إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً -الخارجون عن طاعة قادة الإسلام نموذجاً

| |عدد القراءات : 1809
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 [إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً]

                                                  (الإنسان:27)

الخارجون عن طاعة قادة الإسلام نموذجاً([1])

          شهد التشيع انشقاق فرق عديدة في زمان الأئمة (عليهم السلام) وما بعده، ومنهم (الواقفة) الذين لم يذعنوا لإمامة الرضا (عليه السلام) ووقفوا على الإمام الكاظم (عليه السلام) وادعوا أن الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يمت ولم يُقتل وأنه حي لإلغاء إمامة الرضا (عليه السلام) وافتروا أن الإمام الرضا (عليه السلام) يعلم ذلك إلا أنه يخفيه تقية، ورد الإمام (عليه السلام) عليهم بقوله: (فإني لا أتقيكم في أن أقول أني إمام فكيف أتقيكم في أن أدعي أنه حيّ لو كان حياً)، وقاد هذا الانشقاق رموز معروفة من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) .

والدافع المعروف في الروايات هو للاستيلاء على الأموال الضخمة([2]) التي أودعها الإمام الكاظم (عليه السلام) عندهم، قال الشيخ الطوسي عن الواقفة ((فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال))([3]).

          وروى الكليني بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال (مات أبو إبراهيم (عليه السلام) وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم، وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار –الدينار مثقال شرعي من الذهب- وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار)).

          وقد تحدثت في كلمة سابقة عن كيفية مواجهة الإمام (عليه السلام) لهذا الانشقاق([4]) الذي آلم قلب الإمام الرضا (عليه السلام)، واستمرت تداعياته إلى زمن الأئمة اللاحقين (عليهم السلام) واغترّ بهذه العقيدة جملة من كبار حملة الحديث.

          وهذا السبب المعروف في كتب الأصحاب يمكن أن يكون دافعاً للبعض وليس للجميع خصوصاً الرموز الكبار وإنما كانت خيانتهم للمال من باب تحصيل الحاصل ونتيجة لانكار امامة الرضا (عليه السلام) وليست سبباً له .

          والذي فهمته من بعض الروايات أن سبب انشقاقهم شيء آخر لم يؤشَّر بوضوح في كتب الرجال حاصله أن هؤلاء المؤسسين اختطوا لأنفسهم منهجاً فكرياً وعقائدياً اشتهروا به وأصبحوا رموزاً في الوسط الشيعي من خلاله ولم يوافقهم الإمام الرضا (عليه السلام) عليه فاستكبرت أنفسهم عن طاعة الإمام والتخلي عن هذا المنهج ورأوا أن المحافظة على رمزيتهم والجاه الذي حصّلوه من خلال هذا المنهج لا  يتحقق إلا بإنكار إمامة الرضا (عليه السلام) فابتدعوا عقيدة (الواقفة).

          والرواية طويلة رواها في قرب الإسناد وأوردها المجلسي في البحار ومحل الشاهد من الرواية قوله (عليه السلام) (أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال لأبي الحسن عليه السلام عظيم، فاقتطعه في حياة أبي الحسن وكابرني عليه وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن عليه السلام اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به.

          وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأوّل تأويلاً لم يحسنه ولم يؤت علمه، فألقاه إلى الناس فلجّ فيه، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يحسن تأويلها ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبهة عليه، وفر من أمر فوقع فيه)([5]).

          توضيح الحديث: أن علي بن أبي حمزة تأوّل الأحاديث الواردة في أن موسى بن جعفر (عليه السلام) هو القائم وبأنه المهدي الموعود فكذّب خبر استشهاد الإمام (عليه السلام) لكيلا يكذّب نفسه فيما تبنّى من فكرة ويلزم منه كذبه فيما نقل من أخبار السفياني ونحوه عن الأئمة (عليهم السلام) فتسقط أخباره عن الاعتبار وفي الحقيقة فإن أخبار الأئمة (عليهم السلام) صادقة لكنه أخطأ في فهمها حيث قال (عليه السلام): (كلنا قائمون بأمر الله) وليس بالمعنى الذي ذهب إليه.

          وقوله (عليه السلام): (وفرّ من أمر فوقع فيه) إشارة إلى أن إصراره هذا لزم منه تكذيب أحاديث كثيرة أخرى تنفي كون الإمام الكاظم (عليه السلام) هو القائم المهدي.

