(قبس 87 ) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ - ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق

| |عدد القراءات : 3135
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)([1])

[آل عمران : 144]

ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، والحمد لله الذي جعلنا من الموفين بعهده وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره والقوّام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين المكذبين بيوم الدين، وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً.

 

رزية الخميس:

كانت وفاة النبي’ يوم الاثنين الثامن والعشرين من صفر على ما هو المشهور([2])، فتكون رزية يوم الخميس كما سماه عبد الله بن عباس([3]) يوم الرابع والعشرين من صفر أي في مثل يوم أمس، وكانت رزية حقاً، إذ انقطع في ذلك اليوم آخر أمل لتمسك الأمة بوصية رسول الله’ في الإمام والخليفة من بعده، وأعلنوا معارضتهم الصريحة والواضحة لهذا التعيين، لذلك قال’ لأهل بيته: (أنتم المستضعفون بعدي)([4]) ، وأوصى أمته بهم خيراً، ولو كان يعلم أن الأمر يؤول إليهم لما احتاج إلى الوصية بهم، وفي حديث للإمام الصادق× يعبر فيه عن ألمه العميق من تضييع الأمة لبيعة يوم الغدير ولحق أمير المؤمنين فيقول: (إن حق الرجل يثبت بشاهدين، وقد أضيع حق جدي أمير المؤمنين وعليه سبعون ألف شاهد)([5]).

 

النزاع بين الخط الإلهي والخط البشري:

ولا أريد أن أناقش أسباب هذا التضييع وإهمال الأمة لهذا الحق الذي أخذه الله على كل المؤمنين، فلهذه المناقشة محل آخر، لكنني أعتقد أن أحد هذه الأسباب والذي لا زال في ذهن الناس مما يقلّل من وعي خطورة هذا التضييع هو القصور في فهم النزاع، فقد فهموه على أنه نزاع بين شخصين، هما علي بن أبي طالب× ومن نازعه الأمر، فهم لا ينكرون فضل علي÷ وسابقته وجهاده وعلمه وقربه من رسول الله’ وشجاعته وفناءه في الله، لكنهم يرون أن المقابل أيضاً من السابقين إلى الإسلام وثاني اثنين إذ هما في الغار وصهر رسول الله’ وبدري وأحدي، بل حاولوا تلفيق بعض المناقب ليساووه بأمير المؤمنين أو يقتربوا منه×، وإزاء هذه المقارنة لم يجدوا المسألة مهمة بهذه الدرجة ولا تستحق أن ينشق المسلمون إلى طائفتين عظيمتين، ولا جدوى في البحث فيها فقد أكل عليها الدهر وشرب.

ولو فهموها بصورتها الصحيحة لغيروا عقيدتهم، ولما وجدوا أي تردد في قبول المذهب الحق، لأن الخلاف ليس بين شخصين ــ وإن كان بحد ذاته دليلاً كافياً لسمو علي على غيره كسموّ الثريا على الثرى ــ وإنما بين مبدأين وخطين كان علي× رمز الأول ومنافسه رمز الثاني:

الأول: مبدأ وخط رسمه الله تبارك وتعالى خالق السموات والأرض العالم بخفيات الأمور وبواطن النفوس وبما كان وسيكون، واختاره للأمة لتصل إلى كمالها المنشود، وبلّغه رسوله الكريم’ في يوم الغدير.

يقف في أول الخط علي بن أبي طالب×، ومن بعده الحسنان سبطا رسول الله’، ومن بعدهما الأئمة الطاهرون الذين أطبقت الأمة على نزاهتهم وعلمهم وتمثيلهم الكامل للشريعة الإلهية، ومن بعدهم العلماء العارفون الأتقياء الصالحون حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

الثاني: خطٌّ يصنعه البشر بأهوائهم وأساليبهم الشيطانية من قهر وإذلال أو إغراء بالمال أو ظلم وتعسف أو تضليل وتمويه وادعاءات باطلة، وكان الآخر رأس هذا الخط، فقد اختارته قريش ــ كما يقول الخليفة الثاني ــ وليس الله الذي اختاره، ويتتابع على هذا الخط معاوية الذي يقول: والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتزكوا، وإنما لأتأمّر عليكم([6])، ومن بعده يزيد شارب الخمر على منابر المسلمين والذي أحرق الكعبة بالمنجنيق وقتل ريحانة رسول الله’([7])، ومن بعده الآخرون الذين سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض ونشروا الفساد وضلّوا وأضلّوا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف:38).

 

مع الوعي في الطرح:

عندما تعرض المقارنة بهذا الشكل، ولو استوعبها الصحابة والأجيال جميعاً بهذا الشكل لما ترددوا في الإيمان بصحة الخط الأول والتمسك به، على أنهم غير معذورين من أول الأمر، لأن القرآن صريح {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}(الأحزاب:36)، وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68)، بل إن رسول الله’ نفسه لم يكن له هذا الحق حينما عرض عليه بنو عامر أن يسلموا مقابل أن يجعل لهم الأمر من بعده، فقال’: >ليس الأمر لي، وإنما هو بيد الله يختار له من يشاء<([8]).

 

ماذا خسرت الأمة؟

ومحل الشاهد أني اعتقد أن طرح الموضوع بهذا الشكل يكون أجدى وأوضح، ولكي نزيده وضوحاً نطرح سؤالاً، وهو: ماذا خسرت الأمة بتضييعها وصية رسول الله’ في الخليفة من بعده؟ وماذا ترتب على هذا الإهمال من نتائج سلبية؟ وحينما أتناول هذا البحث فإني لا أريد فقط أن أناقشها كقضية تأريخية، وإن كانت من الأهمية بمكان؛ لابتناء أصل من أصول الدين وهو أصل الإمامة عليها.

