التعايش السلمي وحفظ حقوق الأقليات في الإسلام

| |عدد القراءات : 2130
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

التعايش السلمي وحفظ حقوق الأقليات في الإسلام[1]

يكثر اليوم الحديث عن التعايش السلمي بين مكونات المجتمع وحفظ حقوق الأقليات في المجتمع المسلم ويراد معرفة رأي الإسلام فيها بعد الممارسات الاجرامية التي قام بها بعض من يدّعون الإسلام زوراً وبهتاناً أو يرفعون شعارات إسلامية مكراً وخداعاً، وفي مقام الإجابة نقول: لا يعبّر عن موقف الإسلام الأصيل في أي قضية الا قادته العظام من خلال سيرتهم وأقوالهم.

في كتاب (قرب الاسناد) بسنده عن الامام جعفر الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (أن علياً عليه السلام صاحب رجلا ذميا) أي من غير المسلمين الذين يعيشون في ظل دولة الإسلام (فقال له الذمي: أين تريد يا عبد الله؟) وهو لا يعرفه انه أمير المؤمنين ورئيس الدولة لأنَّ علياً (عليه السلام) لم يكن يتميز بأي وضع عن الآخرين (قال: أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه علي) أي لما وصلا الى مفترق طريق ويذهب كل منهما الى وجهته لم يذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) في طريق الكوفة كما أراد (فقال له الذمي: أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال: بلى، فقال له الذمي: فقد تركت الطريق، فقال: قد علمت، فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له علي عليه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا نبينا، فقال له: هكذا؟ قال: نعم ، فقال له الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أشهدك أني على دينك، فرجع الذمي مع علي عليه السلام، فلما عرفه أسلم )[2].

أقول: هذه الرواية تبيّن واحداً من آداب الصحبة والمعاشرة وقد التزم بها أمير المؤمنين (عليه السلام) مع غير المسلم كما مع المسلم على حد سواء وهو في موقع قمة الهرم دينياً وسياسياً.

وروى الشيخ الطوسي (قدس) في كتاب التهذيب بسنده عمّن بلغ به أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما هذا؟ فقالوا: يا امير المؤمنين نصراني قال: فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعملتموه حتى إذ كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال)[3].

أقول: يعني ان وجود فقير يستعطي الناس كانت حالة غريبة في دولة علي (عليه السلام) فأستغرب من وجود هذه الحالة لان جميع الحقوق المواطنين مكفولة على حد سواء في دولة أمير المؤمنين (عليه السلام).

وحتى حينما لا يكونون من مواطني دولة الإسلام لكنهم يأتون في زيارة دبلوماسية أو علمية أو استطلاعية ونحو ذلك فأنهم يحظون بنفس اللياقات والاحترام، في تفسير القمي بسنده عن أبي عبدالله (عليه السلام) (أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلواتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا: إلى ما تدعوا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا: فمن أبوه؟) وكأنهم أرادوا أن يحرجوه صلى الله عليه وآله بهذا السؤال ليثبتوا أنه ابن الله (فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: قل لهم: ما يقولون في آدم؟ أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: نعم، فقال: فمن أبوه؟ فبقوا ساكتين، فأنزل الله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم)[4]. إلى آخر الآيات.

وفي رواية أخرى يبيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) الصورة الحقيقة الأصلية لشعائرهم قبل أن يحرّفها أصحاب الاطماع حتى ضاعت الحقيقة تحت ركام الأوهام والضلالات والخرافات والانحرافات، في كتاب الامالي للشيخ الصدوق بسنده عن الحارث الهمداني قال (بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الحيرة إذا نحن بديراني يضرب بالناقوس، قال: فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا حارث أتدري ما يقول هذا الناقوس؟ قلت: الله ورسوله وابن عم رسوله أعلم. قال: إنه يضرب مثل الدنيا و خرابه ويقول: لا إله إلا الله حقا حقا، صدقا صدقا، إن الدنيا قد غرتنا وشغلتنا و استهوتنا واستغوتنا، يا ابن الدنيا مهلا مهلا، يا ابن الدنيا دقا دقا، يا ابن الدنيا جمعا جمعا، تفني الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا أوهى منا ركنا، قد ضيعنا دارا تبقى، واستوطنا دارا تفنى، لسنا ندري ما فرطنا، فيها إلا لو قد متنا. قال الحارث: يا أمير المؤمنين النصارى يعلمون ذلك؟ قال: لو علموا ذلك لما اتخذوا المسيح إلها من دون الله عز وجل) لكنه التحريف واخفاء الحقيقة وتجهيل الناس وابتداع الطقوس والخرافات والتشبث بالأوهام كما يحدث الكثير في أمتنا حتى صار المصلحون والمطالبون بتنقية الدين من الشوائب والبدع غرباء محاربين (قال: فذهبت إلى الديراني فقلت له: بحق المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التي تضربها. قال: فأخذ يضرب وأنا أقول حرفا حرفا حتى بلغ إلى قوله: إلا لو قد متنا. فقال: بحق نبيكم من أخبرك بهذا؟ قلت: هذا الرجل الذي كان معي أمس، قال: وهل بينه وبين النبي من قرابة؟ قلت: هو ابن عمه، قال: بحق نبيكم أسمع هذا من نبيكم؟ قال: قلت نعم. فأسلم ثم قال: والله إني وجدت في التورية أنه يكون في آخر الأنبياء نبي وهو يفسر ما يقول الناقوس)[5].

 



[1] - من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من شباب قضاء شط العرب والشباب الذي شاركوا في المعايشة الرمضانية في مكتب المرجعية في الكاظمية يوم الأربعاء 10 / شوال / 1438 الموافق 5/ 7 / 2017.

[2] - بحار الانوار: 41/53 ح 5

[3] - تهذيب الاحكام : 6 / 287 كتاب القضايا والاحكام، باب 92 في الزيادات، ح 18

[4] - بحار الانوار: 21/ 340

[5] - بحار الانوار: 2/ 321