خطاب المرحلة (132) طوبى لمن أدى دوره في المواجهات الحضارية الجارية في العراق

| |عدد القراءات : 627
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

طوبى لمن أدى دوره في المواجهات الحضارية الجارية في العراق

 

أحب أن افتتح كلامي بحديث شريف في الموعظة لحاجتنا جميعاً لها ، لان الانهماك في العمل ـ ليس السياسي فقط ـ حتى لو نوى صاحبه بالقيام به قربة الى الله تعالى وكان مخلصاً فيه ـ كما هو المفروض بكل مسلم ـ فانه عبادة وطاعة يؤجر عليها لكن هذا الانهماك يوجب غفلة ورينا على القلب وجلاؤه وتطهيره يكون بالموعظة، وهذا ما أشرت إليه في كلمة سابقة بعنوان (العمل السياسي من الواجبات الشرعية) .

 

وقد اخترت الحديث الشريف المروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فقد سئل (كيف اصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال أصبحت مطلوباً بثمان خصال : الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي (ص) بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان بالمعصية ، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب ) ويستبطن الحديث كل معاني الشفقة والعطف على من يعيش هذه التجاذبات وعليه ان يؤدي هذه الاستحقاقات التي يعرف صعوبة الخروج من عهدتها بالشكل الكامل مثل الإمام السجاد (ع)، فما حال الناس الغافلين والمقصرين وهذه الاستحقاقات الثمانية مطلوبة من كل احد وعليه ان يؤدي لكل ذي حق حقه فهي تمثل الحد المشترك لكل الناس وتضاف الى هذه المسؤوليات و غيرها حينما يتقدم الإنسان في تحّمل شغل المواقع والوظائف فمثلّا انتم مسؤولون في حزب له قواعد جماهيرية تنتظر منكم رعاية مصالحها وحقوقها وحمايتها ورفع المظالم عنها وتمثيلها بجدارة والوفاء لها بتطبيق البرنامج الذي أعلنه حزبكم فاقتنعوا به والتـفّـوا حولكم . وانتم يا اعضاء البرلمان تحمّـلّّـّتم مسؤولية إضافية لان جماهيركم انتخبتكم فأصبحتم ممثلين لها وللمدن التي اتيتم منها وهذا يعني انكم مطالبون بعدة استحقاقات :

 

اولاً : وطنية كونكم ممثلين الشعب وعليكم تشريع القوانين التي تحفظ كيان البلد ووحدته وأمنه وسيادته وازدهاره فتعملون على جمع المعلومات والخبرات الكافية قبل المشاركة باتخاذ او اقتراح أي قانون . كما ان وجودكم ضمن لجان برلمانية كلجنة الصحة والتربية والتعليم او النزاهة او الخدمات وغيرها يوجب عليكم تكريس جهودكم لإنجاح عمل هذه اللجان على أكمل وجه .

 

ثانياً : محلية أعني مشاكل وقضايا ومقترحات محافظاتكم التي تمثلونها حيث أرى خللاً واضحاً في هذا المجال فلم يقم لحد ألان أعضاء البرلمان بواجباتهم تجاه مطالب محافظاتهم التي انتخبتهم .

 

ثالثاً : سياسية باعتباركم تمثلون احزابا وكتلا ذات أجندات وبرامج محددة اختارتكم قواعدكم على اساسها . والملحوظ ان المتصدين للعملية السياسية ـ الا من عصم الله ـ اهتموا بقضايا احزابهم ومصالحها وتركوا الاستحقاقات الاخرى وهذا ما ادى بالبلاد الى الخراب والدمار والمفروض بكم ان توازنوا بين كل هذه الالتزامات وتؤدوا حقها وتخرجوا من عهدتها .

 

قد تقولون ان هذا صعب ان يفي الانسان بكل هذه الالتزامات مع الاستحقاقات الثمانية التي وردت في حديث الامام السجاد عليه السلام وانا اشاطركم هذا الشعور لكن هذه الصعوبة تذوب بالإخلاص لله تبارك وتعالى وبالتسامي عن الأنانية الشخصية والفئوية وبالهمة العالية والتفاني في العمل ، واعلموا ان الألطاف الإلهية والنفحات المعنوية تختصر لكم الطريق وتطوي المسافة وتقرب البعيد وتذلل العسير قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (من سورة الطلاق) وتوجد رواية تهديكم الى الكثير من الحلول لمشاكلكم وتفتح لكم افاق المخرج من التعقيدات التي تواجهكم خصوصاً في الساحة العراقية التي غاصت في وحلها ارجل الكبار والصغار فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام قوله : ما من أحدٍ أحبِّنا وأخلص في معرفتنا وسُئِل عن مسألة الا ونفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة) واذا عجز الانسان عن القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه فليتجنب الموقع وليترك الفرصة لغيره فان حركة البشرية نحو التكامل لا تتوقف لموت احد او انسحابه من العمل ولا حاجة الى ان يتمادى في جهله وظلمه لنفسه فيتقمص موقعاً ليس من اهله ويكفيه ما قال فيه خالقه :{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72 وقد يجد الانسان نفسه ناجحاًُ في عمله ومؤدياً لواجباته عكس ما ينظر اليه الاخرون فلا يفهم سبب اعتراض الاخرين او توبيخهم وما ذلك ـ في بعض وجوهه ـ الا لفقدانه القدرة على قياس درجة النجاح وضياع المعايير الصحيحة للتقييم عنده لانه غافل عن ما يجب عليه الوفاء به من استحقاقات ولو التفت اليها لعرف حجم تقصيره ولكنه ينظر الى جهةٍ واحدة ويرى نفسه ناجحاً فيها و يعمم النتيجة .

