بمناسبة تحرير الموصل

| |عدد القراءات : 1904
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

بمناسبة تحرير الموصل[1]

الحمد لله على نصره بطيّ صفحة من صفحات الضلالة والانحراف والتكفير والخروج عن كل القيم والمبادئ الإنسانية والسماوية، من خلال تحرير مدينة الموصل والمناطق المجاورة لها من دنس الدواعش وقتل الالاف منهم، وإنما قلت: طيّ صفحة، لان الحرب لم تنتهي، وإنما انتهت معركة منها وفصل من فصولها وإن كان صعباً ومؤلماً بكثرة خسائر في الأرواح وتهجير مئات الالاف من الأبرياء وتدمير مظاهر الحياة، وان الحرب مستمرة لوجود دوافعها وظروفها واجندات اللاعبين الاقليميين والدوليين. كما ان داعش لم تكن الا حلقة من سلسلة هذه المصنوعات التي تبتكرها تلك الاجندات الشيطانية الماكرة وترسلها معلبة إلى هذه الشعوب المسكينة، فبالأمس كانت القاعدة وهناك جبهة النصرة وغيرها من المسميات العديدة لكن المحتوى والهدف واحد، وكلما انتهى مفعول واحدة منها أتوا بغيرها لعنهم الله تعالى (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة:217).

فالنصر الكامل لم يتنجز والمعالجة الكاملة لم تتحقق لان النصر العسكري أحد وجوهها، ويبقى علينا مواصلة الجهاد الفكري لإستئصال جذور التكفير والانانية والجهل والتخلف ورفض الآخر والتكبر والعناد وغير ذلك من الامراض والاغلال.

ومواصلة جهاد البناء والاعمار وتحسين الأوضاع الخدمية وإعادة النازحين إلى ديارهم وإيجاد فرص عمل للعاطلين ومكافحة الفساد المالي والإداري ونحو ذلك.

ووضع أسس رصينة ومبادئ أساسية لحوار سياسي فعّال يعالج الازمات ويحلّ الخلافات ويعطي لكل ذي حق حقه، وعدم اعتماد العنف والإرهاب والاقصاء كوسائل للتمدد على حساب الآخر.

ومواصلة الجهاد الأكبر أي جهاد النفس وإصلاحها بالعودة الى الله تعالى وإخلاص العمل له ونشر فضائل الاخلاق ونبذ رذائلها وتطهير المجتمع من الفواحش والمنكرات إذ لا قيمة لأي عمل وأي نصر واي مكاسب الا بمقدار ارتباطها بالله تعالى ونيل رضاه سبحانه، وهذا ما يميزّنا عن غيرنا من المتصارعين (وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) (النساء:104).

وهذه المعالجات شخصّناها منذ اليوم الأول لسقوط الموصل وسجلّناها في بيانات متعددة وكان منها تأسيس جيش عقائدي مخلص يكون رديفاً وسنداً للقوات النظامية ويقوّي عزيمتهم ومعنوياتهم حيث تشكلت على إثرها قوات الحشد الشعبي وافواج المجاهدين المتطوعين التي اعادت توازن الرعب مع العدو المندفع الذي خدع اتباعه وعبّأهم بعقيدة راسخة فلا يمكن مواجهتهم الا بعقيدة صالحة أرسخ منها، وأظهرت المعارك ان الانتكاسة التي اصابت القطعات العسكرية حين هجوم الارهابين على الموصل في حزيران 2014 كانت لإفتقاد العقيدة المخلصة فوقعت تلك القوات ضحية قرارات ومواقف الفاسدين الذين كانوا في مواقع المسؤولية آنذاك، لكنهم اليوم لما تسلحوا بالعقيدة حققوا الإنجازات التي وقف لها العالم اجلالاً واعجاباً واعترف قادة القوى العظمى انها الحرب الاعنف منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت بطولاتهم في ميدان العمل الإنساني لا تقل عنها في العمل العسكري.

وبفضل الله تعالى ووحدة القوات المقاتلة وتضحياتهم وصبرهم ومرابطتهم تحقق النصر المؤزّر، لذا فان أولى من يهنّأ ويبارك له بهذا الانتصار وتزف له البشرى هي أرواح الشهداء الابطال وهم في عليّين عند ربهم يرزقون وعوائلهم الصابرة المضحيّة والجرحى والمقاتلين الذين لازالوا مرابطين في خطوط المواجهة، من مقاتلين وقوافل اسناد.

ويجب ان تكون معطيات وترتيبات ما بعد داعش في إطار الوفاء لتلك الدماء الغالية والتضحيات الجسيمة وعدم إرجاعنا إلى المربع الأول فنبدأ من رعاية عوائل الشهداء وتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم، ومعالجة الجرحى وتعويضهم ، وتكريم القوات المسلحة الظافرة بكل صنوفها، وإعمار مدن هؤلاء الفاتحين وتوفير الفرص لشبابهم العاطلين كما نفكر بإعمار المدن المحررة، لان البؤس الذي تعيشه مدن المحررِّين - بالكسر - لا يقل عن خراب مدن المحررَّين - بالفتح -.

 وأن لا نسمح بأن يقطف ثمرة النصر انتهازيون وتجار أزمات ومنافقون يعقدون المؤتمرات هنا وهناك لتقاسم كعكة النصر والقضاء على الوحوش وهم كانوا أحد أسباب تسلّط داعش وامثالها وتوفير البيئة المناسبة لدخولهم بتأجيج الفتن وزرع المخاوف وبث الاباطيل فكانوا جزءاً من هذا المشروع التدميري الذي كان اول ضحاياه أبناء المدن التي أحرقوها بفتنتهم وهم يزعمون انهم يدافعون عنهم، وبعد ان انتهت الفتنة بفضل الله تعالى وتضحيات المخلصين تنادوا ليتقاسموا ما يقرّره مؤتمر المانحين لإعمار المدن المدمّرة.

فيجب عليكم أيها الاخوة ان تكونوا يقظين واعين لما يفعله هؤلاء ولمن يداهنهم ويجاملهم ويتنازل لهم تحت شتى العناوين والمبررات الخادعة التي باعونا بها ولا تسمحوا بتضييع تلك التضحيات الجسيمة التي عزّ علينا التفريط بها لولا أنها بعين الله تعالى كما قال الامام الحسين (عليه السلام) (هوَّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى).

 



[1] - من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع أحد أفواج الحشد الشعبي من قوات وعد الله الذين شاركوا في معارك تحرير صلاح الدين والانبار والموصل يوم الثلاثاء 16 / شوال / 1438 المصادف 11/ 7 / 2017 .