ولكن الذي أريده هو الاستفادة من هذا الدرس واستخلاص العبرة، لأن الإمامة بالحمل الأولي وإن كانت مختصة بالأسماء المعينة إلا أنها بالحمل الشايع أعني النيابة العامة عن الإمام وولاية أمر المسلمين المتمثلة بالمرجعية الشريفة الجامعة لشروط القيادة مستمرة إلى أن يرث الأرض ومن عليها الإمام المنتظر×، فإذن يبقى باب هذه النتائج السلبية التي سنتعرض لها بإذن الله تعالى مفتوحاً لها كلها أو بعضها كلما ولت الأمة أمرها إلى من لا يستحق، فيكون من الضروري الالتفات إليها، فنعود إلى أصل السؤال، وهو: ماذا خسرت الأمة عندما ولّت أمرها غير صاحب الحق الشرعي؟ وماذا ترتّب على ذلك من نتائج سلبية؟

 

النتائج الوخيمة لتولي غير المؤهلين لإمامة الأمة:

النتيجة الأولى: تصدي غير المؤهلين للإمامة:

فمن المعلوم أن أية رسالة وأية آيديولوجية - بتعبير اليوم - لا بدَّ أن يكون حاملها مستوعباً لها بشكل كامل فهماً وتطبيقاً، بحيث تكون هذه العقيدة هي الموجهة له في كل سلوكه وتصرفاته وأفكاره وعلاقاته، ولم يكن القوم كذلك، وإنما هم أناس عاديون كبقية أفراد المجتمع، ويوجد كثير غيرهم ممن استوعب الرسالة وجسَّدها في حياته خيراً منهم، وقد كانوا يعترضون على رسول الله’ في حياته ويتمردون على أوامره([9]) حتى آخر حياته؛ بتخلفهم عن جيش أسامة([10])، وعدم تلبية أمره’ حينما طلب قرطاساً في رزية يوم الخميس([11]).

وكانت الجاهلية تعيش في نفوسهم، حيث قضوا أكثر أعمارهم فيها، وقد كشف عن عدم أهليتهم جهلهم وتخبّطهم في الأمور، ويصف أمير المؤمنين إمرتهم المنحرفة في الخطبة الشقشقية: >فَيَا عَجَباً، بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ــ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا ــ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَةٍ خَشْنَاءََ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا ــ أي تجرح جرحاً عظيماًــ، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ فِيهَا وَالاِعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ ــ لَعَمْرُ اللهِ ــ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ ــ وهو إباء الفرس عن ركوب ظهره ــ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ ــ أي سير غير مستقيم ــ<([12]). حتى قال الثاني: (كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال)([13]) بعد أن نهى عن زيادة المهر عن حد معين، فأجابته امرأة: أما سمعت قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (النساء:20).

وقد أشكلت عليهم الكثير من المسائل حتى الاعتيادية منها التي كانت تتكرر في حياة رسول الله’ كالصلاة على الجنائز، ولما سئل الثاني عن سبب قلة استفادتهم من رسول الله’ قال: ألهانا الصَّفْقُ بالأسواق([14])، وكانوا يشككون حتى بنبوة رسول الله’ وعصمته، فيقول له أحدهم وجهاً لوجه: (أنت الذي تزعم أنك رسول الله)، أو يقولون عنه: (إن الرجل ليهجر)([15]).

 

الإعداد النبوي للخليفة الحق:

في مقابل ذلك كان هناك شخص يعدّه رسول الله’ إعداداً خاصاً لكي يتسلم هذا الموقع، ذاك هو علي بن أبي طالب×، فاستمع إليه يتحدث عن هذه التربية الخاصة: >وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ’ بِالْقَرَابَةِ الْقَريبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصيصَةِ، وَضَعَني في حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّني إِلى صَدْرِهِ ، وَيَكْنُفُني في فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّني جَسَدَهُ، وَيُشِمُّني عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنيه، وَمَا وَجَدَ لي كَذْبَةً في قَوْلٍ، وَلاَ خَطْلَةً في فِعْلٍ<.. إلى أن قال×: >وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي في كُلِّ يَوْمٍ عَلَماً مِنْ أَخْلاَقِهِ، وَ يَأْمُرُني بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ ، فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْري وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ ’ وَخَديجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسالَةِ، وَأَشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّهَ الشَّيْطَانِ حينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ ’، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرى مَا أَرى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلكِنَّكَ وَزيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلى خَيْرٍ<([16])، وفي نهاية خطبة مماثلة أخرى يسأل× مستنكراً: >فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنّي حَيّاً وَ مَيِّتاً؟<([17]).

 

آثار خطيرة:

هكذا كان يتم تهيئة الإمامة البديلة، أما هؤلاء فلم يتلقوا شيئاً من ذلك، لذا فقد أفرز تصدي هؤلاء غير المؤهلين عدة آثار خطيرة:

1-               تشوّه صورة الإسلام نفسه، لأن كثيراً من الأمم والشعوب دخلت الإسلام بعد رسول الله’، فهي لم تأخذه من مصدره، وإنما نقل لها عبر كلام وسلوك أصحابه، ولما كان هؤلاء غير مؤهلين لتمثيل الإسلام بصورته النقية الكاملة ولم يعرف المسلمون الجدد غير هذه الصورة المعروضة أمامهم فَتَبنّوها على أنها الإسلام الحقيقي، وتزايد هذا البعد عن الإسلام بمرور الزمن، حتى صرت ترى أقواماً لا تفقه من الإسلام شيئاً غير الاسم وبعض الشكليات.

2-               تجرّي أعداء الإسلام خصوصاً اليهود عليه، وما كانوا يستطيعون أن يظهروا شيئاً منه في عهد رسول الله’، لعدم وجود ثغرة يمكن أن يدخلوا منها، أما وقد تصدّى لهذا الموقع العظيم ناس غير مؤهلين لهذا الموقع، ويمكن التغلب عليهم وإحراجهم، فمن السهولة إذن هزّ ثقة المسلمين بدينهم بتكرر الفشل من قادتهم، وبالنتيجة تخليهم عن هذا الدين، فلم يكن من الغريب حصول هذه الهجمة العنيفة من الامتحانات العسيرة والمتنوعة التي أحرج بها اليهود الخليفة الاول والثاني وتزعزعت ثقة المسلمين وشعروا بالإحباط، وكادوا يرتدون لولا وجود أمير المؤمنين× بالمرصاد، الذي كان يجيبهم على كل أسئلتهم ويردّ كيدهم إلى نحورهم([18]).

