(قبس 85 ) تكملة القبس 85

| |عدد القراءات : 2492
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


واشعر أنني إلى هنا قد قدّمت إشارة كافية وفتحت باب التفكير بمقدار كافٍ في هذا الاتجاه لأن أهم خطوة في معالجة أمراضنا الاجتماعية هي تشخيص الداء بدقة ومن ثم وصف العلاج المناسب.

واتضح لدينا الآن من خلال هذه النقاط العديدة تحقق عنوان الجاهلية في البشرية اليوم وعلمنا أن لطف الله بعباده دائم ولا يختص بقوم دون قوم، فجاهلية الأمس ليست أولى من جاهلية اليوم ولا خصوصية لها حتى ينزل إليها تبارك وتعالى قرآناً ويبعث إليهم رسولاً، ويترك جاهلية اليوم سدىً، فما أحوجها إلى مصلح وهو الحجة بن الحسن (أرواحنا له الفداء) وما أحوجنا إلى القرآن لينقذنا من حضيض الجاهلية إلى قمة الإسلام.

 

القرآن علاج لأمراضنا الاجتماعية:

فلنكرّس جهدنا في الاستفادة من قابلية القرآن وقدرته على علاج أمراض البشرية والارتقاء بها في سلم الكمال، فإن القرآن خالد وحي ومعطاء إلى يوم القيامة ومن خلوده قدرته على تشخيص الداء وتقديم الدواء لكل مجتمع وكل زمان ومكان وما علينا إلا أن نستثير كوامن القرآن ونلتمس منه دواء دائنا وأمراضنا الاجتماعية والفردية. 

فإذا  أصيبت  الأمة  بالتمزق  والتشتت  فدواءهم قوله تعالى: [وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ](آل عمران: 103)، بعد معرفة أن حبل الله هما القرآن وأهل البيت (^) بحسب الحديث الشريف.

وإذا أصيبت الأمة بالجبن والخور فعلاجهم قوله تعالى: [أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ] (النساء: 78)،[قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فإنه مُلاقِيكُمْ](الجمعة: 8).

وإذا مر المجتمع ببلايا ومصاعب ومحن فشفاؤهم في قوله تعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ](البقرة: 214).

وإذا شعروا بالإحباط واليأس فعلاجهم قوله تعالى: [وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ] (يوسف: 87)، [وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ] (الحجر:56)، [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ](غافر: 51).

وإذا ألقينا مسؤولية الانحراف والظلم على غيرنا أو على الزمن فلنقرأ قوله تعالى:[وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ]( النساء: 79) [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ](الرعد: 11)، [وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ](آل عمران: 117).

وإذا انصاع الناس وراء الكثرة الكاثرة ولسان حالهم (حشر مع الناس عيد) بلا تعقل وروية وبصيرة، أجابهم القرآن: [وَمَا أكثر النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] (يوسف: 103)،[وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ](الأنعام: 116) [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ] (يوسف: 106).

ومن الأمراض الاجتماعية التي عالجها القرآن (الإشاعة)([1]) وهو داء فتاك يفرق المجتمع ويزلزل كيانه ويبلبل، أفكاره فقال فيها وفي علاجها: [وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] (النساء: 83)، وغيرها الكثير مما يعالج عللنا المزمنة.

 

دروس مستفادة من طريقة القرآن في إصلاح المجتمع:

وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض الدروس المستفادة من طريقة القرآن في إصلاح المجتمع وهدايته:

1-               الالتفات إلى جانب العلل أكثر من المعلولات عند معالجة حالة معينة وهو شيء مهم وضروري، فعندما يراجع المريض طبيبا ويشرح له الأعراض التي يعاني منها فإن أهم ما يقوم به الطبيب تشخيص العلة وتعيين العلاج لها، أما الاكتفاء بمعالجة الأعراض المرضية كوجع الرأس وألم البطن أو ارتفاع درجة الحرارة من دون أن يشخص العلة فهذا من خطل التفكير، فمثلا إن من يريد أن يعالج ظاهرة التبرّج، أو ميوعة الشباب وتقليدهم للغرب، أو امتناع الناس عن دفع الخمس أو أداء الصلاة، أو ارتكابهم للفواحش كشرب الخمر واللواط، أو قل: عموم ابتعاد الناس عن تطبيق شريعة الله وتعمدهم مخالفتها لا يكتفي بأن يقول لهم هذا واجب فافعلوه وهذا حرام فاتركوه لأنهم مسلمون ويعرفون ذلك، فلا بد من تشخيص العلة لضعف الوازع الديني عندهم الذي هو الدافع للتطبيق ومن ثم علاجه، وضعف الوازع الديني إنما منشأه ضعف الجانب الأخلاقي والعقائدي لدى المجتمع، لذا ركز القرآن في مكة - أي في أوائل نزوله - على هذين الجانبين. بما طرح من عقائد ودافع عنها بالأدلة المختلفة ورد الإشكالات الموجهة إليها، وغالبا ما كان يثير كوامن فطرتهم لأنه دليل وجداني مرتكز في باطن كل إنسان ولا يستطيع أحد إنكاره والتنصل منه، واهتم بعرض مشاهد يوم القيامة وسنن الله في الأمم السالفة وعرض الكثير من مواقف العظة والعبرة حتى أيقظ عقولهم وطهر قلوبهم وعندئذ كلفهم بالأحكام فاستجابوا لها طواعية، ونحن نعلم ان فترة التربية في مكة كانت أكثر منها في المدينة ومن هذا يعلم الاهتمام المتزايد بجانب العلل أكثر من المعلولات.

2-               ومن هنا ينفتح الكلام عن الدرس الثاني المستفاد من طريقة القرآن في إصلاح النفس والمجتمع وهي ضرورة بناء الجانب الأخلاقي والعقائدي لشخصية المسلم، وقد اعتمد القرآن في هذا البناء على عدة أساليب ذكرتها في دروس (فلنرجع إلى الله) وقلنا هناك: أنه سلك طريق العوالم الثلاثة التي يعيشها الإنسان (العقل، القلب، الروح) فمثلاً يربط بين منع السماء بركاتها والأرض خيراتها وتسلط الأشرار وعدم استجابة الدعاء فيجعل علتها ابتعاد الناس عن شريعة الله وترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أراد أن يتخلص من هذه النتائج السيئة فليؤدّ هذه الفريضة. ففي الحديث: (إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزعت عنكم البركات ونزلت عليكم البليّات وسلطت عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم)([2]).

وكان على رأس هذه الأساليب ما أشرنا إليه من عرض مشاهد وأهوال الموت وما بعده ويوم القيامة وحوار الكافرين والفاسقين في النار ومع شياطينهم والتذكير بسنن الله تبارك وتعالى في المعرضين عن طاعته. قال تعالى: [دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا] (محمد: 10)،[فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ] (آل عمران: 11)، وتعداد نعمه على العباد التي لا تعد ولا تحصى مع إقرارهم بحقيقة فطرية: [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن: 60)، ثم بيان السعادة التي تعمر قلب الإنسان وحياته ومجتمعه لو طبق شريعة الله. قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ](الأعراف:96).

إن العقيدة والأخلاق هما اللذان يرسمان الهدف الذي يعيشه الإنسان وبالتالي فهما يُحدّدان معالم مسيرته، فمثلاً إذا أريد التبرع لمشروع خيري أو مساعدة محتاج فأيهما الذي يبادر إلى المشاركة: المؤمن الذي يبتغي رضا الله سبحانه ويرجو العوض منه أم البعيد عن الدين الذي غاية همّه الاستزادة من الدنيا والذين هم[قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ] (الممتحنة: 13)، فالأول أسرع للمشاركة. فهذا مثال على اثر العقيدة والأخلاق في دفع الإنسان إلى التطبيق،فالمؤمن هدفه الله تبارك وتعالى، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، وإنما انحدرت الأمة وضلت لأنها أضاعت الهدف الذي تعيش من أجله فتفرقت بهم السبل. قال تعالى: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (الأنعام: 153).

فما علينا إلا ملء هذا الفراغ في عقول وقلوب المجتمع حتى تصح مسيرته وتنتظم حياته وفق ما أراد الله تبارك وتعالى، وان نأخذ بطريقة القرآن في إحياء القلوب وترقيقها وتهذيب النفوس وتغذيتها بالعقائد الحقة التي هي منشأ الأخلاق الفاضلة. قال تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ] (الحديد: 16).

وهذا باب ينبغي للمفكرين والمربين الولوج فيه وهو أسلوب القرآن في الموعظة وإحياء القلوب وجميع الآيات الشريفة فيه التي لو تأملها العاقل لأعاد النظر في منهج حياته، كقوله تعالى في سورة الدخان:[كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ] (الدخان: 25 - 29).

وإني أنصح بقراءة كتاب (القلب السليم)([3]) الـــذي يتـــألف مـــن

جزئين أولهما في العقائد والآخر في الأخلاق وهما صادران من قلب مخلص طاهر.