          ويظهر من الرواية أن الإمام (عليه السلام) صبر طويلاً عليهم وأمهلهم زمناً لعلهم يثوبون إلى رشدهم فلم يصدر منه بيان مفصّل لحقيقتهم وعاقبتهم، قال (عليه السلام) (ولولا ما قال أبو جعفر (عليه السلام) حين يقول لا تعجلوا على شيعتنا إن تزل قدم تثبت أخرى وقال مَن لك بأخيك كله: لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السرّاج وأصحاب ابن أبي حمزة).

          ولما تمادوا في غيّهم وتمرّدهم صرّح الإمام الرضا (عليه السلام) بموقفه فقال في ابن أبي حمزة (أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني! وقال إن أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر؟! فما استبان لكم كذبه؟)([6]).

          وروى يونس بن عبد الرحمن -وهو من أجلاء أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) وعرض عليه الجماعة عشرة آلاف دينار ليكسبوه إلى صفّهم فرفض –قال: (دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال لي: مات علي بن أبي حمزة؟ قلت: نعم، قال: قد دخل النار! قال: ففزعت من ذلك –مما يدل على منزلته لدى الشيعة- قال: أما أنه سُئل عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لا أعرف إماماً بعده، فقيل: لا، فضُرب ضربة اشتعل قبره ناراً).

          وقال (عليه السلام): (إنه لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما توفي أبو الحسن (عليه السلام) –موسى بن جعفر (عليهما السلام) – جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره).

          هذه واحدة من المشاكل التي تواجه قادة الإسلام على مرّ العصور سواء في زمان المعصومين (عليهم السلام) أو نوابهم بالحق، أذكرُ مثالاً قريباً من مرجعية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد كان مهتماً بالتربية الأخلاقية والسلوك الصالح فظهرت فئة تدعي المعرفة والسلوك وهم في الحقيقة طلاب زعامة ورئاسة فشلوا في نيلها بالطرق الطبيعية أي العلم والعمل الصالح فلجأوا إلى هذه الدعاوى وحققوا مكاسب فيها، وأصبحوا واجهات وادعوا أن لهم ارتباطاً خاصاً بالسيد الشهيد (قدس سره) فما كان منه إلا أن يتبرأ منهم علناً وبشكل صريح على منبر الجمعة، لكن البعض أبى أن يذعن ويتوب فانشقوا عن السيد الشهيد (قدس سره) وأصرّوا على المضي في منهجهم.

          ويحكى أن السيد البروجردي (قدس سره) –وكان المرجع العام للشيعة في زمانه توفي عام 1960- منع من التطبير واعتبره ممارسة مبتدعة أدخلت في الشعائر الحسينية، فصارحه جماعة من رؤساء مواكب التطبير إننا نقلدك السنة كلها إلا يوم عاشوراء.

          أما تجربتي الخاصة ففيها الكثير من الشواهد لهؤلاء لأسباب شتى وفي مواقف عديدة ربما سيكتب عنها من عرفها وعايشها، والمهم أن يكون عندنا من الورع والتقوى ما يحجزنا عن معصية الله تعالى من أجل لذة عاجلة بمال أو جاه أو كثرة أتباع أو شهرة أو نحو ذلك من الأمور التي تزول لذّتها المنكّدة ببلاءات الدنيا وتبقى تبعتها وسوء عاقبتها دائماً سرمداً قال تعالى مشفقاً على هؤلاء المخدوعين ومحذراً: [إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً] (الإنسان : 27) ثقيلاً في طول مدته ودوام مقامه وشدة عذابه وعدم التخفيف عن اهله فهم يُعرضون عن تذكّر هذا ويخلفونه وراءهم ولا يجعلونه نصب أعينهم استعجالاً للذة وقتية زائلة، ويعبِّر الامام الحسين (عليه السلام) في دعائه يوم عرفة عن خسارة صفقة هؤلاء (لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً) ومنه قوله (عليه السلام) (ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ)([7]) وهذا طبع الإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى [كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ] (القيامة : 20-21).

 

 

 



([1]) الخطبة الثانية التي ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) لصلاة عيد الأضحى المبارك عام 1437 الموافق 12/9/2016م.

([2] ) أصل هذه الأموال وكيفية تنميتها والهدف منها تحتاج الى بحث مفصل مستقل بأذن الله تعالى

([3]) راجع ترجمته في كتب الرجال ومنها معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره) : 12/234-247.

([4]) خطاب المرحلة: 7/174.

([5]) بحار الأنوار: 49/267-268.  عن قرب الإسناد: ص 348-352، ح1260.

([6]) معجم رجال الحديث : 12/236 عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 4\6.

[7] ) مفاتيح الجنان :340