3-               انفتاح باب الطمع بهذا المنصب الشريف لكلّ محبي الرئاسات والجاه واتباع الهوى، بعد أن أصبح نيله ليس بالاستحقاق وفق معايير الرسالة، وإنما هو لمن غلب وقهر ولو بالسيف، حتى أصبح مستساغاً أن يولي معاوية ابنه يزيد المعروف بالفسق والفجور على رقاب المسلمين.

 

النتيجة الثانية: فتح باب الاجتهاد مقابل النص:

أي الحكم والتشريع بالآراء الشخصية خلافاً للنص الإلهي الحكيم، وهو يعني أن الإنسان ينصّب نفسه مشرعاً وإلهاً يطاع في مقابل ألوهية الله تبارك وتعالى الذي هو وحده له حق التشريع والحاكمية، وهو ما رفضه الله تبارك وتعالى رفضاً قاطعاً، وجعل كل حكم وتشريع ليس مستنداً إلى الشريعة المقدسة جاهلية، فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وفي آية أخرى {الظَّالِمُونَ}، وفي ثالثة {الْفَاسِقُونَ} (المائدة:44 ،45 ،47)، وكان من شروط الإيمان الكامل: التسليم والإذعان لحكم الله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65)، لكن القوم فتحوا باب الاجتهاد واسعاً، ولم يكترثوا كثيراً للنص الشرعي لعدة أسباب:

1-               جهلهم وعدم اطلاعهم الكامل على أحكام الشريعة، فراحوا يستنبطون من أنفسهم ما يسدّ نقصهم.

2-               لأجل المحافظة على الأغراض والمصالح التي أرادوها فلا بد من تعطيل النصوص التي تتعارض مع المنهج الذي اختطوه، وتبرير الأفعال المخالفة بصراحة لحكم الله تبارك وتعالى.

3-               تغييب الممثل الحقيقي واللسان الناطق بالشريعة.

وقد عطل هذا الاجتهاد الكثير من التشريعات التي كانت مصدر خير للأمة، ومنها الزواج المؤقت الذي قال عنه أمير المؤمنين×: >لولا نهي فلان عن المتعة ما زنى إلا شقي<([19])،وبالمقابل برّر هذا الاجتهاد أشنع المنكرات، فمثل مالك بن نويرة([20]) الذي شهد له رسول الله’ بالجنة يُقتل، ويدخل خالد بزوجته في نفس الليلة، ويأتي جواب الخلافة ببرود: تأوّل خالد فأخطأ([21]). ويخرجون لقتال إمام زمانهم بكل المقاييس التي عندهم في معارك طاحنة في الجمل([22]) وصفين([23])، وكله اجتهاد يؤجرون عليه وإن أخطأوا فلهم أجر واحد.

وقد تأصل هذا الاجتهاد فيما بعد وتعمق، ووضعوا له أصولاً وقوانين، وأصبحت مذاهب في مقابل مذهب الحق.

 

النتيجة الثالثة: عرقلة تربية الأمة وتكاملها:

فقد شاءت الإرادة الإلهية أن تنقذ البشرية بهذه الرسالة المباركة من حضيض الجاهلية النكدة إلى سمو التوحيد وطهارة الإيمان وسعادة الدارين، وقد قدر لهذه المسيرة أن تتكامل لتنشأ أمة متكاملة على يد رسول الله’ والأئمة المعصومين من آله، لكن إبعاد الأئمة× عن موقع قيادة المجتمع أدى إلى عرقلة هذه المسيرة وبطئها من عدة جهات:

1-               إن من العناصر المهمة في التربية هو القدوة والأسوة الحسنة على تعبير القرآن، لأنه يمثل التطبيق للأفكار التربوية، فإذا غاب القدوة أو كان القدوة منحرفاً فلا ينفع الكلام مهما كثر، ويبقى مجرد حبر على ورق، والقوم لم يكونوا يمثلون قدوة حسنة، ولم يستطيعوا عكس صورة نقية للسلوك الإسلامي، بل إنه على مرور الأيام كان النموذج المعروض مناقضاً تماماً لتعاليم الإسلام، فكيف نتوقع منه أن يربي الأمة ويقودها نحو التكامل؟ ففي حين يقرأ المسلم في أخلاق الإسلام (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) يجد في التعامل تفضيل العرب على غيرهم الذين يسمونهم الموالي، ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية، وبينما يقرأ في القرآن {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى:23) يجد الخلافة تتبع أهل بيت النبي’ تحت كل حجر ومدر قتلاً وتشريداً وسجناً، وبينما يقرأ حرمة شرب الخمر في القرآن يجد حاكم المسلمين يشربه على منابر المسلمين ويتقيأه في محرابهم.

2-               فرص الانحراف الكثيرة التي توفرت للناس في ظل الخلافة المنحرفة، والنفس بطبيعتها ميالة للشهوات مع غياب الرادع الذي يحصّن الأمة من الانحراف وهم الذين عناهم الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: 104) وقد بدأت هذه النفوس الأمارة بالسوء تظهر في أيام الخلافة الأولى في وقت مبكر، وبدأت الدنيا تنمو في قلوبهم، وأصبحت هذه الامتيازات والمصالح واقعاً ثابتاً لا يرضون بتغييره، بحيث أن عبد الرحمن بن عوف الذي جُعل حكماً في أمر تعيين الخليفة من بين الستة أهل الشورى يشترط على علي× أن يبايعه بشرط أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه’ وسيرة الشيخين([24])، فما هي سيرة الشيخين التي يضمّها عبد الرحمن إلى كتاب الله وسنة رسوله’؟ إنها هذه الامتيازات الطبقية وهذه الدنيا المحضة التي وفرتها لهم الخلافة الأولى، بحيث أن عبد الرحمن([25]) هذا وأمثاله وزيد بن ثابت([26]) وغيره تركوا من الذهب ما يُكسّر بالفؤوس ــ حسب ما ينقل التأريخ ــ ولم يكن أمير المؤمنين× ليوافق على هذا الشرط فيكون منه إمضاءً واعترافاً بهذه السيرة، لأن هذه السيرة إن كانت موافقة للكتاب والسنة فلا داعي لذكرها، وإن كانت مخالفة فارمِ بها عرض الجدار، فما الوجه لضمِّها إلى أصلَي التشريع.