3-               التدريجية في الهداية والإصلاح والأخذ بأيدي الناس برفق ومثالهم الرئيسي على ذلك: التدريج في تحريم شرب الخمر - باعتباره عادة راسخة في المجتمع وقد أشربت في قلوبهم وعقولهم - فتدرج في المنع على مراحل، أوّلها:[يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ] (البقرة: 219)، فقال بعضهم لا نشربها لأنها إثم وقد حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم، وقال بعضهم نشربها بمقدار المنافع فيها، ثم نزل قوله تعالى: [لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ] (النساء: 43)، فامتنع بعضهم وقالوا لا نتناول شيئا منافياً للصلاة، ثم نزلت آية المائدة التي أفادت المنع المؤكد الجازم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ] (المائدة: 90).

ونفس نزول القرآن نجوماً أي مبعضاً على مدى (23) سنة إنما يهدف - فيما يهدف إليه - المعالجات الآنيّة آخذاً بنظر الاعتبار الزمان والمكان والظروف الموضوعية وتباين مستوى الناس واستعدادهم للتلقي والتطبيق.

ويمكن أن يكون التدرج بعدة أشكال فعندما يراد معالجة ظاهـــرة

اجتماعية متأصلة - كالسنينة العشائرية مثلاً - فنبدأ أولاً بإثارة الإشكالات حول مدى صحتها وجدواها والتشكيك فيها ثم طرح البدائل والخيارات الأخرى المقابلة لها فإذا زرع في النفوس هذا التشكيك وبدأ الالتفات إلى البديل الأفضل فستنشأ القناعة بإبدالها، وعندئذ يمكن التصدي لنقضها، أما محاولة نقضها مباشرة ومن دون هذه التهيئة فإنه يعني الفشل الذريع، وما دامت راسخة ومتأصلة وقد جبل الإنسان على احترام ما هو مألوف ومورث عنده والتعبد به فسيكون هؤلاء المتعبدون كلهم ضد اية محاولة لتغيير هذه الظاهرة الاجتماعية.

فعندما بُعث الرسول (’) بالنبوة لم يتعرض للأصنام مباشرة بل كان يعبد الله تعالى هو (’) وعلي (×) وخديجة (÷) بمرأى ومسمع من قريش من دون أن تتعرض له بسوء، لكنه (’) فتح الباب للعديد من التساؤلات: ماذا يفعل هؤلاء الثلاثة ولمن يعبدون ولماذا تركوا طريقة قومهم وما هذه الشجاعة والإيمان الراسخ في قلوبهم الذي يجعلهم يقفون بكل اطمئنان مقابل الجميع . . .  هذه التساؤلات أدت إلى إسلام جماعة - راجع قصة عبد الله بن مسعود في كتب السيرة - ولم تعارضه قريش لأنه لم يستفزها ولم يُثر حفيظتها فيما لو تعرض للأصنام مباشرة.

4-               الاهتمام وإلفات نظر الأمة إلى المرتكزات الأساسيـة لكيـان

الأمة الذي لا يحفظ إلا بها خصوصاً تلك التي يعلم إعراض الأمة عنها وإهمالها لأمرها من بعده (’) فشدد عليها كثيراً، مثلا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإمامة والولاية للمؤمنين ومشاققة الكافرين ومودة ذوي القربى والاعتصام بالقرآن والعترة والمواظبة على المساجد والجماعات والجمعات، وما أن غاب شخصه (’) حتى أهملت الأمة هذه الأسس الرصينة لحفظ كيانها فبدأ العد السريع للانحراف فأي عودة للصلاح والإصلاح لابد لتحقيقها من إعادة دور هذه الأمور في حياة الأمة إلى بحوث مستقلة بإذن الله تعالى.

5-               التسلية وتطييب الخاطر والتخفيف عن المصاعب والأتعاب التي تواجه الشخص الذي يسعى إلى إصلاح المجتمع وهدايته أو ما سميناه بحامل القرآن كرسالة إصلاح، قال تعالى: [المص، كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ](الأعراف: 1-2)، و[فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ] (هود: 12)،[وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل: 127 - 128)،[لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فإن ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] (آل عمران: 186)،  وأرقّ تعبير وألطفه  قوله تعالى: [وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا] (الطور:48)، عين الرعاية واللطف والرحمة والحراسة والتوجيه والبصيرة وغيرها.

وتجد سوراً كاملة نزلت لهذا الغرض كسورة يوسف التي تحس إنها نزلت في الفترة العصبية التي عاشها رسول الله (’) في مكة قبل الهجرة حيث فقد الناصر بموت أبي طالب وخديجة (‘) ويأس عمليا من إسلام قريش وحاول ان يجد مأوى آخر غير مكة كالطائف فلم يفلح فضاقت الدنيا بالمؤمنين، وفي ذلك الحين نزلت عليهم سورة يوسف تقص عليهم كيف تآمر الأخوة على أخيهم الصغير ورموه في الجب وهو يعني الموت بحسب الأسباب الطبيعة، لكن الله تعالى يرسل قافلة تستنقذه ويباع إلى بيت ملك مصر ثم يقع في محنة امرأة العزيز وباقي النساء فيسجن سنين لكن الله تعالى ينقذه من السجن ويعلمه تأويل الأحاديث، فنال ببركة ذلك موقع أمين خزائن مصر، ثم أصبح ملكا عليها بعد أن ملك قلوب الناس بأخلاقه وحسن تدبيره. وهنا يأتي أولئك الإخوة المتآمرون ذليلين بين يديه فيعفو عنهم بنفسه الكبيرة وقلبه الرحيم ويقول لهم: [لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] (يوسف: 92)، ويجمع الله شمله مع أبيه وأخيه. واستعار رسول الله (’) نفس الكلمة حين فعلت قريش نفس الفعل حتى نصره الله عليهم ومكنه من رقابهم في عقر دارهم مكة فأعاد عليهم كلمة أخيه الكريم يوسف (×) وقال (’): (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء) بعد أن استنطقهم: ما تروني فاعلاً بكم، قالوا (أخ كريم وابن عم كريم)([4])، وهذا إقرار منهم بسمو ذاته (’) .

6-               الحث على طلب العلم والتعلم والتفقه بكل ما يقرب إلى الله سبحانه ويزيد من المعرفة به، وقيل أن في القرآن أكثر من خمسمائة آية تحث على العلم والتفكر وتثني على العلماء وتذمّ الجهل والجهلاء وتصف عاقبتهم، حتى جعل القرآن صفة الفقه والعلم والمعرفة بالله تبارك وتعالى سببا لمضاعفة قوة المؤمنين على أعدائهم عشرة أضعاف بحسب التعليل المستفاد من ذيل الآية الشريفة، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ] (الأنفال: 65) بينما جعل الصبر الذي هو من الأسباب المهمة للنصر بمثابة زيادة القوة ضعفاً واحداً فقط: قال تعالى: [الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فإن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ

أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ](الأنفال: 66).

        

من فقه المواجهة مع الكفار والطواغيت:

               وهذا الفقه شامل لكل نواحي الحياة، فماذا ضخ القرآن من أفكار تندرج في ما يمكن تسميته فقه المواجهة مع الكفار؟ قال تعالى: [وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيماً] (النساء: 104)، فلماذا الفرار من لقائهم ما دامت الأضرار تحل بالطرفين؟ والفرق أنكم ترجون ما عند الله في الآخرة فلا خسارة، بينما هم لا يرجون ما عند الله شيئاً إلا العذاب الأليم.

            وقوله تعالى: [وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ] (الحشر: 2).

                وقوله تعالى: [مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] (التوبة: 120 - 121) فلماذا التقاعس والتقصير في تقديم ما تقتضيه طاعة الله تبارك وتعالى من جهد ومال ولماذا سوء الظن بالله تعالى هذا الذي يعتري الناس حين يطلب منهم دفع ما بذمتهم من حقـــــوق شرعيــة كالخمــــس

والزكاة ونحوهما؟

               ومنها قوله تعالى:[ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ] (يونس: 103).

               ومنها هذه الآيات المباركة من سورة محمد، وإذا استطعت أن تنتقل بروحك وفكرك وقلبك إلى تلك الفترة الزمنية السعيدة من حياة البشرية وتتصور أنك ضمن الجماعة المؤمنة المحيطة برسول الله (’) التي واكبته من الزمان الصعب أول الرسالة عندما كانوا قلة مستضعفين تسومهم قريش سوء العذاب حتى هذه الفترة التي دب فيها العجز واليأس لدى المشركين بعد وقعة الأحزاب حيث أصبح زمام المبادرة بيد رسول الله (’) وتوالت انتصاراتهم من فتح الحديبية إلى فتح خيبر وفتح مكة والطائف ثم اليمن والجزيرة كلها، فتصور انك هناك وينزل عليك هذا الخطاب القرآني العظيم ومن لدن ربك ومدبر أمورك وخالق السموات والأرض يتحدث إليك مباشرة ليقول لك: [بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] [الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ، فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ([5])، إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ، وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ، أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ] (محمد:1-14)،[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (النور: 55).

