إنصاف أم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) آمنة بنت وهب
بسمه تعالى
إنصاف أم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) آمنة بنت وهب (*)
في مثل هذه المناسبات يتم التركيز على صاحب المناسبة أعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في ذكرى ولادته وهو (صلى الله عليه وآله وسلّم) يستحق أن تكرّس الأقلام والمنابر والكتب لنشر فضائله، ولكن لا يحسُن إغفال ذكر الوالدة أيضاً كما يحسُن أن نذكر خديجة الكبرى أم المؤمنين في ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وفاطمة بنت أسد في ذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأن كل المناقب التي حظي بها المولود من انعقاد نطفته إلى حين ولادته ونشأته كانت الوالدة شريكة له في ذلك مضافاً إلى سموّها في ذاتها.
وهل نحتاج إلى دليل لنثبت سمو منزلة آمنة بنت وهب وقد اختارها الله تبارك وتعالى لتكون وعاءاً لحمل أكمل مخلوق وسيد الخلق أجمعين يتغذى في أحشائها ثم تضعه في أطهر ولادة ليتغذى من لبنها، ونحن نعرف ما للأم من تأثير في صفات الطفل وملكاته.
حينما يقول الإمام السجاد( عليه السلام) في خطبته في البلاط الأموي ( أنا ابن نقيّات الجيوب، أنا ابن عديمات العيوب) فإن آمنة بنت وهب أم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على رأسهن، وحينما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لجدّه الإمام الحسين (عليه السلام) المعروفة بزيارة وارث ( أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها) فإن آمنة بنت وهب من هذه الأرحام المطهرة التي وحّدت الله تبارك وتعالى وعكفت على طاعته وعبادته ولم تتلوث بأدران الجاهلية.
ولذا ورد في تفسير قوله تعالى (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(الشعراء/219) من طرق الشيعة والسنة أن معناها تقلب نطفته وانتقالها من أصلاب الموحّدين إلى أرحام الموحّدات عن نكاح غير سفاح من لدن آدم([1])
إن العفـّة والطهر والفضيلة التي اتصفت بها أم النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) في مجتمع تسوده الموبقات والمنكرات بأرذل أنواعها بحيث كان يّشار إلى أربعة أحدهم جعفرابن أبي طالب لأنهم حرّموا على أنفسهم الخمر في الجاهلية لندرة من يتجنب هذا الخبيث، فكيف بمن عف عن كل ما يشين، في حين كان الآخرون عاكفين على عبادة الأوثان ويمارسون الرذيلة حتى من كانت تعرف بأنهن سيدات قريش.
لقد قصّر المؤرخون والكتّاب والخطباء في حق هذه السيدة الجليلة ولم يبيّنوا فضائلها ومآثرها وبالغ الكثير منهم فحرموها من أقدس علاقة بين الأم ووليدها حيث قالوا أنها دفعت وليدها إلى حليمة السعدية لترضعه وهي موجودة لأنها توفيت بحسب زعمهم وعمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ست سنوات.
وهذا تزييف للتاريخ فإن آمنة أرضعت ولدها وأشفقت عليه وتولّت رعايته لكنها لما ماتت وعمره بضعة أشهر دفعه جده عبد المطلب إلى حليمة لترضعه، وأنت ترى أن موسى بن عمران (عليه السلام) ولد في أسوء الظروف حيث كان فرعون يقتـِّل أولاد بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى أمه أن تجعله في تابوت وتلقيه في اليم، ومع ذلك لم يحرم أمّه من هذه الرابطة المقدسة قال تعالى(وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)( القصص: 12ـ13).
وقد ذكروا وجوهاً لتبرير هذه الأكذوبة فقالوا لجفاف اللبن عند أمه آمنة مع أن العكس هو الصحيح فإن حليمة السعدية تروي أن صدرها كان جافاً من اللبن فلم تستطع إرضاع ولدها حتى ألقمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الثدي فدرّ لبنها، وقالوا لكي يتعلم الصغير آداب العربية وخصال العرب، وهو حط من منزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي يقول( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) وقال ( أنا أفصح من نطق بالضاد) فمن ذا الذي يتعلم عنده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) شيئاً؟
وإذا كانت هناك امرأة تولت رعايته والحنوّ عليه وتفضيله على أولادها فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم زوجة عمه أبي طالب التي قال فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)(إنها أمي بعد أمي).
(*) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي في الاحتفالية التي أقامها طلبة جامعة الصدر الدينية في مكتبه يوم المولد النبوي الشريف عام 1430هـ.
[1]) ) راجع مجمع البيان و تفسير الميزان في تفسير الآية.