خطاب المرحلة: (452) الجامعة الدينية المفتوحة: تمهيد للتكامل المعرفي في زمن الظهور
بسمه تعالى
الجامعة الدينية المفتوحة: تمهيد للتكامل المعرفي في زمن الظهور(1)
يشهد عصر الظهور الميمون تكاملاً في المجتمع البشري على جميع الصُعُدْ، فعلى الصعيد الديني رُوي عن الإمام الباقر (×) (ويُظهِر الله عز وجل به دينًه ولو كرِهَ المشركون فلا يبقى في الأرض خرابٌ إلاّ عُمِّر) ([2]).
وعلى الصعيد السياسي تُقام الحكومة الإلهية التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما نطقت به ا لروايات المتواترة ومنها النبوي الشريف (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لطوّلَ الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً و جوراً) ([3]) وغايةُ ما تطمح اليه الإنسانية هو إقامة الحق والعدل وإزالة كل ظلم وجور وعدوان (أين المُعَدّ لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر لإقامة الأمتِ والعوج، أين المرتجى لإزالة الجورِ والعدوان) ([4]).
وبفضل ذلك يبلغ حينئذ الأمن والاستقرار درجته التامّة، ففي الحديث عن الإمام الصادق (×) (اذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في ايامه الجور، وامنت به السبل) ([5]) وورد ايضا عن الامام الباقر (×) (تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا ينهاها أحد) ([6]).
وعلى الصعيد الاقتصادي والمعاشي، روي عن النبي (’) (تنعم امتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته) وقوله (’) (فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا برّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين) ([7])، وعن الإمام الباقر (×) قال (وتُجمع اليه أموال الدنيا ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا الى ما قطعتهم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء، وركبتهم فيه محارم الله عز وجل فيعطى شيئاً لم يُعطَ أحد كان قبله) ([8]).
وأما على صعيد التكامل المعرفي والعلمي فقد روي عن الإمام الباقر (×) قوله (وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (’)) ([9]) ويذكر الحديث الشريف المرأة لأنها الفرد الأضعف والأبعد عادةً عن مصادر العلم والمعرفة والثقافة بسبب القيود الاجتماعية المفروضة، ومع ذلك فإنها تفتي على طبق الكتاب والسنة وتقضي في الخصومات بأحكامهما، فالمرأة في بيتها تبلغ رتبة الإجتهاد في الفقه أو ما يقرب منها، وهذا كاشف عن التكامل العلمي والمعرفي الذي يسود المجتمع.
لكن هذا المستوى السامي لا يحصل للمجتمع في عصر الظهور تلقائياً وبجرة قلم كما يُقال أو بمعجزةٍ (كن فيكون)، وإنما يصل اليه المجتمع بعد إعدادٍ مكثّفٍ وتربيةٍ معمقةٍ طويلةٍ، إذ أن هذه الحكمة والمستوى العالي من العلم لا يُعطى لجاهلٍ غير مؤهل لحمله وهذا يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في الاستعداد والظهور المبارك وتعجيله إذ كلما تقدمنا في هذا الاستعداد أكثر نكون قد قرّبنا اليوم الموعود.
وهذه الحركية وهذا الاندفاع نحو العمل المثمر المبارك هو من ثمرات الإيمان بقضية الإمام المهدي (×) والأمل بظهوره في أي لحظة ولو لم يكن عندنا هذا الأمل وهذه الغاية لما امتلكنا المحفّز للحركة والعمل.
وهذا يفسِّر أيضاً الحملات الظالمة الدؤوبة التي يقودها المستكبرون وأذنابهم لتكذيب قضية الإمام والتشكيك فيها ويُسَخِّرون من نفس المسلمين من يسوّق شبهاتهم وشكوكهم البائسة أو يزرعون نماذج سيئة تدعي الارتباط بالإمام وبقضيته وتحمل عناوين مهدوية وهدفهم سلب هذا الأمل من المحرومين والمستضعفين لتثبيط عزائمهم ودفعهم الى اليأس والاحباط والاستسلام لهيمنة الظالمين والمستكبرين وفقدان الأمل بالتغيير، فتصبح الامة ميتة سريرياً لا إرادة لها ولا حراك فيها ويقودون الناس الى حيث يريدون.
فعلينا أن نحبط هذه المشاريع ونسير بعزم راسخ وحركة دؤوبة لتعجيل الظهور المبارك والتمهيد له في جميع المجالات، ومنها المجال العلمي والثقافي خصوصاً في العلوم والمعارف الدينية، ولا شك أن الحوزات العلمية في النجف الأشرف تقوم بدور مشكور في هذه المجالات بحلقاتها العلمية ومؤلفاتها المباركة ومحاضراتها النافعة وسائر الفعاليات الاخرى.
لكنا وجدنا أن هذا غيرُ كافٍ لتوسيع قاعدة العلوم والمعارف في المجتمع لأن عدد من يأتون لطلب العلم في النجف حوالي واحد من كل عشرة الاف من الناس وهذا نسبته ضئيلةً جداً فتوجهنا الى نشر الحوزات العلمية في المحافظات من خلال فروع جامعة الصدر والمدارس الدينية الاخرى التي التحق بها الالاف، لكن العدد مازال ضئيلا وليس بمستوى الإعداد للتكامل العلمي والمعرفي في عصر الظهور المبارك، لذا نوجّه الان بتأسيس (الجامعة المفتوحة للعلوم الدينية) التي تقدّم خدماتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت وتطبيقات الأجهزة المحمولة، حيث يشرف من خلالها ثلةٌ من الاساتذة الاكفاء على توجيه دراسة الراغبين وتحديد مراحل الدراسة ومناهج كل مرحلة وتزويدهم بالتسجيل الكامل لمحاضرات الاساتذة في شرح وتوضيح هذه المناهج، وإجراء الامتحانات عند إكمال كلّ مفردة مقررة، وهكذا يستطيع التوّاقون للاستعداد للظهور المبارك من الجنسين مواصلة دراستهم بإذن الله تعالى وهم في بيوتهم بفضل الله تعالى.
وهكذا يكون الاستعداد في كل المجالات، لان دولة الإمام رصينة تُقام على أُسسٍ متينةٍ وليس في مهبّ الريح تسقط بأول تهديد، وإذا لم يكن المجتمع مستعداً لاحتضان هذه الدولة وقادراً على العمل بنجاح لإدامتها فإن دعاءه بتعجيل الفرج يكون مجرد لقلقة لسان، وإن الإمام (×) لا يقبل التضحية بدولة الحق والعدل. خذ مثلاً زمان أمير المؤمنين (×) أو زمان الإمام الحسن (×) فإنهما (‘) ترأسا الدولة وأقاما شريعة الله تعالى، لكن المجتمع لم يكن مؤهلاً ولم يكن مستعداً للسير على وفق المنهج الالهي فانفضُّوا عنهما وخذلوهما حتى استشهد أمير المؤمنين (×) وتنازل الإمام الحسن (×) عن حقه في قيادة شؤون الامة.
([1]) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب والطلبة والزوار قبل توجههم مشيا على الاقدام لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) في النصف من شعبان يوم السبت 11 شعبان / 1436 الموافق 30/5/2015.
([2]) بحار الانوار: 25/191
([3]) بحار الانوار: 51/71
([4]) من دعاء الندبة المعروف.
([5]) الارشاد للمفيد: 2/383
([6]) الكافي: 8/313 ح 784
([7]) بحار الانوار: 52/339
([8]) بحار الانوار: 52/351
([9]) بحار الانوار: 52/352