          وهو أثناء ذلك يحذر من محاولات المنافقين الذين يخذلون المؤمنين عن مواجهة الأعداء ويسخرون من ضعف إمكانياتهم متغافلين عن سر قوة المؤمنين وهي اتصالهم بالله تبارك وتعالى، فاسمعه سبحانه يقول: [إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فإن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](الأنفال: 49).

          وتندرج في هذا السياق - أعني فقه المواجهة مع الكفار - كل الوعود الإلهية بالنصر والغلبة ووراثة الأرض، وأن العاقبة لهم، وأن الله معهم، وتنزل الملائكة عليهم بالسكينة من ربهم، ورفع الخوف والحزن عنهم، وعقد صفقة الشراء معهم فيشتري منهم أنفسهم وأموالهم والثمن الجنة، وكذا مضاعفة القرض لله تبارك وتعالى والإنفاق في سبيله. ولا يسع هذا المختصر كل التفاصيل.

          والحقيقة الكبرى التي يثبتها القرآن الكريم بهذا الصدد أن النصر والهزيمة أمام العدو الخارجي - الكفار - إنما هي فرع النصر والهزيمة مع العدو داخل النفس الأمارة بالسوء وهو الشيطان، فتراه عندما يعد المؤمنين بخلافة الأرض ووراثتها ومن عليها فإنه يجعل الخطوة الأولى في ذلك إصلاح الذات وتطبيق المنهج الإلهي على النفس أولا، قال تعالى: [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ](القصص: 5 - 6)، فأولاً جعلهم أئمة وهو يعني تطهير ذواتهم وتنزيهها، ويؤكد أن لا قيمة للنصر على الكفار إذا لم يكن مقترناً بالنصر على الشيطان وإخلاص العمل لله سبحانه لأن العمل أن لم يكن ابتغاء مرضاة الله فهم والكفار على حد سواء وكلاهما أهل دنيا وما لهما في الآخرة من نصيب.

               فمثلاً في خضم هزيمة المسلمين في معركة أحد والخسارة الأليمة التي حلت بهم يخاطبهم سبحانه: [إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ]( آل عمران: 155) فهزيمتهم وإدبارهم كان بسبب ما اكتسبوا من السيئات، وبالمقابل يقول تعالى: [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ]( محمد: 7)، ونصر الله يكون بطاعته تبارك وتعالى وإلا فإنه غني عن العالمين، والآية المتقدمة [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ]، ومن هنا خاطب رسول الله (’) سرية مجاهدين عادت من القتال: (مرحبا بكم، قضيتم الجهاد الأصغر وبقي عليكم الجهاد الأكبر. قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس)([6]).

 

الكيان الصهيوني من الأعراض المرضية فعالجوا أصل المرض:

          فعندما يهتم المسلمون اليوم بأمر الدولة الصهيونية اللقيطة ويسعونَ إلى إزالتها، عليهم أن يلتفتوا إلى أن هذه الدولة ما هي إلا أحد الأعراض المرضية التي تظهر على جسد الأمة الإسلامية نتيجة وجود مرض كامن فيها هو الأصل والعلة لهذه الأعراض، والمرض هو ابتعاد المسلمين عن المنهج الإِلهي في حياتهم فلا ينبغي لهم الاهتمام بالأعراض المرضية والغفلة عن علة هذه الأعراض، ويكون مثلهم كما يجري في ساحة مصارعة الثيران - على تشبيه احد المفكرين([7]) - فالثور الهائج يركز كل همه وعدائه وغضبه وقوته على الخرقة الحمراء ويغفل عن المصارع الحامل لها، فراح هذا المصارع يغرز في عنقه الخناجر التي تصيب مقتله وهو غافل عنه حتى يموت ويفنى. فلا يكون حالنا كحال ذلك الثور؟! وأنت ترى أن الأمة تقترب من النصر على أعدائها كلما اقتربت من النصر على أنفسها وبمقدار ما تعود وترجع إلى الله تبارك وتعالى.

 

فائدة تكرار القصص في القرآن:

7-               تكرار واستمرار جرعات العلاج وعدم الاكتفاء بعرض العلاج لمرة واحدة عند التصدي لتصحيح حالة منحرفة أو سد نقص أو علاج خلل موجود في فكر الأمة أو عقيدتها أو سلوكها، فمثلاً تجد قصص بعض الأنبياء قد تكررت أكثر من عشر مرات وكل طرح له ذوقه وأثره ودوره في تحقيق الغرض ويترك انطباعا غير الذي يتركه الآخر وان كان الجميع بنفس المضمون.

فعندما نريد أن تناول قضية تبرّج المرأة أمام الرجل وخلاعتها ونصب نفسها شيطاناً يصد عن ذكر الله تعالى وطاعته لتجسيد قول إبليس عملياً: [لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] (الأعراف: 16 - 17)، وهذه الفاسقات يستعملنَ شتى الأساليب لغواية الرجال وإيقاعهم في المعصية من السفور المتبرج في الشارع إلى الحركات المتميعة في الجامعات إلى إبداء مفاتن الجسد إلى الرياضة إلى المشاهد الخليعة في الفن.

فعندما نريد أن نتصدى لمواجهة هذا الداء الفتاك في المجتمع فيمكن معالجته في كتاب عن الظواهر الاجتماعية المنحرفة وكتاب عن قضايا المرأة وكتاب عن اثر الرياضة والفن في تدمير أخلاقيات المجتمع وكتاب عن مشاكل طلبة الجامعات وهمومهم وتطلعاتهم وكتاب بنفس المضامين عن الشباب وكتاب عن فقه العائلة ويتضمن الروابط الأسرية والاجتماعية وفق تعاليم الشريعة وهكذا لان هذه المشكلة الخطيرة تدخل في جميع هذه المحاور، وتناولها في كل المحاور يعطيها صورة ونمطا غير الذي يعطى عند عرضها في محور آخر، ولا اقل من ازدياد عدد الشرائح التي تخاطبها هذه الكتب وبالنتيجة تكون الصورة متكاملة عندما تُتناول من جميع الاتجاهات([8]).

8-               سلوك مختلف الطرق لهداية الإنسان ولما كان له عوالم ثلاثة هي النفس والعقل والقلب فتجده قد سخرها جميعا ووظفها لاستمالة البشر إلى طاعة الله تبارك وتعالى  وقـد شــرحت

ذلك بشيء من التفصيل في دروس (فلنرجع إلى القرآن).

وتجده كثيراً ما يستنطق الفطرة ويستثيرها وقد وصف علة إنزال القرآن في بعض الأحاديث أنه: (ليستثير كوامن فطرتهم) فإن الوجدان أوضح دليل وأصدقه لا يناقش فيه أحد، فاستمع إليه تعالى وهو يخاطب الفطرة في إثبات الصانع: [أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ]،[أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ]،[أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ]،[أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ](الواقعة: 58 - 72)، أو يقول تعالى وهو في مقام عتاب الإنسان العاصي: [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن: 60)، وأنت  ترفل في نعم الله تبارك وتعالى: [وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا] (إبراهيم: 34).

 

كيف السبيل إلـى إعادة تفعيل دور القرآن؟

وأعود الآن إلى التساؤل الذي طرحناه وهو كيف السبيل إلى إعادة القرآن إلى الحياة والاستفادة منه، ويتحمل مسؤولية ذلك طرفان: المجتمع والحوزة الشريفة التي هي عنوان ورمز وعي الأمة وفكرها ومستواها الديني فقد قلنا إن أهم وظيفة تقوم بها الحوزة في المجتمع هي طرح مفاهيم القرآن ورؤاه وتصوراته وأخلاقه وعقائده - التي أشرنا إلى بعضها - إلى المجتمع بالفهم الصحيح النقي كما يريده القرآن وبالشكل المناسب ليكون دوره فاعلا في حياة الأمة ويكون ذلك بعدة قنوات كالمنبر الحسيني والمحاضرات والندوات وخطب الجمعة والجماعة والكتب والمجلات والنشرات ونحوها.

ولكن قبل ذلك يجب إعادة القرآن إلى مناهج الدراسة الحوزوية ويتم ذلك على مستويين:

الأول: الدراسات الأولية أي مستوى المقدمات والسطوح الابتدائية فيعطون المناهج التالية([9]):

1-               حفظ وتلاوة القرآن الكريم وضبطه بالشكل وفق قواعد اللغة العربية وإتقان قواعد تجويده ضمن الإطار الشرعي.

2-               تفسير إجمالي للألفاظ ولو على نحو شرح المفردات كما في تفسير شبر ونحوه،ليأخذ الطالب أفكاراً عامة عن معاني القرآن.

3-               دراسة علوم القرآن، وأفضل كتاب في ذلك (البيان) أو مقدمة كتاب آلاء الرحمن المطبوعة في أول تفسير شبر.

4-               إقامة المسابقات في العلوم المختلفة عن القرآن وتخصيص جوائز للفائزين والمتفوقين.

