خطاب المرحلة: (453) بعد عامٍ على سقوط الموصل: لا زالَ الأمل بإعادة إنتاج عراقٍ مزدهرٍ موحّد
بسمه تعالى
بعد عامٍ على سقوط الموصل: لا زالَ الأمل بإعادة إنتاج عراقٍ مزدهرٍ موحّد(1)
عام مضى على سقوط مدينة الموصل بيد قوى التكفير والتحجّر والإرهاب ولا زالت المدينة أسيرة بل سقطت بعدها مدن مهمة اخرى وأراضي شاسعة وهُجِّر الملايين وبِيعتْ النساء ودُمِّرتْ الحضارة وخُرِّبتْ الحياة بكل مظاهرها وقائمة المصائب والكوارث تطول، والى الآن لم تستطع القوى الحاكمة أن تعيد بناء جيش محترف شجاع ولم يتبلور مشروع وطني وحدوي، ولم يترشّح موقف موحّد الاّ الاتفاق على الاختلاف والتشرذم، والله تعالى يقول (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال46) وها هي ريح العراق وقوته وقدرته تتهاوى بيد صبية مغامرين جهلة مُغَرّر بهم تجمعوا من بقاع الأرض، ولم تستطع لجان التحقيق الى الآن معرفة كيفية سقوط الموصل وأسبابه والمسؤول عنه فضلا ًعن كشفه للرأي العام وللتاريخ وكأن الصفقات السياسية تمنع من ذلك كله([2]).
لقد رأينا الكل في الداخل والخارج يتحدث عن رفض الإرهاب ومكافحته، لكن الكل –إلاّ من عصم الله تعالى- يدعم الإرهاب ويمده بالقدرات المادية أو المعنوية بشكل أو بآخر وإن دخل في صراع معه، فقد يختلف معه في هذه الساحة لأنه يضر بمصالحه لكنه يدعمه في ساحة اخرى لأنه يلتقي مع مصالحه. وقد يواجهه اليوم لكنه بالأمس كان يدعمه، وقد يكافحه في حالة معينة لكنه يدعمه في حالة اخرى وهكذا وبالنتيجة فإنهم كلهم ساهموا في تقوية الإرهاب وتوسيع نفوذه وامتداد شبكته العالمية، وما كان للمجاميع الإرهابية أن تبلغ ما بلغته الآن إلاّ نتيجة هذا الدعم العالمي المتنوع، وهذه كلها من حماقة الجميع وقصر نظرهم، فإن الإرهاب لا يمكن اعتباره وسيلة لتحقيق المصالح بأي حال من الأحوال لهمجيته وجهله وتنكره لكل المبادئ الإنسانية والحضارية.
ولم نشهد علامة مضيئة في هذه السنة إلاّ ظاهرة اندفاع الشباب الرساليين المملوئين بالإيمان وحب الوطن والناس جميعاً من دون تفريق بين انتماءاتهم وهي التعبئة التي دعونا اليها منذ اليوم الأول لحصول الكارثة، حيث كانت تضحيات هؤلاء وثباتهم وشجاعتهم السد المنيع الذي حال دون انهيار الدولة وتنفيذ أجندات التقسيم والتخريب.
لقد قلنا آنذاك ونكرر الآن أن الحل العسكري لا يكفي وحده مالم يقترن بإصلاح سياسي يؤدي الى سلمٍ اجتماعيٍ ورفاهٍ اقتصاديٍ، وهذا يتطلب تنازلات عن الاستئثار والاستبداد من البعض والى إنصاف وصبر من البعض الآخر ويتم ذلك من خلال تواصل صريح وشفاف وحكيم بين القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية المؤثرة في مكونات الشعب العراقي.
ولابد أن يُبنى هذا الحوار والتواصل على اسس يتفق عليها الجميع ومنها:
1. الإيمان بوحدة العراق ارضا وشعبا وتساوي جميع الافراد في الحقوق والواجبات على اساس المواطنة والانتماء للعراق.
2. احترام منجزات العملية السياسية التي ضحى الشعب من اجل تحقيقها كالدستور باعتباره مرجعية سياسية والانتخابات كآلية ديمقراطية ومؤسسات الدولة، وان اي مطالبة بالتعديل والتغيير لابد ان يكون ضمن الاليات التي كفلها الدستور لموافقه اغلبية الشعب عليه وليس من المعقول المطالبة بالرجوع الى خط الشروع الصفري لان فيه هدرا لتضحيات الشعب وارادته.
3. رفض الابتزاز السياسي واتخاذ الارهاب وسائر المشاكل وسيلة لتحصيل المزيد من المكاسب التي تتجاوز السقوف العادلة للاستحقاقات ورفض كل الوسائل غير الدستورية.
4. مراعاة ضوابط الوطنية والمهنية والنزاهة والكفاءة في اختيار قيادات البلاد المدنية والعسكرية والسعي لإصلاح بناء الدولة ومؤسساتها على اسس صحيحة ونحو ذلك من المبادئ.
رغم ما نشعر به من احباط ويأس من كثير من الطبقة السياسية الحاكمة الا اننا نمتلك ما يكفي من الامل لاعادة انتاج عراق جديد يسوده الامن والاستقرار ويتوحد اهله على الخير والعطاء والمودة وتظهر عليه ملامح الازدهار والرفاهية وما ذلك على الله تعالى ببعيد، بالرغم مما نعترف به من الصعوبات والعوائق التي يضعها القريب والبعيد من اجل تحقيق مصالحهم الضيقة ومخططاتهم الشيطانية لكن صوت الحق يعلو وللحق دولة وللباطل جولة .
محمداليعقوبي – النجف الاشرف
10/6/2015
22/شعبان/1436
([1]) بيان صدر بمناسبة الذكرى الاولى لسقوط مدينة الموصل واعلان سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) الحاجة لتشكيل جيش عقائدي رديف للقوات المسلحة بالمواصفات التي ذكرها سماحته في بيان (رب ضارة نافعة).
([2]) ولما أنجزت اللجنة هذا التقرير وسجّلت فيه أسماء المتهمين وتهمهم ودفعته الى البرلمان قامت رئاسته بتسليمه الى مجلس القضاء الأعلى وهي مخالفة قانونية لأن القضية عسكرية، فالنظر فيها ليس من اختصاص المحاكم المدنية وبعد ضغوط سياسية وصفقات وتهديدات متبادلة وتدخل جهات دينية وخارجية أُغلق الملف ولم يتحدث عنه أحد.