3-               الصورة المشوهة للشريعة التي كانت معروضة للأمة من خلال العلماء والرواة المتزلفين للخلفاء والطامعين بما في أيديهم، فكيف نتوقع من شخص لم يشاهد رسول الله’ ولم يطلع على مواقف علي× مباشرة أن يوالي علياً ويتبعه، وهو يسمع صحابياً يروي أن رسول الله’ قال: إن الآية الشريفة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة: 204-205) نزلت في علي بن أبي طالب([27]).

فلا نتوقع من أغلب المسلمين في الأرض إلا أن يحملوا هذه الصورة المشوهة للإسلام، لأنهم لم يسمعوا غيرها، ولم يشاهدوا غيرها، فكان طبيعياً أن يعتقدوا جازمين أن هذا هو الإسلام.

ومن هنا اقتضت الحكمة الإلهية أن تغيّب الإمام الثاني عشر× هذه المدة الطويلة إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور، كل ذلك لتستمر تربية الأمة مدة أطول، ولتمر بتجارب وابتلاءات وتمحيصات أكثر، حتى تصل إلى مستوى النضج والكمال المطلوب الذي يؤهلها لمواصلة مسيرة الكمال مع الإمام المهدي×، بينما لو قدر لهذه الأمة أن تتربى في أحضان الأئمة المعصومين^ لوصلت إلى درجة الكمال قبل هذا التأريخ بكثير.

 

النتيجة الرابعة: تمزق الأمة وتشتتها:

وتفرقها شيعاً وأحزاباً {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم:23)، وهذه نتيجة طبيعية للابتعاد عن الإمامة الحقيقية، لأن سر تشريع الإمامة هو تحصين الأمة من التمزق والانحراف، كما قالت الزهراء÷ في خطبتها الشهيرة بعد وفاة أبيها’: >وَجَعَلَ إمَامَتَنَا نِظَاماً للمِلَّةِ<([28]) أي تنتظم بها أمورهم وتستقر، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103) {ولا تَنَازَعوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال:46)، وحبل الله الممدود من السماء إلى الأرض هما الثقلان كتاب الله وعترة رسوله’ ــ كما بينتُ في شكوى القرآن([29]) ــ.  مضافاً إلى أن هذا الموقع بعد أن خرج عن مستقره وأبعد عنه أهله أصبح مطمعاً لكل حالم به، وشهوة التسلط أقوى الشهوات، وفيها استجابة للأنانية واستكبار النفس، فمن الطبيعي أيضاً أن تكثر الصراعات حول هذا المنصب، وتداس في خضم هذا الصراع كل القيم والأخلاق.

وتكفي وقفة تأمل واستطلاع بسيط للتأريخ لنقرأ بكل أسف وألم يفتت القلوب المآسي التي جرَّها التنازع على السلطان، والخسائر الفادحة في الأنفس والأعراض والأموال التي هدرت في هذا الصراع، فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية؟ ومن الذي فتح هذا الباب على المسلمين؟ وماذا يجني من يحدث هذا الفتق في أمة الإسلام؟

وخير معبر عن هذه الآلام وهذه الخسائر أحد الأدعية الواردة في لعن أعداء آل محمد’ والبراءة منهم إلى أن يقول: >اللهم العنهم بعدد كل منكر آتوه، وحق أخفوه، ومنبر علوه، ومؤمن أرجوه، ومنافق ولّوه، وولي آذوه، وطريد آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيروه، وأثر أنكروه، وشر آثروه، ودم أراقوه، وخير بدلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلوه، وباطل أسسوه، وجور بسطوه، ونفاق أسرّوه، وغدر أضمروه، وظلم نشروه، ووعد أخلفوه، وأمان خانوه، وعهد نقضوه، وحلال حرموه، وحرام أحلوه، وبطن فتقوه، وجنين أسقطوه، وضلع دقوه، وصك مزقوه، وشمل بددوه، وعزيز أذلوه، وذليل أعزوه، وحق منعوه، وكذب دلسوه، وحكم قلبوه، اللهم العنهم بكل آية حرفوها، وفريضة تركوها، وسنة غيروها، ورسوم منعوها، وأحكام عطلوها، وبيعة نكثوها، ودعوة أبطلوها، وبينةٍ أنكروها، وحيلة أحدثوها، وخيانة أوردوها، وعقبة ارتقوها، وشهادات كتموها، ووصية صنعوها<([30]).

ولو شئنا لذكرنا أمثلة وشواهد على كل فقرة، لكنها مما لا تخفى على المطلع على التأريخ، فأي قلب لا يذوب أسىً على ما سببه ذلك التضييع للحق الصريح؟!.