الثاني: الدراسات العالية ويكون على شكل عدة خطوات:

1-               فتح باب التخصص في الدراسات القرآنية، وأفضل وقت له هو بعد إكمال السطوح العالية حيث يعد الطالب المتخصص منهجاً خاصاً به ويمكن أن يسُتفاد من بعض الكتب الموجودة بعد أن يجرى اختبار معين لاكتشاف أهلية الطالب الذي يريد التخصص في هذا المجال ويفرغ لهذه الدراسة مع توفير المصادر ذات الصلة ليكون مدرساً أو مفسراً أو باحثاً قرآنياً.

2-               دراسة تفسير القرآن بشكل معمق أما كل القرآن أو آيات ومقاطع منتقاة منه تخدم هدفا معينا، ويمكن ان يتخذ احد التفاسير متناً يتولى المدرس شرحه والتعليق عليه وإضافة ما يمكن إضافته من المعلومات النافعة المستفادة من التفاسير والمصادر الأخرى، وفي رأيي القاصر إن من المصادر المفضلة هما الميزان وفي ظلال القرآن لأن لكل منهما اتجاهاً خاصاً في التفسير غير الآخر يعلمه من نهل من معارفهما.

3-               وضع مناهج للدروس في مفاهيم القرآن وتصوراته ونظرياته وأطروحاته وفلسفته في الكون والحياة بعد أن يكون الطالب قد أخذ تفسيراً اجمالياً لألفاظ القرآن في دراسته السابقة، وتحصل هذه الأمور بدراسة آيات القرآن دراسة موضوعية وليس بالطريقة التجزيئية المتعارفة وإن كانت هذه الطريقة هي الأساس لتلك، وقد قارنت بين المنهجين في كتابي المخطوط (مدخل إلى تفسير القرآن) الذي يعد هذا البحث مقدمة له.

ويركز على المواضيع العلمية أي التي لها واقع معاش سواء علـــى صعيـــد

 العقائد أو الأخلاق أو الفكر، فتتناول مثلاً: التقوى، الصبر، الفقه، التوحيد، الإمامة، الولاية، الشيطان، المعاد، المجتمع المسلم مقومات بنائه وعوامل انهياره، الرجاء والأمل، الموعظة والعبرة، سنن الله في الأمم والمجتمعات، وهكذا، وعندئذ ستتغير الكثير من أفكارنا لأن المعاني المتداولة الآن للألفاظ القرآنية لا تنطبق بالضبط على الفهم القرآني لها بحسب استقراء موردها في القرآن بسبب ما تراكم من غبار التأويلات والتفسير بالرأي وتحكيم الأهواء والتعصبات وحملات المغرضين وغيرها.

 

الفقه والفقيه في المصطلح القرآني:

وقد عرضنا قبل قليل مفهوم الجاهلية في المصطلح القرآني وصفات وخصائص المجتمع الجاهلي والبدائل الإلهية التي يقدمها القرآن وهكذا كنموذج لمفهوم اجتماعي.

وأقدم الآن الفهم القرآني للفظ حوزوي وهو (الفقه) كمثال آخر، فالفقه يتداول عندنا على انه العلم بالأحكام الشرعية رغم أنه في المصطلح القرآني بمعنى المعرفة بالله تبارك وتعالى ولا ملازمة بينهما كما هو واضح بل النسبة بينهما العموم من وجه.

ففي الآية الشريفة: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] ([269]) ونحن نعلم ان الحذر والتقوى لا ينشآن من المعرفة بالأحكام الشرعية بل للحذر مناشئه الروحية والنفسية والعقلية وبعد حصول التقوى والمعرفة في القلب يندفع إلى تعلم الأحكام الشرعية وتطبيقها وتستطيع أن تجرب ذلك بنفسك فاقرأ كتب الفقه وتعمق فيها من أولها إلى آخرها هل تراها غذت قلبك بشيء أو زادت فيه الحذر والتقوى؟ وكم رأينا فقيها بالمعنى الاصطلاحي وهو مكب على الدنيا وبعيد كل البعد عن الله تبارك وتعالى.

والقرآن يقص علينا خبر مثل هذا الفقيه: [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] (الأعراف: 175 - 176).

ومن الشواهد على أن معنى الفقه هو المعرفة بالله تعالى جعل محله القلب في الآيات الشريفة وهو محل المعرفة الحقيقية بالله تعالى، بينما الأحكام الشرعية محلها العقل، قال تعالى: [رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ] (التوبة: 87)، وقال تعالى: [لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا] (الأعراف: 179).

لذا جعلت الآية هذا الفقه أي المعرفة الراسخة بالله والمبدأ والمعاد سببا لمضاعفة القوة عشرة اضعاف. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ] (الأنفال: 65).

ويؤكد هذا المعنى ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (’) قال: (ألا أخبركم بالفقيه حقاً؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يرخص في معاصي الله ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه)([10]) هذا في كتاب الوسائل. وللحديث بقية في مصدر آخر([11]) كالتالي: (فإنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا أيها الناس إن أقربكم من الله تعالى مجلساً أشدكم له خوفاً، وإن أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند الله نصيباً أعظمكم فيما عنده رغبة، ثم يقول عز وجل: لا أجمع لكم اليوم خزي الدنيا وخزي الآخرة، فيأمر لهم بكراسي فيجلسون عليها، وأقبل عليهم الجبار بوجهه وهو راض عنهم وقد أحسن ثوابهم).

فترى أن صفات الفقيه كل ما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وفي حديث عن أمير المؤمنين (^) قال: (كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً كتبوا ثلاثاً ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همته كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله فيما بينه وبين الناس)([12]).

وفي حديث عن أبي الحسن (×): (من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحكمة وإن الصمت يكسب المحبة وإنـــه

دليل على كل خير)([13]).

ويمكن استفادة هذا المعنى بالجمع بين حديثين ففي الخصال عن رسول الله (’): (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي: الأمراء والفقهاء)([14]) وفي الوسائل عن الأمالي. بدل العلماء القراء فإذا ضممنا إليه الحديث الآتي في صفة القراء نحصل على المعنى المذكور.

فبين الفقيه بالمصطلح القرآني والفقيه بالمعنى الحوزوي عموم من وجه إذ قد يكون فقيها بالمعنى القرآني وهو ليس كذلك بالمعنى الحوزوي إذ يوجد الكثير من أولياء الله العارفين ولهم الكرامات المشهودة مع أنهم لم يبلغوا درجة عالية في العلوم الحوزوية وقد يكون العكس فتجد شخصاً امتلأ ذهنه بالنظريات والأفكار الأصولية والعقلية والمسائل الفقهية بحيث تجده ملماً حتى بدقائق المسائل لكن قلبه غير معمور بذكر الله تعالى ولو سألته عن أبسط مسألة في تهذيب النفس والسلوك الصالح إلى الله تبارك وتعالى وتصفية الباطن وتطهير القلب لبقي متحيراً، فمثل هذا ليس فقيها بالمعنى القرآني، والكامل هو من جمع المعنيين كما هو شأن علمائنا المقدسين الذين بلغوا مقاماً عالياً في الفقه والأصول وشامخا في العرفان،وهم المقصودون في الحديث الشريف: (الفقهاء أمناء الرسل)([15]) ، وبمثل هذا المنظار القرآني يجب أن نفهم الأحاديث الشريفـــة لئــــلا

تضيع علينا معانيه السامية.

 

مسؤولية الحوزة عن تفعيل دور القرآن:

وإني هنا أذكر حديثاً واحداً فقط يبين مسؤولية الحوزة الشريفة عن توعية المجتمع وهدايته وإصلاحه فقد روي أن رسول الله (’) (خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم، ثم قال: ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون؟ والذي نفسي بيده ليعلمن جيرانهم أو ليتفقهن أو ليتفطنن أو لأعاجلهم بالعقوبة في دار الدنيا، ثم نزل ودخل بيته،فقال أصحاب رسول الله (’): من يعني بها الكلام؟ قالوا: ما نعلم يعني بهذا الكلام إلا الأشعريين فقهاء علماء ولهم جيران جفاة جهلة.

فاجتمع جماعة من الأشعريين فدخلوا على النبي (’) فقالوا: ذكرت طوائف من المسلمين بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال رسول الله (’) لتعلمن جيرانكم ولتفقهنم ولتأمرنهم ولتنهنّهم أو لأعاجلنكم بالعقوبة في دار الدنيا، فقالوا: يا رسول الله فأمهلنا سنة ففي سنة ما نعلمهم ويتعلمون فأمهلهم سنة ثم قرأ رسول الله (’): [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ] )([16]).

هذه هي بعض المقترحات التي أقدمها بين يدي الحوزة الشريفة في هـــذا

المجال والوظيفة المشتركة للجميع هي المواظبة على تلاوة القرآن والاستفادة منه آناء الليل وأطراف النهار وستعرف الكثير عن هذا من خلال الأحاديث الشريفة الآتية.

