إن الله تعالى أخفى أربعة في أربعة / موعظة علوية في تنمية السلوك

| |عدد القراءات : 5709
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

إن الله تعالى أخفى أربعة في أربعة

موعظة علوية في تنمية السلوك[1]

روى الامام الباقر (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال (إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم)[2].

الحديث يقول: إن الله تعالى أخفى أربعة أشياء في أربعة أشياء لمصالح ترجع إلى الناس أنفسهم حتى ينظّموا سلوكهم ويستقيموا في حياتهم، وهذه الأربعة هي:

1- (أخفى رضاه في طاعته) الطاعات والاعمال الصالحة كثيرة حتى قيل إنها بعدد انفاس الخلائق بل أكثر وهي متفاوتة في تحصيل الأجر والثواب والارقى من ذلك أن بعضها يكون وسيلة لنيل رضا الله تعالى (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ) (التوبة:72).

وتؤثر عدة عناصر في بلوغ العمل هذه الدرجة يرجع بعضها إلى العمل نفسه وبعضها إلى حال الشخص ونيته وظروف صدور العمل كقضية تصدّق أمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) بعدة أرغفة من الخبز على مسكين ويتيم وأسير فنزلت سورة هل أتى لتخلد هذه المأثرة لهم، وربما يتصدق آخر بالأشياء الثمينة ويحصل على الأجر لكن لا يبلغ درجة رضا الله تعالى عنه.

فأخفى الله تعالى العمل الذي يصيب الهدف ويحقق الغاية ويسبب نيل رضا الله تعالى بين الطاعات الكثيرة ليحرص الانسان على اغتنام كل فرصة للطاعة ولا يستصغر شيئاً منها إذ لعل هذه الطاعة هي التي تحقق رضا الله تعالى، بينما لو عُرفت مثل هذه الطاعات فان الناس سيركزوّن عليها ويتركون البقية، فقد يتحقق رضا الله تعالى بإزالة الأذى عن طريق المسلمين أو مساعدة محتاج ضعيف عاجز وقضاء حاجته أو تفريح الكربة عنه وإدخال السرور عليه أو طبع كراس ينقذ اذهان الناس من شبهة عقائدية أو صلح بين المتخاصمين أو تزويج شاب متعفف وسط أجواء شهوية ضاغطة أو مرابطة في سبيل الله لحفظ أمن الناس وحماية مقدساتهم رغم العنت والشدة وغير ذلك، وفي بعض الروايات ان الامام (عليه السلام) قدم قضاء حاجة المؤمنين على الطواف الواجب حول الكعبة.

والخلاصة ان المطلوب القيام بأي طاعة تتاح للإنسان ولا يتركها استصغاراً لشأنها، وقد يكون ما تقومون به من احتواء الشباب وجمعهم وتهذيب سلوكهم وتوجيههم بدل تشتتهم وضياعهم في محلات اللهو والعبث وما تجرُّ إليه من انحراف هو أحد الأمثلة على العمل المرضي لله تبارك وتعالى.

2- (وأخفى سخطه في معصيته) فالمعاصي والذنوب توجب الاثم والعقوبة لكن الله تعالى يعطي الفرصة الكافية لعباده لكي يستغفروا ويتوبوا ويثوبوا إلى رشدهم فيغفر الله تعالى لهم، لكن بعض المعاصي توجب سخط الله تعالى وغضبه فتحتاج إلى مؤونة أكبر لإزالتها كتوجيه عقوبة مباشرة لتنبيه الفاعل من غفلته وقد يبقى أثرها إلى الآخرة وقد يسلب التوفيق إلى التوبة ويستدرج أكثر إلى الذنوب (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) (طه:81).

فلابد للعاقل ان لا يستخف بشيء من الذنوب فلعل هذا الذنب يوجب سخط الله تعالى وغضبه بلا فرق بين ما يسمونها بالمصطلح صغائر أو كبائر كمن يعتبر النظر إلى المرأة الأجنبية أو ملاطفتها أمراًّ يسيراً أو ما تفعله بعض العوائل من مخالفة الضوابط الشرعية في حفلات الزواج أو في الأعياد ويعتبرونه أمراً يسيراً عابراً أو موظف لا يعبأ بالمراجعين ولا يبذل وسعه في تمشية معاملاتهم أو مدرِّس يقصّر في تدريس طلبته ليلجئهم إلى التدريس الخصوصي أو التقصير في العناية بالمرضى في المستشفيات فهذه كلها وغيرها يستخف بها الانسان وقد تكون سبباً لحلول سخط الله تعالى وغضبه.

3- (وأخفى إجابته في دعوته) لقد وعد الله تعالى عباده باستجابة الدعاء والطلب (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60) (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة:186) لكن استجابة الدعاء لها شروطها وظروفها والانسان يجهل الدعوة المستجابة فعليه ان لا يتوقف عن الدعاء والطلب في أي حال من أحواله فانه لا يعلم أي دعوة تستجاب له فربما تستجاب هذه الدعوة لأنها صدرت بصدق وإخلاص وفي حاله انقطاع أو لأنها عقب صلاة مفروضة أو لأنها بلسان غيرك او في جمع من المؤمنين في مكان مبارك ونحو ذلك. ولا تستصغر أي مطلب وتظن أنك لست بحاجة الى الدعاء لتحقيقه باعتباره سهلاًُ وفي متناول اليد فانه لا ميِّسر لما يعسّره الله تعالى، ولا معسّر لما ييسّره الله تعالى، وفي بعض الروايات ادعوا الله تعالى حتى لملح الطعام وشسع نعلك.

4- (وأخفى وليّه بين عباده) لله تعالى أولياء استخلصهم لنفسه وتولى تدبير امورهم وهؤلاء لزهدهم في الدنيا والاعراض عنها فقد يكونون بمظهر لا يثير اعجاب الآخرين فيستخفون بهم ويستصغرون شأنهم ولا يكترثون لهم وإذا دخلوا مجلساً لا يتفسحون لهم  بينما يهتمون بالمظاهر الخارجية المزخرفة جهلاً منهم بحقائق الأمور، فحّذر الحديث من الاستخفاف بأي انسان إذ لعل هذا الشخص ولي من اولياء الله تعالى فاذا أهانه وقلل من شأنه فأنه يرتكب عظيماً وقد ورد في الحديث (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمعصية)[3].

والخلاصة ان هذا الحديث يعطينا دروساً تربوية في السلوك وطريقة التعامل مع الاخرين، بان نستثمر كل فرصة تتيسّر للطاعة ولا نتهاون بشيء منها باعتبار انها ليست ثقيلة في الميزان.

وان نحرص على تجنب كل ذنب ومعصية ولا نقتحم شيئاً منها على أساس انها ليست من الكبائر، وان نحترم جميع الناس ولا نستخف بأي أحد منهم، وان لا نقصّر في الدعاء والطلب من الله تعالى.. في جميع أمورنا وجميع أحوالنا.

نسأل الله تعالى ان يرزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية ومصاحبة اوليائه الكرام انه ولي النعم.

 



[1] - من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب يوم الخميس 9/ ربيع الثاني/ 1439 المصادف 28/12/2017.

[2] - كتاب الخصال للشيخ الصدوق: 209

(3) - علل الشرائع : ج 1 ص 12