خطاب المرحلة (490) قابلية الشعوب على الاستعباد

| |عدد القراءات : 1616
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

قابلية الشعوب على الاستعباد([1])

(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف/54) 

لو قرآنا الآية بمعزل عن السياق لكان ظاهرها ان فرعون أمر قومه ان يَخفُّوا ويسرعوا لنصرته ويبادروا للخروج معه للقضاء على النبي موسى (×) واتباعه وهم أطاعوه واستجابوا لدعوته التي اشير اليها في قوله تعالى (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) (الشعراء/53) وبهذا المعنى ورد في خطبة السيدة الزهراء (÷) في مسجد أبيها (’) (وأطْلَعَ الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً)([2]) بعكس التثاقل الذي يعني التباطؤ والتكاسل قال تعالى (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) (التوبة/38).

لكننا لو قرآنا الآية ضمن سياقها فإنها تعني ان فرعون استخــف بعقــول

قومه ووجدهم سلسي القياد طائشين نزقين لا حكمة لهم ولا رشد ولا وعي ولا بصيرة ينعقون مع كل ناعق فمضى في مشروعه الاستكباري والاستعلائي واستعباد الناس وتسييرهم وفق هواه، وهم صدّقوا ظنه فيهم حين أطاعوه ورضوا بحالة العبودية فهي هنا كما في قوله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم/60) أي لا يذهبن بحلمك وعقلك ما يفعله المشركون.

وتعلّل الآية الكريمة هذه الحالة عند قوم فرعون بأنهم كانوا فاسقين خارجين عن حدود العقل والفطرة ومجردين من الخصائص الإنسانية الكريمة، ورضوا لأنفسهم حياة الذل والهوان والعبودية، والفسق لغةً هو الخروج، وفي لغة العرب (فسق الرطب) إذا خرج عن قشره، وفي المصطلح: الفسق هو الخروج عن حدود الشريعة والعقل والفطرة.

وهذا يعني انهم لو لم يكونوا فاسقين خارجين عن صراط الحق طائعين لأهوائهم لما استطاع فرعون ان يستعبدهم ويستخف بهم، فالمظالم والكبائر التي يرتكبها الطغاة ليسوا فقط هم المسؤولين عنها، وإنما تتحمل الشعوب جزءاً من المسؤولية إزاء ما يحلّ بها لأنها مكنّتهم من ذلك بفسقها وانحرافها، واستسلموا لخداع ومكر الزعامات والمتسلطين، فأعانوا عدوهم – من شياطين الانس والجن – على أنفسهم، أما المؤمنون المتبعون للقيادة الحقة فأنه يصعب خداعهم وسوقهم.

فالآية تقدّم لنا حقيقة سبق اليها القرآن الكريم وقررّها قبل ان يتوصل اليها علماء الاجتماع بعد قرون طويلة وهي ان الشعوب المستضعفة والمستعبدة من قبل الطواغيت او القوى الخارجية المحتلة لا تسقط في هذه الانتكاسة إلا لأنها تتوفر فيها قابلية الاستعباد، وعلى تعبير بعضهم قابلية الاستعمار، وعلى تعبير آخر: قابلية الاستحمار لان الشعوب حينئذٍ تُقادُ الى حيث يريد مستعبدوها بلا بصيرة ولا وعي وإدراك لمصيرها البائس الذي تسير اليه بحيث تغفل هذه الشعوب عن أشد المظالم وأوضح الجرائم بحقها وتصرّ على السير خلف الظالمين المستبدين فيسوقونهم الى الموت ويسلبون أموالهم ويُسخرونهم لتحقيق نزواتهم وهم يصفِّقون لهم ويقدسونهم ويطيعونهم طاعة عمياء.

والتأمل في سلوك فرعون مع شعبه الذي حكته الآيات الشريفة السابقة يشير الى الأساليب التي يتبعها الطواغيت والمستكبرون لتدجين الشعوب واستخفافها وهي لا تختلف عن أساليب اليوم إلا من حيث الشكل والأدوات التي تتغير تبعاً للزمان وإلا فالحقيقة واحدة.

قال تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ، فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:51-54).

والأساليب هي:

1-  سلب حالة الوعي والادراك والفطنة التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ(البصيرة) وتكريس حالة الجهل والتخلف والانقطاع عن أسباب المعرفة الحقيقية والاهتمام بالقشور وقلب موازين التقييم من معنوية حقيقية جوهرية الى مادية سطحية زائفة وهكذا ضمن عملية غسل دماغ تسلب عقولهم ووعيهم ويتحولون الى قطيع منفذ للأوامر، ولذا قال لهم  (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فدعاهم الى النظر الحسّي ولم يدعوهم الى  التأمل والتدبر والتفكر لئلا تظهر الحقائق ويُفتضح المخادع، والأمور التي دعاهم فرعون الى إبصارها قريبة محسوسة أما موسى (×) فيدعوهم الى الايمان بامورٍ غيبيةٍ بعيدة عن إدراك الناس الغافلين.