وهذه الوظيفة للحوزة لا تخصهم وإنما خاطبناهم بها لوجوبها عليهم أكثر من غيرهم، وإلا فالمجتمع كله مسؤول عن اتباع هذه الخطوات بحسب ما يناسب كل فرد،فذوو المعرفة القليلة يبدأون بقراءة التفاسير المبسطة كتفسير شبر.

وإني أنصح كل مسلم - وهو ما جربته أنا - أن يبدأ حياته مع القرآن بأن يتلوه في مصحف وعلى هامش كل صفحة تفسيرها مختصراً كتفسير شبّر؛ ليتسنى له فهم مفردات الآيات خلال تلاوتها، ويستمر على هذا الحال عدة ختمات إلى أن يمتلك معرفة إجمالية بالقرآن، ثم يعود إلى نسخة المصحف يتلو فيها مع تطوير قابليته بقراءة كتب التفسير المتقدمة كالميزان وفي ظلال القرآن ويقرأ الكتب التي شرحت مفاهيم القرآن أو تناولت القرآن بحسب الموضوعات، حيث يتخذ احدها عنوانا للبحث ثم يستقرئ القرآن فتجتمع كل الآيات المتعلقة بذلك العنوان ثم يستنتج من المجموع تصور القرآن ونظريته - وأنا هنا استعير هذه المصطلحات الفكرية لأجل استئناس الأذهان بها مع بعض التحفظات - لهذا الموضوع الذي يفترض فيه أن يعالج مشكلة واقعية يعيشها المجتمع سواء كانت عقائدية أو أخلاقية أو فكرية أو غيرها.

وقد يكون من الأفضل متابعة ذلك مع بعض فضلاء الحوزة الشريفة ليوجهوهم ويجيبوا عن تساؤلاتهم ويرشدوهم لما ينفعهم فإن المجتمع والحوزة احدهما يكمل الآخر، فالحوزة توجه المجتمع والمجتمع يضغط على الحوزة لتكون بمستوى المسؤولية وبمستوى حاجة الأمة وطموحاتها ومواكبة للزمان الذي تعيشه وعندئذ ستنفرز العناصر الكفوءة من الحوزة عن غيرها وستعرف الأمة من هو الأصلح لها.

إن القرآن لا يفهم حق فهمه إلا عندما يحمله الإنسان كرسالة يصلح بها نفسه والذين من حوله ويواجه بها الخطأ والانحراف الذي يضرب بأطنابه على البشرية، عندئذ يعيش في مثل الأجواء التي نزل فيها وعندئذ تنفتح له أسراره، ولا تكفي قراءته لمجرد التبرك وإن كان في ذلك فضل لا ينكر.

ومن الضروري أن تتناول إحدى الدراسات القرآن بحسب تأريخ نزول آياته وإن كان الإلمام بذلك تفصيلاً أمراً متعسَّراً لعدم وجود دليل قطعي عليه إلا أنه يمكن اقتناص بعض موارده ويستفاد من هذا البحث فوائد كثيرة في مجال معرفة خطوات القرآن في إصلاح المجتمع باعتباره نزل تدريجياً بحسب الوقائع والحوادث.

إن هذا التنزيل المتدرج للقرآن بدلاً من النزول دفعة واحدة له وقعه المباشر وتأثيره الفعال في الحالات التي عالجها، قال تعالى: [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً] (الإسراء: 106)، وما دام هو كتاب تربية وهداية وإحياء فلا بد أن يكون تدريجياً وبلطف فيصف العلاج المناسب في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة لا أقل ولا أكثر ولا قبل الموعد ولا بعده، وهكذا أخذ القرآن بيد هذه الأمة برفق لتجد نفسها بعد عقدين من الزمان فـي قمة

السمو والكمال والرفعة والعزة والمنعة.

 

بعض الآداب والمستحبات المتعلقة بتلاوة القرآن:

وأود هنا أن أذكر بعض الآداب والسنن والمستحبات المتعلقة بقراءة القرآن والمستفادة من الروايات الشريفة:

1-               يستحب ختم القرآن في الشهر مرة، وأن لا تزيد عن أربعة أشهر أي يختمه في السنة ثلاث مرات غير الزيادات التي ينبغي إضافتها في شهر رمضان المبارك.

2-               أن تكون قراءته على نحو الختمة أي يبدأ من أول القرآن إلى آخره، وليس قراءة سور متفرقة اشتهر فضلها بين الناس مهما كانت أهميتها، ليمر على القرآن كله وينال كل بركاته وهو المعبر عنه في الحديث الشريف الآتي: (الحالِّ المرتحل)([17]).

3-               أن يصادف الختم يوم الجمعة وأن يقرأ عند ختم القرآن الدعاء المختص به وهو موجود في الصحيفة السجادية.

4-               عندما يختم القرآن لا يقف عند نهايته بل يصله مباشرة بافتتاح ختمه جديدة ولو بأن يبدأ بسورة الفاتحة وأول خمس آيات من سورة البقرة.

5-               أن يكون على طهارة وفي مصلاه مستقبلاًً القبلة.

6-               ورد في تفسير قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ] (آل عمران: 200)، إن من المرابطين من يثبت على مصلاه ينتظر حلول وقت الفريضة، فلتحصيل فضل المرابطين يستغل المؤمن هذه الحالة وهي فترة انتظار وقت الصلاة لتلاوة القرآن ويكون الأجر أعظم لو كان ذلك في المسجد منتظراً صلاة الجماعة.

7-               وورد استحباب النوم على طهارة وقراءة القرآن قبل أن يأوي المؤمن إلى فراشه وفي حديث إنه: (من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ومن توضأ ولم يصل ركعتين فقد جفاني ومن صلى ركعتين ولم يدعني فقد جفاني ومن دعاني ولم أجبه فقد جفوته ولست بربٍ جاف)([18])، وإذا أضيف لها الاستحباب المؤكد لصلاة الليل، واستحباب التخلي قبل النوم، واستحباب السواك، خرجنا من ضم المجموع بوُردٍ مهم وهو أن المؤمن قبل أن يأوي إلى فراشه يتخلى وينظف أسنانه ثم يتوضأ ويصلي صلاة الليل، إما كلها أو بعضها، ويؤد البعض الآخر إلى ما قبل طلوع الفجر ثم يقرأ مقداراً من القرآن الكريم ويدعو الله سبحانه له وللمؤمنين فإنه سيجمع كل هذه المستحبات. أما الإنسان الذي يسهر الليل على البرامج والأفلام الفاسدة التي تتعب أعصابه وترهقــه فيعيـش فـــي

معاناة ونكد.

8-               أن تكون تلاوته للقرآن خصوصاً للمبتدئين في تفسير شبر الذي يتضمن أكثر من فائدة ففيه نسخة من المصحف الشريف وفيه تفسير إجمالي لمعاني القرآن، وهو ما قلناه أنه ضمن مناهج الدراسات الأولية للقرآن، وفيه مقدمة في علوم القرآن وهو درس آخر، وفيه ملحق بفهرس الألفاظ القرآنية بحيث أن أي آية تريد معرفة موضعها تستخرج من هذا الدليل وموضع أي كلمة منها، وفيه القراءات المتعددة للكلمة الواحدة إن وجدت في هامشه، وفيه ترتيب نزول السور ففي عنوان كل سورة يقول أنها نزلت بعد كذا سورة،كل هذه الفوائد في هذا الكتاب الجليل.

9-               أن يبدأ بإهداء الختمة الأولى لرسول الله (’) ثم الثانية لأمير المؤمنين (×) وهكذا لجميع المعصومين الأربعة عشر (^)، فقد وردت فيه رواية شريفة وهم أكرم الخلق فسيردون الهدية بما يليق بكرمهم يوم القيامة.

10-         رفع الصوت بالقرآن عند التلاوة، وان يكون حزينا وان يتدبر معانيه ولا يكن همّ أحدكم نهاية السورة، كما في الحديث.

11-         استحباب القراءة في المصحف حتى لو كان حافظاً لما يقرأ، ويستحب أن يكون لكل فرد من أفراد العائلة نسخة من المصحف الشريف خاصة به يضع فيه علامة.

12-         الإنصات إلى القرآن وتدبر ما يسمع في أية فرصة تسنح للاستماع.

أسأل الله تعالى أن يحيينا حياة القرآن وينيلنا شفاعته ويجعلنا ممن يهتدي بهداه ويستضيء بنور علمه إنه ولي النعم وهو اللطيف بعباده ومن لطفه بنا أن هدانا إلى دينه القويم وأتحفنا بكتابه الكريم ونبيه العظيم وأهل بيته الميامين الغرر. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله.

 

 

الأربعون حديثاً في فضل القرآن وآثاره وآداب تلاوته:

وسأكتفي هنا بذكر نصوص الأحاديث مع جعل عنوان مناسب لمضمونها، وتصنف الأحاديث بحسب المضامين، أما شرحها وبيان ما فيها من نكات فيمكن أن يكون له محل آخر، وسوف لا أتحدد بالعدد أربعين لأن الأخبار التي حثت على حفظ أربعين حديثاً لا نفهم منها أنها بشرط لا عن الزيادة فالزيادة خير إذن.