 

النتيجة الخامسة: عزل الدين عن إدارة الحياة بكل أبعادها وتفاصيلها:

واقتصاره على الطقوس التعبدية والشؤون الفردية فقط، فإن القوم وإن استطاعوا بالترغيب والترهيب أن يسلبوا السلطة الدنيوية من الإمام×، إلا إنهم لا يستطيعون بأي حال من الأحوال أن يسلبوا مكانته من القلوب وهيبته في النفوس، ورجوع الناس إليه في شؤونهم الدينية، هذا الانفصال الذي عبر عنه هارون الرشيد ــ كما يسمونه ــ لولده المأمون حينما استغرب من تكريمه للإمام الكاظم× بما لا نظير له، فقال: (ويلك، هذا إمام القلوب وأنا إمام الأبدان)([31])، والإمام وإن سكت عن المطالبة بحقه في السلطة الدنيوية من أجل حفظ الإسلام وكيان المسلمين، إلا أنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال التنازل لهم عن الإمامة الدينية أو الاعتراف بهم وإمضاؤهم كممثلين لهذه السلطة، فإن في ذلك خيانة لله ولرسوله وللإسلام، على أن هذا الحق لا يتصور التنازل عنه، فإنه ليس امتيازاً أو موقعاً حتى يتخلى عنه، بل هو علم لدنّي بالمعارف الإلهية وما يرتبط بصلاح العباد، وقدرة وقابلية على تلبية احتياجات الأمة، فكل من كان قادراً على ذلك ووجدت الأمة حاجتها وآمالها وطموحاتها عنده أصبح إماماً، وهكذا كان علي× فما سمعنا انه احتاج إلى أحد في شيء، بل على العكس كانوا يرجعون إليهم في مسائلهم ومشاكلهم وقراراتهم، حتى اشتهر قول الثاني: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)([32])، ولذا استدل بعضهم على إمامة أمير المؤمنين× باحتياج الناس إليه واستغنائه عن الناس([33]).

وهذا الفصل بين السلطتين ترسخ وتعمق وانعكس على الدين نفسه، فأصبح مرتكزاً في الأذهان أن إدارة شؤون الحياة ليس من شؤون الإمامة الدينية، وأن دورها يقتصر على العبادات وبعض الأحكام الشخصية، والتقوا بذلك مع نظرة الجاهلية: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وهذا هو الشرك بعينه، فإن الملك كله لله وحده والحكم كله لله وحده، وما من واقعة إلا ولله فيها حكم، أترى أن الشريعة التي لم تغفل عن تنظيم أبسط التصرفات الحياتية، كالتخلي والنوم والاكل والجماع ووضعت لها أحكاماً وآداباً، فهل تغفل عن وضع أنظمة وقوانين تنظم حياة المجتمع من جميع الجهات؟ وهذه حقيقة دامغة لا تقبل الشك، إلا أنهم لا يذعنون لها لعدة أمور:

1-               إن الشريعة لا تنسجم مع أهوائهم وأنانيتهم وحبهم للاستئثار بالفيء وسائر الامتيازات وتتعامل مع الجميع على حد سواء.

2-               إن تحكيم الشريعة فيه إظهار لجهلهم وقصورهم وتقصيرهم، وهو ما تأباه نفوسهم الأمارة بالسوء.

3-               إن ذلك أيضاً يعني احتياجهم للإمامة الدينية، وبالتالي يعني تفوق أولئك عليهم واستحقاقهم لهذا الموقع بدلاً عنهم.

 

النتيجة السادسة: حدوث الانفصال بين الأمة والخلافة:

لأن الأمر لم يعد في نظر المتصدين أمر إصلاح وهداية وتكميل النفوس ونيل رضا الله تبارك وتعالى حتى تتعلق بهم الأمة وتهفو إليهم القلوب، بل زعامة وملك ومصالح واستئثار واستعلاء، وقد عبر عنه القوم من أول يوم وهم بعد في السقيفة فكان لسانهم: إنما السلطان سلطان قريش فلا ينازعنا فيه أحد([34])، وكانت المسألة أوضح بالنسبة للأقوام الأخرى التي دخلت الإسلام، وقد أشعروهم بأن الخلافة ملك للعرب، فإذا كان ملكاً عضوضاً وهم المستفيدون منه فما الذي يشد سائر قطاعات الأمة إليهم؟ وما الذي يحثهم على الدفاع عنهم؟ وما هي العلقة التي تربطهم بهم؟ بل على العكس سادت روح الكراهية والحقد والانتقام كما حصل لأبي لؤلؤة الفارسي غلام المغيرة بن شعبة الذي سأم من كثرة التعيير لقومه الفرس والاستهزاء بهم، فثار لعنصريته ولعصبيته الجاهلية([35]).

 

بالمقابل كان هناك علي بن أبي طالب (×):

وبالمقابل كان هناك علي× وبنوه الذين ملكوا القلوب، فاستجاب الله تعالى بهم دعوة جدهم إبراهيم {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}([36]) والذي لم تستطع الخلافة بكل جبروتها أن تنتزعه منهم، وقضية هشام بن عبد الملك واضحة في أذهانكم عندما عجز عن الوصول إلى الحجر لازدحام الناس، فتنحى إلى زاوية في البيت الحرام، وما أن قدم الإمام السجاد× حتى انفرج عنه الناس سماطين، فمشى بكـل وقـار وهيبـة حتـى وصــل إلــى الحجــر الأســود، وهشــام ينظر([37]).

وكان أمير المؤمنين× رغم تواضعه بين أصحابه حتى كأنه أحدهم إلا أن له هيبة عظيمة في نفوسهم كما وصفه ضرار بن ضمرة لمعاوية([38]).

وذاب أصحابهم في حبهم قربة إلى الله تعالى ووفاء لجدهم رسول الله’ وعرفاناً لحقهم عليهم، وتحملوا في سبيل ذلك ما تقشعر منه الأبدان، فهذا ميثم بن يحيى التمار تقطع يداه ورجلاه ويصلب على جذع نخلة، فيطلب من الناس الاجتماع حتى يحدثهم بفضائل أمير المؤمنين×، فلم يمهله الفسقة حتى قطعوا لسانه([39])، وهذا حجر بن عدي يؤخذ مقيداً إلى الشام ويحفر له القبر ويفرش له النطع ويؤمر بسب أمير المؤمنين وإلا فالقتل ومعه ابنه، فيختار ولاية أمير المؤمنين×، ويقدم ابنه ليحتسبه عند الله تبارك وتعالى ولئلا يعظم على الابن قتل أبيه فيتراجع، ثم قدم فقتل صابراً محتسباً([40]).

وهذا عمار بن ياسر يقاتل في صفين على كبر سنه ويقول: (والله لو ضربونا بأسيافهم حتى أبلغونا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنهم على الباطل)([41]).