وتحاط عملية غسل الدماغ احياناً بالقدسية والخطوط الحمراء التي لا تقبل النقاش، وهنا يكون دور لعلماء الدين المحبين للدنيا والواجهات المؤثرة في المجتمع (السحرة ومعبرو الاحلام في قوم فرعون) لإضفاء هذه القدسية وشرعنة ما يفعله الطغاة وإدامة سلطتهم وهيمنتهم وإحكام الطوق على الشعوب المستعبدة باسم الدين وشعائره، لكن أي دين؟ لقد وصفهم أمير المؤمنين (×) بأنهم (لبسوا الإسلام لبس الفرو مقلوباً)([3]).

 وهذا ما يدفع الزعامات الحريصة على مواقعها الى استخدام كل أساليب البطش والقسوة المادية والمعنوية بحق المصلحين الواعين الذين ينهضون لإيقاظ الأمة وتبصرتها وترشيد سلوكها, وتحريرها من الاغلال والآصار التي تُحجرّ على عقولهم وتلّوث باطنهم وفطرتهم([4]).

2-  استحقار الآخر (فرداً او شعباً) والاستهزاء به لسحق شخصيته وإظهار عجزه وضعفه ليقتنع بأنه مخلوق ليكون تابعاً لغيره فموسى (×) عند فرعون (مهين) لأنه من بني إسرائيل المستضعفين المواطنين من الدرجة الثانية الذين لا يحق لهم العمل إلا في المجالات المتدنية كرعي الأغنام وخدمة الأغنياء والمترفين، وكان المظهر الخارجي لموسى (×) متواضعاً قال أمير المؤمنين في وصفه (وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ × عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَدَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَبَقَاءَ الْمُلْكِ وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ فَهَلا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ)([5]).

 ووصفه فرعون ثانية بأنه (ولا يكاد يبين) مستغلاً ما كان معروفاً عن موسى (×) قبل خروجه من مصر بأنه كانت له عقدة في لسانه فلا يكاد يبّين ما يريد قوله بوضوح فخدعهم بهذه الحالة التي كانت قبل بعثه بالنبوة، فلما بعثه الله تعالى بها شكى حاجته (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) (الشعراء/13) (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً) (القصص/34) ودعا ربّه بإطلاق لسانه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طه/27- 28) وقد استجاب الله تعالى دعاءه وأطلق لسانه (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (طه/36).

3-  إقناعهم بحاجتهم لهؤلاء المستكبرين وانهم لا يستطيعون الحياة بدونهم وخلق حالة رعب وقلق وخوف (فوبيا) من البديل (وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) كان نهر النيل والانهار والجداول المتفرعة عنه التي روي انها وصلت الى 360 فرعاً مصدر حياة المصريين ورخائهم وازدهارهم وفخرهم وعزتهم، فصّور لهم ان هذه الشبكة الإروائية تجري بأمره ووفق تدبيره وهي تحت سلطته وقدرته، وموسى (×) لا يملك شيئاً من هذا والذهاب معه يحرمكم من هذه العزة والرخاء.

4-  خلق حالة الانبهار به لدى الطرف الآخر وجعله باهتاً امام هذه الجبروت والعظمة التي هي زائفة في الحقيقة فتأخذ بألباب الناس ومجامع قلوبهم وعقولهم ويكون غاية هم الناس أن ينالوا شيئاً من فتات دنياهم (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) وحالة الانبهار تولد تبعية وانقياد لما أنبهر به: ولا يفكر المنبهرون حينئذٍ في الخروج عن طاعتهم فضلاً عن التفكير في إزالتهم وإقامة النظام البديل.

فالمستكبرون يوهمون الناس بأن من يتطلّع الى القيادة والأمرة لابد ان يكون كالفراعنة متزيناً بالذهب والفضة ويملك ثروة طائلة، وهذا غاية الاستخفاف بالناس أن يجعل دليل صدق النبوة والسفارة الإلهية وتبليغ رسالة الله تعالى حيازته للثروة والذهب والاعراض عن الآيات والبينات التي جاءهم بها وهو نفس إشكال قريش في الآية (31) من سورة الزخرف (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

وكان سرد هذه الحكاية عن آل فرعون هو موعظة وتحذير لقريش من سلوك هذا المنهج الضال، ولا شك ان عملية الإصلاح في المجتمع المترف اقتصادياً والمستقر يكون أصعب ويواجه عقبات جمة ورفضاً من عامة الناس فضلاً عن المتسلطين.

وكرّر فرعون الاشكال الذي أثارته الأمم المكذّبة على انبيائها بأن الله تعالى لو شاء أن يبعث رسولاً لجعله ملكاً ولو اختاره انساناً فلابد أن تأتي معه الملائكة (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً) (الإسراء/92).

ولم يغب عن فرعون إثارة النعرات والعصبيات الجاهلية بقوله (يا قوم) وهم الاقباط المتسيّدون قوم فرعون لعزل موسى ومن معه من بني اسرائيل.

وهنا يأتي قوله تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) وفيه إشارة الى ان فرعون كان يعرف انه مخادع وأن أدلته لا قيمة لها لكنه استخف بعقول قومه واستصغر شأنهم واستعمل وسائل الخداع والمكر مع الاغراء والترهيب فوجدهم طائعين ومسلّمين له.