1-               ضرورة تعلّمه:

عن أبي عبد الله (×)  قال: (ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلم القرآن أو أن يكون في تعليمه)([19]).

وعن رسول الله (’) قال: (لا يعذب الله قلباً وعى القرآن)(2).

وعنه (’) قال: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه)(3).

وعنه (’) قال: (حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنة يوم القيامة)(4).

وعنه (’) قال: (القرآن غنىً لا غنى دونه ولا فقر بعده)(5).

وعنه (’) قال: (إذا قال المعلم للصبي: بسم الله الرحمن الرحيم فقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم)(6).

وعن أبي عبد الله (×) قال: (الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة)([20]).

2-               تعلم القرآن أعظم نعمة:

عن النبي (’) أنه قال: (من قرأ القرآن فظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد حقّر ما عظّم الله، وعظّم ما حقّر الله)([21]).

3-               القرآن شافع مشفَّع وخصم مصدق:

 عن الرسول (’) أنه قال في حديث: (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفّع وماحِلٌ مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان تحصيل - إلى أن قال- لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه،مصابيح الهدى ومنار الحكمة)([22]).

4-               صفة قارئي القرآن:

عن أبي عبد الله (×) أنه قال: (ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو ويسأله العافية من النار ومن العذاب)(4).

وعن رسول الله (’): (إني لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن)(5)، ومن خطبة أمير المؤمنين (×)  في وصف المتقين قال: (أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء الكتاب يرتلونه ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به تهيج أحزانهم، بكاء على ذنوبهم، ووجع كلوم جراحهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم، وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت أنفسهم إليها شوقاً، وطنوا أنها نصب أعينهم)([23]).

5-               وجوب إكرام حملة القرآن وحرمة الاستخفاف بهم:

عن رسول الله (’) قال: (إن آهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإن لهم من الله العزيز الجبار لمكاناً)([24]).

6-               ثواب من يصعب عليه تعلم القرآن وحفظه:

عن الصادق (×) قال: (من شُدّد عليه القرآن كان له أجران ومن يسر عليه كان مع الأولين)([25]).

وعنه (×) قال: (إن الذي يعالج القرآن ويحفظه بمشقة منه وقلة حفظ له أجران)([26]).

7-               وجوب قراءة البسملة قبل السورة:

عن الصادق (×): (إذا أمّ الرجل القوم جاء شيطان إلى الشيطان الذي هو قرين الإمام فيقول: هل ذكر الله يعني هل قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال نعم هرب وإن قال لا ركب عنق الإمام ودلى رجليه في صدره فلم يزل الشيطان أمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم)([27]).

8-               استحباب قراءة القرآن عند زيارة القبور:

في (من لا يحضره الفقيه) عن الإمام الرضا (×): (ما عبد مؤمن زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرا ت إلا غفر الله له ولصاحب القبر)([28]).

وفي رواية أخرى: (أمن من الفزع الأكبر) وفي معناه روايات عديدة.

وفي أخرى استحباب إضافة سورة الفاتحة والمعوذتين والتوحيد وآية الكرسي كل منها ثلاث مرات، وورد في ثوابها: (إن الله يبعث إليه ملكاً يعبد الله عند قبره ويكتب له وللميت ثواب ما يعمل ذلك الملك فإذا بعثه الله من قبره لم يمر على هول إلا صرفه الله عنه بذلك الملك الموكل حتى يدخله الله به الجنة)([29]).

9-               فضل تعلم القرآن في الشباب وآثاره:

عن الصادق (×) قال: (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله من السفرة الكرام البررة، وكان القرآن عنه حجيزاً يوم القيامة، يقول: يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلغ به أكرم عطائك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، قال: فيعطى الأمن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له اقرأ آية فاصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول: نعم) ([30]).

10-         ضرورة تعليم الأولاد القرآن:

عن الرسول الله (’) في حديث إلى أن قال: (ويكسى أبواه - أي حامل القرآن - حلتين إن كانا مؤمنين ثم يقال لهما هذا لما علّمتماه القرآن)([31])([306]) وفي حديث عن أمير المؤمنين (×) قال: (إن الله ليهمّ بعذاب أهل الأرض جمعياً حتى لا يحاشي منهم أحد إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيّب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون القرآن رحمهــم فأخّــرَ

ذلك عنهم)([32]).

11-         أقسام قرّاء القرآن وصفة القارئ الحق:

عن أبي جعفر (×) قال: (قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدر به الملوك واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده([33]) وأقامه إقامة القدح، فلا كثّر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله واظمأ به نهاره وقام به في مساجده وتجافى به عنه فراشه، فبأولئك يدفع الله البلاء وبأولئك يديل الله من الأعداء وبأولئك ينزّل الله الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء في قراء القرآن اعز من الكبريت الأحمر)([34]).

وعن رسول الله (’) قال: (يا حامل القرآن تواضع به يرفعك الله، ولا تعزز به فيُذلك الله، يا حامل القرآن تزيّن به لله يزينك الله به، ولا تزين به للناس فيشينك الله به)(2).

12-         فهم القرآن مرتبة قريبة من النبوة:

عن رسول الله (’) من حديث قال: (من ختم القرآن فإنما أدرجت النبوة بين جنبيه ولكنه لا يوحى إليه)(3).

13-         الطريق الأكمل لقراءة القرآن أن تبدأ من أوله إلى آخره وليس بأن تقرأ سوراً متفرقة:

عن الزهري قال: (قلت لعلي بن الحسين (^): أي الأعمال أفضل؟ قال: (الحالّ المرتحل) قلت وما الحالّ المرتحل، قال (×) : فتح القرآن وختمه، كلما جاء بأوله ارتحل في آخره)(4) وفي النهاية سئل: أي الأعمال أفضل فقال: الحال المرتحل، فقيل: وما ذلك، قال: الخاتم المفتح هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله؛ شبّهه بالمسافر يبلغ بالمنزل فيحل فيه ثم يفتتح السير أي يبدأه وكذلك قراءة أهل مكة إذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أول سورة البقرة إلى قوله: [هُمُ الْمُفْلِحُونَ] ويقفون ويسمون فاعل ذلك الحال المرتحل أي أنه ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان.

وفي هذا المعنى حديث عن الإمام الصادق (×): (قيل يا ابن رسول الله أي الرجال خير قال (×): الحال المرتحل، قيل يا ابن رسول الله (’): وما الحال المرتحل؟ قال (×): الفاتح الخاتم الذي يقرأ القرآن ويختمه فله عند الله دعوة مستجابة)([35]).

14-         الوصية بكثرة قراءة القرآن:

وفي وصية النبي (’) لعلي (×) قال: (وعليك بتلاوة القرآن على كل حال)([36]).

15-         ثواب قراءة القرآن:

عن الصادق (×) في حديث قال: (عليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقـرأ وأرق

فكلما قرأ آية يرقي درجة)([37]).

وعن أبي جعفر (×) قال: قال رسول الله (’): (من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار والقنطار خمسة عشر ألف (خمسون ألف) مثقال من ذهب، المثقال أربعة وعشرون قيراطاً أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها ما بين السماء والأرض)([38]).

16-         ضرورة المحافظة على ما تعلم من القرآن ولا يتركه بحيث يؤدي الى نسيانه:

عن يعقوب الأحمر قال: (قلت لأبي عبد الله (×) إن عليّ ديناً كثيراً وقد دخلني ما كاد القرآن يتفلت مني، فقال أبو عبد الله (×): القرآن القرآن إن الآية من القرآن والسورة لتجيء يوم القيامة حتى تصعد ألف درجة - يعني في الجنة - فتقول: لو حفظتني لبلغت بك هاهنا)([39]).

أقول: مرّ عليك أن الحفظ المعنوي بمعنى مراعاة حدوده ومعانيه والالتزام بأوامره ونواهيه.

17-         استحباب التلاوة على وضوء:

عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (×) قال: (سألته أقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي وأعود إلى المصحف فأقرأ فيه؟ قال: لا حتى تتوضأ للصلاة)([40]).

وعنهم (×): (لقارئ القرآن بكل حرف يقرأ في الصلاة قائماً مائة حسنة وقاعداً خمسون حسنة ومتطهراً في غير صلاة خمسة وعشرون حسنة وغير متطهر عشر حسنات، أما إني لا أقول: المر، بل بالألف عشر وباللام عشر وبالميم عشر وبالراء عشر)([41]).

18-         استحباب الاستعاذة عند القراءة:

عن الحلبي عن أبي عبد الله (×) قال: (سألته عن التعوذ من الشيطان عند كل سورة يفتتحها، قال: نعم، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)([42]).

وعن أمير المؤمنين (×): (والاستعاذة هي ما قد أمر الله به عباده عند قراءتهم القرآن بقوله: [فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] ومن تأدب بأدب الله أدّاه إلى الفلاح الدائم)([43]).