وأصحاب الحسين×، وما أدراك ما أصحاب الحسين×، الذين لم ير لهم نظير في الولاء والصدق والإخلاص والتضحية، يقدم أحدهم على الموت وهو مبتسم، فيقال له: ما عهدناك هازلاً قبل اليوم؛ قال: وكيف لا أبتسم وما بيني وبين معانقة الحور العين إلا أن يميل عليَّ هؤلاء بأسيافهم فألتحق بالأحبة محمد وصحبه([42]).

 

النتيجة السابعة: تأخر ركب الحضارة الإنسانية.

بحيث احتجنا إلى أربعة عشر قرناً لكي نصنع الطائرة والكومبيوتر ونغزو الفضاء، وكان يمكن لهذه الأمور وغيرها مما لم يصل إليه العقل الإنساني إلى الآن أن تتحقق قبل مدة طويلة، لأن اليد الإلهية واضحة التأثير في قيادة ركب الحضارة البشرية بفضل ما بثه الأنبياء والأئمة^ من علوم، أو من خلال الإلهام والإيحاء، ولولا الرعاية الإلهية لما استطاع الإنسان أن يهتدي إلى أبسط الأمور، حتى دفن موتاه في التراب لا يعرفه، حتى بعث الله له غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه([43]).

وإن القرآن الكريم ليضم أسرار ومفاتيح العلوم كلها فيه {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل:89)، فيشير إلى غزو الفضاء بالوسائل العلمية: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} (الرحمن:33)، وهو سلطان العلم والتكنولوجيا، كل هذه الأسرار ومفاتيح العلوم كانت عند أمير المؤمنين× علّمه إياه رسول الله’: >علمني رسول الله’ ألف باب من العلم، ينفتح لي من كل باب ألف باب من العلم<([44]).

وإن شئت الاطلاع على ما كان يمكن أن يقدمه علي وبنوه^ ليقدموا ركب الحضارة الإنسانية وليوفروا لها السعادة والحياة الطيبة فراجع عدة كتب ألفت في هذا المجال، ولم يكن يحتاج إلى تطبيق معادلات وقوانين احتمالية أو يخوض تجارب طويلة حتى يصل الى الحقيقة، بل كانت الحقائق العلمية كلها حاضرة في ذهنه، يراها بالبصيرة والوجدان رأي العين، فحفر الكثير من الآبار والعيون وأوقفها للمسلمين في وقت كان الآخرون يعجزون عن التعرف على مواقع وجود الماء، فأين علم الجيولوجيا من هذه المعرفة الدقيقة بطبقات الأرض وما تحتها من كنوز ومعادن، وكان يقول: (لو شئت لاتخذت لكم من هذا الماء نوراً) يقصد توليد الطاقة الكهربائية من شلالات الماء، وغيرها الكثير في مختلف حقول العلم والمعرفة، ثم جاء أولاده من بعده ليبثوا ما تسمح به الحال من علوم الكيمياء والرياضيات والفلك والفيزياء والنبات والحيوان وغيرها.

فإن قلتَ: إذن ما الذي حبسهم عن إعطاء هذه العلوم التي يحملونها إلى البشرية، وهي مسألة لا تتعلق بتسلمهم موقع القيادة والإمامة وعدمها؟.

قلتُ: إن التقدم المادي مرتبط تماماً بالتكامل الروحي من خلال البناء الصحيح للعقيدة، ولا بد أن يتقدّما معاً، وإن الأول بدون الثاني يصبح وبالاً على البشرية ويقودها نحو الدمار، كالذي نشاهده اليوم ممن يسمون أنفسهم بالقوى العظمى والدول الكبرى، ولما كانت البشرية قد تخلفت وتدنت في الجانب الثاني وهو العقائدي والأخلاقي فلا يمكن إعطاؤها من الجانب الأول إلا بالمقدار الذي لا يكون خطراً عليها، هكذا اقتضت الإرادة الإلهية أن يلهم الإنسان بعض الأفكار التي طورت حضارة البشر ودلته على اكتشافات وحقائق علمية مهمة في أوقاتها المناسبة، وبالشكل الذي يحفظ توازن المجتمع الإنساني {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، ولو كانت مستحقة للمزيد بالتزامها بخط الخلافة الإلهية لما بخل عليها الله تبارك وتعالى بالعطاء، فلا يغتر الإنسان ويظن أنه هو الذي يحقق ذلك، بل هو من إلهام الله تبارك وتعالى وإيحائه، وللعلماء والمكتشفين كلمات تدل على ذلك، ولو خليّ إلى نفسه لما عرف كيف يتخلص من موتاه بالدفن حتى علمه الغراب –كما ذكرنا-.

 

 

لماذا نحتفل بعيد الغدير؟

هذه بعض النتائج التي أفرزها عدم التزام الأمة بحديث الغدير، وإذا كانت الأمور تعرف بأضدادها كما قالوا، فيمكن أن نعرف سمو المعاني والآثار التي نالها الملتزمون بولاية أمير المؤمنين×، فحق لهم أن يحتفلوا بهذا العيد الأغرّ أعظم عيد في الإسلام، سئل الإمام الصادق×: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم، أعظمها حرمة، قال الراوي: وأي عيد هو؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله’ أمير المؤمنين×، وقال: من كنت من مولاه فعلي مولاه)([45]). وفي حديث أبي نصر عن الرضا (صلوات الله عليه) قال: (يا ابن أبي نصر، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين×، فإن الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، ولدرهمٌ فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، وأفضل على إخوانك في هذا اليوم، وسرَّ فيه كل مؤمن ومؤمنة، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات)([46]).

 

لنأخذ الدرس في فهم أشكال المرجعية الدينية:

ونحن كما تعودنا في مثل هذه الكلمات لا نستهدف فقط تثبيت العقيدة وترسيخها والدفاع عنها، وإن كان هذا في نفسه نفيساً، إلا أنه مما لا يقل عنه أهمية أخذ الدروس والعبر منه، وهنا تكمن روح العلم والمعرفة، فالعلم بلا عمل وبلا استفادة منه في الحياة لا قيمة له.