 

ايها الاخوة والاخوات

 

ان الله تعالى خلقكم في زمان يغبطكم عليه اهل الاجيال الاخرى كما نغبط نحن جيل الصحابة الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبنوا بقيادته الحكيمة صرح الاسلام العظيم فكان لهم بكل من اهتدى بنور الاسلام صدقة جارية توجب لهم المزيد من الاجر .

 

ونغبط اصحاب الامام الحسين عليه السلام لانهم صنعوا مستقبل الامة الى نهاية التاريخ وارجعوا الامة الى اتجاهها الصحيح وصانوها من الانحراف والتزييف فلهم على كل مسلم فضل ومنّة بموقف وقفوه عدة ساعات من النهار .

 

ومن قبل نشكر الله تعالى انه خلقنا في زمان الاسلام والهدى هذه النعمة التي سجّلها الامام الحسين عليه السلام في دعاءه يوم عرفة (لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك اليّ في دولة ائمة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذّبوا رسلك لكنك اخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني وفيه انشأتني ).

 

تصورا ان لو ان الله تعالى خلق احدنا في زمان الجاهلية فما هي فرصة الهداية في ذلك المجتمع الذي كان يعكف على عبادة الاصنام والزنى وشرب الخمر وقتل النفس المحترمة بحيث ان جعفر بن ابي طالب يشار اليه انه حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية لندرة هذه الحالة ويوصف الامام علي بن ابي طالب عليه السلام بانه (كرم الله وجهه) لأنه لم يسجد لصنمٍ في الجاهلية ومن هذه الأمثلة النادرة تعلموا حال الاخرين .

 

اقول ما فرصة هداية الانسان في مثل ذلك المجتمع وكم واحدٍ يمكن ان يكون مثل سلمان الفارسي الذي ولد بارض الفرس فلما بلغ عرف ضلال قومه فراح يجوب البلدان بحثاً عن الحقيقة في بلاد الفرس والروم وارض العرب حتى اهتدى الى رسول الله صلى الله عليه واله فهذه النعمة التي نرفل بها تضاف الى نعمة عظيمة ان الله تبارك وتعالى اختارنا بلطفه وعطائه الابتدائي من بين الاجيال لنكون من هذا الجيل الذي كلّفه برسم معالم المستقبل كما اختار من قبل اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واصحاب الحسين عليه السلام {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 ، {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الأنعام104.

 

فقد اصبح العراق اليوم ساحة لعدة مواجهات فاصلة في التاريخ تحدّد معالم حركة التاريخ في المستقبل :

 

الاولى : المواجهة الحضارية بين الغرب المادي الذي يريد ان (يعولم) الشعوب ويصبغها بلون ثقافته وسلوكه وعقيدته ونمط حياته وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية .

 

وبين الشرق المسلم الذي يريد ان يحافظ على دينه واخلاقة واصالته واعرافه .

 

الثانية : بين الانظمة الدكتاتورية والمستبدة التي تسلّطت على شعوبها بالقوة وصادرت ارادتهم واستعبدتهم واستأثرت بخيراتهم وكرست الجهل والخنوع والاستسلام في نفوسهم وبين حياة حرة كريمة تحترم ارادة الامة وتجعل القيمة العليا للانسان وتكون الدنيا وما فيها من اجله ويكون هو لله تبارك وتعالى فلم تعد الشعوب آلات يحقق بها الحاكم شهواته ومطامعه ونزواته (ما أريكم الا ما ارى)،(انا ربكم الاعلى) .

 

الثالثة : المواجهة بين ادعياء الاسلام زوراً والمتقمصين ظلماً وعدواناً لامامة الامة وقيادتها وبين اتباع الامامة الحقّة التي عيّنها الله تبارك وتعالى وبلغ بها رسوله الكريم وما زالوا منذ اربعة عشر قرناً يدفعون على هذا الطريق دماءاً زكية قدسّها الله تعالى ورفع من شأنها .

 

انها مواجهات لاحقاق الحق والدفاع عن عزة الامة وكرامتها وضمان سلامة مسيرتها {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }الصافات60. {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ }الصافات61.{خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26