19-          القرآن عهد الله فكم ينبغي للمسلم أن يقرأ منه يومياً:

عن أبي عبد الله (×) قال: (القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء  المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية)([44]).

أقول: وبحساب بسيط تستنتج أن اقل ما ينبغي للمؤمن أن يختم القرآن في السنة ثلاث مرات لأن عدد آيات القران أكثر من ستة آلاف فيختمه على هذا المعدل في (120) يوماً أي أربعة أشهر هذا بغض النظر عن مضاعفة الجهد في شهر رمضان .

20-         آيات القرآن خزائن فاستفد منها جميعاّ:

عن علي بن الحسين (×) قال: (آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها)([45]).

21-         استحباب قراءة القرآن في البيوت:

عن أبي عبد الله (×) قال: قال أمير المؤمنين: (البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عز وجل فيه تقل بركته وتهجره الملائكـة وتحضـره

 

الشياطين)([46]).

22-         الكسب وطلب الرزق لا يمنع من المواظبة على قراءة القرآن:

عن أبي عبد الله (×) قال: (ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات وتمحي عنه عشر سيئات)([47]).

23-         استحباب القراءة في المصحف حتى لو كان حافظاً لما يقرأ:

عن أبي عبد الله (×) قال: (من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره وخفف عن والديه وإن كانا كافرين)([48]).

وعن النبي (’) قال: (ليس شيء أشد على الشيطان من القراءة في المصحف نظراً)([49]).

وفي حديث آخر: (النظر إلى المصحف من غير قراءة عبادة)([50]).

أقول: وهذه اقل وظيفة يقوم بها من لا يحسن القراءة وإلا فعليه الاستماع.

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (×) قال: (قلت له: جعلت فداك إني أحفظ القرآن على ظهر قلبي فاقرأه على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف،قال فقال لي: بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أن النظر في المصحف عبادة)([51]).

24-         استحباب اقتناء نسخة من المصحف في البيت:

عن الصادق (×) قال: (إنه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد الله عز وجل به الشياطين)([52]).

25-         استحباب ترتيله وكراهة العجلة فيه:

عن عبد الله بن سليمان قال: سألت أبا عبد الله (×) عن قول الله عز وجل: [وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً] قال: (قال أمير المؤمنين (×): بيّنه تبياناً ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة)([53]).

وفي تفسير قوله تعالى: [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ] روي عن الصادق (×) أنه قال: (حق تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنة والنار، يسأل في الأولى ويستعيذ من الأخرى)([54]).

وفي حديث عن الإمام الصادق (×): (إن القرآن لا يُقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً وإذا مررت بآيـة فيها ذكـر الجنـة فقـف عندهـا وسـل الله الجنــة وإذا

مررت بآية  فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار)([55]).

26-         استحباب قراءته بالحزن كأنه يخاطب إنساناً وحرمة ما يفعل الصوفية من الغشية والصعقة:

عن الصادق (×) قال: (إن القرآن نزل بالحزن فاقرأه بالحزن)([56]).

وعن حفص قال: (ما رأيت أحداً أشد خوفاً على نفسه من موسى بن جعفر (×) ولا أرجى للناس منه وكانت قراءته حزناً فإذا قرأ كأنما يخاطب إنساناً)([57]).

وعن جابر عن أبي جعفر (×) قال: (قلت إن قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتى يرى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك، فقال: سبحان الله ذلك من الشيطان، ما بهذا نعتوا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل)([58]).

27-         استحباب رفع الصوت بالقرآن:

عن معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله (×): الرجل لا يرى أنه صنع شيئاً في الدعاء وفي القراءة حتى يرفع صوته، فقال: لا بأس، إنَّ علي بن الحسين (×) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان يرفع صوته حتى يسمعه أهل الدار وإن أبا جعفر (×) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان إذا قام من

الليل وقرأ رفع صوته فيمر به مار الطريق من الساقين وغيرهم فيقومون فيستمعــون

إلى قراءته)([59]).

28-         حرمة التغني بالقرآن:

عن أبي عبد الله (×) قال: (قال رسول الله (’): اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم)([60]).

29-         وجوب الإنصات لقراءة القرآن أخلاقياً واستحبابه شرعياً إلا في الصلاة:

عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (×) قال: (قلت له الرجل يقرأ القرآن أيجب على من سمعه الإنصات له والاستماع؟ قال: نعم إذا قرأ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع)([61]).

وفي حديث زرارة عن أبي جعفر (×) قال: (وإذا قرأ القرآن في الفريضة خلف الإمام فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)([62]).

30-         استحباب ختم القرآن في كل شهر مرة:

عن محمد بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله (×): اقرأ القرآن في ليلـة؟

فقال: (لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر)([63]).

31-         استحباب إهداء ثواب القراءة إلى المعصومين (^) لكي يضاعف الأجر:

عن علي بن المغيرة عن أبي الحسن (×): (قلت فإذا كان في يوم الفطر جعلتُ لرسول الله (’) ختمة([64]) ولعلي (×) أخرى ولفاطمة (÷) أخرى ثم الأئمة (^) حتى انتهيت إليك فصيرت لك واحدة منذ صرت في الحال، فأي شيء لي بذلك؟ قال: لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت: الله أكبر فلي بذلك؟ قال: نعم ثلاث مرات)([65]).

32-         استحباب البكاء أو التباكي عند سماع القرآن:

عن الصادق (×) قال: (إن رسول الله أتى شباباً من الأنصار فقال: إني أريد أقرأ عليكم فمن بكى فله الجنة فقرأ آخر سورة الزمر [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً] إلى آخر السورة فبكى القوم جميعاً إلا شاباً فقال: يا رسول الله قد تباكيت فما قطرت عيني فقال: إني معيد عليكم فمن تباكى فله الجنة فأعاد عليهم فبكى القوم وتباكى الفتى فدخلوا الجنة جميعاً)([66]).

33-         العلم كله في القرآن:

روي عن علي (×) أنه قيل له: (هل عندكم شيء من الوحي؟ قال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبداً فهماً في كتابه)([67]).

وعن إبراهيم بن العباس قال: (ما رأيت الرضا (×) سئل عن شيء قط إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن)([68]).

وفي نهج البلاغة: (ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه: ألا إنه فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم بينكم)([69]).

34-         القرآن شفاء من كل داء:

عن أبي عبد الله (×) قال: (لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان ذلك عجباً)([70]).

35-         القرآن فيه جلاء القلوب:

عن رسول الله (’) قال: (إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاءها قراءة القرآن)([71]).

36-         الإكثار من قراءته في شهر رمضان:

عن أبي جعفر (×) قال: (لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)([72]).

وعن علي بن حمزة قال: (دخلت علي أبي عبد الله (×) فقال له أبو بصير: جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا، ففي ليلتين؟ فقال: لا، فقال: ففي ثلاث؟ فقال: ها وأشار بيده ثم قال: يا أبا محمد إن لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور)([73]).

وفي خطبة النبي (’) في آخر جمعة من شعبان قال: (ومن تلا فيه - أي شهر رمضان - آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور)([74]).

37-         تلاوة القرآن حق تلاوته:

في تفسير قوله تعالى: [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ](البقرة: 121) قال الإمام الصادق (×): (يرتلون آياته ويتفقهون به ويعملون بأحكامه ويرجون وعده، ويخافون وعيده ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، ما هو والله حفظ آياته ودرس حروفه وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه. حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده وإنما هو تدبر آياته والعمــل بأحكامــه

قال تعالى:[كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ])([75]).

38-         القرآن لا يشبع منه العلماء:

عن رسول الله (’) قال من حديث في وصف القرآن: (هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا تلتبس منه الألسن ولا يخلق من  الرد ولا تنقضي عجائبه من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم)([76]).

39-         القرآن في نهج البلاغة:

 (وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص وإن العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم وهو عند الله ألوم)([77]).