ونحن إذا توسعنا في فهم هذا الموضوع فسنطبق هذه التجربة على كل رسالة إصلاحية تعمل على هداية الناس وتكميل نفوسهم كالمرجعية الشريفة وهي لها شكلان:

الأول: المرجعية الفردية التي يقتصر عملها على استنباط الحكم الشرعي من دون العمل على تطبيقه ودفع المجتمع إلى امتثاله، والأمر راجع إلى المكلف إن شاء طبق أو لا، ولا تتدخل إلا في حدود الشؤون الفردية وما يبرئ ذمم المكلفين كأفراد، وهو عمل ليس بالهين، وقد قاموا بجهود مضنية حفظت لنا فقه آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، لكن هذا الشكل خارج عن موضوعنا، لانحسار دورها عن الإمامة الاجتماعية أصلاً.

الثاني: المرجعية الاجتماعية التي لا تكتفي بمستوى النظرية، أي مجرد التقنين والتشريع، وإنما تعمل على تهيئة كل الفرص واتخاذ مختلف الأساليب لإقناع الناس بتطبيق الشريعة في كل تفاصيل حياتهم، وإذا لم تنفع وسيلة جربت أخرى، وقد شبهت الأولى بالأمّ التي تهيئ الطعام لولدها المريض وتترك الباقي عليه، إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل، وقد لا يعرف مصلحته فيموت جوعاً. والثانية تشبه الأمّ التي لا تكتفي بإعداد الطعام، بل تطيبه وتعمل كل المرغبات والمحفزات لولدها كي يأكل ويحفظ حياته ويستعيد عافيته، ولا شك أن الثانية أرحم وأرأف وأكرم وأصبر من الأولى، أو قل إنها أكثر اتصافاً بالأسماء الحسنى التي ورد الحث على التخلّق بها.

 

المرجعية الحركية هي الأجدر:

وهذه المرجعية الثانية هي الأكثر التصاقاً بالناس وأعمق تأثيراً فيهم والأكثر تعلقاً بهم، وهي الأجدر بتمثيل دور المعصومين^، فلا غرو أن تكون عرضة لطمع المتنافسين، فإذا تصدى لها غير المؤهل لها وصنع (سقيفة) ثانية لإبعاد مستحقيها، ترتبت كل أو بعض الآثار التي ذكرناها، ولا بدَّ أن نستفيد من تلك التجربة لنكون واعين وحذرين من تكرارها.

وقد ذكرنا في محاضرتين([47]) بمناسبة عيد الغدير عام 1421 ــ وطبعت كمقدمة لكتاب أصل الشيعة وأصولها للشيخ كاشف الغطاء ــ الأشكال الثلاثة التي خطط بها رسول الله’ للخليفة من بعده، وكيفية تأسي المرجعية به’ في هذا المجال، ومسؤولية الأمة في صيانة هذا الموقع الشريف والتمسك بأهله، فيكون هذا البحث مكملاً له، ومما ذكرنا هناك أن لهذا الموقع شروطاً صنفتها إلى ثابتة ومتحركة، والأولى هي التي دأبت على ذكرها الرسائل العملية، أما المتحركة فتتغير تبعاً للظروف الموضوعية التي تعيشها المرجعية.

 

 



([1]) محاضرة ألقاها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على حشد من فضلاء وطلبة الحوزة العلمية يوم 25 صفر 1423 هـ المصادف 8 آيار2002م في مسجد الرأس الشريف مجاور الصحن الحيدري المطهر بمناسبة ذكرى وفاة رسول الله’.

([2]) منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل للشيخ عباس القمي ج1 الفصل السابع، تأريخ الطبري المجلد الثاني ص197 ، سيرة بن هشام ج4/ اليوم الذي قبض الله تعالى فيه نبيه الأكرم’.

([3]) تأريخ الطبري المجلد الثاني السنة الحادية عشر.

([4]) منتهى الآمال ج1 ص205.

([5]) البحار ج37 باب52 ص158.

([6]) منتهى الآمال: الفصل الثالث ص435 عن البحار ج44 ص49.

([7]) تأريخ الطبري المجلد الثالث، سيرة الأئمة لهاشم معروف الحسني ج2 منتهى الآمال ج1 الباب الخامس ، معالم المدرستين ج5/ يزيد في أفعاله وأقواله (روى صاحب الأغاني: أن يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين وأظهر الفتـك وشرب الخمر وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه…).

([8]) السيرة النبوية: ج2/ عرض الرسول نفسه على بني عامر.

([9]) راجع الهوامش السابقة.

([10]) السيرة النبوية لابن هشام: ج4/ أمر الرسول بإيفاد بعث أسامة.

([11]) راجع الهوامش السابقة.

([12]) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج1 شرح الخطبة الشقشقية.

([13]) الغدير: المجلد الأول ص182 والمجلد السادس ص98.

([14]) صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الرابع عشر، ص 134.

([15]) تأريخ الطبري: المجلد الثاني ج3 السنة الحادية عشر، سيرة الأئمة الاثنى عشر: القسم الأول/ مع النبي في ساعة الوداع.

([16]) نهج البلاغة: شرح الشيخ محمد عبده ج2 ص157.

([17]) نهج البلاغة: شرح الشيخ محمد عبده ج2 ص171-172.

([18]) الغدير: المجلد السابع ص177 – 179.

([19]) الكافي:5/448.

([20]) مالك بن نويرة الحنفي اليربوعي من أرادف الملوك ومن شجعان عصره وفصحائهم وكان من أصحاب رسول الله’ ومن خلّص أصحاب أمير المؤمنين×، انتظر بقومه بعد وفاة الرسول’ إلى أن يتبين موقف أمير المؤمنين× فأرسل أبو بكر إليهم خالد بن الوليد فغدر بهم وقت الصلاة وأمر بقتل مالك حين رأى جمال امرأته.

([21]) راجع كتاب السقيفة للشيخ المظفر: 26.

