الله (’) قال:(ما ثبتّ الله حب علي في قلب مؤمن فزلَّت به قدمٌ إلا ثبت الله قدماً يوم القيامة على الصراط)([4]).

وقد جسّد الأئمة (سلام الله عليهم أجمعين) هذا الادب في حياتهم بصوره المتنوعة، فقد انتظر أمير المؤمنين (×) ما يقارب السنة قبل ان يتوجه لمقاتلة الباغين معاوية وأصحابه وأكثر إرسال المواعظ اليهم لعلهم يعودون الى الهدى والرشد حتى بدأ المرجفون والمنافقون يشيعون أن علياً (×) شاك في أمر أهل الشام ولا يجد مسوغاً لقتالهم فصعد الامام (×) على المنبر وبيّن لهم انه لم يشكّ طرفة عين في ظلال معاوية واصحابه وكونهم بغاة يستحقون القتل والقتال وانما تأخّر إمهالاً لهم لعلهم يثوبوا الى رشدهم ويفيئوا الى أمر الله وليستضيئوا بنور أمير المؤمنين (×) قال (×): (أما قولكم: أكلُّ ذلك كراهية الموت، فوالله ما أبالي، دخلتُ الى الموت أو خرج الموت إليَّ، وأما قولكم شكاً في أهل الشام! فوالله ما دفعتُ الحرب يوماً إلا وأنا أطمع ان تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو الى ضوئي، وذلك أحبُّ إليَّ من أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها)([5]) ومن رسالة له (×) بعثها الى معاوية قال: (وليس أبطأني عنك إلا ترقباً لما أنت له مكذب وأنا له مصدّق)([6]) وقال (×): (اني قلبت أمري وأمرهم ظهرا لبطن، فما وجدت إلا قتالهم أو الكفر بما جاء محمد ’)([7]).

 كما كان (×) يمنع افراد جيشه من ان يدعو أحدهم للمبارزة، وكانوا لا يبدؤون اعداءهم بقتال ففي يوم عاشوراء حينما حاول بعض أصحاب الامام الحسين (×) أن يرمي شمراً أو بعض الأعداء أن يرميه بسهم فمنعه لهذا الغرض النبيل حتى رمى عمر بن سعد بسهم نحو معسكر الحسين (×) وتبعه جيشه لهذا نادى الامام (×) أصحابه قائلاً قوموا الى الموت الذي لابد منه فهذه رُسل القوم اليكم.

وقد أثمر هذا الادب عن توبة قائد كبير في جيش بني أمية وهو الحر الرياحي ولو استعجل الامام (×) مواجهته في الطريق لما حظي بهذه السعادة الابدية.



([1]) أُلقيت يوم الاثنين 13 صفر 1438 الموافق 14/11/2016 تزامناً مع ذكرى استشهاد الامام الحسن (×).

([2]) المجالس السنية: 5/348، موسوعة المصطفى والعترة: 5/126-128.

([3]) بحار الانوار: 49/267-268 عن قرب الاسناد: 348-352/ ح1260.

([4]) كنز العمال: 11/ 621/ ح 33022.

([5]) نهج البلاغة الخطبة 54.

([6]) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 4/50.

([7])علل الشرائع: 220 باب 160، بحار الأنوار: ج 44، ص35.