40-         دعاء الإمام السجاد (×) عند ختم القرآن:

  اللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته وفضلته على كل حديث قصصته وفرقاناً فرقت بين حلالك وحرامك وقرآناً أعربت به عن شرايع أحكامك وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً ووحياً أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلاً وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه وعلم نجاة لا يضل من أمَّ قصد سنته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته، اللهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته، وسهلت حواسي ألسنتنا بحسن عبارته، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه وموضحات بيّناته، اللهم إنك أنزلته على نبيك محمد ’ مجملاً، وألهمته علم عجائبه مكملاً وورثتنا علمه مفسراً وفضلتنا على من جهل علمه، وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله، اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة وعرفتنا برحمتك شرفه وفضله، فصل على محمد الخطيب به، وعلى آله الخزّان له، واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك، حتى لا يعارضنا الشك في تصديقه، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه، اللهم صلّ على محمد وآله واجعلنا ممن يعتصم بحبله، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله، ويسكن في ظل جناحه، ويهتدي بضوء صباحه، ويقتدي بتبلج أسفاره، ويستصبح بمصباحه ولا يلتمس الهدى في غيره، اللهم وكما نصبت به محمداً عَلَماً للدلالة عليك وأنهجت بآله سُبل الرضا إليك، فصلّ على محمد وآله، واجعل القرآن وسيلة لنا إلى اشرف منازل الكرامة، وسُلّماً نعرج فيه إلى محل السلامة وسبباً نجزي به النجاة في عرصة القيامة، وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة، اللهم صل على محمد وآله، واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار، وهب لنا حسن شمائل الإبرار، واقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل وأطراف النهار، حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره، وتقفوا بنا آثار الذين استضاؤوا بنوره، ولم يلْههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره، اللهم صل على محمد وآله، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً، ومن نزعات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً، ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشراً، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه، وزواجرَ أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله، اللهم صل على محمد وآله وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا واغسل به درن قلوبنا، وعلائق أوزارنا، واجمع به منتشر أمورنا وارو به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا، اللهم صل على محمد وآله، واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق، وسق به ألينا رغد العيش خصب سعة الأرزاق وجنبنا به الضرائب المذمومة، ومداني الأخلاق، واعصمنا به من هوة الكفر ودواعي النفاق، حتى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائداً، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدي حدودك ذائداً، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهداً، اللهم صل على محمد وآله، وهوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق وجهد الأنين، وترادف الحشارج، إذا بلغت النفوس التراقي[وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ]، وتجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق، وداف لها من دعاف مرارة الموت كأساً مسمومة المذاق، ودنا منا إلى الآخرة رحيل وانطلاق، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق، اللهم صل على محمد وآله، وبارك لنا في حلول دار البلى، وطول المقامة بين أطباق الثرى، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا، ولا تفضحنا في حاضر القيامة بموبقات آثامنا، وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذلّ مقامنا، وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا، ونجنا به من كل كرب يوم القيامة، وشدائد أهوال يوم الطامة وبيّض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة، واجعل لنا في صدور المؤمنين وداً، ولا تجعل الحياة علينا نكداً، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما بلغ رسالتك، وصدع بأمرك ونصح لعبادك اللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين منك مجلساً، وأمكنهم منك شفاعة، وأجلّهم عندك قدراً، وأوجههم عندك جاهاً، اللهم صل على محمد وآل محمد، وشرّف بنيانه، وعظم برهانه، وثقل ميزانه، وتقبل شفاعته وقرب وسيلته، وبيض وجهه وأتم نوره وارفع درجته، وأحينا على سنته وتوفّنا على ملته، وخذ بنا منهاجه، واسلك بنا سبيله، واجعلنا من أهل طاعته، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه، وصل اللهم على محمد وآله صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك إنك ذو رحمة واسعة وفضل كريم، اللهم اجزه بما بلّغ من رسالاتك وأدّى من آياتك، ونصح لعبادتك، وجاهد في سبيلك، أفضل ما جزيت أحداً من ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين المصطفين، والسلام عليه وعلى آله الطاهرين ورحمة الله وبركاته([78]).

 



([1]) صدر لاحقاً كتيب عن هذا الموضوع ضمن سلسلة (نحو مجتمع نظيف).

([2])تهذيب الأحكام: 6 / 176.

([3] ) للمرحوم الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب ولم يكن سماحة الشيخ يستطيع التصريح بالاسماء لأنه يعرّضه لعقوبة النظام الصدامي، وكانت هذه الكتب تدخل الى العراق سراً ثم تستنسخ خفية وتوزّع كذلك.

([4]) تفسير نور الثقلين: 2 / 460.

([5]) وهذه الآية تمثل الإطار العام لهذه المقابلة ا المؤمنين لهم مولى يرعاهم ويتولى تربيتهم وسعادتهم وصلاحهم وهو الله تبارك وتعالى بينما الكفار لا مولى لهم وإنما مولاهم الشيطان الضعيف الذي يفر عند المواجهة ويخذلهم [وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ] (سورة الأنفال: 48).

([6]) الكافي: 5/12 ، باب: وجوه الجهاد.

([7]) وهو: الشيخ جودة سعيد.

([8]) تم إصدار كتيبات ونشرات تغطي كل هذه المحاور المذكورة بفضل الله تبارك وتعالى، وكانت تنتشر بسرعة وبكميات كبيرة مما أدّى الى رعب النظام وارتباكه وسعى بمكره وخدعه لمعرفة من يتولّى الطبع والنشر واعتقل بعضهم.

([9]) أدخل سماحة الشيخ هذه المفردات كلها في برامج الدراسة في جامعة الصدر الدينية التي يشرف عليها.

([10]) بحار الأنوار: 2/49، باب: صفات العلماء وأصنافهم، حديث 8.

([11]) مدينة البلاغة: صفحة 98، عن كتاب الجعفريات.

([12]) الخصال: صفحة 129 باب الثلاثة.

([13]) الاختصاص: 232.

([14]) تقدم مصدره في بداية الكتاب.

([15]) بحار الأنوار: 2/36 حديث 38.

([16]) الميزان في تفسير القرآن: 6 / 84 في تفسير الآية، عن كتاب الدر المنثور.

([17]) الكافي: 2 / 605.

([18]) وسائل الشيعة: كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، باب 11، حديث2.

([19]) و(2) و(3) و(4) و(5) و(6) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة، باب1، الأحاديث 4، 5، 6، 15، 11، 16 بحسب الترتيب.

([20]) المصدر السابق، باب 5، حديث 1.

([21]) المصدر، باب2، حديث3.

([22]) و(4) و (5) المصدر، باب 3، الأحاديث 3، 2، 6 بحسب الترتيب.

([23]) المصدر، نفس الباب، حديث 6.

([24]) المصدر، باب 4، حديث 1.

([25]) المصدر، باب 5، ح3.

([26]) المصدر، حديث2.

([27]) بحار الأنوار: 82/20.

([28]) وسائل الشيعة: كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنائز، باب 57، حديث 5.

([29]) جامع أحاديث الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب زيارة القبور، باب 2 وفيه عشرة أحاديث.

([30]) الكافي: 2/604.

([31]) نهج السعادة: 7 / 223.

([32]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، حديث3.

([33]) وهم هؤلاء الذين يدققون في قواعد التجويد التي وضعوها وغفلوا عن معاني ما يقرأون.

([34]) و (2) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة، باب 8، حديث 3، 1.

(3) المصدر السابق، باب 11، حديث 18.

(4) المصدر السابق، باب 11، حديث 2.

([35]) المصدر، حديث 8.

([36]) المصدر، باب 11، حديث 1.

([37]) المصدر، حديث 10.

([38]) المصدر، باب 17، حديث 2.

([39]) المصدر، باب 12، حديث3.

([40]) المصدر، باب 13، حديث1.

([41]) المصدر، حديث 3.

([42]) المصدر، باب 14، حديث2.

([43]) المصدر، حديث 1.

([44]) المصدر، باب 15، حديث1.

([45]) المصدر، حديث 2.

([46]) المصدر، باب 16، حديث 2.

([47]) المصدر، باب 11، حديث 6.

([48]) المصدر، باب 19، حديث 1.

([49]) المصدر، حديث 2.

([50]) المصدر، حديث 6.

([51]) المصدر، باب 19، حديث 4.

([52]) المصدر، باب 20، حديث1.

([53]) المصدر، باب 21، حديث 1.

([54]) المصدر، باب 27، ح7.

([55]) المصدر، حديث 3.

([56]) المصدر، باب 22، ح1.

([57]) المصدر، حديث 3.

([58]) المصدر، باب 25، حديث1.

([59]) المصدر، باب 23، حديث 2.

([60]) باب 24، حديث 1.

([61]) المصدر، باب 26، حديث 4.

([62]) المصدر، حديث 5.

([63]) المصدر، باب 27، حديث1.

([64]) مما قرأه في شهر رمضان.

([65]) المصدر، باب 28، حديث1.

([66]) المصدر، باب 29، حديث1.

([67]) تفسير الصافي: 1/39 وتقدم الطريق إلى مصادره من طريق العامة.

([68]) المصدر، باب 27، حديث 6.

([69]) الخطبة 158 من الجزء الأول.

([70]) الكافي: 2/624.

([71]) إرشاد القلوب: صفحة 78.

([72]) ثواب الأعمال : 129/ 1، باب ثواب قراءة القرآن.

([73]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن في غير الصلاة، باب 27، ح3.

([74]) عيون أخبار الرضا: صفحة 162.

([75]) الميزان في تفسير القرآن: 1 / 260، عن إرشاد القلوب للديلمي.

([76]) سنن الدارمي:2/435، كتاب فضائل القرآن، ومثله في كتب الخاصة.

([77]) نهج البلاغة: الجزء الأول، الخطبة 110.

([78])الصحيفة السجادية: دعائه (×) عند ختم القرآن.