([22]) تأريخ الطبري المجلد الثالث الجزء الخامس.

([23]) نفس المصدر.

([24]) بحار الأنوار: 31/399.

([25] ) في الطبقات الكبرى: (إنّ عبد الرحمن بن عوف تُوفّي، وكان فيما ترك ذهبٌ؛ قُطّع بالفؤوس حتى مَجِلَت -  أي ثخُن جلدُها وظهر فيها ما يشبه البَثَر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة- أيدي الرجال منه. وترك أربع نسوة، فأُخرجت امرأة من ثُمنها بثمانين ألفاً). الطبقات الكبرى : 3 / 136 ، ونحوه أُسد الغابة : 3 / 480 / 3370 ، ونحوه كذلك البداية والنهاية : 7 / 164.

([26] ) قال المسعودي : (خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار ). مروج الذهب: 1/ 434، الغدير: 8/ 284.

([27] ) (أعطى معاوية سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بأن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة :204- 205] إنها نزلت في علي بن أبي طالب ×). ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 4 / 73.

([28]) البحار: ج6 باب 23 ص315.

([29]) أنظر القبس بعنوان: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) في هذا المجلد.

([30]) البحار: 82/261.

([31]) سيرة الأئمة الاثني عشر: القسم الثاني: ص390.

([32]) سيرة الأئمة الاثني عشر: القسم الأول: ص304.

([33]) نسب الاستدلال إلى الخليل الفراهيدي (&) وروي عن الحارث بن المغيرة قال: (قلت لأبي عبد الله×: بأي شيء يُعرف الإمام؟ قال بالسكينة والوقار،... وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه، ولا يحتاج إلى أحد) (بحار الأنوار: 25/156).

([34]) سيرة الأئمة: القسم الأول ، السقيفة.

([35]) تأريخ الطبري المجلد الثالث الجزء الخامس.

([36]) إبراهيم: 37.

([37] ) رواها السبكي في طبقات الشافعية أن هشام بن عبد الملك حج في بعض السنين فطاف حول البيت وحاول أن يلمس الحجر الأسود فلم يجد لذلك سبيلاً من كثرة الزحام.. وفي ما هو ينظر إلى الناس إذ أقبل الإمام زين العابدين وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرَجاً.. فانفرج له الناس عنه ووقفوا له إجلالاً وتعظيماً حتى إذا استلم الحجر وقبله والناس وُقّفٌ ينظرون إليه وكأنما على رؤوسهم الطير فلما مضى عنه عادوا إلى طوافهم، هذا وهشام بن عبد الملك ومن معه من أهل الشام يرون كل ذلك ونفس هشام يعبث فيها الحقد والحسد.، وفي هذه الحادثة ارتجل الشاعر الفرزدق أبياته المشهورة والتي مطلعها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته    هذا ابن خـيرِ عادِ اللهِ كلهم

والبيتُ يعـرفهُ والحِـلُّ والحرمً    هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

([38]) نقل الرواة عن ضرار بن ضمرة أنه دخل على معاوية يوماً فقال له يا ضرار صف لي علياً، فقال له: اعفني يا معاوية، فقال له: لا أعفيك، فقال له ضرار: أما إذا كـان ولا بـد مـن ذلك، فقد كان والله بعيد المدى شديد القوى … إلى أن قال … ونحن والله مع قربه منا ودنوه إلينا لا نكلمه هيبة له ولا نبتدئه لعظمه في نفوسنا …

([39]) إن عبيد الله بن زياد قال لميثم التمار بعد أن قبض عليه: تبرأ من علي بن أبي طالب، فقال له: فإن أنا لم افعل؟ قال: إذن والله لأقتلك، قال: لقد أخبرني مولاي أنك ستقتلني مع تسعة أخر على باب عمرو بن حريث، قال ابن زياد: لنخالفنه كي يظهر كذبه، قال ميثم: كيف تخالفه، فوالله ما أخبر إلا عن النبي’ عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه وأين هو من الكوفة وأنا أول خلق الله أُلجم في الإسلام، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول إني مجاورك، فأمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره، فجعل ميثم يحدث بفضائل أهل البيت^ ومثالب بني أمية وما سيصيبهم من القتل والانقراض، فقيل لابن زياد قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجموه كي لا يتكلم فجاءه في اليوم الثالث لعين بيده حربتين وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قوّاماً صوّاماً، ثم طعنه في خاصرته فأجافه (أي حصل جوف في خاصرته من الطعنة) ثم انبعث منخراه دماً في آخر النهار فخضب لحيته بالدماء واستشهد قبل قدوم الإمام الحسين× إلى العراق بعشرة أيام.

([40]) حجر بن عدي الكندي الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين ومن الإبدال كان أميراً على بني كنده من قبل أمير المؤمنين× في معركة صفين وكان أمير الجيش يوم النهروان، وقد استشهد حجر وجمع من أصحابه بسعاية زياد بن أبيه وبحكم معاوية بن أبي سفيان سنة إحدى وخمسين للهجرة.

([41]) تقدمت ترجمته وأسرته، سيرة الأئمة: القسم الأول ص474.

([42]) برير بن خضير الهمداني كان زاهداً عابداً سيد القراء ومن أشراف الكوفة. منتهى الآمال: ج1/ ليلة العاشر من محرم. ونفس الموقف لحبيب بن مظاهر رحمة الله عليه.

([43]) إشارة إلى قصة ابني آدم× هابيل وقابيل، وذلك عندما قتل قابيل هابيل ولم يكن يعرف عملية الدفن لولا أن بعث الله غراباً يبحث في الأرض فعرف قابيل ذلك، في الآيات من سورة المائدة: 27 – 31.

([44]) منتهى الآمال: ج1 في علم أمير المؤمنين×.

([45]) بحار الأنوار: 37/169.

([46]) بحار الأنوار: 94/119.

([47]) المحاضرتان ({يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة : 67]) قد مرّ ذكرهما في هذا الجزء من الكتاب.