هذا السلوك الفرعوني هو ديدن الطواغيت والمستكبرين والطامحين الى الزعامة والتسلط على رقاب الناس في كل زمان ومكان وأدواتها في تطور مستمر، لاحظ سلوك الحكومات الغربية تجاه شعوبنا الإسلامية من أجل السيطرة عليها وسلب خيراتها والتحكم في شؤونها مما يسمى بالاستعمار، فهم يسحقون شخصية هذه الشعوب ويشعرونها دائماً بالدونية وجعلهم مستهلكين غير قادرين على بناء حضارة متينة قادرة على البقاء والتقدم وإن كانوا من حيث المظاهر المادية في أرقى صورها – كدول الخليج مثلاً – فهم دائماً مرتهنون لأولئك المتحكمين.

كما استطاعوا أن يبهروا شعوب المنطقة بإبراز مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي وهذا الانبهار أدى الى الانسياق وراء كل ما يصدرّونه الينا من تقاليد وأفكار وسلوكيات كشرب الخمر والانحلال الخلقي تحت شتى العناوين وإشاعة الفاحشة باسم الفن او الرياضة او الحرية، والبحث عن اللهو والعبث واللعب وهكذا في سائر أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، حتى سوقوا أكثر الجرائم انحطاطاًُ كزواج المثليين بقوانين رسمية تحت عنوان الحرية الشخصية وامثالها والاعتداء على الإسلام ورسوله الكريم محمد (’) بذريعة حرية التعبير عن الرأي وأمثالها من الامور التي جعلوها مقدسة لا يجوز المساس بها ما دامت تصب في مصالحهم بينما يعاقبون بشدة من يتحدث بمظالمهم ويفضح ادعاءاتهم – كمعاداة السامية – ولا يشفع له حرية التعبير عن الرأي.

 

واستغلوا أنس الناس الغافلين بالماديات المحسوسة وسرعة التصديق بها لينكروا الغيبيات وما وراء المادة، والناس لا تفرّق بين ما يدرك بالحواس المادية وما يدرك بالعقل والفطرة الإنسانية السليمة.  ولجعل الشعوب في غفلة دائمة وإشغال فكرهم اعتمدوا سياسة الالهاء تارة بالسباقات الرياضية التي ما ان تنتهي واحدة حتى تبدأ الأخرى، وبالحرية الجنسية وبوسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية وشبكة الانترنت التي تقدّم باستمرار الجديد والمثير والجذّاب فينشغل الناس بهذه ولا يفكرون في مناقشة أوضاعهم الاجتماعية وإصلاحها ولا يبقى عندهم وقت للتأمل والتدبر قال تعالى  (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ) (الأنبياء/2-3).

خذ مثلاً تصويت أغلب البريطانيين قبل أيام لصالح انسحابهم من الاتحاد الأوربي مع انه قرار ليس لصالحهم لكن الدوائر الاستكبارية التي تريد تمزيق الاتحاد الأوربي نجحت في خداع هذه الاغلبية بالأكاذيب والمخاوف المفتعلة والغريب ان البريطانيين بعد أن صوتوا للخروج ذهبوا بالملايين الى المواقع الإلكترونية ليسألوا عن ماهية الاتحاد الأوربي والفوائد التي تجنيها بريطانيا من بقاءها فيه، فكيف صوتوا وهم لا يعرفون شيئاً عن أصل الموضوع.

وفي الختام نشير الى ان علاج هذه الحالة –أي قابلية الاستعباد- التي تؤسس للانحطاط يبدأ باجتثاثها من عقل الانسان وقلبه ونفسه وقد اختصره أمير المؤمنين (×) بقوله (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)([6]) أياً كان هذا الغير: أهواء النفس الأمّارة بالسوء او الطواغيت والزعامات المصطنعة، أو شياطين الجن والانس.



([1]) كلمة سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في حشد كبير من الطلبة والشباب الذين شاركوا في المعايشة التي تنظم في النجف الاشرف في العشر الاواخر من شهر رمضان وتتضمن برامج دينية وتوعوية واخلاقية وقد زارهم سماحته في محل اقامتهم يوم الاحد 27 رمضان 1437هـ المصادف 3/7/2016م.

([2]) الاحتجاج: 1/130.

([3]) شرح نهج البلاغة ج7 ابن أبي الحديد ص191.

([4]) راجع خطاب المرحلة ج 9 ص 202 تحت عنوان (ويضع عنهم أصرهم والاغلال التي كانت عليهم).

([5]) نهج البلاغة: الخطبة 192 ويشير الامام (×) الى الحكمة في ذلك، وقال (×) (وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَمَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ وَأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الْأَرَضِينَ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَبَطَلَ الْجَزَاءُ وَاضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ وَلَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الْأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَالْعُيُونَ غِنًى وَخَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَالْأَسْمَاعَ أَذًى وَلَوْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ وَعِزَّةٍ لَا تُضَامُ وَمُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الِاعْتِبَارِ وَأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الِاسْتِكْبَارِ وَلَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَالِاسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَالِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لَا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَالِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ).

([6]) غرر الحكم / ح 10371.