بيان بمناسبة كارثة جسر الأئمة

| |عدد القراءات : 3904
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان بمناسبة كارثة جسر الأئمة([1])

 

 

[وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ] (البقرة: 155-156).

لقد بكت قلوبنا قبل عيوننا ونحن ننظر بذهول إلى أحداث الكارثة التي حلت بالمؤمنين القاصدين لإحياء شعائر الله ومواساة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذكرى شهادة الإمام المسموم المغيب اثنتي عشرة سنة في قعر السجون وظلمات المطامير أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ومما زاد المأساة أن أكثرهم من النساء والشيوخ والأطفال الذين تحترم دمهم كل الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية وإن كنت أنسى فلا أنسى ذلك الطفل الذي قضى نحبه وهو يضم كتاب مفاتيح الجنان إلى صدره وأخفاه تحت ثيابه وكأنه يريد أن يقدم حياته قرباناً لهذا المنهج الإلهي العظيم الذي خطه لنا الأئمة الهداة المهديون.

لقد كانت الفاجعة مهولة بكل المقاييس بعدد الضحايا، بنوعهم، بزمن وكيفيه استشهادهم، بالظروف المحيطة بهم والذي يقرح قلوبنا أكثر انه كان يمكن تجنب المأساة لو أديرت المناسبة بالشكل الصحيح وأدت الجهات المسؤولة واجباتها وأخذت بالنصائح المقدمة لها وأولها تطهير قيادات القوات المسلحة في الجيش والشرطة من العناصر الفاسدة المتواطئة مع الإرهابيين والتي تهيئ المقدمات والخطط لهذه الجرائم، فإلى متى يبقى هذا الاستخفاف بالدم العراقي المسلم الكريم؟ والى متى تبقى هذه اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية؟ والى متى تستمر قوات الاحتلال التي تزج العناصر الفاسدة الصدامية في الجيش والشرطة وتمنع من قيام قوة وطنية قادرة على حماية بلدها وشعبها؟

إن الإرهابيين القتلة أحفاد أولئك الطواغيت الذين حاولوا استئصال أهل بيت النبوة فقتلوا حتى الرضيع وملأوا بهم السجون والمعتقلات وتفننوا في تعذيبهم وقتلهم وشردوهم إلى أقاصي الأرض يريدون بهذه الجرائم أن يعيدوا الزمن إلى الوراء ويعدوا إلى الاستئثار بالسلطة واستعباد الناس  ومصادرة حريتهم وحرمانهم من ممارسة حقوقهم التي انتزعوها عبر جهاد طويل كلفهم دماء زكية غالية للمراجع العظام والعلماء الكرام والمفكرين والشباب الرساليين، يريدون أن تستسلم أمتنا لحياة الهوان والعبودية ولكن هيهات فقد انطلقت الروح المحمدية العلوية الحسينية في أمتنا ولا يستطيع أحد أن يوقف عنفوانها وزخمها وإباءها.

لقد جعلوا من وسائلهم الخبيثة إذكاء للفتنة الطائفية ولكن خابوا وخسروا فقد سجل أبناء الأعظمية الغيارى الشرفاء الذين هم مسلمون قبل أن يكونوا من أهل السنة موقفاً نبيلاً شهماً كريماً حين هبوا لنجدة أخوانهم المحزونين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) والمصابين بهذه الكارثة الجليلة فتوزعوا بين نقل الشهداء والجرحى إلى المستشفيات  وإغاثة المصابين وتقديم الطعام والماء لهم وإيوائهم والتخفيف من معاناتهم ليثبتوا مع إخوانهم الشيعة أصالة الإسلام وعمق تأثيره في قلوب أتباعه وترفعهم عن الأنانية المذهبية والعرقية ووعيهم للعدو الواحد الذي يستهدفهم معاً وهكذا تعلمنا من دماء الشهداء أنها معطاء وغنية بالثمرات فها هم ضحايا هذه الكارثة يقيمون الحجة على هذه الأمة سنة وشيعة مسلمين ومسيحيين عرباً وأكراداً وتركماناً أن: كونوا يداً واحدة وأخلصوا في بناء مستقبل زاهر لكل الأمة وتساموا عن أنانياتكم ومصالحكم وارحموا هذا الشعب الذي لم يعرف الراحة والازدهار و لهذا كان الشهيد شهيداً لأنه شاهد على الأمة بأن هذه المبادئ وإقامة العدل والحرية أغلى من دمه وها هو يقدم روحه شاهداً على ذلك فعلى الأمة أن تعرف حرمة هذه الدماء وكرامتها وتكون وفيه لها وتسعى بكل جهدها لتحقيق المبادئ والمثل التي مضوا عليها.

رحم الله الشهداء وألحقهم بأوليائهم الطاهرين ولنعم دار المتقين وألهم ذويهم الصبر والسلوان وعجل بسعادة وازدهار الأمة وهذا البلد الكريم وأن يصون شرف هذه الأمة وكرامتها وعزتها وحريتها بحرمة هذه الدماء العزيزة التي امتزجت بحب آل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاضت بالوفاء لهم فجزاهم الله عن نبيهم وأهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين خير الجزاء. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

 

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

25 رجب 1426

31/8/2005

 



([1])  في ذكرى استشهاد الإمام السابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يوم 25 رجب اعتاد الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) زيارة مرقده الشريف وحفيده الإمام الجواد (عليه السلام) سيراً على الأقدام من مناطق بغداد كافة وبعض المحافظات، والممر الرئيسي للقاصدين إلى الكاظمية من جهة الرصافة هو جسر الأئمة الذي يربط الأعظمية بالكاظمية، وفي يوم المناسبة من عام 1426 المصادف 31/8/2005 شهد جسر الأئمة تدافعاً شديداً من الزائرين وبسبب سوء الإدارة في تنظيم الحركة فاكتّظ الناس على الجسر وانضغط بعضهم على بعض حتى لم يستطع أحدهم التقاط الهواء للتنفس فقفز الناس لا إرادياً من على الجسر وسقطوا في النهر وقضى كثير آخرون تحت الأرجل فتجاوز عدد الشهداء الألف وكان أكثر من نصفهم من أبناء مدينة الصدر المظلومة، وكانت فجيعة وطنية وإنسانية تفاعل معها الأعداء قبل الأصدقاء وتركت في القلب لوعة وجمرة حرّى.

وقد قيل إن سبب قفز الناس من الجسر سريان إشاعة بوجود إرهابي يريد أن يفجر نفسه وسطهم، وهو كلام لا يصدق يريد أن يتهرب من خلاله منظمو المناسبة من مسؤوليتهم؛ لأن عدة قذائف سقطت على الكاظمية قبل الحادث بساعتين أو أكثر ولم يثنِ ذلك عزم الموالين لأهل بيت النبوة من إتمام مسيرتهم المباركة حتى الصحن الشريف.