سر خلود القيام الزينبي

| |عدد القراءات : 837
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

سر خلود القيام الزينبي[1]

لو سألنا: ما سر خلود القضية الزينبية؟ ولماذا لا تنطفئ جمرة التفاعل معها، ونرى تعظيم شعائرها يزداد ويتسع يوماً بعد يوم ومنها هذه الزيارة الزينبية التي تبذلون الجهود الجبارة في سبيل إقامتها والتحشيد لها؟

لا اعتقد ان الجواب يكون مقنعاً للكثيرين لو تحدثنا عن الجانب العاطفي فقط وقلنا لأنها أُخذت سبيّة مع بقية النساء والأطفال من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام وبعدها إلى كربلاء ثم المدينة وهي خلال ذلك تتعرض لمختلف أساليب البطش والقسوة مع علمهم ان جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأباها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمها فاطمة الزهراء (عليها السلام) لذا كان هذا الفصل من واقعة كربلاء من أشد الفصول إيلاماً لقلب الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

إذن وراء هذا الخلود سرّ عظيم وهو قيامها لله تعالى بإخلاص وتفانٍ وتضحية ومشاركة أخيها الامام الحسين (عليه السلام) في نهضته الإصلاحية لتقويم الانحراف الذي وقعت فيه، هذا القيام الذي دعا الله تبارك وتعالى إليه (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) (سبأ:46) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال:24) واثنى على من قاموا لله تعالى بمراتبهم المختلفة كأصحاب الكهف إذ وصفهم تبارك وتعالى بأنهم (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الكهف:13-14).

وكان قيامهم هذا واعلانهم التوحيد في وجه أعتى امبراطورية يومئذٍ فرضت سلطتها على الكثير من الشعوب بالقوة فخلّد الله تعالى لهم هذا الموقف.

لم يقعد العقيلة زينب (عليها السلام) عن هذا القيام والخروج في رحلة المشقة والالام انها عقيلة أكرم بيت عرفته الإنسانية أو الجلالة التي كانت تتمتع بها من لدن جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أخويها الحسن والحسين (عليهما السلام) وفي ظل زوجها عبدالله بن عمها جعفر الطيار الذي كان من أجواد العرب وسادتها ويقصده ذو والحاجات فيغدق عليهم.

لم تكبلّها هذه الاعتبارات وتدعوها إلى الراحة والدعة بل خرجت مع أخيها الامام الحسين (عليه السلام) لتنفذ الفصل الثاني من هذه النهضة المباركة بعد أن ينهي الامام (عليه السلام) الفصل الأول بشهادته يوم عاشوراء، فأدت الرسالة بأحسن وجه ووقفت في وجوه اشرار الخلق المتسلطين قهراً مثل يزيد وابن زياد واتباعهما الاراذل وعرضّت نفسها مراراً للقتل والانتقام.

لقد ورثت العقيلة زينب (عليها السلام) هذا القيام المبارك من أمها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي أسسّت لحركة الوعي والإصلاح والوقوف في وجه الظلم والزيغ والانحراف والفساد، ولو بدّل الشاعر قوله (بأبي التي ورثت مصائب أمها) بقوله (مواقف أمها) لكان أبلغ في التعبير عن هذا الجانب من وراثة القيام.

إن الله تعالى يدعونا إلى العمل الدؤوب لإنقاذ الناس المحرومين والمستضعفين مما هم فيه لأنهم ليس لهم وسيلة الا طلب ذلك من الله تعالى ويذّم المتقاعسين عن أداء هذا الواجب ما دام هناك ظلم وفساد وانحراف وما أكثره في المجتمعات اليوم على جميع الأصعدة: عقائدياً واخلاقياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وسلوكياً ولا احتاج ان اذكر التفاصيل والامثلة على كلٍ منها، قال تعالى (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء:75) فاعتبر من نهض بهذه المهمة ولياً من لدن الله تعالى ونصيراً، ولا يستحق هذا الا النخبة الرسالية من الأمة، وكانت العقيلة زينب (عليها السلام) من رموز هذه النخبة.



[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم 12/ رجب / 1440 المصادف 19 / 3 / 2019 مع حشد المواكب الذين اعتادوا على التجمع في النجف الأشرف والذهاب مشياً إلى الكربلاء لإحياء الشعائر الزينبية عند مرقد الامام الحسين (عليه السلام)