حرمة ما يُعرف بـغسيل الاموال

| |عدد القراءات : 4961
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

حرمة ما يُعرف بـغسيل الاموال

سماحة المرجع الديني اية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله الوارف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إني طالب ماجستير في جامعة المصطفى العالمية في قم المقدسة وعندي بحث حول غسيل الاموال  مقارنة بين الفقه والقانون وهو من المسائل المستحدثة  ولقد بحثت كثيرا في الفتاوى والاستفتاءات ولم اجد رأيا فقهيا لعلمائنا حوله ومن المهم جدا طرح رأي فقهاء الشيعة بالمسألة وكذلك ذكر المستند الفقهي للفتوى ضمن البحث  وغسيل الاموال او بعبارة اخرى تبييض الأموال

 

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(غسيل الاموال) عملية تخريبية لاقتصاد البلدان ومفسدة لأخلاق الناس وسالبة لدينهم، وتوفر بيئة مناسبة للانحراف والجريمة وكانت ممارستها في البداية محصورة بيد مافيات الجريمة والعصابات ورؤوس الفساد والتخريب إلا انها تحولّت الى ظاهرة عامة ومدّمرة انحدر اليها الكثير من الساسة والسماسرة ورجال الاعمال وناهبي ثروات الشعوب.

 وقد التفت العالم المتحضر الى خطورة هذه الظاهرة فبادر الى عقد المؤتمرات والندوات على أعلى المستويات للتشاور في كيفية مكافحة هذه الظاهرة ووضع الآليات المناسبة لكشفها وتطويقها، وسنّ القوانين لتجريم المتعاملين بها وتثقيف المجتمعات بخطورتها والعقوبات الصارمة التي توجبها، وإن كانت هذه المؤتمرات لم تحقق شيئاً حتى ما كان منها على مستوى القمة لعدم الجدّية والمصداقية لدى القائمين عليها بل هم الذين يديرونها، ولا زالت هذه الظاهرة الخبيثة تزداد نخراً في الدول والمجتمعات .

أما من الناحية الشرعية، فالظاهر أن ثلاثة عناصر تؤثر في حكم المسألة :

1-    المغسول : أي الأموال التي يراد غسلها فقد يكون مصدرها محرماً كالأموال المكتسبة من عمليات السرقة الخاصة والعامة وتجارة المخدرات وتهريب النفط والدعارة وتهريب البشر والرشوة والاختلاس وتزوير العملة والسمسرة ومكافآت انشطة الجاسوسية والارهاب وفدية الاختطاف.

 وغالباً ما يكون الهدف من غسيل الأموال هو تبييض مثل هذه الأموال وشرعنتها عبر التحويل المالي في البنوك، فاذا كان المال المغسول حراماً حرمت العملية كلها.

2-    الغاسل : أي الشخص او الجهة المستفيدة من غسل الاموال، فقد تكون مما لا يجوز العمل لصالحها كالتنظيمات الارهابية ومافيات الجريمة والحكام المتسلطين على الشعوب بالحديد والنار والخارجين على القانون والمحرضين على العنف وتمزيق المجتمعات بالعنصرية والطائفية وهكذا، فتحرم عملية التحويل المالي وغسيل الاموال إذا كان المستفيد من هؤلاء الذين لا يجوز تقويتهم بالمال، وبغضّ النظر عن العنصر الاول للعملية.

ومثال ذلك بعض الذين يدعّون أنهم جمعيات خيرية فيجمعون الزكاة والصدقات والتبرعات ليرسلوها الى الجماعات الارهابية بدعوى أنهم مجاهدون وأمثال ذلك، فهذه العملية محرمة من جهة الغاسل .

3-    الغسل : أي الجهة أو الجهات التي تقوم بغسل الاموال وتحويلها والتوسط في العملية من بنوك أو سماسرة أو أي مؤسسات مالية أخرى فقد تحرم المعاملة من هذه الجهة لان من يجري عملية التحويل غير شرعي كالشركات الوهمية أو المشبوهة او التي تدعم فساداً أو ارهاباً أو ان القائمين عليها فاسدون.

ومما تقدم يظهر أن الحرمة يمكن ان تكون بأي سبب من هذه الثلاثة فضلاً عن مجموعها، ومضافاً الى ذلك يوجد أكثر من سبب للحرمة، منها :

1-    ان العقلاء والمتخصصين أجمعوا على ان في العملية تخريباً اقتصادياً وغيره، وهذا منكر محرم سميناه وامثاله بالمنكرات الاجتماعية لذا فأنه غير مألوف كالمنكرات الفردية مثل شرب الخمر او الزنا أو نحو ذلك.

2-    إذا استعملت المؤسسات الحكومية – كالبنوك - في العملية، فأنه لا يجوز استعمالها – وجميع الممتلكات العامة – إلا باذن الفقيه الجامع لشروط المرجعية والقيادة، وإلا يصبح التصرف حراماً، وعملية غسل الأموال غير مأذون بها شرعاً.

نعم يمكن استثناء بعض الحالات المذكورة للاضطرار كمن يحتاج الى تحويل مال خاص من أصل شرعي لأجراء عملية جراحية مضطر اليها في بلد آخر ولا تسمح قوانين دولته بتحويل مثل هذا المبلغ، فيحوله على حساب عدة أشخاص او يستفيد من بعض الثغرات القانونية، وهذه العملية قد لا تدخل أصلاً في عنوان غسيل الاموال، ويبرّرها الاضطرار أيضاً بشرط كون أصل المال حلالاً ، قال تعالى( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة-173)، وفي الكلمة المشهورة (عند الضرورات تباح المحذورات).

هذه هي الحالات المتصورة والمعروفة لظاهرة (غسيل الاموال) بالمصطلح الاقتصادي، واستثمر هذه الفرصة لتوعية الأمة وإلفات نظرها لحالات أخرى من الغسيل ليست داخلة في غسيل الأموال بالمصطلح الاقتصادي المعروف لكنها تتضمن معناه وهو مناقلة المال عبر أكثر من واسطة ليؤدي غرضاً خبيثاً من خلال صبغه بوجه قانوني وشرعي.

 ومن تلك العمليات ما يقوم به البعض من التحايل على المرجعية الدينية غير الحاذقة ليستخرجوا منها فتاوى أو مواقف تحقق أهدافهم ولا يستطيعون ذلك بالمباشرة فيدفعون مالاً لأحد الأشخاص الذي يأتي لتقديمها الى المرجعية بعنوان الحقوق الشرعية ونحو ذلك فيحصل على ثقة المرجعية باعتباره متديناً ملتزماً ويقوم هذا بعرض مقترح او طلب أمام المرجعية وهو نفسه الذي أرادته الجهة الدافعة للمال، ويستجيب المرجع لطيبته ويعطي الموقف المطلوب.

او ان جهة تريد أن تفرّق بين المسلمين وتذكي نار الطائفية وإذا فعلت ذلك علناً يفتضح أمرها فتأتي الى شخص ساذج بسيط وتتبرع له بمال او تتظاهر بالتدين وتسلّم له المال ليقيم مجلس عزاء او احتفالاً دينياً حول الموضوع الفلاني الذي فيه اثارة طائفية والتركيز عليه وتطعيمه بالروايات الخرافية وينفذ هذا الساذج وامثاله العمل ويتحقق مراد الجهات الدافعة .

والمثال التاريخي على هذا النمط من غسيل الاموال ما فعله عبيد الله بن زياد لاكتشاف مقر اقامة مسلم بن عقيل في الكوفة فدفع مالاً وفيراً الى مستشاره معقل وأمره ان يتغلغل بين أصحاب مسلم ويكسب ثقتهم ثم يطلب منهم أن يدلوه على مسلم ليسلّم المال، وحركة مسلم كانت بحاجة الى المال ونفذ الملعون هذه الخطة وتظاهر بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) حتى دلّه مسلم بن عوسجة على مسلم وأصطحبه معه وكان الذي كان.

ويحسُن هنا الاشارة الى غسيل من نوع آخر للهوية أو العنوان او الشخصية، ومن أمثلته ما تقوم به بعض الجهات لغسيل الارهابيين السعوديين الذين قاتلوا في العراق وسوريا والذين يريدون العودة الى بلادهم والاستفادة من العفو الملكي في بلدهم فينقلون الى إندونيسيا ثم يعودون من هناك الى السعودية بعد أن يعطوهم صفة مبلغين قضوا واجب الدعوة والارشاد خارج البلاد، وقد نقل لي بعض المسؤولين الإندونيسيين انهم تجاوزوا المئة الى الآن.

وإنما ذكرت هذه الامثلة ليكون المجتمع واعياً للدسائس والمكائد التي تدبَّر له لتفتيته وتمزيق وحدته وإذكاء العداوة والبغضاء والقتال بين الناس حتى تخلو الساحة لأولئك الشياطين لتمرير مشروعهم.

 

 

 

                                                                      محــمـــد اليـعـــقوبي

                                                                    13/صفر/1436

 

                                                                  الموافق 6/12/2014